كشفت النتائج النهائية للانتخابات التشريعية الألمانية التي جرت أمس الأحد الـ24 من سبتمبر عددًا من المفاجآت التي ربما تعيد رسم الخارطة السياسية للنظام الألماني بشكل كبير، خاصة فيما يتعلق بالصدام المرتقب بين التكتلات السياسية الفائزة في هذه الجولة.
وتأتي الدورة الـ19 للبرلمان الألماني (البوندستاغ) لتشهد ولأول مرة منذ نشأته عام 1949 حضورا قويًا لليمين المتطرف وذلك بعد فوز حزب (البديل من أجل ألمانيا) أو ما تطلق الصحف الألمانية عليهم (النازيون الجدد)، بالمركز الثالث في الانتخابات بنسبة 12.7%، مما يؤهلهم للسيطرة على ما يزيد على 87 مقعدًا داخل المجلس.
فوز اليمين المتطرف في ألمانيا صاحبه الكثير من الجدل والتساؤلات عن الدوافع الحقيقية وراء هذا الصعود المفاجئ، وما يمكن أن يحمله من مخاطر وتهديدات للمسلمين والعرب بصورة خاصة وتأثيره على المشهد السياسي العام داخليًا.
فوز بطعم الهزيمة
نجح حزب المحافظين (الاتحاد المسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي) بزعامة ميركل في الفوز بغالبية الأصوات بنسبة تقدر بـ33% بتراجع قدره 8.5% عن الانتخابات الأخيرة التي جرت في 2013، ثم حل في المرتبة الثانية حزب الاشتراكيين (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) بنسبة 20.5% بتراجع 5.2% عن الانتخابات السابقة.
ثم جاءت المفاجأة غير المتوقعة وهي فوز اليمين المتطرف (البديل من أجل ألمانيا) بنسبة 12.7% متقدمًا على ما حصده في آخر انتخابات بنسبة 7.9% تلاه في المرتبة الرابعة الحزب الليبرالي (الحزب الديمقراطي الحر) بنسبة 10.7% مقارنة بـ4.8% في 2013، ثم الحزب اليسار الراديكالي (حزب دي لينكه) بنسبة 9.2% متقدمًا 0.6% عن الانتخابات السابقة، وحل حزب الخضر في المركز السادس بـ8.9% متفوقًا على ما حصده في الانتخابات الماضية بنسبة 0.5%.
وبحسب النظام الانتخابي الألماني فإن المجلس النيابي في نسخته الـ19 سيضم عددًا غير مسبوق من النواب، إذ إن اللائحة تقتضي إعادة توزيع مقاعد إضافية على جميع الأحزاب الممثلة، مما يعني أن العدد المرشح للبوندستاغ في دورته القادمة سيبلغ 709 عضوًا مقارنة بـ630 في المجلس الحالي.
فوز اليمين المتطرف (البديل من أجل ألمانيا) بنسبة 12.7% متقدمًا على ما حصده في آخر انتخابات بنسبة 7.9%
رغم ما حققه حزب ميركل من فوز بغالبية الأصوات فإن نتائجه جاءت مخيبة للآمال وعكس توقعات الداعمين لهذا التحالف المحافظ، خاصة بعد تراجعه بصورة كبيرة عن الانتخابات الأخيرة، وهو ما يضع ميركل وحلفها في مأزق لا يحسدون عليه.
فوز بطعم الخسارة، هكذا وصف المراقبون انتصار ميركل في تلك الانتخابات خاصة بعد إعلان الحزب الاشتراكي الديمقراطي انسحابه من التحالف مع المستشارة الألمانية وعزمه الانتقال إلى صفوف المعارضة، ومن ثم يفقد المحافظون أحد أبرز الأعمدة في تحالفه الذي يهيئ له تشكيل الحكومة، ولم يعد أمامهم خيار سوى إبرام تحالف ثلاثي مع المسيحيين والليبراليين والخضر، وفي ظل الاختلافات الأيدلوجية الكبيرة بين تلك الأحزاب حيال عدد من القضايا الجوهرية الداخلية والخارجية فإن هذا ينذر بسلسلة مفاوضات شاقة تجريها ميركل مع هذا التحالف للخروج من المأزق لا سيما بعد صعود نجم اليمين المتطرف.
