تشهد المملكة المغربية، مؤخرًا، جدلاً كبيرًا نتيجة ما يعتبره البعض إصرار حكومة سعد الدين العثماني على إلغاء مجانية التعليم، خاصة بعد مصادقتها على مشروع قانون لإصلاح التعليم ينص على فرض رسوم تسجيل في مؤسسات التعليم العامة على طلاب المرحلة الثانوية والجامعية، غير أن الحكومة تقول إن هذا الإجراء سيقتصر تطبيقه على الأسر الميسورة.
خطوة أولى
مصطفى الخلفي الناطق باسم الحكومة، قال في مؤتمر صحفي عقب مصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون إصلاح التعليم، إن مشروع القانون سيتم عرضه في اجتماع مقبل للمجلس الوزاري يرأسه العاهل المغربي الملك محمد السادس للمصادقة عليه، قبل طرحه أمام البرلمان لمناقشته والتصويت عليه، دون تحديد موعد لذلك.
وتقول الحكومة المغربية إنه بموجب هذا القانون “تضمن الدولة مجانية التعليم الإلزامي الذي يشمل التعليم الأولي للأطفال المتراوحة أعمارهم بين 4 و6 سنوات، والتعليم الابتدائي والتعليم الإعدادي (أي من 4 إلى 15 عاما)”، بحسب الخلفي، واعتبر المتحدث الحكومي أن إصلاح التعليم أولوية وطنية ملحة ومسؤولية مشتركة بين الدولة والأسرة وهيئات المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وغيرهم من الفاعلين في مجالات الثقافة والإعلام والاتصال.
وسبق أن صادق المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي على توصية تخصّ إسهام الأسر المغربية في تمويل دراسة أبنائها
ونص مشروع القانون الذي أعدّته الحكومة في المادة رقم 42، على أن الدولة تواصل مجهودها في تعبئة الموارد وتوفير الوسائل اللازمة لتمويل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتنويع مصادره، ولا سيما تفعيل التضامن الوطني والقطاعي، من خلال مساهمة جميع الأطراف والشركاء المعنيين، وخصوصًا منهم الأسر الميسورة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص.
فيما نصت المادة 45 من مشروع القانون نفسه على “الدولة تعمل طبقًا لمبادئ تكافؤ الفرص على إقرار مبدأ المساهمة في تمويل التعليم العالي بصفة تدريجية، من خلال إقرار رسوم للتسجيل في مؤسسات التعليم العالي في مرحلة أولى، وبمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي في مرحلة ثانية، وذلك وفق الشروط والكيفيات المحددة بنص تنظيمي، مع الأخذ بعين الاعتبار مستوى الدخل والقدرة على الأداء”.
وسبق أن صادق المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (مؤسسة استشارية)، في نوفمبر/تشرين الثاني على توصية تخصّ إسهام الأسر المغربية في تمويل دراسة أبنائها بالقطاع العمومي؛ ممّا يعني الدفع في اتجاه تبني البلاد لقانون من هذا النوع.
مفاهيم فضفاضة
من النقاط التي تثير الريبة في مشروع هذا القانون أيضًا، ما يتعلق بمعيار تحديد الدخل والقدرة على الأداء، ومَن الأسر التي سوف تُعفى من الرسوم، ومَن التي ستسدّدها، فالنص القانوني ما زال “فضفاضًا” في انتظار توضيحات رسمية تحدّد المعنيين بالتسديد والإعفاء.
ويرى مراقبون أن الحديث عن أسر ميسورة وأخرى غير ميسورة، وتلاميذ يدفع أولياؤهم رسومًا، وآخرون لا يدفعون، من شأنه تعزيز مجموعة من الفوارق الاجتماعية والطبقية في المملكة المغربية، ومن شأن هذا الإجراء حسب هؤلاء المراقبين أن يخلق نوعًا من التمييز بين أبناء الفقراء وأبناء الأغنياء.
الحكومة المغربية تقول إن الإجراء سيقتصر على العائلات الغنية فقط
لا يدفع الطلاب أي رسوم في مختلف مراحل التعليم بالمغرب حاليًّا، لكن بعض الجامعات المغربية استحدثت مسالك “خاصة”، يدرس بها الطلبة مقابل أداء واجب سنوي أو فصلي، ومن بين القطاعات المدفوعة، تلك الخاصة بالموظفين، إذ تخصص لهم حصص خارج أوقات الدراسة العادية، وفي أيام العطل وذلك بمقابل مالي يصل إلى 8000 درهم سنويًا، أي 800 دولار أمريكي، وهو ما يعادل الحد الأدنى للأجور بالبلاد (نحو 300 دولار بالقطاع العام، و250 دولارًا بالقطاع الخاص) مضاعفًا ثلاث مرات.
