حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات السعودية والتي طالت العديد من الأكاديميين والدعاة المعروفين وأفرادًا من العائلة الحاكمة، حيث بلغ عدد المعتقلين الإجمالي ما لا يقل عن 40 شخصًا منذ الأسبوع الماضي بحسب الصحيفة الأمريكية “وول ستريت جورنال”، ادعت السلطات السعودية أنها تقوم بالتعامل مع تهديد أمنها الداخلي، في حين أن مصادر أجنبية أشارت أن حملة القمع تلك استهدفت أشخاصًا يشتبه في تدبيرهم مخطط للإطاحة بالنظام القائم.
ورغم تنديد المنظمات الحقوقية بحملة الاعتقالات في السعودية ودعوتها للكشف عن مصير المعتقلين، فإن السلطات لم تكترث بتلك التنديدات، ووجهت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية انتقاداتها لولي العهد الأمير محمد بن سلمان على خلفية محاربة حرية التعبير في البلاد.
ماذا يجري في السعودية؟
لم تعش السعودية أيامًا ثقيلة كالأسبوع الماضي الذي مر عليها، إذ لم يُعتقل هذا العدد الكبير من الأشخاص البارزين والمعروفين في السعودية خلال أسبوع واحد فقط في السابق، ولم يحصل سابقًا أن شددت السلطات السعودية مراقبتها لما تنشره الشخصيات المعروفة والتي تحظى بمتابعة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، كما حصل في الأيام الفائتة.
منظمة العفو الدولية ذكرت على لسان مدير الحملات بالشرق الأوسط في المنظمة سماح حديد، “لقد بات واضحًا أن القيادة الجديدة بزعامة ولي العهد محمد بن سلمان، تبعث رسالة شديدة اللهجة: لن يتم التسامح مع حرية التعبير،” وأضاف سماح “لا نستطيع في الأعوام الأخيرة أن نستحضر أسبوعًا واحدًا تم فيه استهداف هذا العدد الكبير من الشخصيات السعودية البارزة خلال مدة زمنية وجيزة جدًا”.
إذ جرى خلال الأسبوع الماضي فقط احتجاز 16 شخصًا، من بينهم رجال دين إسلاميون بارزون وأكاديميون وشاعر وباحث اقتصادي وصحافي ورئيس منظمة شبابية وامرأتان على الأقل، وأمير وهو ابن ملك سابق، في إشارة إلى سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري وعصام الزامل والأمير فهد بن عبدالعزيز وآخرين، واتهمت الحكومة السعودية سلمان العودة و8 آخرين بالتجسس لصالح جهات أجنبية، في إشارة إلى قطر التي تقف السلطات السعودية على خلاف معها.
في حال أعلن الملك تنازله عن العرش لابنه، فيكون ابن سلمان بهذا قد دشن حكمه ببداية مأساوية، أراد بها زرع الرعب في قلب المواطنين كي يتمكن من الحكم وتقليم أجنحة أي معارضة افتراضية
إلى ذلك فقد أشارت العديد من التقارير أن السعودية شهدت تشديدًا أمنيًا عالي المستوى خلال الأيام الماضية، على خلفية الدعوة للخروج في مظاهرات أول أمس الجمعة للتنديد بأفعال الحكومة والاعتقالات التي تقوم بها لتكميم الأفواه.
من جانبه أشار الكاتب السعودي المعروف جمال خاشقجي، الذي يقيم حاليًا في الولايات المتحدة ويخشى أن يتم اعتقاله في حال عاد إلى بلاده، أن القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع الشخصيات السعودية التي تعرضت للاعتقال والملاحقة من قبل أجهزة الأمن السعودية أنهم لم ينضموا إلى حملة التحريض الرسمية ضد دولة قطر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حسب ما صرح لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أول أمس الجمعة.
يُشار أن خاشقجي تعرض للمنع من الكتابة في صحيفة الحياة السعودية قبل أيام، بعد آرائه المخالفة لتوجهات السلطات السعودية والتي جاءت مؤيدة لحركة الإخوان المسلمين، الجماعة التي تحاربها السلطات السعودية ودعمت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضدها.
وأضاف خاشقجي في معرض تفنيده لما جاء في رواية السلطات السعودية في حملة الاعتقالات “أي من المعتقلين لم يدع إلى إسقاط الحكومة السعودية أو القيام بأعمال متطرفة”، وأضاف لصحيفة “نيويورك تايمز” أنهم الصامتون الذين رفضوا الانصياع وراء ركب الحملة الحكومية ضد قطر، وقال أيضًا “لم تكن هناك أي مؤامرة، لم يكن هناك أي مبرر للاعتقالات، فجميع المستهدفين لا ينتمون إلى منظمة سياسية أو تيار معين، بل يعبرون عن وجهات نظر مختلفة”.
