هكذا تلعب الإمارات دورها الخفي من أجل بسط نفوذها في المنطقة

940x528

ترجمة وتحرير: نون بوست

تسعى الإمارات العربية المتحدة بشكل حثيث إلى احتلال المراتب الأولى في شتى المجالات، حيث تضم دبي أعلى مبنى في العالم، برج خليفة الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 829.8 مترا. وفي هذا المكان يمكن تناول وجبة هامبرغر بلحم بقر الواغيو الياباني على طبق مرصع بالذهب. في الأثناء، وفي مبادرة الأولى من نوعها، أحدثت هذه الإمارة وزارة السعادة.

على الرغم من أن العاصمة أبو ظبي تعد أقل حيوية من دبي، إلا أنها تشمل صندوق أبو ظبي للاستثمار، الذي يعد ثاني أكبر صندوق سيادي في العالم  بإجمالي أصول بلغت قرابة 875 مليار دولار. والجدير بالذكر أن هذا الصندوق قد ضخ أموالا طائلة لبناء متحفي غوغنهايم واللوفر في أبو ظبي. وسيقع افتتاح متحف اللوفر أبو ظبي، الذي يضم قاعة عرض تعلوها قبة تزن حوالي 7000 طن، اليوم الأحد.

في الواقع، تعتبر الإمارات العربية المتحدة الوجهة المفضلة للعديد من السياح، وذلك بفضل شواطئها الجميلة وناطحات السحاب المشيدة من قبل أكبر المهندسين المعماريين، بالإضافة إلى جزرها المصممة التي تتخذ شكل النخيل. وقد نجحت الإمارات العربية المتحدة في تسويق صورة مميزة لها على اعتبارها بلدا غنيا ومستقرا. في المقابل، لم يتفطن أحد إلى أن هذه الدولة قد أصبحت قوة عظمى خفية في الخليج العربي، وفي منطقة الشرق الأوسط ككل.

باتت الإمارات من أكبر موردي الأسلحة في العالم، حيث تسخر 6.7 بالمائة من الناتج الإجمالي من أجل تعزيز قوتها العسكرية

ترغب الإمارات في الوقت الراهن في إيجاد حل لحالة عدم الاستقرار في المنطقة

تورطت الإمارات العربية المتحدة في أغلب الصراعات التي تدور في الشرق الأوسط، وذلك عن طريق جيشها القوي وفيلق كبير من المرتزقة الأجانب. فقد شاركت الإمارات في الحرب ضد تنظيم الدولة وفي الحرب اليمنية، علاوة على الحرب الليبية. إلى جانب ذلك، تقود هذه الدولة الخليجية الحصار المسلط على قطر في حين لم تتوان عن التدخل في الصراع الفلسطيني، كما أنها تلعب دورا مؤثرا في مصر. ويوم الخميس الماضي، أدى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، زيارة إلى الإمارات بهدف التباحث بشأن أزمتي اليمن ولبنان.

من بين الإمارات السبع المكونة لدولة الإمارات العربية المتحدة، تتكفل إمارة أبو ظبي برسم الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للدولة. وفي هذا السياق، أورد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور محمد قرقاش، أن “الإمارات تضع في صدارة أولوياتها إيجاد حل للخروج من حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط وإنهاء معاناة المدنيين في سوريا وبقية الدول التي تدور فيها الحروب، فضلا عن حماية العالم العربي من التدخل الإيراني والتركي”. بمعنى آخر، تسعى الإمارات إلى تخليص منطقة الشرق الأوسط  من التطرف.

في هذا الصدد، حملت أبو ظبي كلا من إيران وجماعة الإخوان المسلمين وتركيا وقطر، إلى جانب تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، مسؤولية انتشار التطرف في منطقة الشرق الأوسط. ووفقا لآخر الإحصائيات الأمريكية، أنفقت الإمارات قرابة 23.5 مليار دولار من أجل تطوير قدراتها الدفاعية. ومن المنتظر أن تبلغ النفقات الدفاعية أكثر من 40 مليار دولار بحلول سنة 2025، في دولة تعد 9.5 مليون نسمة من بينهم 1.5 مليون فقط جذورهم إماراتية. ومنذ سنوات، باتت الإمارات من أكبر موردي الأسلحة في العالم، حيث تسخر 6.7 بالمائة من الناتج الإجمالي من أجل تعزيز قوتها العسكرية.

