“رجال الصحراء الملثمون” و”الرجال الزرق” و”الرجال الشرفاء الأحرار”، بعض تسميات شعب قبائل “الطوارق”، أكبر القبائل في الصحراء الإفريقية، ذلك الشعب المهجن الذي يجمع في دمائه أعراقًا طارقية وعربية وإفريقية، بحكم مجاورته للعرب في الشمال وللأفارقة الزنوج في الجنوب.
سكان الصحراء
يعيش شعب الطوارق الرحل في مساحة شاسعة من الصحراء الإفريقية تمتد من الجنوب الليبي حتى شمال مالي، ففي ليبيا يوجدون بمنطقة فزان أما في الجزائر فيوجدون بمنطقة الهقار، وفي مالي يوجد الطوارق بإقليمي أزواد وآدغاغ، أما في النيجر فوجودهم أساسًا بمنطقة أيِير.
وتتميز هذه المناطق بأنها الأكثر جفافًا والأقل سكانًا من غيرها من مناطق الدول المذكورة، وأشدها تمثلاً للمناخ الصحراوي، فالأرض رملية قاحلة، والجبال التي ترتفع وسط الصحراء شبه جرداء، وتضم المنطقة بعض الواحات المتباعدة التي يكاد الطوارق يحتكرون وحدهم معرفة الطرق إليها.
لغة الطوارق الوحيدة التي تكتب ويعرفها جميع الطوارق في الساحل الإفريقي منذ زمن، وهي لغة غنية في الخيال، ولكنها محدودة بخبرات الطوارق
ويشتق اسم “الطوارق” من الكلمة الأمازيغية “تارجة” التي تعني الساقية أو منبع الماء، حسب عديد من المؤرخين، ويفضل الطوارق تسميتهم بـ”إيماجغن” أو “إيموهاغ”، ومعناها بالعربية “الرجال الشرفاء الأحرار”، فيما يطلق عليهم الأوروبيون اسم “الرجال الزرق”، لكثرة ارتدائهم القماش الأزرق.
ووصف المؤرخ ابن خلدون في مقدمته المشهورة، الطوارق بأنهم أوفر قبائل البربر ولا يكاد قطر من الأقطار يخلو من بطن من بطونهم من جبل أو سهل، وقد أطلق عليهم اسم “صنهاجة الملثمين” كونهم يضعون على وجوههم لثامًا تميزًا لهم عن غيرهم من الأمم، كما نعتهم بأنهم قبائل بربرية تنتشر وراء الصحراء، ما بين بلاد البربر والسودان الصحراوي (مالي والنيجر اليوم).
رجل طارقي
ولغة الطوارق لهجة من لهجات البربر الأمازيغية، غير أنها تختلف عنها بكونها تكتب بشكل غير متكامل، ويطلق على لغة” الطوارق “تمارشاك” وتكتب بحرفهم الخاص “تيفيناغ” الذي يكتب من اليمين إلى الشمال ومن فوق إلى تحت والعكس، وهي كتابة قريبة من الهيروغليفية إلا أنها أكثر تطورًا منها من حيث قابليتها على التصور والتصوير.
كما أن لغة الطوارق الوحيدة التي تكتب ويعرفها جميع الطوارق في الساحل الإفريقي منذ زمن، وهي لغة غنية في الخيال ولكنها محدودة بخبرات الطوارق وتجاربهم وحياتهم الاجتماعية والثقافية في الصحراء.
وتشير العديد من الأرقام غير الرسمية إلى أن عدد الطوارق يناهز 3.5 مليون شخص، 85% منهم في مالي والنيجر، في حين يتوزع 15% منهم في دول شمال إفريقيا لا سيما في الجزائر وليبيا.
شعب رحل
تعود الطوارق، كما العرب البدو، على الترحال بقوافلهم المكونة من قطعان الإبل في سائر مناطق الصحراء الإفريقية الكبرى ودول الساحل الإفريقي دون الاكتراث بالحدود بين هذه الدول، حتى إنهم عرفوا بكونهم المجموعة الأمازيغية الأكثر توغلاً في إفريقيا جنوب الصحراء والأكثر انفصالاً عن السكان العرب بالشمال الإفريقي.