توزيع المقاعد في البرلمان الألماني (بوندستاغ) حسب النتائج الأولية للانتخابات#ألمانيا_تختار #BTW17 pic.twitter.com/J6JuKr8jyd
— DW (عربية) (@dw_arabic) September 24, 2017
بين الترحيب والحذر
حالة من الجدل أثارها فوز اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية ما بين الترحيب بهذا الانتصار الذي وصف بـ “التاريخي” والقلق مما يمكن أن يسفر عنه من نتائج عكسية تهدد تماسك المجتمع الألماني داخليًا وتعرض مصالح للخطر خارجيًا.
البداية كانت ساخنة جدًا من قبل ألكسندر غاولاند، أحد رؤساء (حزب البديل من أجل ألمانيا) السابقين والمرشح الأساسي له، وذلك حين وصف فوز حزبه وصعوده كقوة ثالثة داخل البرلمان الألماني بأن النتيجة الجيدة التي حققها حزبه بمثابة “إعلان حرب على الحكومة الألمانية المقبلة بزعامة ميركل”، بينما قالت مرشحة أخرى للحزب وهي أليس فايدل، المثلية صاحبة المواقف المناهضة ضد اللاجئين والمسلمين: “الحزب سيسعى إلى تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الانتهاكات القانونية للمستشارة أنغيلا ميركل فيما يتعلق بأزمة اللاجئين في ألمانيا”.
أنصار اليمين المتطرف في أوروبا ما كان لهم أن يتركوا انتصارًا كهذا دون أن يكون لهم حضور، إما بالدعم أو التهنئة، وهو ما جاء على لسان زعيمي الحزبين اليمينيين المتطرفين في كل من فرنسا وهولندا، مارين لوبن وغيرت فيلدرز ، عقب إعلان النتائج فورًا.
لوبان على حسابها الشخصي على “تويتر” غردت تهنئ ( حزب البديل) بهذه النتيجة التي وصفتها بـ”التاريخية” قائلة إنه رمز جديد ليقظة الشعوب.
Bravo à nos alliés de l’#AfD pour ce score historique ! C’est un nouveau symbole du réveil des peuples européens. MLP #BTW2017
— Marine Le Pen (@MLP_officiel) September 24, 2017
أما غيرت فيلدرز، فنشر صورة تجمعه بلوبان والزعيمة السابقة لحزب البديل من أجل ألمانيا فروكي بيتري، معلقًا عليها: “أهنئ حزب البديل لألمانيا”، قبل أن يكتب تغريدة أخرى قال فيها “الأحزاب الشعبوية باتت تتقدم في أوروبا، في المركز الثاني في كل من هولندا وفرنسا والنمسا، والثالث في ألمانيا” مختتمها بـ:”أعتقد أن الرسالة وصلت”.
PVV nr 2 in The Netherlands
FN nr 2 in France
FPÖ nr 2 in Austria
AfD nr 3 in GermanyThe message is clear.
We are no islamic nations.
— Geert Wilders (@geertwilderspvv) September 24, 2017
وفي المقابل، أعرب حزب الخضر الذي حل بالمرتبة السادسة في الانتخابات عن قلقه لدخول اليمين الشعبوي إلى البرلمان حيث نشر على صفحته الرئيسية على “تويتر” يقول: “إننا نعيش في جمهورية، غيرت نفسها. النازيون يعودون إلى البرلمان”.
