بين ليلة وضحاها، انقلب المشهد السياسي في مصر رأسًا على عقب، فقد نفخ الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق، بإعلان ترشحه رئيسًا أمام عبد الفتاح السيسي في الانتخابات المقبلة، الروح مرة أخرى بأوردة الحياة السياسية، في وقت كانت تستعد فيه لموارة الثرى، إثر انسداد مسارات العمل السياسي أمام أي أفق للتغير.
ويبدو أن الجيش المصري، سيظل وحده حتى إشعار آخر، صاحب الاختصاص في تشكيل مستقبل مصر، خصوصًا بعدما ترشح أحد أبنائه أيضًا ـ وإن لم يكن وجهًا معروفًا ـ بعد ساعات من شفيق، بجانب سامي عنان، العجوز الذي لا يزال جرحه العسكري والسياسي ينزف بشدة من السيسي والذين معه.
شفيق ليس وحده.. ماذا ينتظر السيسي من أبناء الجيش المصري؟
كان يومًا ساخنًا بالأمس، أعلن شفيق ترشحه للرئاسة، تلاه بيان أذيع على قناة الجزيرة القطرية حصرًا، يطالب فيه رئيس وزراء مصر الأسبق والعدو اللدود للسيسي، دولة الإمارات بعدم التدخل في الشؤون المصرية، كما طلب السماح له بمغادرة البلاد فورًا، بعدما ألمح إلى محاولات غير مباشرة تستهدف محاصرته ومنعه من السفر، لإخلاء الساحة للسيسي.
ساعات من الإفاقة الجبرية لجموع الشعب المصري، صاحبت إعلان ترشح شفيق، مرورًا بالدراماتيكية التي صاحبت الساعات اللاحقة على قراره، ومن مناوشات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى قنبلة أخرى أطلقت دخانها في سماء معركة الرئاسة، حيث قرر مرشح آخر ينتمي للمؤسسة العسكرية ويحمل رتبة عقيد، خرج بزيه العسكري وقرر في تزامن غير بريء مع بيان شفيق، خوض النزال ومنافسة السيسي على بطاقة الحكم في 2018.
خطاب اعتزام الترشح لرئاسة مصر
عقيد دكتور مهندس في القوات المسلحة أحمد قنصوه، هكذا قدم نفسه معلنًا رغبته في خوض السباق الرئاسي، وسط ابتسامة لم تفارقه بما للتماهي مع العنوان الذي اختاره شعارًا لحملته الانتخابية “هناك أمل”، وزاد الرجل بتأكيد أن الترشح الذي يعلنه الآن لا يعني تمردًا على القوات المسلحة، بل ضرورة رآها للحفاظ على هذا البناء الوطني.
وقنصوه من مواليد فبراير1976، الشرقية، مركز منيا القمح، قرية أنشاص، لوالد كان ضمن صفوف القوات المسلحة المصرية برتبة نقيب احتياط خلال حرب أكتوبر 1973، ومنها حصل على نوط الواجب، بينما كانت والدته من حملة المؤهلات العمليا، حاصلة على ليسانس الآداب، وهو زوج لطبيبة صيدلانية بوزارة الصحة، ووالد لطفلين بالمرحلة الابتدائية “بنت وولد” ولديه 3 أشقاء، بحسب نص تعريفه لنفسه على صفحته الشخصية بـ”فيسبوك”.
ينتقد قنصوه سياسات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقال إنه قام بمقاضاته لتنازله عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وبتصفح حسابه على فيسبوك، تبين أن هناك عدة منشورات تهاجم سياسات الحكومة، قائلاً في أحدها، إن الكيل طفح والعار يليق فقط بمن يرتكبونه أو يؤيدونه أو يبررونه أو يصمتون عنه، وهو لا يستحقه.
ويضيف: “السجن على كراهته لأحب إليَّ من وقفتي في المستقبل مطأطئ الرأس أمام أولادي وهم يسألونني عن عقيدتي كضابط وكيفية تعاملي مع الأمر وإدخاله على نفسي، وعن دَوْري عندما حدث ما حدث”.
أحمد قنصوه عن سياسات السيسي: العار يلاحقنا
وفي تدوينة أخرى بتاريخ 13 من أبريل الماضي، كتب قنصوه يهاجم سياسات السيسي ويتوعدة بالمقاضاة، مؤكدًا أنه قد بدأ في إجراءات مقاضاة رئيس الجمهورية بصفته، لإلغاء القرارات الإدارية وإيقاف مشاريع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتحديد وضعية جزيرتي “تيران وصنافير”، حتى يُوضع الأمر بعد الشرح اللازم المدعم بالأسانيد القانونية وغيرها، أمام الشعب ليقول كلمته الفصل في أدق أمور السيادة، وعملاً بأحكام الدستور المصري.
