للعام الثالث على التوالي، تستقبل الجزائر السنة الجديدة بإجراءات اقتصادية قاسية، يخشى الجميع أن تؤثّر سلبًا على المقدرة الشرائية للجزائريين وأن تساهم في ازدياد الاحتقان الاجتماعي في هذا البلد الذي يعيش على وقع أزمة اقتصادية حادة نتيجة تراجع أسعار النفط في السوق العالمية.
زيادة في أسعار الوقود
يبدأ اليوم في الجزائر، العمل بالزيادات التي أقرتها الموازنة العامة للبلاد للسنة الحاليّة، وتتعلق هذه الزيادات بالبنزين والديزل المدعمة، ووفقًا للزيادات الجديدة، ستزيد أسعار البنزين الممتاز والخالي من الرصاص والعادي بنسب تبلغ 16.65% و16.84% و18.2% على الترتيب، بينما سيرتفع سعر الديزل بنسبة 11.65%.
وبتطبيق الزيادات الجديدة، اليوم الإثنين، سيصبح سعر أعلى نوع من البنزين (الممتاز) في حدود 42 دينارًا تقريبًا للتر الواحد (0.38 دولار)، وقرابة 23 دينارًا للمازوت (0.21 دولار)، وحسب توقعات الحكومة، فإن هذه الزيادات في الأسعار ستوفر للخزينة العامة للدولة أكثر من 61 مليار دينار (600 مليون دولار).
هذه الإجراءات، تأتي ضمن مسعى شامل وتدريجي، يهدف إلى مراجعة أسعار الوقود من أجل استهلاكها وتقليص وارداتها ورفع العائدات الجبائية
ومن المنتظر أن تكون لهذه الزيادات في أسعار الوقود آثار واضحة على أسعار الكثير من المواد التي ترتبط باستعمال الوقود، فضلاً عن أسعار تذاكر الوسائل التي ستعرف بدورها زيادات، وتعد هذه الزيادة الثالثة من نوعها التي تطال أسعار الوقود في غضون ثلاث سنوات.
وبرّرت الحكومة هذه الزيادات في قانون الموازنة العامة الذي يدخل حيّز التنفيذ اليوم، بأن هذه “الإجراءات، ضمن مسعى شامل وتدريجي، يهدف إلى مراجعة أسعار الوقود من أجل استهلاكها وتقليص وارداتها ورفع العائدات الجبائية وتخفيض إعانات الميزانية والحفاظ على البيئة والقضاء على ظاهرة التهريب عبر الحدود”.
زيادات أخرى
إلى جانب ذلك، تضمنت الموازنة العامة رسومًا جديدة على الهواتف الجوالة المستوردة والأجهزة الكهربائية المنزلية وزيادات في الرسوم المفروضة على منتجات التبغ، كما تضمّنت الميزانية رفع ضرائب حاليّة وفرض ضرائب جديدة على بعض المنتجات المستوردة والمحلية، في محاولة لتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن صادرات النفط والغاز.
وتشير موازنة العام الحاليّ إلى زيادات كبيرة في جميع أبوابها مقارنة بموازنة العام الماضي التي بلغ حجم الإنفاق فيها نحو 71 مليار دولار وإيرادات بنحو 60 مليار دولار، في حين بلغ العجز فيها نحو 11 مليار دولار.
زيادات تمس القدرة الشرائية للمواطن
وكان البرلمان الجزائري قد صادق في نوفمبر بالأغلبية على قانون الموازنة العامة التي يبدأ تنفيذها مع بداية السنة المالية مطلع الشهر المقبل، وتتوقع الموازنة الجديدة أن يبلغ حجم الإنفاق الإجمالي في العام المقبل نحو 86 مليار دولار، في مقابل إيرادات متوقعة تصل إلى 65 مليار دولار، لتترك ثغرة كبيرة للعجز المتوقع أن يصل إلى 21 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 24% وهي مستويات مرتفعة جدًا مقارنة بالمعدلات العالمية.
وتعيش الجزائر منذ أكثر منذ 3 أعوام في ظل أزمة اقتصادية خانقة بسبب تراجع عائدات صادرات النفط والغاز التي تعتمد عليها البلاد بشكل شبه كلي، وتشير البيانات الحكومية إلى أن عوائد صادرات الطاقة انحدرت من نحو 60 مليار دولار في عام 2014 إلى نحو 27 مليارًا في العام الماضي، ولم تعد كافية لتسديد فاتورة الواردات السنوية.
