ترجمة وتحرير نون بوست
كتب دان دو لوسي وبول ماكليري وكولوم لينش
في شهر كانون الثاني/يناير، وضع برنامج الأغذية العالمي خطة لتقديم معدات من شأنها أن تساعد على التخفيف من وطأة الكارثة الإنسانية المتفاقمة في اليمن. وفي هذا الإطار، تم تجهيز أربعة رافعات، تم تمويلها من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ليقع فيما بعد شحنها باتجاه ميناء اليمن. وكان الغرض من وراء ذلك يتمثل في تعويض المعدات التي دمرتها الطائرات السعودية في أغسطس/آب سنة 2015.
بعد مرور ثمانية أشهر، فشل المسؤولون الأمريكيون في إقناع نظرائهم السعوديين بالسماح لهم بنصب الرافعات. ويأتي هذا الرفض السعودي وسط تفشي داء الكوليرا في البلاد الذي وصف بالأسوأ في العصر الحديث. فقد أصيب أكثر من 60 ألف يمني بهذا الوباء بينما يترنح ملايين من المواطنين على حافة المجاعة.
في الواقع، فشلت الحملة الجوية التي تقودها السعودية، والتي امتدت لأكثر من سنتين، وذلك بالاعتماد على القنابل الأمريكية والاستخبارات والطائرات المزودة بالوقود، في سحق التمرد الحوثي. في الوقت ذاته، أدت هذه الحملة إلى مقتل وجرح آلاف المدنيين. وفي الأثناء، كان يُتوقع أن مساعدة واشنطن لدول الخليج العربي في حربهم ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، تعد طريقة غير مكلفة لإظهار الدعم للحلفاء. في المقابل، سرعان ما تحول التدخل المسلح الذي تقوده الرياض إلى ورطة حقيقية خلفت الآلاف من القتلى والجرحى من المدنيين.
عموما، اتضح من خلال جملة من المقابلات مع مسؤولين حكوميين أمريكيين حاليين وسابقين أن الجهود التي تم تكريسها في هذه الحرب أثبتت أن لها مفعولا عكسيا. ففي الواقع، قد تساهم هذه التحركات في تفاقم حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، فضلا عن أن ذلك من شأنه أن يؤثر سلبيا على التحالف الأمريكي السعودي. وفي ظل الأعداد المهولة من القتلى في صفوف المدنيين، ناهيك عن المعاناة الإنسانية، تزايدت وتيرة الانتقادات الموجهة للتحالف الخليجي في أروقة الكونغرس.
في حزيران /يونيو، أخبرت إدارة ترامب الكونغرس أنها ستستأنف بيع الذخائر الموجهة بدقة لصالح الرياض، ملغية بذلك الحظر الذي فرضه الرئيس السابق، باراك أوباما، سنة 2016 على المملكة، وذلك ردا على الضربات الجوية السعودية الطائشة. في المقابل، بادر أعضاء الكونغرس باتخاذ إجراء لمنع أي عملية بيع للأسلحة الأمريكية دون ضمانات سعودية لحقوق الإنسان، إلا أن هذا الإجراء لم يعتمد بشكل فعلي.
الولايات المتحدة الأمريكية اختارت تجاهل أخطاء المملكة العربية السعودية في اليمن، في حين لا يعتبر الأمر سابقة من نوعها.
وتجدر الإشارة إلى أن الشراكة غير المرغوب فيها بين أقوى ديمقراطية وآخر نظام ملكي مطلق في العالم، لطالما شهدت العديد من التناقضات والتوترات. لكن هذه الشراكة لا تزال مستمرة بالاعتماد على مقايضة نفعية، وذلك وفقا لما أكده بروس ريدل، وهو ضابط متقاعد في وكالة الاستخبارات الأمريكية، وقد ألف كتابا جديدا حول التحالف والملوك والرؤساء. وفي هذا الصدد، أقر ريدل بأن هذه الشراكة تتطلب ضمانات أمريكية أمنية للرياض وضمانات من قبل السعودية لتوفير النفط للاقتصاد العالمي.
في هذا السياق، صرح ريدل لصالح مجلة فورن بوليسي أن الولايات المتحدة الأمريكية اختارت تجاهل أخطاء المملكة العربية السعودية في اليمن، في حين لا يعتبر الأمر سابقة من نوعها. وأضاف ريدل أن القضية اليمنية لا تعد مسألة مهمة بالنسبة للإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يولون اهتماما أكبر إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع السعوديين، في حين يقع اليمنيون ضحية ذلك.
