ما إن يبرز خيط أمل يتشبث به الليبيون للخروج من أزمتهم المتواصلة منذ قرابة السبع سنوات، حتى يقفز اللواء المتقاعد الذي لا يعترف بشرعية حكومة الوفاق الوطني، خليفة حفتر مجددًا إلى الواجهة لتقويض هذه الجهود ووضع حد لأمل انتظره الليبيون طويلاً.
عرقلة الانتخابات
في الوقت الذي أعلن فيه المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي بدء التجهيز مع المفوضية العليا للانتخابات لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والاستفتاء على الدستور، العام المقبل، بحسب الخطة الأممية المعلنة في سبتمبر/أيلول الماضي، سارع خليفة حفتر إلى إعلان رفضه إجراء هذه الانتخابات إلا وفقًا لشروط أعدها مسبقًا.
خليفة حفتر الذي تُتهم مليشياته بالقيام بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، اشترط عدة أمور حتى يوافق على إجراء الانتخابات في البلاد، من أهمها: نقل مقر مفوضية الانتخابات من العاصمة طرابلس إلى مكان يكون تحت سيطرته حتى يتمكن من توجيه نتائج الانتخابات وفق ما يريد.
ويتهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر إدارة مفوضية الانتخابات بأنها تقع تحت سيطرة موالين لما أسماه بتيار “الإسلام السياسي”، مطالبًا بنقل مقرها من العاصمة إلى أي مدينة أخرى، بحسب ما نقل عنه البرلماني الليبي الصالحين عبد النبي الموالي له.
يمكن لهذه الانتخابات، حسب خبراء، أن توفر قدرًا من الحكم يمكن أن يقطع شوطًا طويلًا في إنشاء المؤسسات القابلة للحياة واللازمة لتحقيق النظام والأمن
تنص المادة الثانية من القانون رقم 3 لسنة 2012، والمتعلق بإنشاء المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا على “تنشأ هيئة مستقلة تسمى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة ويكون مقرها في مدينة طرابلس ولها إنشاء فروع في أنحاء البلاد”، وتعد هذه المفوضية، الجهة الوحيدة التي تتولى الإعداد والتنفيذ للانتخابات في ليبيا والإشراف عليها ومراقبتها وإعلان نتائجها وفقًا للأسس والقواعد المعتمدة للعملية الانتخابية في قانون الانتخابات.
ويؤكد متابعون للشأن الليبي أهمية إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في أقرب الآجال لإخراج البلاد من الأزمات التي تعيش على وقعها منذ سنوات، ويرى هؤلاء أن إجراء الانتخابات في 2018 والذهاب مباشرة إلى الشعب لانتخاب رئيس ومن يمثلهم في برلمان جديد، من شأنه تجاوز جميع التناقضات القانونية وبناء هيكل مؤسسي واحد يمكن أن تتعامل الجهات الفاعلة الإقليمية والمجتمع الدولي معه، كونه يستند إلى الشرعية الانتخابية.
ويمكن لهذه الانتخابات، حسب خبراء، أن توفر قدرًا من الحكم يمكن أن يقطع شوطًا طويلًا في إنشاء المؤسسات القابلة للحياة واللازمة لتحقيق النظام والأمن والازدهار للسكان الذين يعانون من سلسلة طويلة من المشاكل، فالمنتخبون الجدد لهم أن يطلبوا الدعم الدولي لمساعدتهم على القيام بالمهام الموكلة إليهم، ذلك أنهم يتمتعون بالشرعية الكاملة المستمدة من الشعب التي يفتقر إليها الآن كل الأطراف الليبية دون استثناء.
من شأن الانتخابات أن تنهي حفتر
ويرى خبراء أن طلب نقل مفوضية الانتخابات ما هو إلا محاولة من حفتر ومن يقفون ورائه من قوى إقليمية ودولية وبعض دول الجوار، إلى منع إجراء الانتخابات في الموعد المحدد لها ربيع السنة المقبلة، رغبة منهم في تقويض العملية السياسية التي ترمي إلى إخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها منذ إسقاط نظام معمر القذافي في فبراير سنة 2012.
ومؤخرًا، قام مجموعة من مناصري خليفة حفتر بتخريب لوحات المراكز الانتخابية من المدارس في مدينة بنغازي، وإزالة أي دعايا للمفوضية العليا للانتخابات، ورفض المحتجون إجراء أي مظاهر انتخابية في بنغازي، مطالبين بضرورة تفويض حفتر وضرورة تسليمه الحكم في ليبيا دون أي انتخابات.
