بعد سنوات من الجمود، بدأ المبعوث الأممي الجديد للصحراء الغربية هورست كولر، الاثنين الماضي، أول جولة له في المنطقة سعيًا منه لإحياء الوساطة بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو والخروج من الطريق المسدود في هذا النزاع القديم، في وقت تسعى فيه المغرب لاستغلال الاستفتاءات التي شهدتها بعض المناطق في الفترة الأخيرة على غرار استفتاء كتالونيا واستفتاء كردستان العراق لدعم موقفها من قضية الصحراء الغربية والتأكيد على خطورة الاستفتاءات على أمن هذه المنطقة الاستراتيجية واستقرارها.
إحياء عملية السلام
سعيًا لإحياء الوساطة بين المغرب وجبهة بوليساريو، بدأ الرئيس الأسبق للجمهورية الفيدرالية لألمانيا والمبعوث الحالي للأمم المتحدة هورست كولر أول جولة له من نوعها في المنطقة، منذ تعيينه يوم 8 سبتمبر/أيلول الماضي من طرف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مبعوثا شخصيا له إلى الصحراء الغربية خلفا لكريستوفر روس، الذي قدم استقالته في مايو الماضي بعد مهمة استمرت ثماني سنوات، اتسمت بالتوتر بين المغرب والأمم المتحدة، وكانت الرباط التي تتهمه بالانحياز سحبت في 2012 ثقتها من الدبلوماسي الأميركي، ثم عدلت عن قرارها لاحقا.
تعتبر “الصحراء الغربية” الواقعة على الساحل الأطلسي، وفق الأمم المتحدة، أرضا متنازعا عليها بين المغرب وجبهة “البوليساريو
واستهل كولر زيارته إلى المنطقة بزيارة العاصمة المغربية الرباط، حيث التقى العاهل المغربي محمد السادس ووزير خارجيته ناصر بوريطة، إلى جانب رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، قبل زيارته لمخيم تندوف في أقصى جنوب غرب الجزائر الذي يقطنها عشرات الألاف من اللاجئين، واجراءه بعض اللقاءات مع مسؤولين تابعين لجبهة البوليساريو، عبّر خلالها عن تصميمه على تسوية النزاع في المنطقة، وعن ارتياحه لمستقبل المفاوضات المتعلقة بمخطط السلام الأممي، وتستمر هذه الجولة الاولى للمبعوث الاممي حتى 25 الجاري وتقوده ايضا الى الجزائر وموريتانيا، قبل ان يقدم تقريرا الى مجلس الامن في نيويورك.
وتعتبر “الصحراء الغربية” الواقعة على الساحل الأطلسي، وفق الأمم المتحدة، أرضا متنازعا عليها بين المغرب وجبهة “البوليساريو”، يسيطر المغرب على 80% منها ويقوم بإدارتها بصفتها الأقاليم الجنوبية، بينما تشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو بين منطقة سيطرة المغرب وموريتانيا 20% من مساحة الصحراء الغربية. وأقيم في الثمانينات “جدار دفاعي” كما تسميه السلطات المغربية يبلغ طوله 2700 كلم. ويقسم المستعمرة السابقة من الشمال إلى الجنوب.
المغرب يستغلّ الاستفتاءات لصالح موقفه
بالتزامن مع الزيارة التي يؤدّيها المبعوث الأممي الجديد للصحراء الغربية هورست كولر، تسعى المغرب لاستغلال الاستفتاءات التي شهدتها بعض المناطق في الفترة الأخيرة على غرار استفتاء كتالونيا واستفتاء كردستان العراق لدعم موقفها من قضية الصحراء الغربية والتأكيد على خطورة الاستفتاءات على أمن هذه المنطقة الاستراتيجية واستقرارها. في هذا السياق، سارع السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال إلى التحذير من المخاطر التي يمثلها خيار الاستفتاء لفرض الانفصال على استقرار الدول، حيث حذّر السفير المغربي لدى الأمم المتحدة، في كلمة له أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، من تنامي “النزعة الانفصالية المقوضة للاستقرار في بعض بلدان أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا”، في إشارة منه إلى كل من إسبانيا والعراق والكاميرون.
