“قصر المرادية”، قصر الرئاسة في الجزائر، كل من يقترب إليه أو حتى يفكر في الوصول إلى أبوابه الموصودة وفك شفراته المبهمة، يجد نفسه أمام حتمية الإقصاء والإبعاد عن الشأن العام في البلاد التي يطمح أهلها إلى التغيير.
كان ذلك مصير رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس سنة 2003، وعبد المالك سلال سنة 2017، ومصير خلفه عبد المجيد تبون في نفس السنة، وسيكون أيضًا مصير الوزير الأول الحالي أحمد أويحي الذي يطمح أيضًا لخلافة الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة وشغل منصب الرئاسة في الجزائر، وفقًا للعديد من المؤشرات، كما حدث له سنة 2012.
انتقادات حادة
رغم تأكيده في الفترة الأخيرة أنه لن يترشح ضد الرئيس بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن ذلك لم يطمئن منافسيه، ولم يكن كفيلاً بوضع حد للتوجس ضده وضد طموحه الذي سبق أن عبر عنه صراحة في أكثر من مرة.
نتيجة ذلك، بدأ الحديث عن التحضير للإطاحة برئيس الحكومة الحاليّ الجزائري أحمد أويحي (65 عامًا) من منصبه، بغية تقليم أضافره، والحد من طموحه في الوصول إلى قصر المرادية واعتلاء سدة الحكم، خلفًا لبوتفليقة الذي يعاني أزمات صحية متكررة، وكان الرئيس بوتفليقة قد وصل لسدة الحكم سنة 1999 ويقضي الآن فترة ولايته الرابعة.
تعرض أويحي قبل أيام، إلى هجوم حاد من شكيب خليل وزير الطاقة الأسبق، وانتقد خليل في محاضرة بمدينة ورقلة الجزائرية الخيارات الاقتصادية لحكومة أحمد أويحي
ويرى عديد من المراقبين، أن طموح أحمد أويحي زعيم التجمع الوطني الديموقراطي ثاني أكبر حزب في الجزائر وحليف جبهة التحرير الوطني، في الفوز بالرئاسة الجزائرية خلفًا للرئيس بوتفليقة، الذي ازداد بعد نجاحه في استبعاد منافسه عبد المالك سلال من منصب الوزير الأول في مايو الماضي، وتنحية عبد المجيد تبون عن طريقه في أغسطس الماضي، سيصطدم هذه المرة بإرادة حاشية بوتفليقة والماسكين بزمام الحكم.
ومؤخرًا، تعرض أويحي لانتقادات حادة من عديد من الشخصيات السياسية في البلاد خاصة المنضوية صلب حزب جبهة التحرير الوطني الذي يترأسه شرفيًا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وسبق أن قال الأمين العام لجبهة التحرير الوطني (الأفالان) جمال ولد عباس، في اجتماع شعبي: “الرئيس القادم لن يكون إلا أفلانيًا ومن يقترب من الرئاسة عليه أن يخاف”، في إشارة إلى غريمه أويحي.
فضلاً عن ذلك، تعرض أويحي قبل أيام إلى هجوم حاد من شكيب خليل وزير الطاقة الأسبق، وانتقد خليل في محاضرة بمدينة ورقلة الجزائرية الخيارات الاقتصادية لحكومة أحمد أويحي، محذرًا من التداعيات الخطيرة للقرارات الواردة في المخطط الحكومي وخاصة قانون الموازنة العامة لعام 2018، مما يضع استقرار الفئات الاجتماعية على كف عفريت، بسبب عدم قدرتها على مقاومة التدابير الأخيرة القاسية.
انعدام الثقة في أويحي
معظم المقربين من الرئيس بوتفليقة لا يثقون في أويحي ويعتبرونه رجل نظام الجنرالات الذي كان يحكم الجزائر في مرحلة التسعينيات، خاصة أنه المسؤول الوحيد تقريبًا من جماعة العهد السابق (فترة حكم الرئيس السابق اليامين زروال) الذي نجح في البقاء على الساحة السياسية، رغم كل التقلبات و”الانقلابات” التي وقعت خلال العقدين الأخيرين.
