تجدد الجدل في الجزائر في الفترة الأخيرة بشأن صحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وقدرته على مواصلة حكم بلد المليون شهيد، أمام تواصل غيابه عن المشهد السياسي، حتى إن البعض طالب بضرورة تطبيق المادة 102 من دستور البلاد وإعلان شغور منصب الرئاسة والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة.
غياب الرئيس
مساء الإثنين الماضي، غادر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الجزائر، مختتمًا زيارة سريعة لم تدم سوى يوم واحد بدلاً من اليومين التي أعلنتهما الجزائر سابقًا، دون أن يلتقي رئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة، كما جرت العادة في السابق.
رئيس الكونغو الديمقراطية دونيس ساسو أنغيسو، أول وآخر رئيس أجنبي استقبله بوتفليقة منذ بداية العام الحاليّ
زيارة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو للجزائر رسخت حسب عديد من المراقبين حقيقة “غياب بوتفليقة” عن المشهد الجزائري، إذ إنها أكدت عدم قدرة الرئيس على القيام بمهامه الرئاسية، ومنذ فترة طويلة تجنبت الرئاسة الجزائرية برمجة زيارات رؤساء أجانب لتفادي أي إحراج يخص الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة لدى استقباله نظرائه، مثلما حدث ذلك مع إلغاء زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في 20 من شهر فبراير/شباط الماضي بسبب التهاب حاد في الشعب الهوائية وبشكل مفاجئ تعرض له رئيس الجمهورية، بحسب بيان الديوان الرئاسي.
وكان رئيس الكونغو الديمقراطية دونيس ساسو أنغيسو، الذي زار الجزائر في 28 من مارس/آذار الماضي، أول وآخر رئيس أجنبي استقبله بوتفليقة منذ بداية العام الحاليّ، واللافت أن كل استقبالات الرئيس، على قلتها، تتم بالصورة فقط ومن دون أن يسمع له صوت.
مرض بوتفليقة
ويتابع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (80 عامًا) ملفه الصحي في باريس، حيث يتردد بين الفينة والأخرى على مستشفى “فال دو غراس”، لإجراء فحوصاته الطبية، وأحيانًا عند اشتداد المرض، يُنقل إلى مؤسسة “زانفاليد الوطنية” المتخصصة في الاهتمام بالحالات الصعبة.
وأصيب بوتفليقة سنة 2005 بقرحة معدية استدعت عملية جراحية في مستشفى فال دوغراس، قبل أن يصاب في 2013 بجلطة دماغية أثرت على بعض وظائفه وأقعدته على الكرسي المتنقل، وغيبته عن مخاطبة شعبه وممارسة مهامه أمام كاميرات الإعلام إلا في الضرورة القصوى، ولا تشاهده الجماهير عادة إلا في مقاطع فيديو قصيرة يبثها التليفزيون الرسمي خلال استقباله مسؤولين أجانب يزورون البلاد في مقره الرئاسي.
تراجع الظهور العلني لبوتفليقة
ويسافر بوتفليقة دوريًا إلى مستشفيات فرنسية، خاصة مجمع غرونوبل الصحي لمتابعة فحوصاته الطبية، حتى إن طبيبه المباشر جاك مونسيغو المتخصص في القلب والذي كان يعمل سابقًا بالمستشفى العسكري في فال دو غراس بباريس بات يعمل في مجمع غرونوبل الذي أقام به بوتفليقة ويرجح أن يكون بوتفليقة لفترة قصيرة في نوفمبر 2014 وكذلك في ديسمبر 2015.
ومنذ إصابته بالجلطة دماغية سنة 2013، خفض بوتفليقة الذي وصل إلى الحكم عام 1999، وانتخب لولاية رابعة من خمس سنوات في 17 من أبريل 2014 بنسبة أصوات فاقت 82%، كثيرًا من نشاطه العام، وهو ما دفع المعارضة الجزائرية للتشكيك في قدرته على حكم البلد وتسبب في استمرار التكهنات بشأن صحته، حتى إن بعض معارضي بوتفليقة دعوا لإجراء انتخابات مبكرة لسوء حالته الصحية.
المادة 102 وشغور المنصب
هذه الزيارة، وقبلها إقالة رئيس الوزراء عبد المجيد تبون بعد تعيينه قبل ثلاثة أشهر فقط، في محاولة من “جهة ما” لاستغلال “ضعف” رئيس الدولة، كانت سببًا لعودة الجدل بشأن “الشغور” في السلطة، حيث تصاعدت الأصوات المنادية بضرورة تفعيل المادة الـ102 من الدستور التي تنص صراحة على: “إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهماته بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبًا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع”.
كما تطالب المعارضة بضرورة إنهاء ما يعتبرونه حالة “انهيار الدولة”، وتلاعب محيط الرئيس بوتفليقة بمؤسسات الدولة وتداخل العلاقات الوظيفية وهيمنة رجال المال والنفوذ وتغولهم، في أعقاب التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الجزائر في الفترة الأخيرة، خاصة عقب إقالة رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون وثلاثة من الوزراء، وتعويضه برئيس الديوان الرئاسي أحمد أويحيى.
