في بداية نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ، تعهَّد الرئيس السوداني عمر البشير بتسليم السودان في عام 2020 كاملًا وخاليًا من الصراعات، معتبرًا أن التمرد في دارفور يوشك على الانتهاء، تصريح البشير جاء خلال مخاطبته مؤتمر اتحاد الشباب بالعاصمة الخرطوم، وتابع بقوله “نحن عهدنا معكم بأن نُسلمكم السودان في 2020 نظيفًا، سودان كامل نضعه في منصة الانطلاق ليكون في موقعه الحقيقي”.
وقبل يومين، جدد عمر البشير تصريحات فُهم منها زهده في الاستمرار رئيسًا للبلاد عندما خاطب أهالي ولاية الجزيرة “وسط السودان”، قائلًا إنه سيدعم ترشيح “محمد طاهر إيلا” في انتخابات 2020 إذا ما رشحه مواطنو الجزيرة.
مسألة خلافة الرئيس البشير “73 عامًا”، تثير الجدل في أوساط الشارع السوداني عمومًا والحزب الحاكم على وجه الخصوص، في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية القاتمة التي يمر بها السودان، وقد طُرح من قبل أن أوفر المرشحين حظوظًا لخلافة البشير هو نائبه ورفيق دربه الجنرال بكري حسن صالح باعتباره أقرب المقربين للرئيس ويحوز ثقته التامة.
لكنّ فكرة إسناد منصب الرئاسة لحاكم ولاية الجزيرة محمد طاهر إيلا لم تكن وليدة اللحظة فقد طُرحت بقوة من قبل في العام 2015 فور انجلاء معركة الانتخابات التي فاز فيها عمر البشير، حيث أنشأ نشطاء على موقع فيسبوك صفحة تحمل عنوان (كلنا إيلا رئيسًا للجمهورية)، ووصف هؤلاء الشباب أنفسهم بالمستقلين الذين ليس لديهم انتماء لأي حزب سياسي، وذكروا أنهم أسسوا هذه الصفحة من أجل التصدي للسؤال الذي يدور في أذهان الشعب السوداني: “من يكون بديل عمر البشير”.
من محمد طاهر إيلا؟
ﻭُﻟﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻃﺎﻫﺮ إﻳﻼ في ﺠﺒﻴﺖ “شرق السودان” عام 1951، وﻳﻨﺘﻤﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻭﺍﻟﺪﻩ إلى عائلة “الأﻣﻴﺮﺍﺏ” ﻭﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻷﻡ ﻳﻨﺤﺪﺭ ﻣﻦ عائلة “ﺍﻟﻘﺮﻋﻴﺐ” ﻓﻬﻮ “ﻫﺪﻧﺪﻭﻱ” ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﺘﻴﻦ، ﻭﺍﻟﻬﺪﻧﺪﻭﺓ ﺃﻛﺒﺮ ﻗﺒﺎﺋﻞ قومية ﺍﻟﺒﺠﺎ، تلقّى تعليمه الابتدائي في مدرسة جبيت، والأوسط في سنكات، قبل أن ينتقل إلى مدرسة بورتسودان ليدرس بها المرحلة الثانوية، وبعدها جاء إلى العاصمة ليدرس في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها وهو يحمل درجة بكالريوس الشرف في الاقتصاد.
يتمتع إيلا بشعبية جارفة لدى مواطني الجزيرة الذين يرى جزء كبير منهم أنه أفضل حاكم مر على تاريخ الولاية
يقول ﻋﻨﻪ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﻭﺭﻓﻴﻖ ﺩﺭﺑﻪ ﻋﻮﺽ ﺣﺎﺝ ﻋﻠﻲ ﻣﺪﻳﺮ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻨﻴﻠﻴﻦ الأسبق: “ﺇﻧﻨﻲ ﻭﻣﺤﻤﺪ ﻃﺎﻫﺮ إيلا ﺗﺰﺍﻣﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1967، ﻭﻛﺎﻥ إﻳﻼ ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﻲ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﺪﺭﺳﺔ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺑﻄﻨﺎ ﻋﻼقات ﺃﺳﺮﻳﺔ ﻭﻃﻴﺪﺓ ﻭﺭﺍﺳﺨﺔ، ﺩﺧﻠﻨﺎ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ معًا، ﻭﻋﻤﻠﻨﺎ ﺿﻤﻦ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ، ﻭﻛﺎﻥ إيلا ﻣﻦ ﻗﻴﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻜﻮﺍﺩﺭ ﺍلإﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺛﻮﺭﺓ ﺷﻌﺒﺎﻥ، ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﺨﺮﺝ ﻋﻤﻞ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧي ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﻭﻋﻤﻠﺖ ﺃﻧﺎ أﺳﺘﺎﺫًﺍ ﻓﻲ الجامعة، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ابتُعث ﻟﺠﺎﻣﻌﺔ كارديف ﻟﻨﻴﻞ ﺍﻟﻤﺎﺟﺴﺘﻴﺮ ﻛﻨﺖ ﺃﺯﻭﺭﻩ ﺑﺤﻜﻢ ﺯﻳﺎﺭﺗﻲ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ”.
