الأحد الماضي، التقى رئيس إريتريا، أسياس أفورقي، في زيارة خاطفة لم يعلن عن برنامجها أو أسبابها، ولي عهد إمارة أبو ظبي محمد بن زايد. زيارة تعيد إلى الأذهان طبيعة العلاقات بين الطرفين وطبيعة الحضور الإماراتي في هذا البلد العربي الصغير، خاصة وأنها تزامن مع صدور تقارير تؤكّد خرق النظام الإماراتي الحظر الأممي على إريتريا.
بداية العلاقات
أواخر شهر أبريل/ نيسان عام 2015، توتّرت العلاقات بين دولتي جيبوتي والإمارات بسبب تباين وجهات النظر حول ميناء جبل علي، فضلاً عن الخلاف حول ميناء جيبوتي الذي تديره الإمارات لمدة 20 عامًا بموجب اتفاق توصل إليه الجانبان عام 2005، تلاه مباشرة خلاف دب بين قائد سلاح الجو الجيبوتي وهيب موسى، ونائب القنصل الإماراتي على الشيهي.
هذه الخلافات أدّت إلى قطع العلاقات بين الطرفين في 4 مايو/ أيار من نفس السنة، وهو ما دفع بدولة الإمارات العربية المتحدة للبحث عن بديل جديد، فكان أن توجّهت إلى المنافس الإقليمي لجيبوتي، دولة إريتريا التي كان نظامها الحاكم إلى وقت قريب تحت الحاضنة الإيرانية، يأتمر بإمرتها، وداعما أساسيا لجماعة الحوثي في اليمن.
تكمن أهمية دولة إريتريا إلى مكانها الاستراتيجي، وامتلاكها عدد هام من الجزر المطلة على البحر الأحمر
توجهّ دولة الإمارات على إريتريا التي تضم منافذ بدائية على البحر الأحمر بطول 150 كيلومترًا شمالاً، جاء بهدف تدارك الخسارة التي تحقّقت لها نتيجة قطع علاقتها مع جيبوتي التي كانت توفّر لها امتيازات كبرى تساعدها في القيام بمهامها في المنطقة.
وتكمن أهمية دولة إريتريا إلى مكانها الاستراتيجي، وامتلاكها عدد هام من الجزر المطلة على البحر الأحمر وعددها 126 جزيرة، ومن ضمنهم جزيرتي “حالب وفاطمة”، وهما الأكثر أهمية لوقوعهما أمام باب المندب، ويقعان أمام أرخبيل حنيش البالغ عدده 43 جزيرةً والذي يتبع اليمن، كما تطل جزرها على الجزر السعودية.
تعزيز الحضور العسكري للإمارات في مضيق باب المندب
نتيجة التقرّب إلى النظام الإرتري، حصلت دولة الإمارات على عقد إيجار لمدة 30 عامًا للاستخدام العسكري لميناء عصب العميق ذا الموقع الاستراتيجي، ومطار عصب المجاور مع مدرج بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة من الهبوط عليه بما في ذلك طائرات “سي 17 جلوب ماستر” الضخمة.
طائرة حربية إماراتية
ومنذ تاريخ توقيع الاتفاقية بين الطرفين، أصبح ميناء عصب شريان للحياة البحرية وقاعدة جوية هامة للإمارات في مضيق باب المندب، فقد تحوّل المكان من صحراء خالية إلى قاعدة جوية حديثة، وميناء على المياه العميقة، ومنشأة للتدريب العسكري، وبفضل هذه الاتفاقية تحركت سفن الإنزال الإماراتية والسفن التجارية المستأجرة بين قاعدة الإمارات البحرية الجديدة في الفجيرة وميناء عصب البدائي.
وتمتلك الإمارات هناك قاعدة عسكرية تخدم كمنطقة دعم لوجستي ومركز قتالي يسع لواءً إماراتيًا مدرعًا، وتتألف هذه القوات من سربين من دبابات القتال الرئيسية من نوع ليكليرك، وكتيبة من عربات القتال، وبطاريات من مدافع الهاوتزر G6، ومجموعة طائرات قيادة العمليات الخاصة من طراز شينوك، بلاك هوك، وطائرات الهليكوبتر بيل سيفن، وطائرات مقاتلة من طراز ميراج 2000، لتكون بذلك أول موقع إماراتي للسلطة خارج الوطن.
