أيام قليلة بعد نعي اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الاتفاق السياسي في ليبيا وكل جسم منبثق عنه، وتلميحه إلى قرب الالتجاء إلى القوة العسكرية لحسم الصراع في هذا البلد العربي، يطلّ مقربون من حفتر ليؤكّدوا قبول هذا الأخير اجراء الانتخابات في البلاد وفق الخريطة الأممية المعدّة لإنهاء الأزمة الليبية المتواصلة منذ سنوات، فهل استجاب حفتر أخيرا للإرادة الدولية؟
قبول الانتخابات
في تصريح مفاجئ، أعلن المتحدث باسم القوات التي يقودها خليفة حفتر، العميد أحمد المسماري الأربعاء، خلال مؤتمر صحفي، رسمياً، قبولهم ودعمهم للانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها وفق خارطة طريق أممية.
شروط حفتر هذه المرة جاءت عكس شروط سابقة
وطالب المسماري، مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق (شرق)، بسرعة إصدار قانون الانتخابات. وقال: “يجب أن يصدر قانون ترتيب الانتخابات قبل انطلاقها بوقت كافٍ”. وأشار إلى استعداد قواته لتأمين جميع مراكز الاقتراع خلال الانتخابات المقبلة.
وطرح المسماري، شروط قوات حفتر، للاستمرار في دعم الانتخابات، والتي من أهمها أن “تجري الانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، والمجتمع الدولي لضمان نزاهتها“، والسبت الماضي، قال المسماري، في تصريحات إعلامية، إن “القيادة (حفتر) ترحب بخيار الانتخابات، بشرط أن تكون حرة ونزيهة وبإشراف قضائي، وأن تخضع لمراقبة المجتمع الدولي“، على عكس شروط سابقة.
ضغط دولي
حديث المسماري يأتي عقب إعلان حفتر الذي تُتهم مليشياته بالقيام بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، نهاية صلاحية الاتفاق السياسي الليبي في 17 ديسمبر/ كانون أول الجاري، وتأكيد رفضه إجراء الانتخابات في البلاد إلا وفقًا لشروط أعدها مسبقًا، من أهمها: نقل مقر مفوضية الانتخابات من العاصمة طرابلس إلى مكان يكون تحت سيطرته حتى يتمكن من توجيه نتائج الانتخابات وفق ما يريد.
ويرى مراقبون أن تغيير حفتر الذي يرى نفسه على أنه القائد القادر على إنهاء الفوضى التي تعاني منها ليبيا منذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، لموقفه يأتي استجابة لضغوط دولية مورست عليه، فهذا الاعلان جاء بعد لقائه وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، بمدينة بنغازي (شرق)، الخميس الماضي، وتم خلال هذا اللقاء الضغط على حفتر واجباره على الانخراط في استراتيجية عمل الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية، والالتزام بمخرجات حوارات الصخيرات وتونس، ووقف استفزازاته للحكومة الشرعية في طرابلس.
لقاء حفتر بوزير الخارجية الفرنسي
وقال وزير خارجية فرنسا، الخميس، إنه أبلغ القائد العسكري بشرق ليبيا خليفة حفتر بأنه ينبغي عليه احترام عملية السلام، التي ترعاها الأمم المتحدة لإعادة الاستقرار إلى ليبيا. وقال لو دريان للصحفيين بعد اجتماعه مع حفتر في بنغازي “قلت إنه لا بديل (لخطة الأمم المتحدة) أمامك … لا بد أن تضع نفسك في خدمة بلادك”.
ويرى مراقبون، أن حفتر لا يستطيع الاستمرار في العناد والتحدي، ولكنه يناور مستغلا تعاطف بعض سكان الشرق وبعض القبائل معه ليحقق مكاسب سياسية والحصول على ضمانات ملموسة، فهو يرنوا إلى الزعامة وتصدر المشهد العسكري والسياسي في ليبيا مهما كلفه الأمر.
وكان مجلس الأمن الدولي أكد يوم الخميس الماضي على أن الاتفاق السياسي الليبي، الموقع في مدينة الصخيرات المغربية في كانون أول/ ديسمبر 2015، بإشراف المبعوث الأممي مارتن كوبلر لإنهاء الحرب الأهلية الليبية، هو “الإطار الوحيد القابل للاستمرار” لحل الأزمة السياسية في ليبيا، مشددا على أنه ليست هناك حلول عسكرية للأزمة.
