كسرت الأزمة الخليجية حاجز المئة يوم، وكسرت معها دول الحصار (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) حاجز الدبلوماسية والحوار، وراحت تستخدم الوسائل السياسية والإعلامية والدينية والفنية المتاحة أمامها مدفوعة برغبة في إنجاح حملتها بشكل سريع ضد قطر.
في هذا التقرير نستعرض “أسلحة الحصار الشامل” التي عمدت إليها دول الحصار، وكيف انقلبت هذه الأسلحة على مطلقها.
“الحرب أولها إعلام”.. الأزمة التي اندلعت من غرف الأخبار
في عتمة الـ5 من يونيو/حزيران الماضي بدأت ثلاث دول خليجية ومصر، إجراءاتٍ عقابية ضد قطر، وبدأت معها حملة إعلامية شديدة، كان عمادها – في الغالب – إما خبر مفبرك أو مفتعل أو مختلط وفي أحسن الأحوال مجتزأ.
وبدت الهجمة الإعلامية على قطر عنيفة وغير مألوفة على غير العادة في تاريخ العلاقات الخليجية، لذلك قد يؤرخ للأزمة الخليجية ذات يوم بأنها تلك الأزمة التي اندلعت شرارتها من داخل غرف الأخبار الممولة من طرف ما بات يعرف اليوم بـ”دول حصار قطر”، فقد شكلت تلك الأذرع الإعلامية ما يشبه رأس الحربة في الحملة على الدوحة.
ومنذ أول يوم للأزمة حشدت وسائل إعلام “دول الحصار” رجالها وعتادها، وبدأت تتغنى بدعم الجماعات الإرهابية ومناصرة الإخوان المسلمين ورصد مبالغ قطرية ضخمة ومحاولة قلب نظام الحكم في البحرين والتآمر مع إيران وخدمة الأجندة الإسرائيلية، وبعد أيام من الأزمة بدأ الحديث عن متاعب الاقتصاد القطري وفرض عقوبات على قطر، واحتضانها عدد من الشخصيات الإرهابية المطلوبة، وغيرها الكثير من الادعاءات.
وعدد الخبراء 5 جرائم رئيسية كانت وسائل الإعلام “رأس الحربة” فيها، وبدأت باختراق الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء القطرية (قنا) نفذته دول مجاورة مشاركة في الحصار بعد منتصف الليل، مرورًا باختلاق تصريحات كاذبة نُسبت لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفبركة تصريحات لمسؤولين عرب وأجانب لم يدلوا بها أصلاً، وشن حملات تشويه عبر ربط قطر بالإرهاب، فضلاً عن الإساءة للرموز والتعريض بهم، وصولاً إلى الشائعات التي حرصت وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية على نشرها والاحتفاء بها.
كانت الأرض الخليجية ساحة لحرب إعلامية اُستخدمت فيها أسلحة أكثر حداثة، ووصل الأمر إلى حد ما يوصف بـ”تناقر الديكة” بين إعلام دول الأزمة
وبينما شهد الكثير لشبكة الجزيرة الإعلامية القطرية بالمهنية العالية والموضوعية خاصة بعد المطالبة بإغلاقها، لعبت قناة العربية السعودية وسكاي نيوز الإماراتية دورًا رئيسيًا في الترويج لسياسات دول الحصار، من خلال تداول أخبار زائفة وتوجيه الرأي العام، وكانتا أول من بادر بنقل التصريحات المفبركة لأمير قطر وعرضت تقارير واستضافت شخصيات عديدة خلال ساعات قليلة من بث التصريحات المفبركة على وكالة الأنباء القطرية.
كما كانت الأرض الخليجية ساحة لحرب إعلامية اُستخدمت فيها أسلحة أكثر حداثة، ووصل الأمر إلى حد ما يوصف بـ”تناقر الديكة” بين إعلام دول الأزمة، من خلال إنتاج “وثائقيات” حرص معدوها في قطر على أن تكون أكثر احترافية، فأنتجوا “العساكر” و”إمارات الخوف”، بينما حرص الآخرون على أن تكون أكثر تحريضية، فأنتجوا مجتمعين: “الإمارة” و”الطريق إلى منهاتن” و”أكاديمية التدمير”.