إنقاذ عبد ربه منصور هادي
يعود تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن إلى أحداث 9 من أيلول/سبتمبر، حيث سعت واشنطن إلى تعقب مقاتلي القاعدة في المناطق القبلية النائية لأكثر من عقد من الزمن، وذلك قبل أن تشن المملكة العربية السعودية حربها ضد التمرد الحوثي. وفي هذا الإطار، شهدت الحرب الأمريكية على تنظيم القاعدة المزيد من التعقيدات في آذار/مارس سنة 2015، عندما حلقت الطائرات السعودية لأول مرة في السماء اليمنية، مستهدفة المتمردين الشيعة اليمنيين، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر سنة 2014. وفي الأثناء، كانت الحكومة السعودية تخشى أن يسيطر نظام موال لإيران على المنطقة المجاورة لحدودها الجنوبية.
من هذا المنطلق، حشدت الحكومة السعودية مختلف حكومات دول الخليج في محاولة لإعادة عبد ربه منصور هادي إلى منصبه، الذي تولاه على خلفية فوزه خلال الإنتخابات الرئاسية لسنة 2012، علما وأنه كان المرشح الوحيد آنذاك. وعبر دعم السعوديين، كانت واشنطن بصدد المشاركة في حربين في اليمن. الأولى، حرب التحالف بقيادة دول الخليج للقضاء على الحوثيين، والثانية الحرب الأمريكية المتواصلة لمكافحة الإرهاب والتي تستهدف تنظيم القاعدة. وفي منعرج مثير للسخرية، يقاتل الحوثيون بدورهم تنظيم القاعدة.
في الواقع، ساندت إدارة أوباما في الفترة الأولى الجهود السعودية، حيث أنشأت “خلية تخطيط مشتركة” للمساعدة في عملية تنسيق الحملة الجوية التي شملت أيضا طائرات من مصر والمغرب والأردن والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين.
خشي الحلفاء الخليجيون التقارب بين واشنطن وطهران، مما قد يؤدي إلى اختلال محتمل في موازين القوى في المنطقة.
في هذا الصدد، أقر جيرالد فيرشتاين، السفير الأمريكي السابق في اليمن ومسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية في إدارة أوباما، بوجود اتفاق أساسي يلزم المجتمع الدولي بمواصلة دعم الحكومة الشرعية. فضلا عن ذلك، أشار فيرشتاين إلى أن السعوديين أرادوا التدخل في اليمن وقد حظوا بالموافقة من قبل إدارة أوباما. وقبيل ذلك، حثت إدارة أوباما السعوديين على دعم عبد ربه منصور هادي بشراسة، أي أن تعمل على تقوية شوكة هادي ضد الحوثيين.
بالنسبة لإدارة أوباما، فقد بادرت بدعم جهود التحالف في حربها في اليمن، وذلك بغية إصلاح العلاقات المتوترة مع السعوديين الذين عارضوا بشدة الاتفاق النووي مع إيران الذي أبرم في تموز/يوليو سنة 2015. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاتفاق فرض قيودا على برنامج طهران النووي مقابل تخفيف العقوبات الغربية.
في واقع الأمر، خشي الحلفاء الخليجيون التقارب بين واشنطن وطهران، مما قد يؤدي إلى اختلال محتمل في موازين القوى في المنطقة. وقد دفعت هذه المخاوف المسؤولين في واشنطن إلى إظهار استعدادهم لدعم الحملة العسكرية في اليمن، وذلك بهدف طمأنة الدول الصديقة بأن التحالفات القديمة لا تزال على حالها. في المقابل، لم تسر الأمور على النحو الذي توقعه صناع القرار السياسي الأمريكي. ففي الوقت الذي عمد فيه المستشارون الأمريكيون في المملكة العربية السعودية إلى تقديم التوجيهات للمملكة، تواصل ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين، في ظل استهداف السعوديين المتكرر للمناطق السكنية.
إثر ذلك، أصيبت واشنطن بالإحباط على خلفية عجز أو ما يمكن وصفه بعدم رغبة المؤسسة العسكرية السعودية على التحلي بالحكمة فيما يتعلق بتحديد أهدافها في اليمن. وبحلول شهر حزيران/يونيو سنة 2016، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بسحب أغلب مستشاريها من المملكة وإعادتهم إلى مركز العمليات.
