قبل بدء الحملة بنحو عشر سنوات، أطلقت “تارانا بروك”، امرأة من الأفارقة الأمريكان، حملة “وأنا أيضًا” أو المشهورة في أيامنا الحالية على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال هاشتاغ “Metoo”، لم يكن هدف تارانا آنذاك أن تنتشر الحملة بشكل واسع على مواقع التواصل كما هي منتشرة الآن بشكل كبير أو “Viral”، فلم ترغب تارانا في جعلها حملة يذكرها الناس اليوم بهاشتاغ وينسوها غدًا، بل كانت حملة تهدف إلى تغيير جذري، لكي تجمع ضحايا الاعتداء الجنسي معًا ليعلموا جيدًا أنهم ليسوا وحدهم.
عادت الحملة من جديد بعد عشر سنوات ولكن هذه المرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن غردت الممثلة الأمريكية أليسا ميلانو بنشرها قصتها مع التحرش الجنسي في محيطها السينمائي وطلبت من كل فتاة أن تغرد أو تنشر تجربتها مع التحرش الجنسي من خلال هاشتاغ “وأنا أيضًا” للتوعية بالحدث الذي يظنه الكثيرون وخصوصًا من الرجال حدثًا عابرًا ونادر الحدوث للنساء على مختلف الأصعدة وفي مختلف المجالات.
#أنا_أيضًا يروي آلاف الشهادات المؤلمة حول العالم عن التحرش الجنسي pic.twitter.com/1puxN3fYAT
— AJ+ عربي (@ajplusarabi) October 17, 2017
تلقت تغريدة “ميلانو” 34 ألف تعليق، وأصبح الهاشتاغ بعدها أكثر الهاشتاغات المتصدرة على تويتر في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وفي يوم الإثنين الذي تلى ذلك، كان العالم كله يتحدث عن “أنا أيضًا” بمشاركات مليونية لم تكن فقط من النساء اللاتي تعرضن للتحرش أو الاعتداء الجنسي، بل من الرجال أيضًا.
وذكّرت الجميع بأن فضيحة المنتج هارفي واينستين المتهم بالتحرش بعشرات النساء في أمريكا، والتي كشفتها صحيفة النيويورك تايمز الأسبوع الماضي، ليست سوى حادثة تتكرر كل لحظة، حيث دعمها في ذلك إفصاح العديد من الممثلات الأمريكيات عن تعرضهن للتحرش الجنسي من المنتجين وأصحاب النفوذ في هوليوود.
حملة “أنا أيضًا” كما تُعرفها مؤسستها منذ عشرة سنوات أو أكثر بأنها حملة تسعى للوصول إلى ضحايا الاعتداء الجنسي بمختلف أنواعه سواء كان تحرش أو اغتصاب أو عنف جنسي ومحاولة التعاطف معهن ومواساتهن وتقديم الدعم النفسي لهن لتخطي تلك الصدمة النفسية، بينما يحاول الآخرون في ذلك الوقت التعتيم على ما حدث وإبقاء فم الضحية مغلقًا.
https://twitter.com/dianamoukalled/status/919829196268101632?ref_src=twsrc%5Etfw&ref_url=https%3A%2F%2Fraseef22.com%2Flife%2F2017%2F10%2F16%2F%25d8%25a3%25d9%2586%25d8%25a7_%25d9%2583%25d9%2585%25d8%25a7%25d9%2586-%25d8%25aa%25d8%25b9%25d8%25b1%25d8%25b6%25d8%25aa-%25d9%2584%25d9%2584%25d8%25aa%25d8%25ad%25d8%25b1%25d8%25b4-%25d9%2585%25d8%25a7%25d8%25b0%25d8%25a7-%25d8%25b9%25d9%2586%25d9%2583-%25d8%25a3%25d9%2586%25d8%25aa%25d8%259f%2F
انتقل الهاشتاغ إلى العربية، فغردت الفتيات العربيات عن قصصهن المرعبة مع الاعتداءات الجنسية في البلدان العربية مستخدمات الهاشتاغ باللغة الإنجليزية والعربية أيضًا من خلال هاشتاغ “أنا أيضًا” أو “أنا كمان”
نجحت الحملة في 2017 بشكل واسع كما كانت قبل عشر سنوات من الآن، حيث بلغ عدد مشاركات النساء حول العالم من مختلف الأعراق والجنسيات لهاشتاغ “وأنا أيضًا” نحو 7 مليون مشاركة، تحمل في منشوراتها وتغريداتها شهادات لنساء عشن تجربة التحرش أو الاعتداء الجنسي المؤلمة في مختلف مجالات حياتهن، بداية من الموظفة إلى مدبرة المنزل، في حملة وصفها الخبراء بأنها نقلة ثقافية في تاريخ شبكات التواصل الاجتماعي.
