مع تواصل الأزمات المتعددة الأبعاد (سياسية واقتصادية وأمنية) التي تعيش على وقعها ليبيا منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في فبراير 2011، يأمل الليبيون أن تكون الانتخابات المتفق إجراؤها السنة المقبلة بداية الحل لهذه الأزمة التي ما فتئت تهدد حياتهم، لكن لسائل أن يسأل هل تتوافر الشروط الكفيلة للقيام بانتخابات حرة ونزيهة في ليبيا في ظل عدم جدية بعض الأطراف في الوصول إلى حل يخرج ليبيا من الوضع الذي تعيشه؟
أهمية الانتخابات
يؤكد متابعون للشأن الليبي أهمية إجراء انتخابات مبكرة في أقرب الآجال لإخراج هذا البلد العربي من الأزمات التي يعيش على وقعها منذ سنوات، ويرى هؤلاء أن إجراء الانتخابات في 2018 والذهاب مباشرة إلى الشعب لانتخاب رئيس ومن يمثلهم في برلمان جديد، من شأنه تجاوز جميع التناقضات القانونية، والتناقضات عن شرعية مجلس النواب، وبناء وخلق هيكل مؤسسي واحد يمكن أن تتعامل الجهات الفاعلة الإقليمية والمجتمع الدولي معه، كونه يستند إلى الشرعية.
ويمكن لهذه الانتخابات، حسب خبراء، أن توفر قدرًا من الحكم يمكن أن يقطع شوطًا طويلًا في إنشاء المؤسسات القابلة للحياة اللازمة، لتحقيق النظام والأمن والازدهار للسكان الذين يعانون سلسلة طويلة من المشاكل، فالمنتخبون الجدد لهم أن يطلبوا الدعم الدولي لمساعدتهم على القيام بالمهام الموكلة إليهم، ذلك أنهم يتمتعون بالشرعية الكاملة المستمدة من الشعب والتي تفتقر إليها الآن كل الأطراف الليبية دون استثناء.
تعيش ليبيا انقسامًا سياسيًا كبيرًا، حيث تدار بثلاث حكومات منفصلة
وكان رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من المجتمع الدولي فايز السراج قد اتفق مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر نهاية يوليو الماضي في العاصمة الفرنسية باريس على وقف إطلاق النار وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في 2018، وقبل ذلك، تقدم السراج بخريطة طريق من تسع نقاط لإخراج البلاد من الأزمة وتحريك الاتفاق السياسي الموقع الذي أدى إلى إنشاء حكومة الوفاق الوطني، وتضم هذه الخطة تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في 2018 تقوم المفوضية العليا للانتخابات وبالتنسيق مع الأمم المتحدة بالإعداد والإشراف عليها ومراقبتها، وتستمر ولاية الرئيس والبرلمان ثلاث سنوات.
وتعيش ليبيا انقسامًا سياسيًا كبيرًا، حيث تدار بثلاث حكومات منفصلة، واحدة في الشرق يقودها عبد الله الثني، في حين تدار العاصمة طرابلس بحكومتين هما حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج المدعومة دوليًا، وحكومة الإنقاذ الوطني التي يقودها خليفة الغويل، بعد فشل اتفاق الصخيرات في إحلال السلام في البلاد.
صعوبات عديدة
خريطة الطريق التي تقدم بها فائز السراج في يوليو الماضي اقترحت تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في مارس المقبل، إلا أن العديد من الخبراء أكدوا صعوبة ذلك، وبرروا ذلك بعدم امتلاك ليبيا للمؤسسات التي يمكن لها أن تشرف على انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية.
من المتوقع أن يحول انتشار العنف في ليبيا دون إجراء الانتخابات
إلى جانب افتقاد ليبيا للمؤسسات التي يمكن لها أن تشرف على الانتخابات، يمثل عدم التوصل إلى تعديل الاتفاق السياسي بين الأطراف الليبية أبرز العراقيل التي تواجه القيام بانتخابات في ليبيا وتحقيق أي تقدم في سبيل الخروج من الأزمة الحالية التي تسعى بعض الأطراف الخارجية والداخلية إلى إطالة أمدها والاستفادة منها قدر المستطاع، فالسلام في ليبيا لا يخدم مصالحها وأجنداتها المشبوهة.
فرغم مرور قرابة السنتين على إبرام مختلف الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي للاتفاق السياسي في مدينة الصخيرات المغربية بمباركة دولية وأممية، فإن هذا الاتفاق ظل حبرًا على ورق ولم يطبق على الأرض، مما زاد من تعقيد الوضع الميداني والسياسي في البلد الذي يعاني من انتشار كبير للسلاح ويشكو الفوضى في معظم أنحائه.
من الأسباب الأخرى التي يمكن أن تحول دون إنجاز الانتخابات في موعدها المقترح في مارس المقبل، اتسام الوضع الليبي الراهن بالتعقيد
وفشل الفرقاء الليبيين عقب جولتين من المفاوضات التي انعقدت مؤخرًا في تونس، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في التوصل إلى أرضية توافقية على قضايا جوهرية بينها تشكيل الحكومة ومنحها الثقة وصلاحيات المجلس الرئاسي وآليات اختياره، علاوة على صفة القائد الأعلى للجيش، والمادة الثامنة من الاتفاق السياسي بالصخيرات، الذي لم يحظ سوى بدعم محدود على أرض الواقع، كما لم تقره الفصائل المسلحة والمتحالفة مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يسيطر على شرقي ليبيا.
ومن الأسباب الأخرى التي يمكن أن تحول دون إنجاز الانتخابات في موعدها المقترح في مارس المقبل، اتسام الوضع الليبي الراهن بالتعقيد، والفوضى التي تسود البلاد منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي نهاية 2011 وسط تنازع السلطة وتهديدات المليشيات المسلحة وتهريب الأسلحة والبشر، ويضاف إلى كل ذلك ضلوع قوى إقليمية عدة في النزاع ودفعه نحو مزيد من التعقيد.
رصد اعتمادات لمفوضية الانتخابات
رغم كل هذه الصعوبات والعراقيل، أصدر رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج، قرارًا بصرف مليون وخمسمئة دينار ليبي (نحو 200 ألف دولار) لصالح المفوضية العليا للانتخابات استعدادًا للانتخابات القادمة، وأوضح المجلس في نص القرار الذي أصدره مساء الثلاثاء الماضي أن تخصيص هذا المبلغ للمفوضية العليا للانتخابات جاء لتغطية المصروفات الخاصة بتسجيل الناخبين، وذلك خصمًا من بند المتفرقات وفقًا للتشريعات النافذة.
والتقى السراج – يوم الإثنين – رئيس مفوضية الانتخابات عماد السائح حيث بحثا استعدادات المفوضية للاستحقاقات الانتخابية القادمة، في حين أبدى السراج استعداد الحكومة لتوفير الدعم المطلوب وحل ما تواجهه المفوضية من مختنقات لتؤدي عملها بكفاءة ومهنية.
فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني
وفي سبتمبر/أيلول الماضي قدم المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، خريطة طريق على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تتألف من 3 مراحل، من المفترض أن تنتهي الأولى والثانية منها خلال عام وفق جدول زمني أممي، وتنص المرحلة الأولى على تعديل اتفاق الصخيرات، قبل أن تبدأ المرحلة الثانية وهي عقد مؤتمر وطني لفتح الباب أمام من تم استبعادهم من جولات الحوار السابقة ومن أحجموا عن المشاركة في العملية السياسية، أما المرحلة الثالثة والأخيرة من الخريطة الأممية فتشمل إجراء استفتاء لاعتماد دستور ثم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في إطار هذا الدستور.