تواصل طائرات تموين الوقود الأمريكية تزويد الطائرات السعودية وطائرات دول التحالف التي تشارك في الحرب اليمنية
على ضوء هذه المعطيات، لم يعد الموظفون الأمريكيون مشاركين في تنسيق الغارات الجوية، حسب ما أخبر به مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكي إحدى وكالات الأنباء. من جانبه، صرح مسؤول أمريكي مطلع على العملية لفورين بوليسي أن العمل مع القوات الجوية السعودية “كان يشبه عقد ندوات على مستوى مراكز القيادة”. وأضاف المسؤول الأمريكي قائلا: “لم نكن نتبادل المعلومات الاستخباراتية أو نحاول استهداف بعض الأهداف.. في الواقع لم نكن جزءا من اللعبة تلك”.
في الأثناء، لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تضطلع بدور بارز في خضم الحرب ولكن بطرق أخرى. ففي الحقيقة، ما فتئت الولايات المتحدة الأمريكية توفر المعلومات لحلفائها وذلك لمساعدتهم على تعقب مصادر الصواريخ التي يطلقها الحوثيون باتجاه المملكة العربية السعودية، والتي أدت إلى إجلاء بعض المدن السعودية الحدودية. بالإضافة إلى ذلك، تواصل طائرات تموين الوقود الأمريكية تزويد الطائرات السعودية وطائرات دول التحالف التي تشارك في الحرب اليمنية، علما وأن القيادة المركزية الأمريكية لم تقدم أرقاما دقيقة في هذا الشأن.
منذ انطلاق الحملة، قُتل أكثر من 5.100 مدني وجرح 8.700 شخص آخر في الغارات الجوية والمعارك البرية، وذلك وفقا لبيانات حديثة تابعة للأمم المتحدة. وخلال الشهر الماضي، أقر التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية بأنه شن غارة على مبنى سكني في صنعاء، مما تسبب في مقتل 16 مدنيا. وقد وصف التحالف هذه الغارة بأنه “خطأ فني”.
في تشرين الأول/أكتوبر، اعترف السعوديون أيضا بقصف موكب جنازة في صنعاء مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 155 شخصا وجرح 600 آخرين، إلا أنهم امتنعوا عن تقديم أي تبرير لذلك. وفي الأثناء، قدر تقرير سري صادر عن الأمم المتحدة، حصلت عليه فورين بوليسي، أن التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية مسؤول عن إصابة 683 طفلا منذ سنة 2015، إلى جانب قتل أو جرح الحوثيين لحوالي 414 طفلا آخر.
من جهة أخرى، قال مسؤول سابق ثان في وزارة الدفاع الأمريكية إن وقائع مثل التي ذكرت آنفا أدت إلى تواتر مناقشات وتجاذبات داخلية في صلب البيت الأبيض في ظل إدارة أوباما، التي لم يقع حلها بشكل كامل. وفي تصريح لفائدة فورين بوليسي، أورد هذا المسؤول أن “إدارة أوباما كانت تحت قيادة ثلة من الأشخاص الذين تختلف مواقفهم، ففي حين يريد البعض القيام بالمزيد يرفض أشخاص اتخاذ أي خطوة، في حين يحاول آخرون الحد من حجم المخاطر”. وعلى أرض الواقع، يبدو أن الفئة الثالثة قد أخذت بزمام الأمور.
هددت المملكة المتحدة بوقف بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية، مما دفع الرياض للإعلان عن أنها ستتوقف عن استخدام القنابل العنقودية
في سياق متصل، يحيل مفهوم الحد من حجم المخاطر إلى مد واشنطن المملكة العربية السعودية بالمعلومات الاستخباراتية على أمل التقليص من نسبة الخسائر في صفوف المدنيين. وأفاد المسؤول الأمريكي ذاته، أنه على الرغم من “الإحباط الشديد” الذي أصاب إدارة أوباما، نظرا لكيفية إدارة التحالف للحرب، إلا أن الأمريكيين لا يزالون يؤمنون أن الدعم الأمريكي كان له أثر إيجابي.
وأضاف المسؤول نفسه قائلا: “يصعب دائما إثبات الأمور السلبية، لكنني أعتقد أننا حققنا بعض النجاح في حث السعودية على تكثيف جهودها من أجل الحد من عدد الضحايا في صفوف المدنيين”. وفي الأثناء، اعتبر تجاهل السعوديين الصارخ لتفاقم الخسائر في صفوف المدنيين في اليمن بمثابة اختبار لصبر الإدارة الأمريكية. وعلى الرغم من الدعم المبكر الذي حظي به التحالف من طرف إدارة أوباما، وفي ظل الأسواق المدمرة وانتشار جثث القتلى، اتضح لفريق الأمن القومي أن الحملة “المثالية”، تحظى بفرص ضئيلة للنجاح، وفقا لما أكده مسؤولون سابقون.