تشهد الساحة السياسية الليبية في الفترة الأخيرة حراكا سياسيا من بعض أطراف الصراع داعما لإجراء انتخابات في البلاد
وبالتزامن مع ذلك، أكّدت دول جوار ليبيا (تونس والجزائر ومصر) عقب انتهاء الاجتماع الرابع لوزراء خارجية الدول الثلاثة في تونس، دعمهم اتفاق الصخيرات باعتباره “إطاراً للحل السياسي في ليبيا”. ورحب الوزراء الثلاثة في بيان مشترك “ببيان مجلس الأمن الدولي أخيراً، والمتعلق بالحالة في ليبيا”، وجددوا تأكيد “الدور المركزي والمسؤولية السياسية والقانونية لمنظمة الأمم المتحدة”.
وفي 20 سبتمبر/ أيلول الماضي أطلق المبعوث الأممي غسان سلامة خارطة طريق تقود، في نهايتها، نحو إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بالبلاد، وتعتمد الخارطة التي طرحها سلامة على 3 مراحل من المفترض أن تنتهي مرحلتاها الأولى والثانية خلال عام، بحسب الوعاء الزمني الموضوع في تلك الخارطة. وتنص الخارطة التي لقيت دعما دوليا كبيرا، في مرحلتها الأولى على وجوب “تعديل الاتفاق” (اتفاق الصخيرات)، قبل الدخول بمرحلة ثانية تشمل عقد مؤتمر وطني يهدف لفتح الباب أمام أولئك الذين تم استبعادهم (من جولات الحوار السابق)“.
اجتماع وزراء خارجية دول الجوار لليبيا
وقبل ذلك في منتصف تموز/ يوليو الماضي، أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، مقترحا لخريطة طريق للخروج من الأزمة بالبلاد، تضمنت تسع نقاط في مقدمتها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مشتركة في آذار/ مارس المقبل. وتشهد الساحة السياسية الليبية في الفترة الأخيرة حراكا سياسيا من بعض أطراف الصراع داعما لإجراء انتخابات في البلاد كمقترح أخير ونهائي لحل الأزمة الحالية، وذلك بتأييد قوي من مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة.
مناورة سياسية
يشكك متابعون للشأن السياسي الليبي، في تعهدات حفتر والتزامه باحترام المسار السلمي لحل الأزمة، فهذا ليس التعهد الأول من نوعه إذ سبق لحفتر وخلال زيارته إلى ايطاليا أن أطلق ذات الوعود لكن بحلول 17 ديسمبر انقلب وعاد إلى العرقلة والرفض للاتفاق السياسي.
يرى مراقبون، أن هذا الإعلان ماهو إلا مناورة سياسية من قبل حفتر لربح بعض الوقت وتنظيم صفوف قواته على الأرض
وفي يوليو الماضي أيضا، التزم اللواء المتقاعد خليفة حفتر قائد، إلى جانب رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي فايز السراج بوقف إطلاق النار وتنظيم انتخابات رئاسية ونيابية في أقرب وقت ممكن، وفق مسودة بيان نشرتها الثلاثاء الرئاسة الفرنسية، عقب لقاء جمع الاثنين في باريس بإشراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ويؤكد متابعون للشأن الليبي أهمية إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في أقرب الآجال لإخراج البلاد من الأزمات التي تعيش على وقعها منذ سنوات، ويرى هؤلاء أن إجراء الانتخابات في 2018 والذهاب مباشرة إلى الشعب لانتخاب رئيس ومن يمثلهم في برلمان جديد، من شأنه تجاوز جميع التناقضات القانونية وبناء هيكل مؤسسي واحد يمكن أن تتعامل الجهات الفاعلة الإقليمية والمجتمع الدولي معه، كونه يستند إلى الشرعية الانتخابية.
يعتمد حفتر على القوة العسكرية لتمرير سياساته
ويمكن لهذه الانتخابات، حسب خبراء، أن توفر قدرًا من الحكم يمكن أن يقطع شوطًا طويلًا في إنشاء المؤسسات القابلة للحياة واللازمة لتحقيق النظام والأمن والازدهار للسكان الذين يعانون من سلسلة طويلة من المشاكل، فالمنتخبون الجدد لهم أن يطلبوا الدعم الدولي لمساعدتهم على القيام بالمهام الموكلة إليهم، ذلك أنهم يتمتعون بالشرعية الكاملة المستمدة من الشعب التي يفتقر إليها الآن كل الأطراف الليبية دون استثناء.
ويرى مراقبون، أن هذا الإعلان ماهو إلا مناورة سياسية من قبل حفتر لربح بعض الوقت وتنظيم صفوف قواته على الأرض، حتى يعيد الكرّ ويعيد محاولات السيطرة على البلاد، وتتهم قواته بارتكاب جرائم حرب، ويلاحق بعض قادته في محكمة العدل الدولية.