ويحتاج إحصاء المهاترات الإعلامية خلال الأزمة إلى مجلدّات، لكن يكفينا العينة العشوائية التي عُرضت لتبيِّن فداحة الأمر، وإذا أردت المزيد، فما عليك سوى الاطلاع على الأرشيف المنشور لأي عدد من جريدة أو قناة رسمية أو شبه رسمية في دول الأزمة، منذ اندلاعها إلى الآن.
أما معركة كسب الرأي العام الغربي فقد سعى محور دول حصار قطر إلى خوضها بأدوات أخرى تارة عبر تمويل حملات علاقات عامة لتشويه قطر ونشر مقالات وتحليلات تدعم حججهم ضد الدوحة، أو عبر شراء ذمم الأكاديميين والمؤسسات البحثية في مختلف دول العالم خاصة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وذاك آخر ما كشفه صندوق يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن. لكن هذا الأمر أيضًا لم يؤت أكله المنتظر، إذ كشفت الأيام الأخيرة لجوء دول الحصار إلى دفع مبالغ طائلة لشبكات تليفزيونية عملاقة لنشر إعلانات مدفوعة الأجر تعيد تسويق الشيطنة، لكن وفق معايير السوق الأمريكية.
“علِّم قطر”.. آخر حلقات الردح السياسي
يبدو أن الحرب الإعلامية قد تخطت الأسلحة القديمة كالبيانات والتصريحات الرسمية واستضافة نوع معيّن من الضيوف على القنوات التليفزيونية، وراحت تستخدم وسائل أسلحة الدعاية الجماهيرية، حيث أُقحمت الآداب الإنسانية في المعارك السياسية، ووصل الصراع إلى الساحة الفنية.
وكانت أغنية “علّم قطر” في الرابع من سبتمبر/أيلول، آخر ما وصل إليه ما وصفه النقاد بـ”فن الردح السياسي” في الأزمات، حيث اجتمع نخبة من الفنانين الجماهيريين السعوديين، برتبة “نجوم” بلغ عددهم سبعة (رابح صقر، وليد الشامي، عبد المجيد عبد الله، ماجد المهندس، أصيل أبو بكر، راشد الماجد، محمد عبده) على أوبرا سعودية لمهاجمة قطر، كإحدى خطوات التصعيد من جانب دول الحصار.
الأغنية التي كتب كلماتها المستشار في الديوان الملكي السعودي تركي آل الشيخ، ولحّنها رابح صقر، وأنتجتها شركة “روتانا” السعودية، حملت رسالة تهديد ضد قطر (سود القلوب – خايبات أفعالها – مال الخاين وفعله عذر – الشرذمة تقع في شر أعمالها – عشرين عامًا من الدسائس والغدر – مؤامرات عارفين أحوالها… )، مع التفاخر الكبير بالسعودية التي (تحيا في ظل الله) كما قالت الأغنية.
فرضت دول الحصار إجراءات اقتصادية عقابية ضد قطر، فقامت مجتمعةً بإغلاق حدودها البرية والبحرية والجوية مع قطر
خمس دقائق وعشرون ثانية – مدة الأغنية – كانت كفيلة بإثارة استهجان الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي، فغردوا ضدّ المطربين الذي وافقوا على أن يكونوا مطية لأغراض سياسيين، بينما أخذت قناة العربية السعودية بالدعاية الإعلامية لهذه الأغنية والترويج لها، مفتخرةً بأنّ نسبة مشاهدات الأغنية تخطت الملايين في أيام قليلة.
هؤلاء النجوم الذين سقطوا في فخ لعبة السياسة، خسروا رصيد جمهور عشق فيهم روعة صوتهم وإحساسهم بالكلمات، وحين استخدم معارضو الأغنية الحجة والمنطق في الرد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تبين التناقض في مواقف فنانين كانوا جامعين للشعب الخليجي، وسبق أن غنّوا لدولة قطر نفسها ومدحوها سابقًا.
فقد أدّى ماجد المهندس أغنية “روحي قطر“، وغنّاها في مهرجان الدوحة عام 2010، بينما غنّى راشد الماجد أغنية “يا طير يا رايح قطر”، أمّا الفنان عبد المجيد عبد الله فقد غنّى كثيرًا في قطر ولقطر، ونذكر منها أغنية “والله أحبك يا قطر قد السما وقد البحر“، كما أصدر رابح صقر في ديسمبر/كانون الأول 2013 أغنية “بيارق مجدنا” في اليوم الوطني لقطر.
