لم يختر الانحناء إلى حين مرور العاصفة، بل خرج كاشفًا عقيدته التي حاول إخفاءها طيلة السنوات الماضية التي يعتقد بموجبها أنه أحد رجال الإمارات المخلصين في تونس، إنه محسن مرزوق الأمين العام لحركة مشروع تونس، أحد الأحزاب المعروفة بقُربها من دولة الإمارات.
مرزوق الذي غابت عنه الكياسة في السياسة خلال الأزمة الأخيرة بين تونس والإمارات، أثار الرأي العام ووجهه ضده، وأكد بما لا يدع مجالاً للشك، أنه رجل الإمارات الأول والمخلص في بلد ثورة الحرية والكرامة، وكفى بالعمالة لهذه الدولة دليلاً على ما يقترفه بعض السياسيين من إجرام في حق شعب أكد في مناسبات عديدة، رفضه تدخل القوى الأجنبية عربية كانت أو غربية في الشأن السياسي الداخلي.
لا يخفى على المتابعين للشأن السياسي التونسي، أن محسن مرزوق داهية في عالم السياسة، فبفضل شبكة علاقاته المتشعبة والغامضة، استطاع ابن مدينة “المحرس” التابعة لولاية صفاقس، إعادة التموضع على الساحة السياسية من جديد
الأمين العام لحركة مشروع تونس، كان يسعه السكوت حتى لا يؤلب عليه النساء التونسيات، لكن يبدو أن الضغوط والأوامر التي تلقاها من المسؤولين في أبو ظبي لم تترك له مجالاً لكتابة بيان يخاطب فيه وجدان المرأة التونسية مثلما يفعل كل مرة، وهو السياسي الذي عُرف أكثر من غيره بالتلاعب بمشاعرها من خلال استخدام خطابات وبيانات منمقة تقطر حبًا وحنيةً واستعطافًا واستعدادًا للقتال دفاعًا عنها، قبل أن يتخلى عنها عند أول امتحان يخوضه.
لا يخفى على المتابعين للشأن السياسي التونسي، أن محسن مرزوق داهية في عالم السياسة، فبفضل شبكة علاقاته المتشعبة والغامضة، استطاع ابن مدينة “المحرس” التابعة لولاية صفاقس، إعادة التموقع على الساحة السياسية من جديد، بعد أن اختار الخروج من حزب نداء تونس الذي رفض قياديوه الرضوخ للضغوط الإماراتية غداة نتيجة انتخابات أكتوبر وديسمبر 2014.
يُعرف عن محسن مرزوق إجادته القفز السياسي العالي واستثمار الأزمات لخدمة مصلحته الشخصية، ولعل المتأمل في تصريحاته وبياناته الصادرة عند كل أزمة داخلية أو حدث مفصلي تمر به تونس، سيلحظ كيف أن “الوطنية المرزوقية” تعادل تعريف الانتهازية التي يعرفها البعض بأنها “السياسة والممارسة الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف مع الاهتمام الضئيل بالمبادئ أو العواقب التي ستعود على الآخرين، وأفعال الشخص الانتهازي هي أفعال نفعية تحركها بشكل أساسي دوافع المصلحة الشخصية.
يقول المثل الشائع “من يلعب على الحبلين يخسر أقرب أحبابه”، وإلى حين خسارة أحبابه، أصبح لزامًا على محسن مرزوق أن يغير عُقد حباله، قبل أن تُحل ويسقط سقوطًا مدويًا لا نخال أن بإمكانه النهوض منه مجددًا
انتهازية الرجل الأول في حركة مشروع تونس والذي يصف نفسه بأنه وريث “الفكر البورقيبي الحداثي”، لم تتجل في موقفه من الأزمة الأخيرة بين تونس والإمارات، فمرزوق “الوطني”، لا يمانع قتل آلاف التونسيين بهدف إسقاط حركة النهضة كما حدث في مصر، كما أنه لا يمانع أن ينتهك الإماراتيون كرامة التونسيات مقابل عدم إيقاف الدعم المالي والمعنوي له.
في وقت سابق وبينما كان التونسيون يُقتلون برصاص نظام ابن علي، كان محسن مرزوق يحشد الرأي العام الدولي لمساندة النظام الديكتاتوري، حتى إنه صرخ في اتصال هاتفي مع أحد إعلاميي قناة الجزيرة قائلا”: “يجب أن يبقى ابن علي في الحكم وإلا سيكون الفراغ”، بالتزامن مع رفضه في مؤتمر وزاري لـ”منتدى المستقبل” الذي عُقدَ في الدوحة في أثناء الثورة أن يتعرض البيان الختامي للأحداث الجارية في تونس.
في تدوينته الأخيرة المدافعة عن الإمارات، هاجم محسن مرزوق قطر ولمح لدورها في هذه الأزمة، كما اتهمها بـ”دعم قوى الظلام” و”زرع الموت والظلام في دولنا العربية”، في وقت تؤكد فيه وثائق “ويكيليكس” تعود إلى عامي 2005 و2006، ارتماء مرزوق في الحضن القطري، حيث كشفت البرقيات المسربة اقتراحه في أحد الاجتماعات مع السفير الأمريكي تأسيس مركز إقليمي تدعمه قطر لتطوير “القدرات والخبرات” في الممارسات الديمقراطية وتعزيز الحوار بين صناع السياسة والمجتمع المدني في تونس.
يقول المثل الشائع “من يلعب على الحبلين يخسر أقرب أحبابه”، وإلى حين خسارة أحبابه، أصبح لزامًا على محسن مرزوق أن يغير عُقد حباله، قبل أن تُحل ويسقط سقوطًا مدويًا لا نخال أن بإمكانه النهوض منه مجددًا حتى وإن تدخل “معلمه” محمد دحلان شخصيًا لإنقاذ الموقف وإصلاح ما أفسده وعي التونسيين الغُيُر على بلادهم.