عقب وفاة والده في سنة 2004، أصبح محمد بن زايد الرجل الأكثر نفوذا في الدولة على الرغم من أخاه خليفة بن زايد يتقلد منصب أمير أبو ظبي ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة  في الوقت نفسه

لا تكرس الإمارات جهودها من أجل تطوير قدراتها العسكرية فحسب، بل  تنفق هذه الدولة أموالا طائلة بهدف كسب ود الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية. وفي الأثناء، يتمتع السفير الإماراتي في الولايات المتحدة الأمريكية، يوسف العتيبة، بشبكة واسعة من العلاقات منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما. وخلال عهد الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، ازداد العتيبة قربا من صناع القرار الأمريكيين، حيث يعتبر من الأشخاص المقربين من  صهر ترامب، جاريد كوشنر. ومن المثير للاهتمام أن وزير الدفاع الأمريكي الحالي، جيمس ماتيس، قد شغل منصب مستشار عسكري  لدى دولة الإمارات العربية المتحدة  قبل أن يتولى منصبه الوزاري في صلب إدارة ترامب.

في السابق، اشترت الإمارات نفوذها عن طريق أموال النفط

منذ استقلالها عن بريطانيا في سنة 1971، باتت الإمارات تُعول على الضمانات الأمنية الأمريكية وتنتهج سياسة خارجية محفوفة بالمخاطر. ولبسط نفوذها، عمدت الإمارات إلى توظيف عائدات النفط لبلوغ مآربها. في السابق، كانت الوحدات الخاصة الإماراتية تشارك في الحروب الخارجية في صف القوات الغربية. ومن بين الحروب التي شاركت فيها الإمارات، حرب الكويت في سنة 1990. وخلال التسعينات، أرسلت الإمارات 1500 جندي ومروحية لدعم قوات حلف الناتو في حرب البلقان. وبعد هجمات 11 من أيلول/سبتمبر، أرسلت أبو ظبي فرقا من جنود النخبة إلى أفغانستان للمشاركة في المعارك ضد حركة طالبان.

الإماراتيين يفضلون الجنود الكولومبيين الذين اكتسبوا خبرة قتالية خلال حروب العصابات، ومن بين هؤلاء الجنود المرتزقة، أرسلت  الإمارات حوالي 1800 عنصرا  إلى اليمن لتحريرها من سيطرة الحوثيين

منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في سنة 2011، تخلت الإمارات العربية المتحدة عن سياستها الخارجية والأمنية السلبية، بعد أن قلبت هذه الثورات النظم السياسية في منطقة الشرق الأوسط رأسا على عقب. ومنذ ذلك الوقت، انتهج محمد بن زايد، ولي العهد الإماراتي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، سياسة ذات منحى هجومي. وقد تلقى بن زايد تكوينه العسكري في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا. عقب وفاة والده في سنة 2004، أصبح محمد بن زايد الرجل الأكثر نفوذا في الدولة على الرغم من أخاه خليفة بن زايد يتقلد منصب أمير أبو ظبي ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة  في الوقت نفسه.

ساهمت الإمارات العربية المتحدة في سقوط الرئيس الليبي السابق، العقيد معمر القذافي، في حين ترى أبو ظبي أن الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبت خطأ فادحا حين أسقطت الرئيس المصري الأسبق،  محمد حسني مبارك. علاوة علي ذلك، لعبت الإمارات دورا في إخماد انتفاضة الأغلبية الشيعية في البحرين. وعلى خلفية التقارب الأمريكي الإيراني خلال عهد أوباما، تعمقت السياسة الهجومية  الإماراتية.

كيف خططت أبو ظبي بمساعدة السعودية للتدخل العسكري في اليمن

يقيم قرابة 500 ألف إيراني في الإمارات. وعلى الرغم من العقوبات المسلطة عليهم، إلا أنهم تمكنوا من بعث  العديد من الاستثمارات. وإثر الإطاحة بولي العهد السابق محمد بن نايف في المملكة العربية السعودية، تمكن ولي العهد الإماراتي من كسب ود ولي العهد السعودي الجديد، محمد بن سلمان. من هذا المنطلق، خطط بن زايد وبن سلمان للتدخل العسكري في اليمن بعد أن طرد الحوثيون الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، من العاصمة صنعاء.