وصدر حكم قضائي أولي عن المحكمة الإدارية بالرباط يقضي بعدم قانونية هذه الرسوم، إلا أن الجامعات موضوع الدعوى لم توافق على تنفيذ الحكم، وتقدمت بطلب استئنافه.
رفض كبير
هذا التوجه الحكومي يواجه رفضًا كبيرًا، حيث عبرت الجامعة الوطنية للتعليم، وهي نقابة مستقلة، عن رفضها لما وصفته بـ”الإجهاز على ما تبقى من مكسب مجانية التعليم في كل مستوياته: من الأولي والابتدائي والثانوي إلى العالي”.
وصفت فيدرالية مغربية مشروع القانون بالجائر والمتزامن مع انسداد أفق المنظومة التربوية بعد فشل كل ورش الإصلاح
واتهمت النقابة، في بيان لها، الحكومة المغربية بالعمل على “تدمير التعليم العمومي، والقضاء على الجامعة المغربية، لفتح المجال على مصراعيه ليس للجامعات الخاصة فقط بل للإقصاء الاجتماعي والتمييز بين فئات الشعب المغربي، وسد الطريق أمام الأسر المعوزة من دخول أبنائها الجامعات والمعاهد العليا المتخصصة العمومية”، على حد ما جاء في البيان، وأوردت أن “التعليم العمومي بكل مستوياته، مكسب شعبي غير قابل للتفريط فيه، باعتباره منفذًا لتقدم البلاد”، مطالبة الحكومة بالسحب الفوري لهذا المشروع.
من جهتها، هددت الفدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء أمور التلاميذ بالنزول إلى الشارع من أجل ثني الحكومة عن المضي في تفعيل هذا الإجراء، ودعت الفدرالية المسؤولين السياسيين على أعلى المستويات إلى التراجع الفوري عن الإجراء، واصفة إياه بالجائر والمتزامن مع انسداد أفق المنظومة التربوية بعد فشل كل ورش الإصلاح.
الخشية من خصخصة القطاع
المصادقة على مشروع هذا القانون، جدّد خشية المغاربة من إمكانية رفع حكومة بلادهم يدها عن التعليم العمومي، وخصخصة القطاع الذي يشكو من مشاكل هيكلية ومنهجية عدّة، جعلته يشهد تدهورًا متواصلاً منذ سنوات عدّة.
وأطلقت المملكة المغربية برنامجًا لإصلاح التعليم يحمل اسم “رؤية إستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية” بحلول عام 2030، تهدف إلى “تشييد مدرسة جديدة تكون مدرسة للإنصاف وتكافؤ الفرص، مدرسة الجودة للجميع، ومدرسة لاندماج الفرد والتطور الاجتماعي”.
يشار إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، تعتبر المغرب من الدول الـ25 الأقل تقدمًا فيما يتعلق بقطاع التعليم، وخصصت الحكومة في ميزانيتها لسنة 2018، لقطاع التعليم نحو 59.29 مليار درهم (6.3 مليار دولار).
فعاليات مناهضة لمشروع قانون إلغاء مجانية التعليم
يذهب أبناء الأسر الغنية إلى مؤسسات القطاع الخاص أو مدارس البعثات الأجنبية، كتلك التي تعتمد المناهج الفرنسية أو الأمريكية أو الإسبانية، بينما تغلق عشرات المدارس الحكومية أبوابها سنويًا في الغالب لإفساح المجال أمام مشاريع عقارية.
وتؤكد لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة أن قطاع التعليم الخاص في المغرب يتطور “بسرعة كبيرة”، مشيرة إلى أن خصخصة التعليم قد تؤدي إلى “زيادة عدم المساواة الموجودة أصلاً“.
يشار أن التعليم الخاص، يكلّف الأسر المغربية ما بين 60 إلى 150 دولارًا في المراحل الابتدائية شهريًا، و180 إلى 250 دولارًا في المراحل الإعدادية، ليتجاوز الـ280 دولارًا في المراحل الثانوية.
وتشير إحصاءات لمكتب الإحصاءات المغربي (مؤسسة حكومية)، إلى أن 59% من الأسر المغربية تقول إن دخلها يغطي مصاريفها، في حين أن 33.4% منها تستنزف من مدخراتها أو تلجأ إلى الاقتراض، ولا يتجاوز معدل الأسر التي تتمكن من ادخار جزء من دخلها 7.6%.