لقاء العاهل المغربي مع المبعوث الأممي
وأوضح هلال، أن تصاعد النزعة الانفصالية، “يؤكد أن التوظيف والاستغلال السياسيين لمبدأ تقرير المصير يشكلان خطرا على العديد من البلدان، يهدد استقرارها، ويعرقل تنميتها، ويجزئ مناطقها ويزرع الفرقة بين شعوبها”، ويؤكّد كلام السفير المغربي الدائم بالأمم المتحدة سعي بلاده لاستغلال الرفض الدولي للاستفتاءات الأخيرة التي حصلت في كردستان العراق وكتالونيا لتقوية موقفها من قضية الصحراء الغربية.
في مقابل ذلك، أعربت جبهة “البوليساريو” عن أملها في أن تكون زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية، إلى المنطقة، فرصة لإيجاد حل نهائي للنزاع يكون مبنيا على إرادة الشعب الصحراوي في الحرية وتقرير المصير”، وأكد الممثل الدائم لجبهة “البوليساريو” بالأمم المتحدة، عضو الأمانة الوطنية البخاري أحمد، في تصريحات صحفية له، الثلاثاء، أن الحل الوحيد لحل النزاع في الصحراء الغربية هو تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي، مؤكدا أن ” كل الإجراءات التقنية المتعلقة بتنظيم الاستفتاء متوفرة ويكمن تنظيمه في ظرف 3 أشهر إذا كانت هناك فعلا إرادة حقيقية من طرف الأمم المتحد”، وفق تعبيره.
سنوات من الجمود
تتسمى المفاوضات بين الطرفين بالجمود، فمنذ يونيو/حزيران 2007، أجرى المغرب وجبهة البوليساريو جولات عدة من المفاوضات، تعود آخرها إلى شهر مارس/آذار 2012 في بلدة مانهاست (بالولايات المتحدة)، دون أن تتوج بنتائج تذكر، وبعد سنوات من الجمود، مدد مجلس الأمن حتى نهاية نيسان/أبريل 2018 مهمة قوات الأمم المتحدة (مينورسو) المكلفة خصوصا بالإشراف على وقف إطلاق النار الموقع في 1991.
يعود الفصل الأخير من التوترات بين المغرب والبوليساريو إلى شهر أغسطس 2016
ومنذ اعلان إعلان الملك الحسن الثاني عن “المسيرة الخضراء” في 16 تشرين الأول/أكتوبر 1975 التي “أسفرت عن تحرير ولايات الجنوب“، يسيطر المغرب على قسم كبير من هذه المستعمرة الإسبانية السابقة التي تغطي منطقة صحراوية شاسعة تبلغ مساحتها 266 ألف كلم مربع، مستندًا إلى رأي استشاري لمحكمة العدل الدولية أقر بوجود روابط قانونية وأواصر بيعة بين الملوك المغاربة وشيوخ الصحراء عبر تاريخ البلاد، فيما تطالب البوليساريو، المدعومة من الجزائر، والتي أعلنت قيام جمهورية عربية ديمقراطية، باستفتاء لتقرير المصير، ومنذ 2007، تقترح الرباط منح الصحراء الغربية حكما ذاتيا تحت سيادتها من أجل التوصل إلى حل للأزمة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من أراضيه.
البوليساريو ترفض الانسحاب من منطقة الكركرات
وكثيرا ما شهدت المنطقة الشاسعة، البالغ عدد سكانها أقل من مليون نسمة والغنية بالفوسفات والثروة السمكية أزمات وصلت في بعض الأحيان إلى نزاعات مسلحة، ويعود الفصل الأخير من التوترات بين المغرب والبوليساريو إلى شهر أغسطس 2016، حيث أطلق المغرب ما سمَّاها عملية تطهير منطقة قندهار، في ظل معارضة جبهة البوليساريو عبر قنوات الأمم المتحدة، ودامت مدة العملية 4 أيام، وحاول المغرب تعبيد الطريق في اتجاه الحدود الموريتانية، وانطلقت معها أزمة الكركرات الواقعة بجنوب غرب الصحراء الغربية وتشكل عادة مسرحا لعمليات تهريب متعددة إلى الغرب الأفريقي وخصوصا للسيارات المسروقة، ويطلق عليها سكانها تسمية “قندهار” في إشارة إلى نشاط التهريب في الجنوب الأفغاني.