من جانبه، أفاد أندرو إكزام، الذي عمل نائبا مساعدا لوزير الدفاع لسياسات الشرق الأوسط في سنة 2015 وسنة 2016، أن “الشعب الأمريكي شعب واقعي، وقلت هذا في العديد من المناسبات للسعوديين. ففي حال أثبتم أن ما تقومون به ستكون له نتائج إيجابية أو ستكون له انعكاسات مرغوب بها على الصعيد السياسي، فسنساندكم دون شك. ولكن في هذه الحالة، نعتقد أنهم غارقون في مستنقع، في حين لا يملكون أدنى فكرة حول كيفية الخروج منه أو كيف سيتمكنون من تحقيق النتائج المرجوة عقب هذه الحرب”.
افتقرت المساعدات اللوجستية والجهود الحربية على الأرض لرؤية شاملة واضحة من قبل واشنطن.
في كانون الأول/ ديسمبر 2016، هددت المملكة المتحدة بوقف بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية، مما دفع الرياض للإعلان عن أنها ستتوقف عن استخدام القنابل العنقودية. وفي الشهر نفسه، أوقف البيت الأبيض عمليات بيع القنابل العنقودية للمملكة العربية السعودية (منذ ذلك الوقت والتقارير تشير إلى أن السعودية تواصل استخدام قنابل عنقودية برازيلية الصنع). من جانبه، أكد العضو السابق في البنتاغون، أن “هناك تحسنا ملحوظا، فلن تتمكن من أن تجعلهم يخضعون لمطالبك خلال بضعة أيام”.
أولوية محدودة
ورث الرئيس دونالد ترامب، الذي كان من أشد المنتقدين لأوباما بسبب دعمه للمملكة العربية السعودية في الماضي، سياسة إدارة سلفه فيما يتعلق باليمن. وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، وبناء على توصيات البنتاغون، أذن دونالد ترامب بتنفيذ غارات كارثية في اليمن، تسببت في مقتل أحد جنود البحرية وجرح ثلاثة آخرين، فضلا عن سقوط طائرة حربية تبلغ تكلفتها 75 مليون دولار، في حين قتل عشرة مدنيين على الأقل في تلك الغارة.
في الأثناء، سارع دونالد ترامب لتبرئة نفسه من هذه العملية، حيث فشل المشرفون عليها في قتل أو إلقاء القبض على قيادات بارزة تابعة لتنظيم القاعدة. وقد أثبت هذا الفشل عدم كفاءة جهاز الاستخبارات. وفي هذا الصدد، أورد ترامب مباشرة بعد الغارة، أن “هذه المهمة انطلقت فعليا قبل أن أتولى مسؤولياتي في البيت الأبيض”.
ظاهريا، يبدو أن إدارة ترامب لم تكثف حضورها العسكري في اليمن، ولكنها عملت على توطيد علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ودعمها في حربها في اليمن. ويتجلى ذلك من خلال عقد ترامب صفقات بيع أسلحة بلغت قيمتها 100 مليار دولار مع الرياض، مما جعل المراقبين يستبعدون إمكانية تأثير نفوذ الإدارة الأمريكية في الحد من تصاعد وتيرة الحرب في اليمن.
في ظل انشغال ترامب وإدارته بالعلاقات المتوترة مع كوريا الشمالية، فضلا عن كيفية التعامل مع الاتفاق النووي الإيراني، لم تكن اليمن من أولويات ترامب خلال الثمانية أشهر الأولى في البيت الأبيض. وبالتالي، باتت السياسة القديمة لأوباما في اليمن فاعلة بصفة تلقائية، وذلك وفقا لما صرحت به مصادر مقربة من البيت الأبيض.