حصار ما دون السياسة
تعكس مواقف فناني دول الحصار السابقة أن الخلاف بين دول الحصار وقطر ليس خلافًا سياسيًا، لكن خسائره كبيرة، فقد تعرضت دول الحصار الأربعة – بحسب دراسة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي- لخسائر فادحة، وعلى أصعدة عدة، نذكر منها (الاقتصاد، الدين، الرياضة):
الاقتصاد.. رب ضارة نافعة
توالى التسييس من الفن إلى الاقتصاد، حيث فرضت دول الحصار إجراءات اقتصادية عقابية ضد قطر، فقامت مجتمعةً بإغلاق حدودها البرية والبحرية والجوية مع قطر، ولم تقتصر الرغبة على الإضرار بالبشر فقط، بل امتدت إلى الحيوانات، فبعد شهر من مرور الأزمة، ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية قصة مأساوية، عن ترحيل السلطات السعودية لآلاف الإبل التابعة لرعاة الجمال القطريين من المراعي المشتركة على حدود البلدين، وتعمدت السلطات المماطلة في السماح لها بعبور الحدود إلى الجانب القطري، مما أدى إلى نفوق المئات منها عطشًا وجوعًا.
لكن منذ اليوم الأول للأزمة التي وصفها الإعلام المصري بتسونامي المجاعة الذي يضرب قطر، أثبتت الدوحة مرونتها وقدرتها على تحمل الضغط المفروض عليها أكثر مما تصور الرباعي المناهض لها، بحسب تقديرات المحلل السياسي كريستيان أولريشسين المتخصص بالخليج في معهد بايكر للسياسات العامة في جامعة رايس الأمريكية.
هيكنج: بعد أكثر 100 يوم من اندلاع الأزمة تواصل الجزيرة بثها بنشاط أكثر مما مضى مقدمة نفسها كمرفأ لحرية الإعلام بالمنطقة، بينما يواجه إعلام دول الحصار تهمًا بالاختراق والأكاذيب والتشويه والفبركة
وفي مقال بعنوان: “قطر: مشاهدات في بلد تحت الحصار”، قال بيار برييه في موقع “لوريون 21” الفرنسي، إن قطر تغلبت على الحصار المفروض عليها، حيث وجدت بدائل سريعة لتعاملاتها الاقتصادية والتجارية مع الدول المحاصرة لها، إذ تستورد عن طريق البحر والجو كل ما تحتاجه من دول مثل تركيا والهند وإيران وعمان.
كما كانت الأزمة الخليجية إحدى حسنات الحصار التي عجلت بافتتاح ميناء حمد الدولي، أحد أكبر المواني في الخليج العربي، قبل 6 أشهر من ميعاد افتتاحه المقرر، وهو الميناء الذي لعب دورًا بارزًا في التغلب على صعوبات الحصار، حيث تمكنت قطر من تدشين 8 خطوط ملاحية جديدة مع دول العالم منذ اندلاع الأزمة الخليجية، من بينها خطان ملاحيان مع سلطنة عمان بين ميناء حمد في قطر ومينائي “صحار” و”صلالة”، فضلًا عن خط ملاحي جديد يربط بين ميناء حمد، وميناء “ماندرا” وميناء “نافا شيفا” في الهند.
بي إن سبورت.. من تعقيدات السياسة إلى فضاءات الرياضة
تجليات الأزمة التي تكشف عنها تداعيات حصار قطر توالت لتلحق بالرياضة التي لم تسلم من “التسييس”، حيث زجت بها دول الحصار في خلافها مع قطر فاتحة الباب لمواقف وسياسات بدت بعيدة عن المبادئ السامية للرياضة والقوانين التي تستند إليها الهيئات الرياضية الدولية.
وتعددت الدلائل على ذلك، فهنا مشهد منُع فيه مراسل قناة beIN Sports”” القطرية من إظهار شعار القناة في ملعب إماراتي، وآخر جاء من دول تخصص رياضييها – فضلاً عن سياسييها – في إزاحة الميكروفونات القطرية، لينتصر ميكروفون القناة المحاصرة في النهاية.
كما قادت مكيدة النجاحات القطرية في مجالات كالرياضة وإعلامها إلى قرصنة لموادها من قبل قناة ظهرت أعلن تأسيسها لتضاهي عكسيًا اسم القناة القطرية، فحمل عنوانها إيحاءات عدائية أثارت سخرية واسعة لنشطاء مواقع التواصل، وهو نفس العداء التي وصل بأصحابه إلى ترحيل إبل قطرية تشارك في سباقات الهجن من الإمارات إلى قطر عبر عمان.
