نسمع كثيرًا عبارة “إستقلال المرأة” لابد ان تكون المرأة مستقلة وغير تابعة لأحد وانعكس ذلك مطالبة المرأة أن تكون مستقلة ماديًا حتي تشعر بالأمان الحقيقي . و ذلك لان من يملك هو من يحكم … و إن استقلت المرأة ماديًا استطاعت ان تكون مستقلة في جميع مناحي حياتها .
هل حقًا عبارة من يملك هو من يحكم سليمة 100%؟؟
قيل قديمًا أن من أسباب ذل النساء في المجتمعات: العوز المادي الذي تعاني منه لأن دورها كزوجة وأم لا تتقاضي عليه أجر. لذا ينبغي أن تخرج لسوق العمل كي تمتلك “قرش” يزيد من قيمتها لدى زوجها.
لا أريد أن يتم تحميل الكلام صيغة أني ضد عمل المرأة , بالطبع لا.. أنا شخصيا أعمل، وأفضل أن يكون المرء متسق مع ذاته فيما ينادي به و يفعله. أفضل العمل في العصر الحديث لأسباب عديدة* خاصة لو كانت المرأة موهوبة او تجد في نفسها قدرة علي العطاء في مجال معين . و لكن ليس من بين تلك الأسباب التي تدفع المرأة للعمل أن تتكافئ ماديًا مع الرجل.. لماذا؟
لأنني توقعت أن الأمر قد يتخلف عندما ترتاد المرأة سوق العمل , و لكني فوجئت أن الامر على العكس تمامًا !!! فوجبت وقفة للتأمل قليلًا في هذة الإشكالية
الغالبية الساحقة من النساء المعيلات ( هناك بعض الإحصائات التي تقول ان 30 % من الاسر الفقيرة في مصر تعولها النساء ,لا اعلم مدي صحتها ولكني لا استبعدها) مقهورة تمامًا رغم انها من تأتي بالمال لأسرتها …
لمست هذا الأمر بنفسي من خلال تعاملي المباشر مع نساء من تلك الطبقة , هناك ممرضات ممن عملت معهن كن هن من يصرفن على بيوتهن , إما لأن زوجها عاطل أو يستغل انها تعمل بيعيش على عملها و ولا تستطيع تغيير هذا الوضع لبلطجة الزوج معها (هي تقوم بعمل الرجل في العمل خارج المنزل لإحضار القوت اليومي – و عملها التقليدي كمرأة من مباشرة شؤون المنزل و الابناء و التنظيف و عمل الطعام ) و هي لا تستطيع الحديث لانه يضربها و لانه في النهاية “راجل ” ! و هي لا تستطيع بالتأكيد انهاء تلك الحالة المشوهة من الزواج لانها ” سيكون فيها الطمع ” و الزواج ستره بردو !!!
هذا بالنسبة لأوضاع النساء في مصر , و كنت قد قرأت في عدة كتب عن ظاهرة نسونة الفقر خاصة بعد تجميل صيغة التحرر من أي التزام إجتماعي يتكفل بها (يقصد الزواج ) فكان هذا وبالًا عليهن بدلًا من أن يحقق لهن إستقلال مادي حقيقي. فليست سوق العمالة بالرحمة المنتظرة و لكنها بلا قلب , تستغل الظروف خاصة للفقراء و الأقل تأهيلًا ,و إن لم ترض هناك غيرك الف و انت من ستموت جوعًا !
و حتي في الطبقات العليا حيث أغنى أغنياء العالم , لا نجد مثلًا أن هناك تساويًا في قوائم أغني أشخاص العالم بين الرجال و النساء , فأول ظهور لهن هو المركز 10-11 ( طبعًا لإحصاء عدة قوائم ) *** و في قوائم لأغني 100 فرد يتراوح عددهن بين 9- 11 نسوة فقط ( هناك من آلت إليهن الثروة بالوراثة و ليس بالعمل المباشر ) .
خلاصة قراءة تلك الإحصائية أن هناك نساء موهوبات و بارعات فعلًا في مجال تحصيل المال و لكنهن قلة , و لا يجوز تعميم حكم القلة على الكثرة .
لماذا اقول كل ما سبق ؟؟
لنستخلص منه أن الندية في المجال المادي= المالي ليست هي منبع الإستقلال الحقيقي للمرأة . وصل الأمر بأن اصبحت هناك فئة من الرجال تشطرت على الزوجة ان تكون عاملة كي تصرف علي المنزل معه ( بالإجبار و ليس شئ إختياري لها ) !!! فلم يعد الإستقلال المادي هو ما يؤمن المرأة بشكل حقيقي .
