مع اقتراب موعد المؤتمر الثامن لحزب “العدالة والتنمية” الذي حل أولًا في الانتخابات التشريعية الأخيرة ويقود الحكومة المغربية، المنتظر إنجازه في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، اشتد الحديث داخل أوساط الحزب وخارجه عن اسم الأمين العام الجديد له، إلا أن العديد من المراقبين يرون أن المسألة حسمت لصالح عبد الإله بنكيران، خاصة بعد تعديل القانون الداخلي للحزب بما يتيح للأمين الحالي للعدالة والتنمية بنكيران ولاية ثالثة في منصبه، فهل سيؤثر ذلك في الحزب الأكثر شعبية في المملكة المغربية.
تعديل المادة 16 من النظام الأساسي
في مؤشر على حسم معركة الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية لصالح بنكيران، صوت أعضاء لجنة المساطر والأنظمة التابعة للمجلس الوطني للحزب، الأحد الماضي، بالأغلبية لصالح تعديل المادة 16 من النظام الأساسي، التي تنص على أنه لا يمكن لعضو تولي إحدى المسؤوليات الآتية لأكثر من ولايتين متتاليتين كاملتين: الأمين العام – رئيس المجلس الوطني – الكاتب الجهوي – الكاتب الإقليمي – الكاتب المحلي، بما يتيح لمن يتقلد هذه المناصب الترشح لولاية ثالثة، ومن المنتظر أن يُعرض هذا التعديل للتصويت في آخر دورة للمجلس الوطني أو إدراجها في جدول أعمال المؤتمر الوطني القادم.
في الفترة الأخيرة عرف نجم بنكيران، القادم من حي العكاري الشعبي وسط الرباط، أفولًا بعد أن عرف صعودًا غير مسبوق وسط الطبقة السياسية والحزبية في المغرب
وسبق لبنكيران التأكيد أن مرحلته انتهت من الناحية القانونية، إلا إذا وقع شيء لا نعرفه من خلال مطالب الناس أو مصلحتهم أو يتضح أن أمورًا غير عادية، مؤكدًا أنه قد يعود مضطرًا تحت رغبة مناضلي حزبه، قبل أن يستدرك كلامه قائلًا “إذا لم يضطر له الإخوان، أما أنا لا أطلب من أي أحد في الكرة الأرضية، أو أي أخ أو أخت أي شيء باستثناء الرحمة والاستغفار من الله“، وقبل ذلك قال بنكيران “نحن في ورطة حقيقية”، موجهًا رسائل إلى بعض قيادي حزبه قائلًا: “هناك من يشعر بالفرحة لهذا الوضع وكان ينتظر ذلك”، مؤكدًا أن إلحاح المواطنين على بقائه في المشهد السياسي المغربي دفعه إلى عدم التخلي عنهم.
وفي الفترة الأخيرة عرف نجم بنكيران القادم من حي العكاري الشعبي وسط الرباط أفولًا بعد أن عرف صعودًا غير مسبوق وسط الطبقة السياسية والحزبية في المغرب طيلة عقود من الزمن، لا سيما خلال ترؤس حزبه لأول حكومة يقودها “حزب إسلامي” في تاريخ المملكة، وقبلها خاض الرجل حملة انتخابية ساخنة في نوفمبر 2011، استند فيها إلى معركتين، أولها ضد وزارة الداخلية، حيث كان يدافع بشراسة عن حق “المصباح” في تنظيم تجمعاته الحزبية بحرية مثل باقي الأحزاب، فيما بنى معركته الثانية على مواجهة المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة من خلال توجيه انتقادات له.
فك الارتباط بالحكومة
في الوقت الذي أزالت فيه لجنة المساطر والأنظمة في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، أكبر العقبات القانونية من طريق أمين عام الحزب عبد الإله بن كيران من أجل التمديد له على رأس الحزب، وضعت اللجنة عراقيل على عضوية الوزراء في قيادة الحزب، مما يمهد لفك الارتباط بين الحزب والحكومة.
ففي نفس اللقاء الاستثنائي الذي دام أكثر من 8 ساعات للجنة، تمت المصادقة أيضًا على تعديل المادة 37 من النظام الأساسي للحزب، والتي كانت تسمح للوزراء بالتمثيلية بالصفة في الأمانة العامة للحزب (الهيئة التنفيذية العليا) حتى وإن لم يكونوا منتخبين في المؤتمر، حيث أصبح ممنوعًا وصول وزراء الحزب إلى الأمانة العامة للحزب عن طريق “الصفة”، التي تضعف تأثير الوزراء على مواقف الحزب.
سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية
ويؤكد أعضاء من حزب العدالة والتنمية أن من شأن هذا التعديل منع سيطرة الوزراء على قرار الحزب بسبب وجودهم بالصفة داخل أعلى هيئة تنفيذية فيه، ويفك ارتباط الحزب بالحكومة التي يقودها سعد الدين العثماني، ويصبح أكثر قدرة على ممارسة أدواره في العلاقة مع التزاماته تجاه المجتمع والدولة والحكومة.
شباب الحزب يدعمون بنكيران
من أشد المناصرين لبنكيران والمطالبين باستمراره على رأس حزب العدالة والتنمية هم الشباب، حيث سبق للمكتب الوطني لشبيبة الحزب أن دعا بنكيران إلى الاستمرار في ممارسة أدواره الوطنية حالًا ومستقبلًا باعتباره أملًا لفئات واسعة من الشعب المغربي، ووصف شبيبة حزب العدالة والتنمية مواقف رئيس الحكومة السابق بن كيران بـ”الصامدة في مواجهة إرادات التحكم بمختلف تعبيراته الحزبية والسياسية، وتشبثه بالمبادئ والمواقف الثابتة للحزب المذكور التي لا تلين بين يدي المواقع والمناصب”.
انتُخب بنكيران عام 2008 أمينًا عامًا للحزب، وفي 2012 أعيد انتخابه للمرة الثانية على رأس الحزب
ويرى شباب الحزب وشريحة واسعة من مناضلي “المصباح”، أن فتح الباب أمام إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران للمرة الثالثة في منصب الأمين العام لحزبهم، الحل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من صورة الحزب، خاصة بعد تراجع شعبيته في الفترة الأخيرة، وتجدر الإشارة إلى أن بنكيران أُنتخب عام 2008 أمينًا عامًا للحزب، وفي 2012 أعيد انتخابه للمرة الثانية على رأس الحزب، ومن المنتظر أن يعقد الحزب مؤتمره الوطني الذي سيتم تنظيمه نهاية العام الجاري، ومن المحتمل أن ينتخب خلاله للمرة الرابعة أمين عام جديد وقيادة للحزب تستمر ولايتها 4 سنوات.
الصدام مع الدولة
تعديل المادة 16 من القانون الأساسي للحزب، والحديث عن ترشح بنكيران لولاية ثالثة على رأس الأمانة العامة للحزب يقابله رفض كبير من قبل تيار أطلق عليه اسم “تيار الاستوزار”، يقوده بعض وزراء سعد الدين العثماني، ويرى وزراء العثماني أن بقاء عبد الإله بنكيران في منصب الأمين العام تحدٍ للدولة والحكومة، ومن شأن هذا البقاء تعجيل الصدام بين الحزب والدولة، خاصة أن تجديد الولاية لبنكيران تعتبر رسالة إلى القصر مفادها أنكم إن كنتم تخليتم عن بنكيران فهو باقٍ على رأس الحزب، وبالتالي فأي تفاوض مع الحزب وأي حوار معه، سيتم بالضرورة عبره كأمين عام للعدالة والتنمية.
عرفت العلاقة بين الملك وبنكيران العديد من التوترات
وكثيرًا ما ينتقد بنكيران أجهزة الدولة وما يسميها “التماسيح والعفاريت” في إشارة إلى جهات نافذة قال إنها تعرقل الإصلاحات، حتى وهو في منصب رئيس الحكومة خلال جولاته ولقاءاته الحزبية، حتى إنه قال ذات مرة في حوار صحفي إن رضا الملك لا يهمه بقدر ما يهمه رضا والدته والشعب المغربي، وهو التصريح الذي تلقاه القصر الملكي بكثير من الاستياء حينها، لكنه كان مصرًا على أن علاقته بالملك تبقى ودية ومحاطة بكثير من الاحترام والتبجيل.
وفي انتظار حسم المجلس الوطني للتعديلات المقترحة نوفمبر القادم، يستمر شد الحبل بين قواعد الحزب التي ترى في الأمين العام الحالي عبد الإله بنكيران ضمانًا لاستقلالية الحزب واستمرارية شعبيته، وتيار الوزراء المدافعين عن حكومة العثماني والمزيد من التقارب مع القصر.