"Wir leben in einer Republik, die sich verändert hat. Es ziehen wieder Nazis in den Bundestag ein." @cem_oezdemir #btw17
— BÜNDNIS90/DIE GRÜNEN (@Die_Gruenen) September 24, 2017
أما وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير، وهو أحد الأعضاء البارزين في حزب ميركل (الحزب المسيحي الديمقراطي)، فقد ناشد (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) الذي أعلن انسحابه بالبقاء في التحالف الحاكم، حتى تشكيل حكومة جديدة، مؤكدًا في تصريحات تليفزيونية له أن هناك مسؤولية سياسية تقع على عاتق الأحزاب الآن، في إشارة إلى صعود الحزب المتطرف الذي يستوجب تحالف بقية الأحزاب ضده.
لوبان على حسابها الشخصي على “تويتر” غردت تهنئ ( حزب البديل) بهذه النتيجة التي وصفتها بـ”التاريخية” قائلة إنه رمز جديد ليقظة الشعوب.
وسائل الإعلام الألمانية هي الأخرى كان لها حضور فعال في التحذير من المخاطر التي ستنجم عن فوز اليمين الشعبوي، منوهة أن هذه الخطوة ربما تهدد مدنية الكيان السياسي وإحداث مجتمع منقسم من الداخل، وذلك حسبما أشارت مجلة “دير شبيغل” في موقعها الإلكتروني حين قالت: “اليمينيون الشعبويون يدخلون الآن كثالث أقوى كتلة البرلمان الألماني، وفي صفوفهم لا يوجد قليل من اليمينيين المتطرفين، أشباح الماضي تعاود الكَرَّة، فلأول مرة، منذ المرحلة المبكرة للجمهورية الاتحادية، يجلس مجددًا حزب يميني في البرلمان الألماني، لكن كتلة حزب البديل من أجل ألمانيا ستكون أقوى من سلفها، حيث يتوقع حصولها على أكثر من 80 ممثلاً برلمانياً، وهذا له تأثيراته: تخطي الحدود والاستفزازات والفضائح المبرمجة، حزب البديل من أجل ألمانيا سيركز كل شيء على دخوله البرلمان القادم بعد أربع سنوات، والشرط لحدوث ذلك هو وجود مجتمع منقسم”.
بينما وصفت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” فوز (البديل) بأنه “خطوة تاريخية للوراء بالنسبة للمجتمع الألماني وضربة ضد أول مادة في القانون الأساسي (الدستور الألماني)، التي تحمي كرامة جميع الناس بما في ذلك اللاجئين”، أما صحيفة “فرانكفورتر روندشاو” فأشارت في تعليقها على نتائج الانتخابات بأن “البرلمان الألماني في خطر، لأنه سيتحول إلى أرضية رنانة لأجندة شعبوية ونظريات المؤامرة الشيزوفرينية، وتقوي بهذا الشكل التمكن بسهولة من السيطرة على المجال العام، وهذا من أجل التسلل بشكل منهجي لتفريغ البديهية الليبرالية لمجتمع منفتح، هذا يهمنا جميعاً! يهمنا جميعًا نحن الذين لا نُحسب على حزب البديل من أجل ألمانيا وزبائنه، هذه الديمقراطية تحتاج إلى شغفنا ومقاومتنا ومعارضتنا بلا حل وسط ضد سم اليمين، والآن أكثر من أي وقت مضى: لا مجال للتودد في أي مكان”.
العدد المرشح للبوندستاغ في دورته القادمة سيبلغ 709 عضوًا مقارنة بـ630 في المجلس الحالي.
قلق يهودي
نجاح “النازيين الجدد” في التمثيل النيابي داخل البوندستاغ لأول مرة منذ ما يزيد على 68 عامًا أثار قلق الجماعات اليهودية في أوروبا والولايات المتحدة، مما دفعها لمناشدة بقية الأحزاب عدم الدخول في أي تحالفات مع (البديل) في محاولة لعزله داخل المجلس.
