استحالة إنجاز انتخابات في بلادهم، حتى داخل أقسام المدارس التحضيرية، جعل الإماراتيين يتوجهون غربًا نحو مهد الثورات العربية تونس، علهم يشاركون ولو مرة في حياتهم في انتخابات طال انتظارها في بلادهم، فمع اقتراب موعد الانتخابات المحلية القادمة في تونس والمقرر إنجازها في 6 من مايو/أيار المقبل، بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة التحضير لخوض هذه الانتخابات من خلال ممثليها هناك من أحزاب وشخصيات قالت إنها “مستقلة”.
نسج تحالفات فيما بينها لتقوية الجبهة
فاقت الأحزاب الوطنية في السرعة، وبدأت التحضير مبكرًا للدخول في غمار هذه الانتخابات، فنتائجها جد مهمة لها ولحلفائها الذي يخوضون هذا السباق الانتخابي نيابة عنها في تونس، حتى لا يثقلونها عناء تعب طريق معبد بالوطنيين الذين يخافون الله في بلادهم وشعبهم.
فبعد فشلهم في إلغاء هذه الانتخابات المحلية الأولى من نوعها بعد الثورة، أو تأجيلها مجددًا، حتى باختلاقهم العنف والفوضى وتصدير خطاب “عدم الاستقرار في البلاد”، تحول الإماراتيون ووكلائهم داخل تونس إلى الخطة “ب” وهي التحضير للمنافسة والفوز بأغلبية المقاعد البلدية والجهوية، ولو كلفهم ذلك بذل الغالي والنفيس، فالمُراد أغلى وأثمن “ثورة تونس”.
قالت وثائق مسربة تم الكشف عنها في وقت سابق إن مرزوق التقى مع ضباط في جهاز أمن الدولة الاماراتي في أكثر من مكان من ذلك تونس، وتلقى تمويلاً من أبوظبي
بدأ وكلاء الإمارات نسج تحالفاتهم، فبعد أن كانوا كيانات صغيرة منفردة كل يعمل لوحده لإثبات أنه الأكثر ولاءً لولي نعمته محمد بن زايد، وأنه الأجدر على زعامة المشروع الإماراتي “الخبيث” في البلاد الذي يرنو الماسكين بزمام الحكم في تلك الدولة في صحراء الخليج إلى القضاء من خلاله على الثورة التي قضت مضجعهم وأربكت كراسي حكمهم المنصوبة فوق إرادة الشعب.
أول هذه التحالفات كان “الاتحاد الوطني”، وهو عبارة عن تحالف سياسي ضم بعض من يدعون “الاستقلالية” و11 حزبًا سياسيًا التقوا حول أرضية سياسية مشتركة، قوامها خدمة المشروع الإماراتي “المشبوه” والنيل من ثورة تونس وإجهاضها مهما كلفهم الأمر.
ياسين إبراهيم إلى جانب محمد دحلان
على رأس تلك الأحزاب حركة مشروع تونس لصاحبها محسن مرزوق، أحد أهم أذرع الإمارات السياسية في تونس، الذي انشق عن حركة “نداء تونس” بعد أن رفض قياديو الحزب الرضوخ للضغوط الإماراتية غداة نتيجة انتخابات أكتوبر وديسمبر 2014، وتقول وثائق مسربة تم الكشف عنها في وقت سابق إن مرزوق التقى مع ضباط في جهاز أمن الدولة الإماراتي في أكثر من مكان من ذلك تونس، وتلقى تمويلاً من أبوظبي.
فضلاً عن حزب مرزوق، ضم هذا التحالف حزب “آفاق تونس” الذي يقوده ياسين إبراهيم الذي برز مؤخرًا من خلال بث لخطاب يقوم على التفرقة بهدف إرباك الوضع العام في تونس بما يتماشى مع سياسة الإمارات في المنطقة وسعيها لإجهاض الثورات العربية.
أساليب غير مشروعة
لن يكتفي صناع القرار في دولة الإمارات العربية المتحدة وحلفاؤهم داخل تونس بالمشاركة في هذه الانتخابات المحلية فقط، بل سيعملون على الفوز فيها وتحقيق الأغلبية بالأساليب القانونية المشروعة وغير المشروعة خاصة.