في إطار التدخل العسكري في اليمن، كثفت المملكة العربية السعودية من غاراتها الجوية على شمال اليمن، في حين نشرت الإمارات قواتها البرية في جنوب البلاد. ويعتبر هذا التدخل العسكري الإماراتي الأول من نوعه بالنسبة للوحدات العسكرية التي شكلتها الإمارات منذ سنة 2010، بمساعدة رئيس شركة بلاك ووتر الأمنية الأمريكية، إريك دين برنس.

في الحقيقة، يتمثل دور إريك دين برنس في انتداب جنود وافدين من دول أمريكا اللاتينية، مع العلم أن الإماراتيين يفضلون الجنود الكولومبيين الذين اكتسبوا خبرة قتالية خلال حروب العصابات. ومن بين هؤلاء الجنود المرتزقة، أرسلت  الإمارات حوالي 1800 عنصرا  إلى اليمن لتحريرها من سيطرة الحوثيين.

وزير الدولة الإماراتي قرقاش: “نحن نحاول حماية أوروبا من المتطرفين”

في سنة 2014، أصدر محمد بن زايد قرارا يقضي بوجوب أداء الخدمة العسكرية بالنسبة للمواطنين الإماراتيين لمدة سنتين، بينما تدوم فترة تجنيد الأكاديميين تسع أشهر فقط. وفي سنة 2015، لقي 53 جنديا إماراتيا حتفهم على خلفية غارة جوية حوثية استهدفت معسكرهم. وتعد هذه الحصيلة الأثقل منذ استقلال الإمارات في سنة 1971.  وعلى الرغم من انسحاب الجنود الإماراتيين من أرض المعركة، إلا أن الإمارات مددت من فترة تمركزها العسكري في الأراضي اليمنية.

تساند الإمارات ومصر المشير خليفة حفتر الذي يعد  الرجل الأكثر نفوذا في شرق ليبيا، فضلا عن أنه قائد الجيش الوطني الليبي الذي يعد مزيجا من الميليشيات والمرتزقة

بالإضافة إلى ذلك، استأجرت الإمارات قاعدتين عسكريتين في إريتريا والصومال لدعم العمليات العسكرية في اليمن والقضاء على عمليات القرصنة والإرهابيين في القرن الأفريقي، فضلا عن تأمين الطرق  البحرية. خلال تدخلها العسكري في اليمن، كانت الإمارات منشغلة بمحاربة الحوثيين والقضاء على تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

في هذا الصدد، صرح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية قرقاش أن “الحرب في اليمن عززت من قوة تنظيم القاعدة، علما وأن اليمن تضم حوالي 2000 مقاتل يخططون للانتشار في برلين ونيويورك، فضلا عن أبو ظبي ودبي” . وعلى الرغم من أن قرقاش لمح إلى أن بلاده تفكر في حماية أوروبا من المتطرفين، إلا أن أوروبا كانت بالفعل مسرحا  لعدد من العمليات الإرهابية. وفي سياق مغاير، أفاد قرقاش أن “تقسيم اليمن أمر يخص الشعب اليمني”.

مصر والإمارات ضد قطر وإيران

تساند الإمارات ومصر المشير، خليفة حفتر الذي يعد  الرجل الأكثر نفوذا في شرق ليبيا، فضلا عن أنه قائد الجيش الوطني الليبي الذي يعد مزيجا من الميليشيات والمرتزقة. ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، كسرت مصر والإمارات أمر حظر الأسلحة المفروض على ليبيا وشنتا غارات جوية على عدة أهداف في ليبيا. على العموم، تخوض كلتا الدولتين حربا بالوكالة في ليبيا ضد الجماعات المتطرفة.

علاوة على ذلك، ترغب مصر والإمارات في إبعاد إيران وقطر، حليفتي حركة حماس، من التدخل في الشأن الداخلي لقطاع غزة. من جهة أخرى، حثت مصر حماس على القبول بتشكيل حكومة وحدة وطنية مع حركة فتح وتسليم إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية. من جهة أخرى، تعمل مصر على تعبيد الطريق للوصول للسلطة أمام القيادي بحركة فتح المقيم في أبو ظبي، محمد دحلان، لخلافة رئيس السلطة الفلسطينية الحالي، محمود عباس.

المصدر: زود دويتشه تسايتونغ