أما أبرز المحطات المهنية التي شغلها محمد طاهر إلى جانب عمله مديرًا للمواني البحرية، فكانت حقيبة وزارة التجارة الخارجية ثم عمل وزيرًا للطرق والجسور، غير أن أشهر المناصب التي شغلها الرجل منصب والي “حاكم” ولاية البحر الأحمر، وآخرها حاكم ولاية الجزيرة الذي يشغله حاليًّا.
لماذا يُرشَّح إيلا لمنصب الرئيس؟
ذكرنا أن بعض الشباب دشنوا قبل عامين صفحة على فيسبوك لتبني ترشح محمد طاهر إيلا للرئاسة، وقد وجد هذا المقترح استحسانًا من الناشطين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي نظرًا للإنجازات التي حققها طاهر إبان فترة حكمه لولاية البحر الأحمر الشرقية التي ينحدر منها.
فقد شهدت الولاية وعاصمتها مدينة بورتسودان نقلة نوعية وتحديثًا في البنية التحتية وجودة الطرق وجذب الاستثمارات، واهتم كذلك، بنظافة وتجميل المدينة حتى غدت جاذبة للسياح والزوار من داخل السودان ومن الخارج خصوصًا الذين تستهويهم رياضة الغوص والشُعب المرجانية التي تشتهر بها الولاية وسواحلها، إلا أن منتقديه يرون أنه ركّز على تجميل عاصمة الولاية، ولم يهتم بتطوير الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم.
وفي ولاية الجزيرة التي انتقل إليها عام 2015 بقرار جمهوري، عمل إيلا على إصلاح وتجميل حاضرتها مدينة ودمدني، واستفاد من الانتقادات التي وجهت إليه في البحر الأحمر، فقد اهتم بإنشاء المدارس والمراكز الصحية والطرق الداخلية التي عمّت أرجاء الولاية، ولذلك، فإنه يتمتع بشعبية جارفة لدى مواطني الجزيرة الذين يرى جزء كبير منهم أنه أفضل حاكم مر على تاريخ الولاية، وفي المقابل يعتقد بعض الناقدين أن الرجل خلق صراعات ومشاكل مع الجهاز الرقابي (المجلس التشريعي)، وأن تقرير المراجع العام أظهر مخالفات مالية خلال السنتين التي تولى فيهما إيلا حُكم ولاية الجزيرة.
هناك رغبة جارفة لدى السودانيين عمومًا في التغيير بعد مُضي 28 عامًا من حُكم البشير، إذ ضاق بهم الحال ووصلت الأوضاع الاقتصادية إلى مرحلة غاية في السوء سجَّل معها الجنيه السوداني هبوطًا غير مسبوق حيث انخفض إلى أكثر من 28 جنيهًا مقابل الدولار
انتصر الرئيس عمر البشير عدة مرات للرجل، آخرها في نزاعه مع المجلس التشريعي وبعض القيادات السياسية في المؤتمر الوطني “الحاكم” في الولاية، إذ حسم البشير هذا النزاع لصالح إيلا عبر مرسوم جمهوري قضى بحل المجلس التشريعي (البرلمان)، وفرض حالة الطوارئ في الولاية.
لم يكن هذا التدخل الأول للبشير لصالح محمد طاهر، إذ سبق أن أوقف مساعي قادها عدد من رموز الحزب الحاكم في الولاية لعزله عبر تقديم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بذلك.
فرص نجاحه في الانتخابات
تبدو فرص محمد طاهر إيلا في الفوز بانتخابات 2020 كبيرة إذا ما قُدِّر له الترشح باسم الحزب الحاكم، فهو يتمتع بثقة واسعة وسط عامة السودانيين والشباب على وجه الخصوص، لكن التحدي يكمن في كيفية حصوله على فرصة الترشح لأن الصراع المحتدم بين مراكز القوى في الحزب الحاكم والأجهزة الأمنية والعسكرية يجعل الإجماع على مرشح مثل إيلا أمرًا صعبًا، والتحدي الآخر يتمثل في تنفيذ الرئيس البشير لوعوده التي قطعها على نفسه بعدم الترشح، إذ إن الأخير تراجع عدة مرات عن تنفيذ قرار التنحي في انتخابات 2010 والانتخابات الأخيرة في 2015.
فرغم أن الدستور لا يسمح حالًًّا للبشير بالترشح لفترة رئاسية جديدة فإن موافقة البرلمان على تعديل الدستور من أجل إعادة ترشحه ليس بالأمر الصعب نسبة للأغلبية الميكانيكية التي يمتلكها الحزب الحاكم في المجلس الوطني “البرلمان”.
ولا ننسى أيضًا، أن هناك رغبة جارفة لدى السودانيين عمومًا في التغيير بعد مُضي 28 عامًا من حُكم البشير، إذ ضاق بهم الحال ووصلت الأوضاع الاقتصادية إلى مرحلة غاية في السوء سجَّل معها الجنيه السوداني هبوطًا غير مسبوق حيث انخفض إلى أكثر من 28 جنيهًا مقابل الدولار.