تسعى المملكة المغربية بقيادة العاهل محمد السادس، إلى المزيد من تمتين علاقاتها مع باريس باستغلال شبكات نفوذها بفرنسا المتكونة من عشرات السياسيين والفنانين والمشاهير الذين يتم تحريكهم كوسائط خدمة لرسائل ومصالح المملكة في هذا البلد الأوروبي.
شبكة نفوذ واسعة
ما فتئ المغرب يستغل المصالح الاقتصادية والاستراتيجية وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب لتوسيع علاقاته مع فرنسا، فضلاً عن استغلاله لشبكة نفوذه المنتشرة هناك لتمتين هذه العلاقات، الأمر الذي يفسر الزيارات المتكررة لرؤساء الحكومة والوزراء والبرلمانيين الفرنسيين إلى الرباط.
ودائمًا ما يعتمد المغرب على أصدقائه الكثيرين في مجال الأعمال والفنون والثقافة مثلما هو الشأن بالنسبة للمجال السياسي، لتقوية علاقاته مع باريس وتعزيز نفوذه هناك، ومؤخرًا عين الرئيس إيمانويل ماكرون الكاتبة الفرنسية من أصل مغربي ليلى سليماني المعروفة بقربها من القصر الملكي المغربي في منصب الممثلة الشخصية للرئيس مكلفة بالفرنكوفونية، ويعد هذا المنصب رفيعًا للغاية في فرنسا.
سبق أن شغل المغربي الكراب منصب مستشار سيغولين روايال، وكذلك مستشار رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي
وتبرز قوة اللوبي المغربي في فرنسا في تمكنه من إقناع ماكرون في مايو الماضي، بسحب ترشيح الجزائرية ليلى عيشي من قائمة مرشحي حزب “الجمهورية إلى الأمام” عن دائرة فرنسيي الخارج بغرب وشمال إفريقيا التي تضم 16 دولة بينها المغرب والجزائر وتونس، وتعويضها بالمغربي مجيد الكراب، إثر الجدل الذي أثاره موقفها من موضوع الصحراء الغربية.
وسبق أن شغل المغربي الكراب منصب مستشار سيغولين روايال، وكذلك مستشار رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، ومستشارًا للكاتب الأول للحزب الاشتراكي الفرنسي، ورافق إيمانويل ماكرون خلال الجولات التي قام بها في دولتي الجزائر وتونس.
اللوبي اليهودي المغربي
كثيرًا ما يعتمد المغرب على اليهود المغاربة المقيمين في فرنسا الذين لديهم تأثير قوي في السياسة الفرنسية ويعتبر يهود المغرب من خلال جمعيتهم المسماة “ودادية يهود المغرب” من أقوى التنظيمات التي تسيطر على “المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية” بفرنسا (الكريف) من حيث اللوبي المالي والسياسي فيها، حيث يعتبر أندري أزولاي مستشار ملك المغرب محمد السادس، أحد أقوى رجالات الجمعية بسبب تمويله بنسبة معتبرة من الأموال لخزينة المنظمة.
أندري أزولاي مستشار الملك
ومن أهم الشخصيات التي يعتمد عليها المغرب، فضلاً عن أندري أزولاي مستشار الملك نجد بتريك درايي الذي يعتبر المالك الجديد لشركة “إس إف أر”SFR) ) للاتصالات الفرنسية وهي من أكبر الشركات الفرنسية ولها تأثير قوي على رجال السياسة، وباتريك درايي هو يهودي من أصول مغربية (لديه الجنسية المغربية والإسرائيلية ) ويقيم في سويسرا ويعتبر خامس كبار الأثرياء في فرنسا، وساهم في نقل فروع شركة (إس إف أر) إلى المغرب.
ونجد أيضًا، بارنارد موراد، وهو يهودي من أصول مغربية، يعمل في مجال الإشهار والنشر، وكان له دور كبير إلى جانب باتريك دراي في الحملات الانتخابية للحزب الاشتراكي ودور في الإشراف على تسيير حملة الرئيس الفرنسي السابق هولاند خلال ترشحه في الرئاسيات، ولهما علاقات كبيرة مع مانويل فالس رئيس الحكومة الفرنسية السابق.
الجالية المغربية
إضافة إلى هذا اللوبي اليهودي، ما فتئ المغرب يستغل جاليته الموجودة في فرنسا، للتقرب إلى صناع القرار في باريس، حيث توجد أكبر جالية مغربية بالخارج بفرنسا، فيبلغ عددهم نحو مليوني مغربي، كما تستقبل الجامعات الفرنسية 61% من إجمالي الطلبة المغاربة الراغبين في استكمال دراستهم في الخارج والذي يصل عددهم إلى 300 ألف طالب، وهو أكبر عدد بين الطلبة الأجانب.
البُعد الاقتصادي
هذا اللوبي استغله المغرب لتقوية علاقاته الاقتصادية مع فرنسا، إذ تعرف العلاقات الاقتصادية بين البلدين، تقدمًا كبيرًا، حيث تعتبر فرنسا الشريك التجاري الثاني للمملكة المغربية بعد إسبانيا، فيتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 9 مليارات يورو، ورغم أن الميزان التجاري بين البلدين يظل لصالح فرنسا، فإن السوق الفرنسية يستوعب أكثر من 4 مليارات يورو من الصادرات المغربية، كما يعتبر المغرب من بين الوجهات الآمنة للمجموعات الاقتصادية الفرنسية، ويتجلى ذلك من خلال نوع الاستثمارات الفرنسية بالمغرب.
تتركز الاستثمارات الفرنسية بالمغرب بنسبة 41.4% في الصناعة
وتنظر فرنسا إلى المغرب باعتباره مركزًا اقتصاديًا رئيسيًا وبوابة إلى الأسواق الواعدة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فالاستثمار في المغرب أصبح أحد أهم أهداف بعض الشركات الكبرى والمتوسطة الفرنسية، بسبب اليد العاملة غير المكلفة، فضلاً عن الإعفاءات الضريبية لسنوات عديدة، والإعفاءات الجمركية لعمليات الاستيراد والتصدير، وتحتل الشركات الفرنسية صدارة الشركات الأجنبية بالمغرب، ويضم المغرب حاليًّا 800 فرع لشركات فرنسية بينها 33 شركة من ضمن مؤشر “كاك 40” (المؤشر الرئيسي في بورصة باريس لأكبر أربعين شركة فرنسية)، كما تؤمن فرنسا ثلث الاستثمارات الأجنبية في هذا البلد.
ارتفاع قيمة الاستثمارات الفرنسية في المغرب
ويفيد البنك المركزي الفرنسي أن رصيد الاستثمارات المباشرة الفرنسية بالمغرب وصل إلى 9.3 مليار يورو، حيث تمثل 57.4% من مجمل استثمارات البلد الأوروبي في شمال إفريقيا و18.7% من استثماراته في القارة الإفريقية.
وتتركز الاستثمارات الفرنسية في المغرب بنسبة 41.4% في الصناعة، متبوعة بالعقار بنسبة 29.5%، والأنشطة المالية بنسبة 8.6%، والماء والتطهير بنسبة 5.4%، أما في المجال السياحي، فيتصدر السياح الفرنسيون لائحة السياح الذين يزورون المغرب بنسبة 32% من إجمالي عدد السياح، حيث زار في العام الماضي 3.3 مليون سائح فرنسي المغرب.