رونالد لودر رئيس المؤتمر اليهودي العالمي ومقره نيويورك، غازل المستشارة أنغيلا ميركل بوصفها بأنها “صديق حقيقي لإسرائيل والشعب اليهودي” معربًا عن قلقه من “مكاسب اليمين الشعبوي في ألمانيا في وقت تتزايد فيه معاداة السامية في شتى أنحاء العالم” حسب وصفه، حين قال: “أمر مقيت أن يصبح لحزب البديل من أجل ألمانيا، وهو حركة رجعية مخجلة تعيد للأذهان أسوأ ما في ماضي ألمانيا ويجب حظره، القدرة داخل البرلمان الألماني على الترويح لبرنامجه الخسيس”.
الرئيسة السابقة للمجلس المركزي لليهود في ألمانيا: نتائج حزب "البديل" بمثابة "كابوس"#ألمانيا_تختار #GermanyDecides #BTW17 pic.twitter.com/tKFBhQ2m5w
— DW (عربية) (@dw_arabic) September 24, 2017
أما المجلس المركزي لليهود في ألمانيا فقال “نتائج الانتخابات أكدت أسوأ مخاوفه”، مما قاده لحث الأحزاب الأخرى على البقاء متحدة في معارضة هذا الحزب الشعبوي، مضيفًا أنها المرة الأولى التي يتم فيها انتخاب حزب يميني شعبوي، صاحب تداخلات قوية مع التيار اليميني المتطرف، بهذا القدر من الأصوات.
ردود الفعل الداخلية والخارجية، فضلاً عن القلق الإسلامي والمسيحي واليهودي على حد سواء من صعود اليمين الشعبوي وتحقيق حزب البديل لهذا الانتصار التاريخي بالنسبة له دفع العديد إلى التساؤل عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الصعود في الوقت الذي يحارب فيه العالم هذا التيار بشكل كبير سواء في أوروبا أو حتى أمريكا رغم فوز الرئيس اليميني المتطرف دونالد ترامب.. فما الأسباب الحقيقية وراء هذا الاستفاقة؟
ألكسندر غاولاند، أحد رؤساء (حزب البديل من أجل ألمانيا) السابقين والمرشح الأساسي له، وصف فوز حزبه بأنه “إعلان حرب على الحكومة الألمانية المقبلة بزعامة ميركل”
كيف صعد اليمين الشعبوي؟
فشل اليمين المتطرف الألماني بشتى مسمياته في اختراق البوندستاغ منذ نشأته نهاية العقد الخامس من القرن الماضي، في ظل الموقف الموحد من قبل بقية الأحزاب بشأن الحيلولة دون عودة النازيين الجدد للحياة السياسية مرة أخرى في ظل ما تحمله هذه العودة من تهديد للمجتمع الألماني.
ورغم المساعي الحثيثة التي يبذلها هذا التيار الشعبوي فإن أكثر إنجاز استطاع من خلاله التوغل في الحياة السياسية الألمانية كان عام 1969 حين حصل الحزب القومي النازي على 4.3% في الانتخابات التشريعية آنذاك وهي نسبة لم تكن تؤهله لدخول البرلمان الذي يتطلب حجز أحد مقاعده الحصول على 5%.
وبعد 48 عامًا من هذا الإنجاز ينجح اليمين المتطرف ممثلاً هذه المرة في حزب البديل في تخطي النسبة المقررة لدخول البوندستاغ متجاوزًا العديد من الأحزاب صاحبة التاريخ كحزب الخضر والديمقراطي الحر وغيرها، وذلك بعد أربعة أعوام من نشأته التي كانت في السادس من فبراير 2013.