حمل وزير التجارة سابقًا نور الدين بوكروح، قادة بارزين في الجيش، مسؤولية حالة شغور منصب الرئيس
في هذا الشأن دعا مؤسس حزب التجديد الجزائري نور الدين بوكروح والمرشح السابق لمنصب رئيس الجمهورية، إلى تطبيق هذه المادة الدستورية، وبرر دعوته بمواصلة الرئيس الغياب عن ممارسة النشاط السياسي وذلك جراء مرضه الذي ألم به منذ عدة سنوات. من جهته، يرى حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أن تطبيق المادة 102 أمر ضروري، وأنه سبق أن طالب بذلك سنة 2012، بأن اعتبر أن العزل أمر ضروري بسبب المانع الصحي للرئيس، وذلك لتفادي تفاقم الأزمة الدستورية والسياسية التي تعصف بالبلاد، والتي نعيشها اليوم بكل تفاصيلها، يقول بلعباس.
وحمل وزير التجارة سابقًا، الرجل السياسي المعروف نور الدين بوكروح، في منشور له على صفحته الخاصة في فيسبوك قادة بارزين في الجيش، مسؤولية حالة شغور منصب الرئيس، بذريعة أن الرئيس الذي وضعوه في الحكم عام 1999، يرفض التنحي رغم عجزه، واشتغل بوكروح مع بوتفليقة في الحكومة لمدة خمس سنوات، وكان أحد الكتبة البارزين لخطاباته.
الموالاة تستميت في الدفاع
في مقابل ذلك، ترفض أحزاب الموالاة الخوض في النقاش بخصوص المادة 102، وتهاجم الداعين لتفعيلها، مؤكدين أنهم يحاولون ضرب الاستقرار والتشكيك في خيار الشعب، ويشددون أيضًا على أن الرئيس يمارس مهامه بشكل عادي، بدليل أنه ترأس مجلسًا للوزراء قبل بضعة أيام، من جهته، حذر رئيس المجلس الشعبي الوطني سعيد بوحجة من أن إقالة الرئيس ستكون “قفزة نحو المجهول“، كما شدد رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صلاح على أن “الرئيس بصحة جيدة ويؤدي مهامه الدستورية بشكل عادي“.
جمال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني
في حين قال جمال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني – حزب الرئيس -: “بوتفليقة يستمد قوته من الشعب وليس من الصالونات”، أما رئيس حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم فطالب من جهته السياسيين بعدم الاهتمام لوضع الرئيس لأنه بصحة عادية. وبداية هذا الشهر، ظهر بوتفليقة المتواري عن الأنظار منذ مطلع العام، لعشرات الثواني على التليفزيون الرسمي خلال جلسة لمجلس الوزراء، وبدا جامد الوجه وهو يقلب ببطء ملفًا بحضور أعضاء الحكومة الجديدة، ثم وهو جالس بين الوزراء الواقفين لالتقاط الصورة الجماعية التقليدية.
الجيش يرد
دعوات المعارضة إلى تطبيق المادة 102 وإجراء انتخابات مبكرة، قابلتها قيادة الجيش بالرفض، حيث جاء في افتتاحية المجلة الرسمية الناطقة باسم الجيش الجزائري: “الكل يطالب، سرًا أو جهارًا أو ضمنيًا بالانقلابات العسكرية، نذكر، بأن جيشنا سيظل جيشًا جمهوريًا ملتزمًا بالدفاع عن السيادة الوطنية وحرمة التراب الوطني، حافظًا للاستقلال، جيشًا لا يحيد أبدًا عن القيام بمهامه الدستورية مهما كانت الظروف والأحوال”.
قائد أركان الجيش الجزائري أعلن أن الجيش لن يتدخل ولن يلعب أي دور سياسي
وتمسك الجيش الجزائري بدوره الدستوري، وانتقد ما وصفها بـ”الأقلام المأجورة” التي تستفزه عبر الكتابات، وتضمنت الافتتاحية الرسمية أن “إنجازات الجيش دفعت بعض الأقلام المأجورة إلى تنصيب نفسها مدافعًا عن حرية الشعب وهي التي وصفته بالأمس القريب بكل النعوت والأوصاف، وهي أقلام مأجورة خاضت في كل المواضيع والاختصاصات، من الشريعة إلى التاريخ مرورًا بعلم الفلك والسياسة والاقتصاد وغيرها من المعارف والعلوم”.
وعبرت افتتاحية الجيش عن يقينها بعدم انسياق الشعب الجزائري لصالح هؤلاء، وأكدت أن “المواطن الجزائري ليس ذلك البليد أو المعاق ولا يحتاج إلى وصي تلجمه المناصب والمسؤوليات ولم يبع نفسه للشيطان ويؤجر قلمه لكل آثم حقود”، وكان قائد أركان الجيش الجزائري فريق أحمد قايد صالح قد أعلن قبل ثلاثة أسابيع خلال تفقده لقوات الجيش شرقي البلاد، أن الجيش لن يتدخل ولن يلعب أي دور سياسي، الجيش لا يحيد أبدًا عن القيام بمهامه الدستورية مهما كانت الظروف والأحوال، وسيلتزم حدود مهامه الرئيسية.