لم يستغرب الجزائريون تصنيف مدينة قسنطينة من طرف مجلة “يو إس أي توداي” الأمريكية ضمن قائمة المدن المنصوح بزيارتها في 2018، كونهم يعرفون دون غيرهم تاريخ المدينة العريق ومعالمها ومناظرها التي تشد الزائرين إليها.
ووضعت المجلة الأمريكية في تقرير لها صدر مؤخرًا، قسنطينة ضمن قائمة تضم 11 مدينة يُنصح باكتشافها في 2018، واعتمدت المجلة الأمريكية في تصنيف قسنطينة على تجربة المستكشف “سال لافالو”، وهو شاب أمريكي زار جميع الدول الـ193 الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
ووضعت المجلة إلى جانب قسنطينة مدينة باكو (أذربيجان)، وأبو ظبي (الإمارات)، وبيروت (لبنان)، وكيغالي (رواندا)، وأسمرة (إريتريا)، فريتاون (سيراليون)، وبيغان ( ميانمار )، ومندوزا (الأرجنتين) ، سكوبيا (مقدونيا)، ديلي (تيمور الشرقية).
مدينة الجسور
وجاء في التقرير الذي نصح بزيارة قسنطينة أن هذه المدينة “بنيت على قمم الجبال، وغالبًا ما يطلق على هذا الموقع الروماني القديم مدينة الجسور”، ويطلق على قسنطينة في الجزائر مدينة “الجسور المعلقة” لأنها تحتوي على 8 جسور، أحدها شيد مؤخرًا بعدما كانت تعرف سابقًا بجسورها السبع فقط، وهذه الجسور هي:
– جسر باب القنطرة: أقدم جسر في قسنطينة، بُني من طرف العثمانيين عام 1792، وهدمه الفرنسيون بعد احتلالهم الجزائر، وبنوا على ركامه عام 1863 الجسر الموجود حاليًّا.
– جسر سيدي راشد: يعرف بأنه أعلى وأضخم جسر حجري في العالم، فهو محمول على 27 قوسًا يبلغ قطر أكبرها 70 مترًا، ويصل ارتفاعه إلى 105 أمتار، وطوله 447 مترًا وعرضه 12 مترًا، وانطلقت حركة السير عليه عام 1912.
تلقب قسنطينة في الجزائر باسم “مدينة العلم والعلماء” نسبة إلى رائد الإصلاح الجزائري العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله الذي أسس جمعية العلماء المسلمين التي كان لها دور بارز في تعليم الجزائريين خلال فترة الاستعمار الفرنسي
– جسر سيدي مسيد: بُني من طرف الفرنسيين سنة 1912 ويُطلق عليه لقب الجسر المعلق لأنه أعلى جسور قسنطينة بارتفاع يصل إلى 175 مترًا وطولاً يبلغ 168 مترًا.
– جسر ملاح سليمان: هو الجسر الذي يربط بين كلٍ من شارع محطة السكك الحديدية ووسط المدينة، وهو ممر حديدي مخصص للراجلين ويبلغ طوله 15مترًا وعرضه مترين ونصف.
– جسر مجاز (ممر) الغنم: هو امتداد لشارع رحماني عاشور، ونظرًا لضيقه فهو أحادي الاتجاه.
– جسر الشيطان: جسر صغير يربط بين ضفتي وادي الرمال ويقع في أسفل الأخدود.
– جسر الشلالات: بني عام 1928، ويقع بالطريق المؤدي إلى المسبح وتعلو الجسر مياه وادي الرمال التي تمر تحته مكونة شلالات تلفت نظر المارين.
– الجسر العملاق: يعلو وادي الرمال يبلغ طوله 1150 مترًا وعرضه 25 مترًا، به طريقان ذهابًا وإيابًا وسكتى “ترامواي” وسط الجسر، ويقع على ارتفاع أكثر من 100متر، يمتد من مرتفعات “حي المنصورة” إلى “حي جنان الزيتون”.