منبع استقلال المرأة الحقيقي هو احساسها هي بذلك !!!
نعم , فهذا أمر جواني بحت لا علاقة له لا بصرف و إستقلال مادي أو بغيره . بدليل أن النساء في الطبقات الدنيا ما اسلفنا هن من يصرفن علي المنزل و في نفس الوقت مقهورات للغاية , و هناك نساء لا يعملن و لكن هن عمود المنزل و ركنه الأساسي و يقدرها زوجها أيما تقدير … فليس المال هو الشرط الوحيد للتقدير في الحياة الزوجية . فهذا خلل رهيب في تلك المنظومة , فهو ينقلها من مجال التواد و التراحم للمجال التعاقدي .
المال الخاص جيد , و يعطي نقاط قوة , و لكنه لا شئ إن لم يتوج ذلك بإحساس عميق بالإستقلال النفسي , و بدون هذا الإحساس لا يساوي المال شئ بل يكون نقمة على المرأة و يتم إبتزازها و إستغلالها للرمق الأخير دون أي تقدير أو مقابل … و تربيتنا للاسف لا تعزز من ثقة الفتاة بنفسها كي تصبح مستقلة إستقلال نفسي حقيقي لا إستقلال متمرد أرعن .
– أولى مراحل الإستقلال هي أنها تشعر أنها بني آدم مؤنث و ليست مجرد أنثى , و شتان ما بين المعنيين في الشعور .فالمفترض انها تُعامل علي أنها انسان كامل لكن له مشاعره الخاصة و اسلوبه الخاص الذي لابد من إحترامه و تقديره حتى و إن لم يفهمه الرجال دائمًا , هذه ليست مشكله علي العموم المشكلة أننا لم نتعود علي تقبل الإختلاف ( أيا كان هذا الإختلاف ) و إعتبار المختلف عنا هو الخاطئ و أننا دائمًا على صواب .
هل الإستقلال النفسي يتعارض مع الزواج و طبيعته التشاركيه ؟؟ هل إن تزوجت المرأة فهي أصبحت بالضرورة تابعة لزوجها ؟؟ هناك أسئلة كثيرة قد تشتبك في النفس و قد يتصور البعض انها متلازمة . مثل امرأة مستقلة = لا تصلح لتكون وجة ناجحة و هكذا . أعتقد أن الامر يستحق أن نفرد له مقال مستقل لتناقش تلك النقطة لاحقًا (المقال الثاني)
للنساء طاقة إجتماعية مثلهن مثل الرجال , التي كانت تفرغ قديمًا بسلاسة دون مشاكل , لتقارب المنازل من بعضها البعض و صغر حجمها بالنسبة للمساحة و وجود بيت العائلة مع تقارب الأخلاق و القيم الجامعة للمجتمع فكان هناك احتكاك دائم ببشر آخرين دون الحاجة للعمل , و لكن في مجتمعاتنا حيث تذررت الأسر ( أصبحت ذرية – فإختفي بيت العائلة و حتي نموذج بيت العائلة الممتدة قد يكون موجودًا إلا انه يحمل مشاكل كثيرة جدًا لإختلاف ارضية الطباع و السلوكيات ) فأصبح من الصعب الإنفتاح على الجيران لكبر أحجام المنازل جدًا , أبراج عالية قد تصل غلي 15-20 دور و بحد أدني 3 شقق في الدور الواحد !!!
كما أنه لم يعد هاك مَعين قيمي يمكن الفتاة من الإنفتاح بسهولة علي الجيران في منزلها الجديد , فلا ارضية اخلاقية مشتركة و قد لا يكون هناك ترحيب اساسا و كيف سيتم ذلك إلخ ….
خلاصة القول انه لم يعد من السهل معرفة الجيران فكان العمل للنساء حاليًا هو البديل لإيجاد متنفس إجتماعي تمارس به المرأة حاجتها الإجتماعية … أزعم أن تحول الموظفات لنماذج خالتي اللتاتة هو تفسير مقبول و منطقي في انهن لم يستوعبن الدور التعاقدي في العمل و لكن فقط ما حدث هو نقل للمجتمع النسائي و تفريغ للطاقة الإجتماعية ذات سمت خاص عند النساء من ( الجيران/بيت العائلة ) للمكتب الحكومي ( ليس الكل ذلك للأمانة كذلك ) و لكنه قد يفسر صورة ما تحدث .
الجلوس في المنزل يحدث كسرِة نفس و الكسل يأتي بكسل و النشاط يأتي بالنشاط و قد يضيع الوقت في التلفاز و يتحول مع الوقت لإدمان و ينتج عنه نسوه فارغات العقل تمامًا .