ووسط هذه المحاولات التي باءت بالفشل في مضاهاة قنوات “بي إن سبورت” القطرية، أُعلن جاهزية استاد خليفة الدولي لاستضافة بطولة كأس العالم 2022، تلك البطولة التي سعت دول الحصار لتجريد قطر منها، حيث تحدث موقع “ذا لوكال” السويسري عن خطاب من دول الحصار الخليجية الثلاثة ومعها مصر وموريتانيا واليمن، إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” يحذر من خطورة السماح بتنظيم كأس العالم 2022 في قطر، ورغم نفي “الفيفا” تلقيها أي خطاب في هذا الشأن، طالب رجال موالون للحصار بسحب تنظيم البطولة من قطر.
السعودية تستخدم الحج في ممارسة ضغوط شديدة على الدول الإفريقية ذات الأغلبية المسلمة لقطع علاقاتها مع قطر، لكنها فشلت في استقطاب العديد من هذه الدول
تسييس الشعائر الدينية.. “الله سيحاسبكم”
استطاعت دول الحصار تسييس الرياضة، لكنها كانت على تسييس الشعائر الدينية أقدر، فقد رأت السعودية في الحج أداة لتعظيم الضغط السياسي والاجتماعي على قطر، فعملت على عرقلة المسلمين المقيمين في دولة قطر عن أداء حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، ووضعت إجراءات تعسفية، وأصبح لزامًا على المواطن المقيم في قطر العبور من مدينة مسقط بسلطنة عمان، ناهيك عن مضاعفة تكلفتها الاقتصادية؛ لذلك أحجم عشرات الآلاف عن أداء مناسك العمرة بسبب تلك الظروف.
في سياق ذلك، قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن السعودية تستخدم الحج في ممارسة ضغوط شديدة على الدول الإفريقية ذات الأغلبية المسلمة لقطع علاقاتها مع قطر، لكنها فشلت في استقطاب العديد من هذه الدول، خاصة نيجيريا، فالعديد منها حافظت على حيادها مثل المغرب والجزائر وتونس والسودان والصومال. وأكد الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية بنجامين أوجي في “لوموند” أن قطر نجحت خلال العشر سنوات الماضية في ربط علاقات قوية مع الدول الإفريقية، خاصة منها الفقيرة والضعيفة، عبر تشجيعها على فتح سفارات في الدوحة، لذلك فإن الحكومة القطرية واثقة من أنها على المدى المتوسط ستنجح في إعادة العلاقات مع مختلف هذه الدول التي وقعت فريسة للتهديدات السعودية.
إلى ذلك، توالت حلقات التسييس، فظهرت على الساحة نماذج لأصحاب العمائم ممن يطلق عليهم “شيوخ السلطة”، فصعدوا المنابر، وحرضوا على قطر، لكن من غرد منهم بالدعاء للأطراف المتنازعة، اعتبرته السلطات السعودية بمثابة فرح بما ظنه تصالحًا خليجيًا، فاعتقلته.
كيف انقلب السحر على الساحر؟
حتى الآن، لا يمكن الحديث عن نصر حاسم، فالحصار باق، لكن الضربة في كل الأحول لم تُمِت الدولة المحاصَرة، أو يموت سكانها جوعًا، فالدولة الصغيرة انفتحت على أسواق كبيرة، فتدفقت السلع من خطوط بديلة وبجودة لا تملك لها دول الحصار مثيلا، فكان إجبار المحاصرين على فتح ممرات جوية دولية بداية لكسر الحصار الجوي عن الدوحة.
من جهتها، اعتبرت أسبوعية دير شبيغل الألمانية أن مرور أكثر من 100 يوم على حصار قطر أظهر فشل الحصار وتحوله إلى فضيحة بحق منفذيه خاصة السعودية، “التي باتت مهددة بالسقوط في هوة مالية سحيقة بسبب سياسات ولي عهدها محمد بن سلمان”.