بعد فشل الحزب في استمرارية العزف على وتر قضية “اليورو” وضرورة استقلال ألمانيا عن الاتحاد الأوروبي، كاستراتيجية متبعة لزيادة رقعة شعبيته داخل ألمانيا منذ 2013، اضطر إلى تغيير ملامح هذه الاستراتيجية في محاولة للبحث عن آلية أخرى يستطيع من خلالها الوصول إلى القاعدة الشعبية، إلى أن جاءت أزمة اللاجئين التي وجد فيها الحزب ضالته، حيث بدأ في تصدير فكرة الآثار السلبية المترتبة على استقبال ألمانيا للاجئين العرب والمسلمين لا سيما على المستويين الاقتصادي والمجتمعي، ومن هنا كانت بداية الصعود.
حزب البديل أعلن قبيل الانتخابات تمسكه بموقفه من الإسلام الذي “لا يعتبره جزءًا من ألمانيا”
البديل وأنصاره من الأحزاب اليمينية المتطرفة هم من قادوا حملة ضد المستشارة الألمانية للمطالبة بوقف تدفق اللاجئين وطرد الموجودين بالداخل، فضلا عن رفع العديد من الشعارات المناهضة لهم، وهو ما ساهم بشكل كبير في زيادة رقعتهم الشعبية، ومع ذلك فإن الأرقام الصادرة بشأن معدلات النمو الاقتصادي والتي تسير وفق المؤشرات المعلنة بصورة غير مسبوقة.
“نون بوست” في تقرير له كشف عن حجم ما وصل إليه الاقتصاد الألماني من نمو غير مسبوق، فهو الأول أوروبيًا ورابع أكبر اقتصاد على مستوى العالم بعد اليابان والصين وأمريكا، بناتج محلي إجمالي بلغ 3.423 ترليون دولار، كما حقق نموًا متواصلاً على مدى السنوات الماضية، في مايو/أيار الماضي كان هناك أقل من 2.5 مليون شخص رسميًا عاطلين عن العمل، وهو أدنى معدل منذ عام 1991، وعلى مدى السنوات الثلاثة الماضية ارتفعت الأجور بمعدل 2%. ووفقًا للتوقعات، سيزيد عدد العاملين من 43.6 مليون في عام 2016 إلى 44.62 مليون هذا العام وإلى 44.6 مليون عام 2018، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.
وزاد معهد IFO الاقتصادى الذى يتخذ من ميونيخ مقرًا له، توقعاته للنمو الاقتصادى لعامي 2017 و2018 في ألمانيا، وبالنسبة للسنة الحالية، فإنها تتوقع الآن نموًا بنسبة 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي بدلاً من التوقعات السابقة بنسبة 1.5%، ومن ثم أثبتت ميركل جدارتها في إدارة اقتصاد البلاد وصموده أمام أعتى أزمة اقتصادية واجهت العالم في العام 2007، التي أصابت أغلب دول أوروبا والعالم بالركود، وكادت أن تودي ببعضها إلى الإفلاس، ومن هنا كان لا بد من البحث عن دوافع أخرى وراء زيادة رقعة الشعبويين في ألمانيا.
غاولاند يعتبر فوز حزبه بأنه إعلان حرب على الحكومة الألمانية
الإسلاموفوبيا
الدافع الأكبر وراء تصويت 12.7% من الشعب الألماني لحزب يميني متطرف هو العداء الواضح للإسلام والمسلمين، كان هذا ملخص آراء بعض المتابعين للمشهد الألماني عن كثب، وهو ما يجسد تبني البديل للشعارات المناهضة للإسلام والمطالبة بإلغاء الحجاب وهدم مآذن المساجد ويروج وسط قواعده لأطروحات الغباء الجيني للمسلمين.
هذا الرأي أيدته نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه معهد “إنفراتست ديماب” للأبحاث للناخبين الألمان بعد خروجهم من المقار الانتخابية في أثناء الإدلاء بأصواتهم أمس، حيث أظهرت أن نحو نصف الناخبين الألمان يخشون “تزايد تأثير الإسلام” في المجتمع الألماني، كما أن 46% من الناخبين الألمان “قلقون للغاية من التأثير المتزايد للإسلام” في البلاد.