دعم سخي لنظام “أسمرة”
تستغل الإمارات رغبة إريتريا في الخروج من عزلتها الدولية المفروضة عليها بسبب ممارسات نظامها الحالي، فقد قدمت سلطات الإمارات مساعدات سخية لهذا النظام المحاصر، وفي المقابل عززت وجودها العسكري البحري في البحر الأحمر وخليج عدن وقُبالة السواحل الصومالية.
وتمثل إريتريا داعمًا رئيسيًا لبعض الحركات المسلحة في الصومال، فقد أصدر مجلس الأمن قرارًا يحمل رقم (1907) عام 2009 يفرض عقوبات على دولة إريتريا تشمل حظر السفر للمسؤولين في الدولة، وحظر توريد الأسلحة، وتجميد أرصدة الدولة في البنوك الدولية وذلك لدورالحكومة الإريترية السلبي في الصومال ومشكلاتها الأخرى مع دول جارة كجيبوتي واليمن وإثيوبيا.
كشفت الأقمار الصناعية أن الإمارات واصلت الإنشاءات الخاصة بقاعدتها في منطقة عصب الإريترية
وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول، قالت وكالة بلومبرغ إن إريتريا تلقت مساعدات عسكرية من الإمارات العربية المتحدة خلال العام الماضي، مما يشكل انتهاكا للحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة عليها، ونقلت بلومبرغ عن محققين تابعين للأمم المتحدة أن ثلاثة عشر من طلاب القوات الجوية والبحرية الإريترية تلقوا تدريبا في معاهد عسكرية إماراتية، وتلقى سبعة آخرون تدريبات في معاهد هندسية بين عامي 2012 و2015.
وكان التقرير السري نصف السنوي الصادر عن فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي على الصومال وإريتريا قد تضمن فقرات كاملة عن الانتهاكات التي تمارسها الإمارات للقرارات الدولية، وعرض التقرير التحركات العسكرية الإماراتية في إريتريا، حيث كشفت الأقمار الصناعية أن الإمارات واصلت الإنشاءات الخاصة بقاعدتها في منطقة عصب الإريترية، وأن تجهيز منطقة الرسو في الميناء اكتمل تقريبا، بينما يتواصل تشييد مرافق على اليابسة، لاسيما في القاعدة الجوية.
حب الظهور كلاعب قوي في منطقة القرن الإفريقي
هذا الخلط الجدي بين القوة العسكرية مع نهج القوة الناعمة، الذي يظهر جليا من خلال الحضور العسكري الكبير والدعم السخي للنظام الإرتري، تسعى من خلاله دولة الإمارات إلى الظهور كلاعب قوي في منطقة القرن الإفريقي، لما لهذه المنطقة من أهمية كبرى، بعد السيطرة على مضيق باب المندب الذي يعد أهم المضايق الاستراتيجية في العالم.
تسعى الإمارات إلى تقوية نفوذها في عديد المناطق من العالم
يعتبر مضيق باب المندب، وفقا لخبراء ملاحيين، أحد أهم نقاط العبور البحري التي تستخدمها حاملات النفط في العالم، حيث يمر به ما يقرب من 4.7 مليون برميل من النفط يوميا، ويبلغ عرضه 28.9 كيلومتر فقط عند أضيق نقطة منه، والتي تمتد من رأس سيان في جيبوتي إلى رأس منهالي في اليمن. وقد ازدادت أهميته بوصفه واحداً من أهم الممرات البحرية في العالم، مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي.
وتسعى الإمارات إلى لعب دور صانع الملوك في جميع أنحاء هذه المنطقة الاستراتيجية، وأن تكون رقما صعبا فيها، مسخّرة كلّ الامكانيات المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى هدفها المنشود، حتى وإن كلّفها ذلك التحالف مع أنظمة قمعية.