حملة الاعتقالات التي قامت بها السلطات السعودية يسبقها حدث على وزن كبير سيحصل خلال الأيام المقبلة، وهو التمهيد لتنازل الملك سلمان بن عبد العزيز العرش لابنه محمد
تكميم الأفواه واعتقال كل من يخالف نهج الحكومة وسياساتها في الداخل والخارج، تؤكدها أيضًا اعتقال الكاتب والمحلل الاقتصادي البارز عصام الزامل الذي وضعته مجلة “فوربس” بأنه أكثر الشخصيات السعودية تأثيرًا، بينما وضعته السلطات السعودية في السجن، لأنه انتقد رؤية 2030 بشكل علمي، وحذر من مغبة تخصيص شركة أرامكو عملاق النفط السعودي، وأشار البعض أن اعتقال الزامل إشارة من السلطات السعودية أنه لا مجال للتهاون مع أي مخالفة بما يخص معارضة السياسات الاقتصادية.
واُعتقل الداعية سلمان العودة على خلفية تغريدة غرد بها على حسابه الشخصي في تويتر بعد الاتصال الهاتفي الذي جرى بين ولي العهد ابن سلمان وأمير قطر تميم بتنسيق أمريكي، وكان هذا الاتصال أول خرق في الأزمة الخليجية المندلعة منذ أكثر من 3 أشهر، وقد فهمت السعودية من تغريدة سلمان العودة أنها فرحة بما ظنه تصالحًا خليجيًا، وبعد نشر خالد بن فهد العودة خبر اعتقال شقيقه سلمان العودة، تم اعتقاله أيضًا على خلفية نشره تغريدة تفيد أن اعتقال العودة قد يدوم قليلًا أو كثيرًا ثم ستتضح الحقيقة ويخرج (سلمان العودة) مرفوع الرأس، فما موقف الذين سارعوا بإدانته وتجريمه وتحميله ما لا يحتمل“.
كما اضطر كل من الداعيتين البارزين عائض القرني ومحمد العريفي على ما يبدو إلى التغريد بما تريده الحكومة السعودية، والوقوف ضد دعوات الخروج في حراك 15 من سبتمبر/أيلول الحالي والدعوة إلى نبذ الفتنة، مراقبون ذكروا أن الصمت في السعودية صار تهمة، وأن تكون شخصية بارزة هناك فيجب عليك لا أن تكون حذرًا فيما تقوله فقط، بل فيما لا تقوله أيضًا.
جميع ما سلف ذكره يشير أن السعودية جعلت من الأزمة الخليجية وقطر فزاعة لاعتقال كل من يخالف سياستها تجهيزًا لما هو أكبر وقد يظهر خلال الأيام القادمة.
انتقال العرش إلى ابن سلمان
صحف أمريكية مثل “نيويورك تايمز” و”وول ستريت جورنال” أكدت أن حملة الاعتقالات تلك يعقبها حدث على وزن كبير سيحصل خلال الأيام المقبلة، وهو التمهيد لتنازل الملك سلمان بن عبد العزيز عن العرش لابنه محمد، وأشارت بعض الصحف عن مصادر في القصر الملكي السعودي أن تنازل الملك لابنه سيكون خلال شهر سبتمبر/أيلول الحالي، فقد يخرج الملك سلمان في أي وقت خلال الأيام المقبلة ويحصل سيناريو توقعه الكثيرون خلال الشهور والأيام الماضية.
وفي حال حصل هذا بالفعل وتم لابن سلمان الأمر، فيكون بهذا قد دشن حكمه ببداية مأساوية، أراد بها زرع الرعب في قلب المواطنين كي يتمكن من الحكم، وتقليم أجنحة أي معارضة افتراضية، إذ بدا أن الأسرة الحاكمة غير متفقة على صعود ابن سلمان على سلم السلطة وتوليه مناصب قيادية كبيرة، إضافة إلى القرارات التي اتخذها مثل شن الحرب على اليمن ولم تحقق أي من أهدافها حتى الآن، وظهر أن الحكومة السعودية تورطت في المستنقع اليمني.
الكاتب والمحلل الاقتصادي البارز عصام الزامل الذي وضعته مجلة فوربس بأنه أكثر الشخصيات السعودية تأثيرًا، وضعته السلطات السعودية في السجن لأنه انتقد رؤية 2030 بشكل علمي، وحذر من مغبة تخصيص شركة أرامكو.
ومن ثم رؤية 2030 التي شملت بيع أصول سعودية، كانت تعد خطًا أحمر فيما سبق، ومن بينها شركة أرامكو السعودية، وأشارت تقارير أن الحكومة تعمد إلى تغيير في الرؤية بعد تبين فشلها على أكثر من صعيد وأنها جاءت طموحة جدًا، وأخيرًا ما حصل عند توليه ولايه العهد من ابن عمه محمد بن نايف، والأخبار التي تواردت عن كونه في الإقامة الجبرية.
جميع تلك الأمور أثارت حنق أمراء في الأسرة الحاكمة، وشكلت جناحًا معارضًا لسياسات ابن سلمان، وأرضية خصبة لظهور دعوات للخروج ضده وضد سياساته، وهو ما استشعره ابن سلمان مبكرًا فاعتمد على اعتقال وتكميم الأفواه لأي شخص يقف ضد توجهاته، ومع هذه السياسة لا يبدو أن ابن سلمان سيسلم من الانقسامات الحادة في المجتمع السعودي ومن ارتدادات سياسته على المجتمع بأطيافه كافة، وستكون مواقع التواصل الاجتماعي ساحة خصبة لهذه الارتدادات.