الولايات المتحدة ملتزمة بدعم جهود التحالف في هذه الحرب، وذلك “من خلال مساندة الحكومة الشرعية حتى تدافع عن نفسها ضد الغزو الحوثي”
نظرا للصراع السني الشيعي السائد في المنطقة بين المملكة العربية السعودية وإيران، أصبح اليمن بمثابة جرح نازف بالنسبة للرياض، مما يصب في مصلحة طهران. من جانبه، صرح بروس ريدل، الموظف السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية، الذي يعمل الآن كأحد كبار الباحثين في معهد بروكينغز، أن “المنتصر الأكبر في كل ما يحدث هم الإيرانيون، نظرا لأن السعوديين والإماراتيين ما فتؤوا ينفقون أموالا طائلة، في حين تنفق إيران واحد بالمائة من مجموع تلك الثروة. ففي الواقع، توظف طهران الحرب بغية إنهاك واستنزاف أعدائها”.
في الأثناء، تواصل إدارة ترامب تبني سياسة أوباما في اليمن. وفي هذا السياق، أفاد أحد المسؤولين العسكريين مشددا على ضرورة عدم الكشف عن هويته، فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الجارية الآن في اليمن، أن “الأمريكيين لا يزالون يقدمون الدعم المباشر والمساعدة اللوجستية لصالح القوات الحليفة، على أرض المعركة”. وأضاف المصدر ذاته، قائلا: “نحن لا نتبادل حقيقة المعلومات الاستخباراتية ولكن نقدم لهم النصح ونكون برفقتهم في بعض المهام”.
بالإضافة إلى الدعم الاستشاري، الذي قالت عنه بعض القيادات العسكرية إنه شبيه بالدعم الذي تقدمه القوات الأمريكية للقوات المحلية في العراق وسوريا وأفغانستان، عرّض الجنود المغاوير الأمريكيين أنفسهم للمخاطر في اليمن، وذلك من خلال مشاركتهم المباشرة في المعارك. علاوة على ذلك، نفذت الطائرات من دون طيار الأمريكية والطائرات الحربية أكثر من 90 غارة ضد أهداف تابعة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أي تقريبا أكثر من ضعف عدد الغارات التي نفذت في سنة 2016، والتي بلغ عددها 38 غارة.
خلافا لذلك، افتقرت المساعدات اللوجستية والجهود الحربية على الأرض لرؤية شاملة واضحة من قبل واشنطن. وفي هذا السياق، قال المسؤول العسكري، الذي ذكر آنفا،: “لا نمتلك رؤية شاملة حول سياستنا في اليمن. من وجهة نظر عسكرية، بدأت ملامح الإستراتيجية المتوقعة للمستقبل تبرز تدرجيا، ولكن لا شيء مؤكد حتى الآن”.
الحوثيين رفضوا مخططا للأمم المتحدة يسمح بدخول سلطات محايدة لإدارة ميناء الحديدة، في حين يدعم التحالف الذي تقوده السعودية والحكومة اليمنية هذا المخطط
خلال هذا الأسبوع، عمد بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى ممارسة جملة من الضغوط من أجل تمرير تعديلين اثنين على مشروع قانون الإنفاق الدفاعي، ما من شأنه أن يمنع عمليات بيع الأسلحة للسعودية في المستقبل، وذلك إلى أن تستجيب الرياض وحلفائها لاتفاق جنيف حول الحرب الجوية. وفي هذا الصدد، تشمل إحدى مقترحات السيناتور الجمهوري، تود يونغ من إنديانا، شرطا بارزا يجبر الرياض على رفع الحصار المفروض على الرافعات الأربع التي من المقرر أن تدخل ميناء الحديدة.
في هذا السياق، صرحت كريستين بيكرلي، الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش، أنه لا وجود لدليل ملموس يوحي بوقف الغارات التي تشنها السعودية ضد المستشفيات والعمارات الآهلة بالسكان والمدارس، أو أنها قامت على الأقل بإجراء تحقيقات حول غاراتها التي استهدفت مناطق عن طريق الخطأ. وأردفت بيكرلي، أنه “على الرغم من تواتر الوعود، يواصل التحالف الذي تقوده السعودية تنفيذ غارات عشوائية في اليمن، في حين فشل في إجراء تحقيق في كنف المصداقية، من شأنه أن يدين الغارات التي أدت إلى خرق حقوق الإنسان”.
ومن المثير للاهتمام أن منظمة هيومن رايتس ووتش بصدد الاستعداد لإصدار تقرير، يوم الثلاثاء، تتطرق من خلاله إلى خمسة غارات، نفذت منذ الرسالة التي بعث بها الجبير لتيلرسون، التي وقع ضحيتها 39 مدنيا من بينهم 26 طفلا. من جهتها، تعتقد المنظمة أن هذه الغارات تمثل انتهاكا صارخا لقوانين الحرب. وفي هذا السياق قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي عن البيت الأبيض، إن “إدارة ترامب تتعاطى مع كل التقارير التي تتناول نسبة الخسائر من المدنيين بشكل جدي، في حين تواصل العمل مع التحالف الذي تقوده السعودية من أجل الحد من الخسائر الجانبية في صفوف المدنيين”.