ويعتبر جمال ولد عباس، حسب عديد من المتابعين للشأن السياسي في الجزائر، بمثابة المكلف بمهمة تتجسد في التصدي لطموح أحمد أويحي الذي يريد أن يصبح رئيسًا للجمهورية، فكلما عبر أويحي عن طموحه وجد ولد عباس أمامه ينتظره للرد عليه.
الأمين العام لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس
ويعد أحمد أويحي داهية سياسية كبيرة، حيث ملك القدرة على نسج التحالفات مع الإطارات السياسية والعسكرية، فضلاً عن امتلاكه تجربة طويلة في كواليس النظام مما يجعله مصدر خطر بالنسبة لمحيط الرئاسة، خاصة أن المقربين من رئيس الجمهورية يعتبرون أنفسهم الجهة الوحيدة التي لها حق في تسيير ملف رئاسة جمهورية البلاد.
ووصل أحمد أويحي إلى منصب الوزير الأول للمرة الرابعة في تاريخه في الـ15 من شهر أغسطس/آب 2017، بعد أن أنهى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مهام رئيس الحكومة عبد المجيد تبون، وذلك بعد أقل من ثلاثة أشهر على تعيينه.
طموح نحو الرئاسة
ما فتئ أويحي الذي مل من مراوحة المكان بين رئاسة الحكومة والأمانة العامة لحزبه وبعض المناصب الوزارية منذ 1995، يقدم نفسه في كل مناسبة يخرج فيها كرجل دولة، ويعلن مواقف سياسية وتصورات اقتصادية واجتماعية تتجاوز تصورات بوتفليقة، حيث كثيرًا ما تظهر مواقف وبرامج أويحي وكأنها عبارة عن برنامج رئاسي يسعى من خلاله للتربع على كرسي الرئاسة.
يستمد أويحي قوته، حسب مراقبين، من علاقته القوية بالرئيس وشقيقه سعيد بوتفليقة
وسبق أن وجه أويحي بنبرة المرشح الموعود سهام النقد لسياسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والبداية من سياسة بوتفليقة الاجتماعية ورفعه لأجور ملايين العمال، فضلاً عن السكن والتجارة والفلاحة والتعامل مع احتياطات البلاد من النقد الأجنبي، وخلال الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات التشريعية الأخيرة في الجزائر، حرص أويحي، في التجمعات الشعبية والمقابلات التي أجراها، على التأكيد أن لحزبه برنامجًا سياسيًا واقتصاديًا مستقلًا عن برنامج الرئيس، قد يتقاطع معه في كثير من الجوانب لكنه مستقل عنه.
ويرى أويحي الذي شغل منصب الوزير الأول 3 مرات بين عامي 1995 و1998 (إبان رئاسة الأمين زروال) ثم 2003 – 2006 والفترة من 2008 إلى 2012، قبل أن يعود لهذا المنصب مؤخرا، في نفسه المرشح الأمثل لخلافة بوتفليقة في منصب الرئاسة.
ويعرف في الجزائر باسم “رجل الأعمال القذرة” منذ أن عرف نفسه على هذا النحو بعد أن قاد إصلاحات التقشف التي طالب بها صندوق النقد الدولي إبان تسعينيات القرن الماضي خلال الحرب الأهلية التي شهدتها الجزائر وسقط خلالها آلاف الضحايا بين قتيل وجريح ومفقود ومهجر.
أحمد أويحي إلى جانب سعيد بوتفليقة
ويستمد أويحي قوته، حسب مراقبين، من علاقته القوية بالرئيس وشقيقه سعيد بوتفليقة، وهذا ما فسر اعتماد بوتفليقة عليه في رئاسة الحكومة كلما ظهر منافس له على الرئاسة، فالمرة الأولى التي تم تعيينه رئيسًا للحكومة فيها جاءت بعد النزاع بين بوتفليقة ورئيس حكومته “علي بن فليس”، الذي تبين للرئيس أنه كان يطمح لوراثة منصبه، ثم جاء التعيين الثاني عندما انزعج بوتفليقة من رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم سنة 2008، نتيجة رغبة بلخادم في الوصول إلى كرسي الرئاسة خليفةً له.
والمرة الرابعة كانت نفس الشيء، تم استدعاء أويحي بعد أن اكتشف بوتفليقة نية تبون في الوصول إلى الرئاسة، إلا أن هذه المرة سيتم التضحية به لقطع الطريق عليه.