تعويض الانخفاض الحاد في إيرادات النفط والغاز
هذه الزيادات، تأتي في إطار محاولات حكومية لتعويض الانخفاض الحاد في إيرادات النفط والغاز، وتشكل إيرادات النفط والغاز 95% من صادرات الجزائر (عضو منظمة أوبك) و60% من الميزانية العامة، وتضررت الماليات العامة منذ تراجع أسعار النفط في منتصف عام 2014، مما دفع الحكومة إلى خفض الإنفاق على بعض السلع المدعمة، والسعي إلى بدائل تمويل جديدة.
وانخفضت عائدات الجزائر من النفط والغاز سنة 2016 إلى حدود 27.5 مليار دولار بعد أن كانت 35.7 مليار دولار في 2015، و60 مليار دولار في 2014، بحسب التقديرات الأولية للحكومة، وينتظر أن تصل مداخيل البلاد من تصدير النفط والغاز إلى 32 مليار دولار في نهاية 2017، ما يعادل نصف قيمة ما كانت تصدره قبل أزمة الأسعار في صيف 2014.
الرئيس بوتفليقة دعا في رسالة له بمناسبة إحياء ذكرى يوم المجاهد، الحكومة وشركاءها الاجتماعيين والاقتصاديين إلى التضامن والتجند ورص الصفوف بهدف كسب معركة التنمية
فضلاً عن ذلك، تسود السوق الجزائرية حالة من الغلاء وندرة بعض السلع، بسبب سياسة حصص الاستيراد، بدعوى تقليص فاتورة الواردات وحماية احتياطات النقد الأجنبي، وانتهجت الحكومة سياسة حصص الاستيراد رغم الانتقادات والضغوط من بعض دول الاتحاد الأوروبي، لأن تلك السياسة تتعارض مع الاتفاق المبرم مع الجزائر عام 2007، وتعتمد الجزائر في تمويل أسواقها بشكل كلي على الواردات، وتعتبر الصين وفرنسا الشريكتين الرئيسيتين معها في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية.
وكان الرئيس بوتفليقة قد دعا في رسالة له بمناسبة إحياء ذكرى يوم المجاهد، الحكومة وشركاءها الاجتماعيين والاقتصاديين إلى التضامن والتجند ورص الصفوف بهدف كسب معركة التنمية وذلك من أجل الحفاظ على استقلال الجزائر ماليًا وسيادتها الاقتصادية، وأشار حينها إلى أنه أمام تحديات الساعة وفي مقدمتها الانهيار الرهيب لأسعار النفط منذ 3 سنوات ويجب التحلي بالتضامن والتجانس بين جميع فاعلي معركة التنمية من الحكومة وشركائها الاجتماعيين والاقتصاديين.
احتجاجات مرتقبة
هذه الزيادات من المتوقّع أن تتسبّب في احتجاجات كبرى في البلاد، شبيهة بالاحتجاجات التي شهدتها بداية السنة الماضية، حيث تزايدت دعوات الإضراب التي أطلقتها عدة قطاعات، رفضًا للإجراءات التي تضمنتها الموازنة العامة للدولة.
وعبّر عديد من الجزائريين، عن قلقهم الشديد من تزايد ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية التي لها علاقة حيوية بالحياة اليومية لهم، ويؤكّد الجزائريون أن ما أقرته الموازنة العامة للبلاد للسنة الحاليّة لا يتناسب مع قدراتهم الشرائية في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمرون بها.
تراجع أسعار النفط أثر في الاقتصاد الجزائري
فيما اعتبرت بعض المنظمات أن هذه الزيادات تؤكد بأن الجبهة الاجتماعية في هذه الفترة تشهد حالة من الانفلات في أسعار المواد الأساسية، مما يمكن أن يؤدّي إلى انفجار الوضع في البلاد ويزيد من الاحتقان الاجتماعي الذي تعرفه منذ سنوات.
ولتفادي هذه الاحتجاجات المرتقبة، أكّدت الحكومة الجزائرية بأنها ستظل تدعم المواد ذات الاستهلاك الواسع، ولن ترفع يدها عن التضامن الاجتماعي، من خلال المساعدات التي تقدمها للفئات الفقيرة والمعوزة، فضلًا عن السياسة الاجتماعية التي تنتهجها، من خلال تدعيم العديد من الخدمات الصحية والتعليمية.