في الإطار ذاته، أفاد المصدر نفسه، أن إدارة ترامب قالت بوضوح، إنه “ينبغي على كل الأطراف المشاركة في الصراع في اليمن أن تسمح بوصول المساعدات الإنسانية للشعب اليمني البائس”. من جانب آخر، أقر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، بأن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم جهود التحالف في هذه الحرب، وذلك “من خلال مساندة الحكومة الشرعية حتى تدافع عن نفسها ضد الغزو الحوثي، فضلا عن الوقوف في صف الرياض ضد الهجمات الصاروخية الحوثية للأراضي السعودية”.
يتلقى السعوديون التوجيهات من قبل وزارة الدفاع الأمريكية. وبالتالي، ستُقوض الجهود التي ترفع شعار حقوق الإنسان في نيويورك
في ظل مواصلتها المراوحة بين العزف على وتر الاهتمام بالمدنيين من جهة ودعم السعودية من جهة أخرى، تصارع إدارة ترامب من أجل تحسين الوضع الإنساني في اليمن. بيد أن الحصار المفروض على الرافعات الممنوعة من دخول ميناء الحديدة، يعد مثالا صارخا على هذا التناقض الأمريكي. وفي هذا الصدد، أورد متحدث باسم وزارة الخارجية، لصالح مجلة فورين بوليسي، أن المسؤولين الأمريكيين كثيرا ما يتحدثون عن انعدام الأمن الغذائي، ومسألة الرافعات في ميناء الحديدة، مع نظرائهم اليمنيين والسعوديين.
في الوقت الذي تمنع فيه السعودية وصول المساعدات الإنسانية، شددت الإدارة الأمريكية على أن الحوثيين يقفون وراء ذلك. وفي هذا السياق، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن “الحوثيين رفضوا مخططا للأمم المتحدة يسمح بدخول سلطات محايدة لإدارة ميناء الحديدة، في حين يدعم التحالف الذي تقوده السعودية والحكومة اليمنية هذا المخطط. كان من المفترض أن تعزز هذه المبادرة الثقة بين جميع الأطراف وتفتح الباب أمام المزيد من المحادثات”.
وتجدر الإشارة إلى أن السعودية منحت الأمم المتحدة تفويضا ضمن بيانها الصادر في 17 من آب/ أغسطس الذي أعربت فيه عن رغبتها في تنصيب رافعات في ميناء الحديدة، على اعتبار ذلك جزءا من مخطط الوساطة الذي وضعته الهيئة الدولية، بهدف زيادة عدد الشحنات التجارية والإنسانية القادمة لليمن عبر موانئ البحر الأحمر. ولكن الجانب السعودي أعلم الولايات المتحدة والأمم المتحدة أنه لا يمكنهم مواصلة تنفيذ هذا المخطط حتى يوافق الحوثيون على مقترح الأمم المتحدة حول الموانئ.
خلال الشهر الماضي، تبادرت أبرز المحاولات لحل هذه الأزمة، حيث التقت نيكي هالي، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة والمسؤول السامي في الأمم المتحدة الممثلين السعوديين في إطار المساعي لإيجاد حل. في المقابل، وحسب أحد المسؤولين الأمريكيين ومصدرين آخرين، فقد رفض الجانب السعودي، الممثل في شخص عبد الله المعلمي، مندوب المملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة، وفي رئيس صندوق الإغاثة الذي تديره الرياض، نصب الرافعات في ميناء الحديدة حتى يعقد اتفاق سلام نهائي.
من جانبها، لم تحاول الولايات الأمريكية المتحدة بأي شكل ممارسة أي تأثير سياسي وإجبار السعودية على الموافقة على هذا المخطط من دون شروط. وفي هذا السياق، قال المسؤول الأمريكي: “من يهتم بما قالته هالي في نيويورك عندما رفض البيت الأبيض دعمها. ففي الواقع، يتلقى السعوديون التوجيهات من قبل وزارة الدفاع الأمريكية. وبالتالي، ستُقوض الجهود التي ترفع شعار حقوق الإنسان في نيويورك”.
المصدر: فورين بوليسي