وفي مقاله المعنون بـ”مئة يوم على حصار قطر.. سقوط سعودي”، قال محرر دير شبيغل كلاوس هيكينغ إنه بعد أكثر 100 يوم من اندلاع الأزمة تواصل الجزيرة بثها بنشاط أكثر مما مضى مقدمة نفسها كمرفأ لحرية الإعلام بالمنطقة، بينما يواجه إعلام دول الحصار تهمًا بالاختراق والأكاذيب والتشويه والفبركة.
وذكر أن محمد بن سلمان مُنِي بهزيمة ماحقة حيث تستمر الطائرات والسفن المحملة بالمواد الغذائية بالتدفق على قطر، التي تغادرها ناقلات الغاز المسال، بينما يهدد الواقع والانهيار الكبير في أسعار النفط السعودية بهاوية مالية سحيقة لسنوات طويلة، تطيح في طريقها برؤية 2030 لولي العهد السعودي الشاب.
ولفت محرر دير شبيغل الألمانية إلى أن السعودية تواجه كارثة ثانية في اليمن المسؤول عنها محمد بن سلمان الذي أمر بشن حملة عسكرية منذ عامين ونصف، وأسفرت حتى الآن عن تشريد ثلاثة ملايين يمني وإصابة 600 ألف بالكوليرا، لا سيما بعد سحب قطر قواتها من التحالف العربي.
ربما تكون دول الحصار استنفدت كل الأسلحة التي لديها، لكن انفضح أمام العالم كله الافتراء الذي بُنيت عليه عمليات “التسييس” التي طالت كل الوسائل والأدوات
واقتصاديًا، توقع تقرير لوكالة بلومبيرغ المختصة في شؤون المال والاقتصاد أن ينمو اقتصاد قطر العام المقبل بنحو 3.2 %. فيما قد يصل النمو الاقتصادي في الإمارات إلى 2%، بينما سيكون نمو الاقتصاد السعودي في حدود نصف في المئة لا أكثر، مما يعني – بحسب الوكالة – أن نمو الاقتصاد القطري سيكون الأعلى بين دول مجلس التعاون الخليجي الستة.
ضمن هذا السياق، أشار تقرير سابق لمجموعة ستاندرد تشاردر المصرفية أن الحصار يهدد أعمال مصارف إماراتية، و17 مصرفًا إماراتيًا ودوليًا لها فروع رئيسية في دبي وتمويلات لمشاريع بمليارات الدولارات في قطر ستتضرر من الحصار، وكشف بيان لمصرف الإمارات المركزي عن انخفاض إجمالي الأصول في البلاد خلال يوليو/تموز الماضي بواقع 8 مليارات دولار.
وفي السياسة أيضًا، حولت الدوحة محنتها إلى مكاسب، فتحولت إلى وجهة للأمريكيين والأوروبيين الرافضين الحصار والداعين إلى الحوار، ونشطت دبلوماسيتها خارجيًا، حيث عاد السفير القطري إلى طهران، ورغم أن قطر لم تكن أحرص جيرانها على طيب العلاقة مع إيران، طلبت الرياض وساطة من بغداد لتحسين العلاقات مع طهران، وكبح التوتر بين البلدين بشكل رسمي.
أما موقع قطر من الإرهاب، فقد بات بإقرار دول وازنة في موقع من يحاربه لا من يدعمه، وترجمت ذلك مذكرة التفاهم مع واشنطن التي أصبح لها مبعوثان في الخليج يجعلانها أكثر انخراطًا في مساعي كسر الجمود هناك، بينما بات موقع محاصريها أقرب إلى الوصم بالإرهاب، حيث يُشار في كل مناسبة إلى أي منهم بـ”رعاية الإرهاب”.
وفي خضم الأزمة ومساعي احتوائها تجد قطر فسحة للشراكات الاستراتيجية التي لا تغفل الجانب العسكري، فهي تُجري مناورات وتمرينات مشتركة مع الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين والأتراك، وتعقد صفقات عسكرية أحدثها مع الإيطاليين لاقتناء 7 قطع بحرية بـ5 مليارات يورو.
إلى ذلك، ربما تكون دول الحصار استنفدت كل الأسلحة التي لديها، لكن انفضح أمام العالم كله الافتراء الذي بُنيت عليه عمليات “التسييس” التي طالت كل الوسائل والأدوات، وحتى إن توقع البعض الوقوف على مشارف الانتهاء من الأزمة، إلا أن تبعاتها ستستمر لتعمق الصراع الخليجي – القطري وتجعله أبعد ما يكون عن حلٍ نهائي.