وتابع قنصوه في بيانه، أنه وكّل في ذلك طارق العوضي المحامي المقرب من معسكر 25 يناير، ليرفع دعوى أمام قضاء المشروعية بمجلس الدولة، مضيفًا بلهجة ممتزجة بالسخرية: ملجأنا الأخير إن كان لنا بعد الله ملجـأ!
قنصوه يقاضي السيسي بسبب تيران وصنافير
حتى هذه اللحظة لم يتبين لأحد حقيقة بيانات قنصوه، ولكن التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي من حسابات أغلبها لأبناء القوات المسلحة ومن قيادات لها علاقة بتخصص المرشح الشاب لرئاسة الجمهورية تؤكد صدق انتماء الرجل للجيش المصري، ووضوح مواقفه الثورية إلى حد ما، ولكن صغر سنه نسبيًا، وعدم امتلاكه رصيد سياسي أو عسكري معروف لأبناء الشعب المصري، يجعل فرصه ضعيفة في مقابل شفيق وعنان الذي يقف على الضفة الأخرى للنهر، وينتظر من يشجعه أو يأخذ بيده وربما حانت اللحظة التي كان ينتظرها.
سامي عنان.. الجريح الذي ينتظر اللحظة الفارقة
في مارس من العام الحاليّ، رصدت أجهزة أمنية سيادية، عدة اتصالات بين سامي عنان رئيس الأركان الأسبق وعدد من رجال الأعمال ومالكي القنوات الفضائية وبعض المسؤولين الحكوميين السابقين، كانت المكالمات تدور في إطار محاولات عنان الاستعداد الأمثل لـ”تجهيز” نفسه قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، ويبدو أنه كان في انتظار من يدفعه لذلك حتى لا يظهر في الصورة وحيدًا وهو يعلم جيدًا عقبات ذلك.
تصدر أحمد بهجت مالك مجموعة قنوات دريم المصرية، وكذلك طارق نور صاحب قناة القاهرة والناس، قائمة المتهمين بتصعيد عنان للواجهة، سعى رئيس الأركان الذي وجه له السيسي ضربات عدة، منذ بداية عزله عن منصبه العسكري، بعد توليه منصب وزير الدفاع خلال فترة تولي الرئيس محمد مرسي حكم مصر.
مرورًا بإقصائه عمدًا من أمامه في الانتخابات الرئاسية المصرية، وتجاهل دعوته في الفعاليات العسكرية والسياسية كافة التي صاحبت عهد السيسي، إلى استقطاب الإعلاميين المتحفظين على أداء النظام، وكذلك المسؤولين الحكوميين السابقين الذين عمل معهم في أوقات سابقة لاستطلاع رأيهم في مسألة خوض الانتخابات، وما إذا كان النظام جادًا في إجراء انتخابات رئاسية العام المقبل من عدمه، مما يؤكد رغبته في العودة للساحة السياسية.
التقرير السري الذي نشره موقع العربي الجديد، ونقلته عنه بعض الصحف والمواقع المعارضة للسيسي، استعانوا فيه برأي العميد محمود قطري الخبير الأمني الذي قبض عليه مؤخرًا وجرى اقتياده إلى جهة غير معلومة، وزعم قطري وقتها أن المخابرات الحربية هي التي تتولى مراقبة سامي عنان، لا سيما أنه كان قائدًا عسكريًا كبيرًا، خصوصًا بعدما قام بتأسيس حزب سياسي يدعى “مصر العروبة”، وأصر على الترشح في الانتخابات الرئاسية الماضية، قبل أن يتنازل في وقت متأخر حرصًا على لم شمل الأسرة العسكرية في وقت عصيب بتاريخ مصر.
مؤتمر صحفي للفريق سامي عنان لإعلان موقفه من الترشح لانتخابات الرئاسة
رغم وضوح ما كان يريده رجب هلال حميدة الأمين العام لحزب مصر العروبة، قبل عدة أشهر، بعدما أدلى بتصريحات عبر قناة مكلمين الإخوانية، فالرجل اعتاد إثارة الجدل والبقاء في صدر المشهد السياسي والإعلامي بعدما تنحى عنه رغمًا عنه بعد ثورة 25، فإن عنان وحميدة ربما يبنيان مواقفهما القادمة على هذه المفصلية، إذا ما تخلت جماعة الإخوان عن حالة الخمول السياسي، وقررت مساندة أحد المرشحين للخلاص من غريمها، وقد يكون عنان الأقرب لها، في ظل عدائها المعروف لشفيق، إلا لو تدخلت الأطراف الوسيطة وقررت تغيير الدفة لصالح الخصم السابق في محاولة لتنظيم الصفوف للخلاص من السيسي.