إطالة أمد الأزمة عسكريًا
نعم فشل حفتر في كسب المعركة عسكريًا، وإنهائها لصالحه رغم الدعم الذي يتلقاه من العديد من القوى الخارجية والداخلية، إلا أنه نجح في إطالة أمد الأزمة في ليبيا، ذلك أنه ما فتئ يستعمل الخيار العسكري لتقويض جهود السلام الرامية لإخراج البلاد من الأزمة التي تعيش على وقعها منذ سنوات.
يقينه التام بخسارته في أي انتخابات رئاسية قادمة، جعله يسعى بما أتى من جهد لعرقلة ذلك، حتى وإن كلفه ذلك الإقدام على القيام بأي عمل متهور وإزهاق المزيد من الأرواح البشرية البريئة وارتكاب جرائم حرب، ففي كل مراحل المفاوضات السياسية كان حفتر المعرقل الأول.
من شأن هذه التهديدات بحسم عسكري أن تؤدي إلى مزيد من التعقيد في المشهد السياسي والأمني في ليبيا
ويستخدم حفتر مليشياته لزعزعة أمن واستقرار ليبيا، وكان محامي أسر ضحايا الحروب توبي كيدمان، قد أعلن أن دعوات قدمت للمحكمة الجنائية الدولية، ومن المنتظر تقديم مثلها لمحاكم أوروبية للمطالبة بمحاكمة حفتر، لأنه المسؤول عن ارتكاب جرائم حرب في ليبيا.
ومن بين الأدلة التي احتواها ملف تقديم الدعوى للمحكمة تسجيلات فيديو وأخرى صوتية إلى جانب صور وشهادات لأشخاص حضروا عمليات القتل من حفتر ومعاونيه لعدد كبير من المعارضين والسجناء.
ومؤخرًا، جدد المتحدث باسم مليشيات حفتر، أحمد المسماري، تهديداته بـ”التحرك للحسم العسكري نهاية هذا العام” إذا لم يتوصل السياسيون إلى اتفاق لحل الأزمة في البلاد، وكانت قيادة قوات حفتر قد أعطت، في يونيو/حزيران الماضي، مهلة ستة أشهر للسياسيين الليبيين لإنهاء أزمة البلاد قبل أن تتحرك لإنهائها بالقوة، نهاية هذا العام، بنهاية مدة الاتفاق السياسي.
ومن شأن هذه التهديدات أن تؤدي إلى مزيد من التعقيد في المشهد السياسي والأمني في ليبيا، كما أنها ربما تبدد الآمال التي صاحبت التحركات والمبادرات التي طرحتها الأمم المتحدة ودول الجوار الإقليمي بهدف التوصل لاتفاق بين الأطراف المتصارعة في ليبيا وآخرها خريطة الطريق التي يتبناها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة.
البحث عن الزعامة
لئن أكد بعض المراقبين أن ما يقوم به حفتر لا يعدوا أن يكون إلا استجابة لإملاءات خارجية لا تريد خيرًا بليبيا وشعبها، فإن آخرين أكدوا أن حفتر يرنوا من خلال أفعاله الشنيعة إلى الزعامة وتصدر المشهد العسكري والسياسي في ليبيا مهما كلفه الأمر.
يسعى حفتر إلى قيادة البلاد
التحق حفتر بداية بالثورة ضد معمر القذافي وأراد أن يؤدي دورًا أساسيًا فيها، وتولَى قيادة القوات البرية للمعارضة، لكنه لم يجد له موقعًا أساسيًا في المعادلة السياسية التي تشكلت بعد سقوط نظام القذافي في فبراير 2011، فاتجه لفكرة الانقلاب العسكري وأعلن انقلابًا وهميًا، في 2014، أصبح على إثره ملاحقًا قضائيًا من حكومة المؤتمر الوطني.
إثر فشل هذا الانقلاب الوهمي اتجه حفتر للمنطقة الشرقية وأطلق ما عُرف بعملية الكرامة التي تكونت من بقايا الجيش والقوات الأمنية والمتطوعين ومرتزقة، وقد استفاد حفتر كثيرًا من حالة الانهيار الأمني والاحتقان الشعبي في تلك المناطق خصوصًا مع استمرار الاغتيالات والتفجيرات لفرض سلطته إلا أنه فشل في تطويع كامل الأراضي الليبية تحت إمرته.