مدينة العلم والعلماء
تلقب قسنطينة في الجزائر باسم “مدينة العلم والعلماء” نسبة إلى رائد الإصلاح الجزائري العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله الذي أسس جمعية العلماء المسلمين التي كان لها دور بارز في تعليم الجزائريين خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وتحتفل الجزائر سنويًا بيوم العلم المصادف لـ16 أبريل/نيسان (تاريخ وفاة عبد الحميد بن باديس).
وبقسنطينة ولد الروائي الجزائري مالك حداد الذي قرر التوقف عن الكتابة لأنه كان يكتب بالفرنسية التي يقول عنها إنها لقنت له إجباريًا من طرف المستعمر الفرنسي، ففضل الانتحار أدبيًا وعمره لم يتجاوز 35 سنة بدل الاستمرار في الكتابة بلسان المستعمر.
بعد دخول الإسلام المغرب العربي، مرت عدة دول على قسنطينة بدءًا بالزيرية ثم الحمادية فالحفصية فالعثمانية، واستوطنها الأندلسيون واليهود الذين عاشوا هناك حتى الاستعمار الفرنسي حينما فضلوا الوقوف إلى جانب المستعمر ضد السكان الذين عاشوا معهم لقرون
وقسنطينة هي مدينة الروائية أحلام مستغانمي إحدى الأديبات العربيات الأكثر مبيعًا للإصدارات، خاصة ثلاثية ذاكرة الجسد وعابر سرير وفوضى الحواس التي تحدثت فيها عن قسنطينة.
ملتقى الثقافات
مرت على قسنطينة مختلف الحضارات، فأول من سكنها هم الأمازيغ الذين أسماهم الإغريقيون الليبيين أو النوميديين، ويرجع تأسيسها إلى التجار الفينيقيين لذلك سميت سابقا بـ(قرتا) ويعني بالفينيقية (القرية أو المدينة)، وكان القرطاجيون يسمونها (ساريم باتيم)، لكن عرفت بعد ذلك باسم “سيرتا” مع ملكي نوميديا ماسينيسا ويوغرطة.
ومر بقسنطينة الرومان والبيزنطيون، وفي 313 ميلاديًا تم بناء المدينة من جديد من طرف الإمبراطور قسنطنطين وحملت بعدها اسمها القسطنطينة أو قسنطينة، وعرفت ابتداءً من سنة 429 ميلاديًا غزوات الوندال، ثم استعادها البيزنطيون.
وبعد دخول الإسلام المغرب العربي، مرت عدة دول على قسنطينة بدءًا بالزيرية ثم الحمادية فالحفصية فالعثمانية، واستوطنها الأندلسيون واليهود الذين عاشوا هناك حتى الاستعمار الفرنسي حينما فضلوا الوقوف إلى جانب المستعمر ضد السكان الذين عاشوا معهم لقرون، إلا أن قلة منهم ما زالوا بالبلاد إلى اليوم.
ومن اليهود المعروفين الذين ولدوا في قسنطينة المغني الفرنسي أنريكو مسياس الذي ترفض الجزائر إلى اليوم دخوله أراضيها بسبب مواقفه الداعمة للكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين.
كباقي المدن التاريخية القديمة في الجزائر كانت قسنطينة تحصن بعدة أبواب تغلق في المساء
معالم بارزة
الزائر لقسنطينة يمكنه معرفة تاريخ المدينة من خلال معالمها الأثرية منها مقابر عصر ما قبل التاريخ الموجودة في المكان المسمى “نصب الأموات” و”كهف الدببة” الموجود بالصخرة الشمالية للمدينة و”خلوة سيدي بو حجر”، وكاف تاسنغة ببنوارة وكهف الأروي.
وفي المدينة يوجد ضريح الملك ماسينيسا وضريح لوليوس، وأثار مدينة تيديس وباب سيرتا والأقواس الرومانية، وحمامات القيصر وقصري صالح باي وأحمد باي العثمانيين.
وكباقي المدن التاريخية القديمة في الجزائر كانت قسنطينة تحصن بعدة أبواب تغلق في المساء وأبواب عاصمة الشرق الجزائري هي باب الحنانشة وباب الرواح وباب القنطرة وباب الجابية وباب الجديد وباب الواد أو باب ميلة.