عرف الطوارق تاريخيًا بأنهم شعب مقاتل جيد التسليح
وكان الطوارق من أهم مستخدمي قوافل الإبل في التجارة عبر الصحراء الكبرى، إذ كانوا ينقلون البضائع وأهمها الذهب والملح، غير أن حياتهم تأثرت سلبًا بشكل كبير بعد تحول طريق التجارة للمحيط الأطلسي، وقد ظل الطوارق إلى عهد قريب خبراء هذه الصحراء الكبرى العارفين بمسالكها المؤمنين لحركة القوافل بها، وقد أعانهم على ذلك صبرهم وشجاعتهم ومعرفتهم بأماكن الماء وإتقانهم الاهتداء بالنجوم.
وعرف الطوارق تاريخيًا بأنهم شعب مقاتل جيد التسليح، فهم يحملون معهم في ترحالهم السكاكين والسيوف والخناجر والرماح، وسبق للطوارق أن انتفضوا على حكومات مالي وتشاد والنيجر وغيرها مطالبين بإنهاء التهميش الذي يمارس بحقهم وبحصة أكبر من عوائد بيع المعادن الثمينة التي تزخر بها دول المنطقة كاليورانيوم وغيره.
ارتداء الرجال اللثام
يشترك “الطوارق” مع بعض المجموعات الصحراوية في ارتداء اللثام، حتى إن البعض يطلق عليهم “الملثمين”، واللثام (تاكلموست) هو غطاء يغطي به الرجال عند بلوغ أعمارهم سن الـ15، رأسه ووجهه حتى أسفل أنفه ويلفه بإحكام حتى لا يظهر سوى العينين، ويرتديه الطوارق إلى حيت وفاته ولا يرفعونه عن وجوههم، وبموجبه يكتسب المرء مكانته الاجتماعية بين أفراد قبيلته.
ويرجع بعض المؤرخين، سبب ارتدائهم للثام الذي يبلغ طوله أحيانًا أربعة أو خمسة أمتار، وتمسكهم به، إلى الحياء الغالب على تلك الشعوب، فيعتبر الطوارق وضع اللثام داخل وخارج البيت شيئًا مقدسًا ولا يتسامحون مع أي رجل أزاله.
يميز اللثام سكان الطوارق
فيما يرجع آخرون سبب ملازمة اللثام الرجل الطارقي في الحل والترحال، إلى العامل البيئي الذي يلعب دورًا حاسمًا في غلبة اللثام على هذه الشعوب الصحراوية، فالعواصف الرملية والحرارة المرتفعة في الصيف والبرد القارس في الشتاء تتطلب غطاءً يقي رأس الإنسان الصحراوي.
ويعود التمسك باللثام، حسب تفسيرات أخرى، إلى حب التميز والمحافظة على هوية المجموعة، وتشير طريقة ارتداء اللثام عند الطوارق إلى القبيلة التي ينتمي إليها الفرد، حيث يقول الطوارق “إنه إذا نزع الطوارقي لثامه فمن الصعب التعرف عليه”، لأن اللثام يشكل جزءًا من شخصيته وهويته، ولذلك لا يمكن التنازل عنه والتساهل في نزعه.
تميز المرأة وتفوقها
يقول الرحالة ابن بطوطة عقب رحلته عبر الصحراء الكبرى التي استغرقت خمسة عشر يومًا زار فيها جبال الهقار (موطن الطوارق الرئيسي)، “هم قبيلة من البربر لا تسير القوافل إلا في خفارتهم، والمرأة عندهم في ذلك أعظم شأنًا من الرجل”.
عادة ما تبادر المرأة الطوارقية إلى مغازلة الرجل إذا شعرت بإعجاب تجاهه
كلام “ابن بطوطة”، يؤكد ما ذهب إليه المؤرخون والباحثون من تميز المرأة على الرجل في المجتمع الطارقي، فحسب الباحثين في علم الاجتماع، تحظى المرأة الطارقية بمكانة خاصة، فمجتمعهم يعد من المجتمعات الأمومية. وعكس الرجال هناك، يكشف نساء الطوارق، شعورهن ولهن مكانة بارزة في المجتمع، يخترن شركاء حياتهن بأنفسهن وتخول لهن التقاليد والأعراف طلب الطلاق والخروج من بيوتهن متى شئن، وعادة ما تبادر المرأة الطوارقية إلى مغازلة الرجل إذا شعرت بإعجاب تجاهه، والإيحاء له برغبتها في الارتباط بعلاقة معه.