تتضمن الوثيقة إستراتيجية من تسع نقاط لضمان عدم فوز حركة النهضة بنتائج كبيرة في الانتخابات البلدية القادمة
هذه الأساليب غير المشروعة التي بدأت في اعتمادها “بيادق” الإمارات في تونس يتمثل البعض منها في شراء الأصوات الانتخابية وشراء ذمم القائمين على الهيئات الفرعية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، خاصة في المناطق النائية التي يصعب المراقبة فيها، فضلاً عن العديد من الأساليب الأخرى من ذلك حملات التشويه ضد المرشحين والأحزاب الوطنية.
ومن المقرر أن تجري الانتخابات المحلية في تونس يوم 6 من مايو/أيار 2018 تحت إشراف “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات”، وستكون هذه الانتخابات أول انتخابات محلية بعد الثورة التونسية التي أطاحت بحكم الطاغية زين العابدين بن علي في يناير 2011، وهو ما يفسر درجة الأهمية المسندة إليها.
الإطاحة بحركة النهضة
من أبرز نقاط خطة الإمارات للتدخل في هذه الانتخابات، ضرب حركة النهضة الإسلامية وإفشالها في الفوز بهذا الاستحقاق عبر التدخل المباشر والسري، وذلك حسب العديد من التسريبات والوثائق والمراسلات السرية التي تم كشفها مؤخرًا.
وتقول إحدى هذه الوثائق التي حصل عليها موقع “أسرار عربية“: “خطة منع فوز حركة النهضة التونسية في الانتخابات تم وضعها في شهر يوليو/تموز 2017، حيث بعث بها ضابط أمن الدولة الإماراتي المقيم في تونس الذي يدير شبكة للتجسس على البلاد والتدخل في الحياة السياسية ويُدعى سعيد سالم الحافري، إلى إدارته في أبوظبي من أجل الحصول على الموافقة عليها والحصول على التمويل اللازم لها.
وتتضمن الوثيقة “إستراتيجية من تسع نقاط لضمان عدم فوز حركة النهضة بنتائج كبيرة في الانتخابات البلدية القادمة وتقليص حظوظ النهضة بل ضمان عدم فوزها”، بحسب ما جاء في نص الوثيقة بالضبط، ومن أبرز ملامح هذه الإستراتيجية استقطاب عدد مهم من أعضاء البرلمان لعرقلة نشاطه إضافة إلى إثارة بعض المشاكل داخل الكتلة النيابية لحركة النهضة حتى تفقد تركيزها وإشرافها على المجالس الجهوية التنظيمية للانتخابات، بحسب ما جاء في الوثيقة.
زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي
تتحدث هذه الوثيقة عن “اختراق لحركة النهضة على المستوى المركزي بما يضمن إثارة المشاكل والصدامات بين أعضاء مجلس الشورى وأعضاء المكتب التنفيذي وأعضاء المكتب المحيط بالشيخ راشد الغنوشي”.
في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قالت صحيفة لوموند الفرنسية في تقرير موسع لها، إن القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان الذي يحظى في كل تحركاته بدعم سخي ورعاية كريمة من صديقه الحميم ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، نسج علاقات مع قيادات من النظام السابق في تونس ومن اليسار “الاستئصالي” المعارض لحركة النهضة الإسلامية، ومن بينهم رفيق الشلي مسؤول سابق في الداخلية خلال حكم زين العابدين بن علي ورئيس حزب مشروع تونس، ومحسن مرزوق المستشار السابق للرئيس الباجي قاzد السبسي.
هذا التوجه الإماراتي لإفساد العرس الانتخابي القادم في تونس، يؤكد بما لا يدع مجالاً لأي شك، العداء الكبير الذي يكنه القائمون على هذه الدولة الفتية للتجربة الديمقراطية الاستثنائية في تونس، واستعدادهم للقيام بأي شيء لإفشال هذه التجربة التي أشادت بها معظم الدول والمنظمات الدولية والشخصيات العالمية.