ما يضيف مصداقية على تقرير “العربي الجديد”، ما زعمه الدكتور محمد الباز رئيس تحرير جريدة الدستور وأحد المقربين من نظام السيسي، عن رصد مليار دولار لتمويل حملة الفريق سامي عنان في انتخابات الرئاسة 2018، وأشار قبل أشهر إلى أن رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، يمّد خط تواصل مع الإخوان المسلمين بشكل واضح جدًا، كما أنه يغازل قاعدة المتعاطفين معهم.
وأكد الباز أن حميدة لا يمكن أن يتصرف بشكل عابر، وما يفعله له معنى ولا يستطيع أحد استدراجه في الحديث، وهو جزء من تجربة سياسية جديدة تتشكل على الأرض، خصوصًا أن عنان كان له سابقة في التنسيق مع أيمن نور ومحمد البرادعي عقب عودته من أمريكا خلال ثورة 25 يناير، مما يعني أن عودة التنسيق مع الفرقاء أمر غير مستبعد تمامًا بما في ذلك الإخوان، زاعمًا أن عنان كان يريد عمل انقلاب عسكري على الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، حسبما ورد في كتاب مصطفى بكري نائب البرلمان المقرب من الجهات السيادية وسامي عنان نفسه.
حديث شفيق كشف عما يسميه البعض الصراع الدائر بين الأجهزة الأمنية
إلى أي فريق يقف الجيش في معركة الرئاسة؟
قبل ثلاثة أعوام من الآن، وقبل أن يتولى السيسي رئاسة الجمهورية، تنبأ أحمد شفيق بما يحدث، وهاجمه بشدة في تسجيل تم تسريبه من خلال شبكة رصد الإخبارية المحسوبة على جماعة الإخوان، ووصفه بالجهل وقلة الخبرة، كما هاجم موقف المجلس العسكري الداعم لترشح السيسي للرئاسة، قائلاً: “لا يوجد شيء اسمه قوات مسلحة تدعم مرشح للرئاسة هذه سابقة لا مثيل لها”، مؤكدًا أنه لن يترشح في الانتخابات حال ترشح السيسي لأن الانتخابات ستكون هزلية في ظل تسخير الدولة كلها لصالحه.
لم تكن الأزمة في التسريب أو داوفعه، ولكن حديث شفيق كشف عما يسميه البعض الصراع الدائر بين الأجهزة الأمنية، بما يعكس ربما حجم الخلاف غير المعلن بين أجنحة السلطة، خصوصًا أن هناك تعاطفًا كبيرًا مع شفيق، بسبب الصلف غير المتوقع من النظام الحاليّ ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وآخر رئيس وزراء في عهده أحمد شفيق الذي جرى إجباره هو الآخر على البقاء خارج البلاد، وهو ما دفع شفيق في حديثه المسرب لإبداء امتعاضه من انحياز المؤسسة العسكرية بل وإقحام نفسها في العملية السياسية بما يؤثر على دورها في المستقبل.
تسريب للفريق أحمد شفيق يهاجم فيه السيسي وينتقد ترشحه للرئاسة
موقف شفيق وقتها، جذب إليه الكثير من قطاعات المدنيين، حتى هؤلاء الذين كانوا يعارضون عودة مبارك ورجاله، ما قاله شفيق عن خطورة تدخل الجيش بشكل مباشر لدعم السيسي، لم يجرؤ على التفوه به القوى المدنية التي تجمدت أطرافها عن الحديث في هذا التوقيت، ورغم سرية حديث شفيق وعدم علانيته، ولكنه على الأقل كشف لغة جديدة على الخطاب المعتاد من العسكريين تجاه كل ما له علاقة بكيفية إدارة المسارات السياسية في مصر.
من كل الكيفيات السابقة، قد يبدو موقف القوات المسلحة في ظل قيادتها الحاليّة منحاز للسيسي بشكل واضح، ولكن شعبية شفيق والقطاعات التي انشقت عن الرئيس وغضب الشارع وعلو صوت المعارضة مرة أخرى والصراعات الإقليمية والعقيد قنصوه الذي يمثل جيلاً مختلفًا من الشباب في المؤسسة العسكرية، ودفع بنفسه غاضبًا إلى خوض مواجهة غير محسوبة، لن تُسّهل من مهمة أي قوة تحاول مساندة السيسي، في ظل طفو رواسب النهر القديم على جانبي الطريق الوحيد، الذي كان يمنحه عرش مصر فترة أخرى دون جهد أو مشقة!