اختتم يهود المغرب الأحد في مدينة الصويرة جنوب المملكة، هيلولة موسم “رابي حايم بينتو”، الذي يعتبر من أكبر المواسم الدينية التي يشد إليها اليهود المغاربة الرحال من العديد من البلدان ومنها “إسرائيل”، فماذا تعرف عن يهود المغرب ومناسباتهم الدينية في المملكة المغربية؟
أثر قديم
يتسم الوجود اليهودي في المغرب بالقدم، وترجح عدد من الدراسات أن قدومهم جاء في أعقاب خراب الهيكل الأول في عام 586 قبل الميلاد، وتوالت بعد ذلك الهجرات، وكانت أقواها ما حصل بعد ظهور علامات النفي والترحيل والطرد لليهود والمسلمين من الأندلس في 1492 والبرتغال في 1497، وتقول تقديرات إن الجالية اليهودية في المغرب في ذلك الوقت تجاوزت 100 ألف، فيما أتى نحو 25 إلى 30 ألفًا من إسبانيا والبرتغال، ولا يزال كثير من هؤلاء يحملون أسماء أسرية لمدن إسبانية تعود أصولهم إليها.
يتوزع اليهود بين أكبر المدن التاريخية المغربية، كمراكش والصويرة بالإضافة إلى مراكش
وعند قدومهم للمغرب احترف اليهود كل ركائز الحياة الاقتصادية من رعي وصناعة، علاوة على التجارة التي حققوا منها ثروات طائلة، خاصة تجارة الرفاهيات والرقيق، ولم يكن الاستقرار اليهودي مسألة عابرة بل إن ملاحقة القوى الأجنبية لهم جعلتهم يعددون مواطن استقرارهم واختلطوا مع القبائل الأمازيغية بالمغرب في الجبال حتى تهود أفراد من بعض القبائل.
اتسمت الهوية اليهودية المغربية بتدينها وتشددها في الالتزام الحرفي بالدين اليهودي ومعتقدات التوراة والتلمود، وقد أصدر صامويل “يوسف بنعيم” في 1980 دراسة مفصلة عن مراسم ما يزيد على 50 هيلولة (احتفال ديني يهودي مغربي) مرتبطة بمواسم الأولياء اليهود في المغرب، التي تبرز حالة السعي اليهودي في المغرب للتماهي مع القديسين وتجديد هذا السعي سنويًا.
طقوس دينية قديمة
ويتوزع اليهود بين أكبر المدن التاريخية المغربية، كمراكش والصويرة، كما عمّروا العديد من المدن الصغرى مثل صفرو (ضواحي فاس) ودمنات (شرق مراكش) ووزان وتنغير (قرب الراشيدية)، وكانوا يتجمعون في أحياء سكنية خاصة يطلق عليها اسم الملاح، وتشير المراجع إلى أن اليهود في مدينة الصويرة شكلوا في وقت من الأوقات أكثر من نصف سكان المدينة في سابقة فريدة من نوعها، حيث كانوا موزعين بين الملاح القديم والملاح الجديد.
بعد نكبة فلسطين سنة 1948 وقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي وانتهاء عهد الحماية الفرنسية والإسبانية في المغرب عام 1956 ووقوع نكسة 1967 هاجر الكثير من يهود المغرب إلى “إسرائيل”، فيما فضل بعضهم الاستقرار في فرنسا، وهاجرت فئة إلى كندا وأخرى أقل إلى إسبانيا، وهو ما جعل عدد الباقين منهم يتراجع إلى نحو 20 ألف نسمة بداية ثمانينيات القرن الـ20، وهم اليوم أقل من 6 آلاف نسمة (المقيمين بشكل دائم)، ومع ذلك فإن يهود المغرب ما زالوا يشكلون أكبر تجمع يهودي في البلدان العربية.
مواسم دينية
لليهود مزارات ومدافن مقدسة ومعابد في عدد من القرى والمدن من تنفو في ضواحي زاكورة (جنوب شرقي المغرب) إلى أوريكة (جنوب مراكش) إلى وجان (ضواحي أغادير)، والصويرة التي احتضنت على مدى 4 أيام خلال الأسبوع الماضي مئات الأشخاص الذين ينتمون إلى الطائفة اليهودية، أتوا من مختلف مناطق العالم للاحتفال بموسم “هيلولة رابي حايم بينتو”، وهي من الطقوس الدينية للاحتفال بالحاخام حاييم بينتو.
“الهيلولة” هي تحريف عامي لإحدى اللازمات كثيرة الورود في مزامير داوود
يشكل هذا الموسم السنوي المهم فرصة للطائفة اليهودية المغربية لتجديد التأكيد على ارتباطها الوثيق بأرض الوطن وبالعرش العلوي المجيد، وترسيخه لدى الأجيال المقبلة، حسب قول الحاخام رابين بينتو، الذي أكد أن المغرب وطن الطائفة اليهودية المغربية مما يتطلب الاستمرار في الوفاء له والدفاع عنه.
ويعتبر الحاخام ربي حاييم بينتو أحد مشاهير الحاخامات اليهود السفرديم في مدينة الصويرة المغربية، وُلد سنة 1748 بالصويرة وتوفي سنة 1845، شيد معبد بحاضرة موكادور أمضى بداخله معظم وقته في التعبد وتعليم التوراة قبل وفاته، ودفن بمقبرة تحمل اسمه.
و”الهيلولة” تحريف عامي لإحدى اللازمات كثيرة الورود في مزامير داوود، وهي “هاليلو يا” (הללו יי) ومعناها “سبحوا لله”، إذ إن مُجمل اليهود المغاربة، مثل مواطنيهم المسلمين، كانوا أميين يرددون تعبيرات عبرانية في بعض المناسبات دون أن يفقهوا معانيها، فيحرفوا لفظها أحيانًا كما يفعل الأميون من المسلمين بتعابير العربية الفصحى.
إشعال الشموع طلبًا للبركة
وإضافة إلى موسم “رابي حايم بينتو”، يحج اليهود المغاربة إلى مواسم دينية أخرى، كموسم ضريح “أولاد بن زميرو” في آسفي، وموسم “دافيد بن باروخ” الواقع في مدنية تارودانت جنوب المغرب، والذي يجتمع فيه اليهود منذ أكثر من قرنين من الزمن، وموسم “رابي عمران بن ديوان” في مدنية وزان شمال المملكة، وهيلولة إسحاق بن الوليد (مدينة تطوان) الذي يلقب بـ”العادل” ومن أبرز الحاخامات المبجلين من اليهود الأسفارديم، ولد سنة 1796 وقضى حياته في تلقين تعاليم التوراة لتلامذته، يوجد ضريحه بحي القدس “الملاح” وتقام “الهيلولة” السنوية بداخل معبده.
ويعتبر عدد من اليهود المغاربة، الذين يقصدون هذه الأماكن المقدسة، موسم هيلولة فرصة لصلة الرحم مع بلدهم الأم، وأيضًا لتجديد ارتباطهم بالمغرب، وتتميز هذه المواسم الدينية بتلاوة التوراة، كما تتميز أيضًا بتنظيم مزاد علني لبيع الشمع، يصل فيه سعر الشمعة الواحدة لآلاف الدولارات، اعتقادًا منهم أنها تحتوي على بركة أولئك الأولياء، وتخصص عائدات المزاد لتشييد منازل وفنادق لإيواء زوار الأضرحة.