حزب البديل أعلن قبيل الانتخابات تمسكه بموقفه من الإسلام الذي “لا يعتبره جزءًا من ألمانيا”، فضلاً عما جاء على لسان رئيسه غاولاند، الأسبوع الماضي، حين قال: “انتشار الإسلام يمثل تحديًا مباشرًا للسلام الداخلي لبلادنا وهناك تغيرات مقلقة تحدث في ألمانيا حاليًا”، موضحًا أن تزايد أسلمة المجتمع تتناقض مع ألمانيا كدولة حرة تتمتع بسيادة القانون.
رغم المساعي الحثيثة التي يبذلها هذا التيار الشعبوي فإن أكثر إنجاز استطاع من خلاله التوغل في الحياة السياسية الألمانية كان عام 1969 حين حصل الحزب القومي النازي على 4.3% في الانتخابات التشريعية آنذاك وهي نسبة لم تكن تؤهله لدخول البرلمان
ومن ثم فإن عزف اليمين المتطرف على هذا الوتر ساهم بشكل كبير في زيادة شعبيته الداخلية مستغلاً الأحداث المسلحة التي توصف بـ”الإرهابية” التي تقع في بعض دول أوروبا والشرق الأوسط والتي تنسب لجماعات إسلامية متطرفة على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” هذا فضلا عن توظيف بعض الأحداث التي وقعت داخل ألمانيا عن طريق بعض اللاجئين منها على سبيل المثال حادثة مدينة “انسباخ” حيث قام مهاجر سوري بتفجير عبوة ناسفة قرب مهرجان للموسيقى، مما كان له أسوأ الأثر على الألمان واستغلته أيادي اليمين المتطرف حينها.
4.7 مليون مسلم حجم الجالية المسلمة في ألمانيا
مسلمو ألمانيا.. إلى أين؟
منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس وحالة من القلق والحذر تسيطر على ما يقرب من 4.7 مليون مسلم في ألمانيا، وذلك ترقبًا لمدى تحقيق اليمين الشعبوي لمطالبه المناهضة للمسلمين حين يصبح ثالث أقوى الكتل السياسية داخل البوندستاغ.
هذه المخاوف تتصاعد بصورة كبيرة بالتزامن مع ما يعانيه المسلمون من اضطهاد وسوء معاملة من قبل الألمان رغم شعورهم المتنامي بارتباطهم بألمانيا وأنهم مندمجون بشكل أفضل من المتوقع، وهو ما أكدته نتائج الدراسة التي قام بها “معهد برتسلمان” والتي حملت عنوان “المسلمون في أوروبا مندمجون ولكنهم غير مقبولين” حيث كشفت مدى ضخامة التحفظات ضد المسلمين، حيث عبر الكثير من الذين شملتهم الدراسة في ألمانيا والنمسا وسويسرا وبريطانيا وفرنسا عن رفضهم أن يكون جارهم مسلمًا، وفضل أولئك أن يكون جارهم من الأجانب غير المسلمين أو المثليين الجنسيين أو اليهود أو المسيحيين أو الملحدين أو غيرهم على أن يكون مسلمًا.
وهكذا ورغم فوز حزب ميركل بهذه الانتخابات إلا أنه وكما يصفه المراقبون فوز بطعم الخسارة، وستشهد الأيام القادمة جولات معقدة من المفاوضات على تشكيل الحكومة مع تحالف المسيحيين والليبراليين والخضر، بعد انسحاب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، هذا بجانب ما يواجهه المسلمون واللاجئون المقيمون في ألمانيا من غموض في مستقبلهم انتظارًا لما ستسفر عنه الأيام القادمة ومدى قدرة اليمين الشعبوي على فرض نفسه في مواجهة تحالف الأحزاب الأخرى التي ستسعى إلى تقليم أظافره مبكرًا قبل أن يتسبب في إحداث مجتمع منقسم حسبما أشارت الصحف الألمانية.