“أنا أيضًا” في البلدان العربية
انتقل الهاشتاغ إلى العربية، فغردت الفتيات العربيات عن قصصهن المرعبة مع الاعتداءات الجنسية في البلدان العربية مستخدمات الهاشتاغ باللغة الإنجليزية والعربية أيضًا من خلال هاشتاج “أنا أيضًا” أو “أنا كمان” وذلك من أجل تشجيع ضحايا الاعتداء الجنسي على التحدث عن تجربتهن معه للتوعية المجتمعية بقضيتهن بدلًا من السكوت عنها والهروب من “وصمة العار” التي تُلحقها بهن المجتمعات ولا ذنب لهن فيها.
ربما لا يتوقف الأمر عند وصمة العار فحسب، بل يتعدى لعقاب المتحرش الضحية لأنها تحدثت للعلن عما حدث لها، لا سيما إن تضمن فضيحته باسمه أو وجهه في وسائل الإعلام المحلية، حيث صُدم المجتمع المصري على واقع عدة حوادث متتالية لضحايا تعرضن للاعتداء الجنسي بشكل علني وبشكل جماعي دون محاسبة المتحرشين ومرور الأمر دون محاكمة وعقاب.
كان أحدثها قصة “سُمية” التي اشتهرت إعلاميًا بفتاة المول، بسبب تعرضها لحادث التحرش الجنسي في أحد مراكز التسوق المصرية، حيث انتشرت قصتها بعد ما انتشر فيديو لها وهي تتعرض للتحرش والضرب من شاب مصري في القاهرة، وهي الواقعة التي تحدث عنها المجتمع المصري كثيرًا وانتهت بحكم قاضٍ مصري على الشاب بعقوبة الحبس لمدة أسبوعين فقط.
لم ينته الأمر عند ذلك فحسب، فعادت قصة “سمية” تنتشر مع هاشتاغ “وأنا أيضًا”، حيث نشرت منشورًا يحتوي على صورة لها بعدما تعقبها المتحرش وضربها بسكين مُحدثًا جرحًا طويلًا في وجهها انتقامًا منها على حبسه، حيث علقت “سمية” بأنها لا تشعر بالأمان في شوارع القاهرة، فإن كان المتحرش قد نال عقابه، لما تعرضت للضرب منه، ولكانت هي في أمان، ولخاف ملايين المتحرشين الآخرين من فعل نفس ما فعله.
كانت لندن المدينة الأكثر أمانًا للنساء بالنسبة لنتائج التصويت الذي أُجري على أكبر 19 مدينة في العالم، تلتها مدينة طوكيو في اليابان ومن ثم باريس
القاهرة الأخطر على الإطلاق بالنسبة للنساء
لم تكد حملة “أنا أيضًآ” تعلن نهايتها تدريجيًا حتى أعقبها الخبراء باستطلاع رأي عالمي شمل 10 ملايين شخص عن سلامة وأمان النساء من العنف والتحرش الجنسي في أكثر المدن المزدحمة على الإطلاق، حيث شمل التصويت مدن مثل لندن والقاهرة وباريس ونيودلهي وكاراجي في باكستان على سبيل المثال، والنتيجة أن القاهرة هي أخطر مدينة في العالم لكي تعيش فيها النساء، هذا يعني أن كونك امرأة وتعيشين في القاهرة يعني حتمًا تعرضك للتحرش الجنسي.
في القاهرة، لا يتحرش كل الرجال بالنساء، إلا أن كل النساء تم التحرش بهن من الرجال، حيث سجلت تقارير الاتحاد الأوروبي نسب وصلت إلى 99.3% من تعرض النساء المصريات للتحرش من بعد ثورة 25 من يناير وبداية ظاهرة التحرش الجماعي في الميادين، والتي ظهرت بعد الربيع العربي وما زالت مستمرة حتى الآن دون رادع أو عقاب أو حماية للنساء في الشوارع.
كانت لندن المدينة الأكثر أمانًا للنساء بالنسبة لنتائج استطلاع الرأي الذي أُجري على أكبر 19 مدينة في العالم، تلتها مدينة طوكيو في اليابان ومن ثم باريس من حيث سلامة النساء من العنف والاعتداءات الجنسية ومحاكمة المعتدين عليهم طبقًا للقانون.
أما عن أكثر المدن الخطرة لمعيشة النساء فيها، أي حتمية تعرضهن للإهانة الجنسية في تلك البلاد حتى بمجرد فعلهم أبسط الأفعال اليومية، وهي المشي في شارع عام، فاحتلت القاهرة المرتبة الأولى، تلتها مدينة “كاراجي” في باكستان، ومن ثم مدينة “كينشاسا” في الكونغو وبعدها “نيودلهي” في الهند.
التحرش الجنسي تجربة عاشتها أغلب النساء من مختلف الجنسيات والخلفيات الدينية، أو على الأقل سيواجهونها في حياتهمن، بعضهن تقرر إعلان الأمر في مختلف وسائل الإعلام التليفزيونية منها ومواقع التواصل الاجتماعي، والبعض الآخر يُفضلن السكوت، وإلا سينلن عقابًا على حديثهن ذلك بأسوأ الطرق.