مع تراجع أسهمه داخل البلاد وخارجها، وارتباط اسمه بالمجازر الفظيعة وانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد المدنيين الأبرياء في مختلف أنحاء ليبيا، يحاول اللواء المتقاعد وقائد ميليشيات الكرامة خليفة حفتر تصدّر المشهد السياسي من جديد، محاولاً النفخ في صورته من خلال عملية “غضب الصحراء” في جنوب البلاد، خاصة أن الاستحقاق الانتخابي الذي ينتظره الليبيون قد قرب موعده.
“غضب الصحراء”
تتواصل العملية العسكرية الجديدة التي أطلقتها قوات حفتر مؤخرًا، في عمق الصحراء، جنوب ليبيا، وبحسب ما أعلنه المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، فإن العملية العسكرية تحمل اسم “غضب الصحراء“، وتهدف إلى فرض هيبة الدولة الليبية على إقليمها الجغرافي كافة”.
تمّ إعلان العملية العسكرية جنوب شرق البلاد بعد يومين من مقتل 6 عسكريين تابعين لقوات حفتر في واحة الجغبوب غرب مدينة الكفرة، وتستهدف هذه العملية حسب المسماري ما أسماها “العصابات الإجرامية المنتشرة في المنطقة التي تمتهن الحرابة والسرقة والابتزاز والخطف”، في إشارة إلى حركة العدل والمساواة السودانية والمجموعات التشادية المسلحة التي تتخذ من الصحراء الليبية مقرًا لها.
تتميز هذه المنطقة المستهدفة بعد الاستقرار، حيث تشهد فراغًا أمنيًا واضطرابات متكرّرة منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير 2011، وتسيطر عليها عصابات تهريب النفط والبشر، وتعتبر هذه المنطقة البوابة الرئيسية للمهاجرين الأفارقة الذين يتخذون من ليبيا محطة للهروب لأوروبا.
ويعبر عشرات آلاف المهاجرين غير الشرعيين سنويًا الحدود من دول جنوب الصحراء إلى ليبيا، لينطلقوا منها عبر القوارب إلى السواحل الجنوبية للقارة الأوروبية، إلا أن هذا العدد بدأ في التراجع مؤخرًا نتيجة الحملة الأخيرة لخفر السواحل الليبي بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، التي تعترض عمليات مهربي البشر.
الانقلاب على حلفاء الأمس
استبعد متابعون للشأن الليبي، أن يكون انقلاب حفتر على حلفاء الأمس في جنوب البلاد، في إشارة إلى الجماعات المسلحة السودانية والتشادية، دون مقابل، فهذه الجماعات كانت في معظم الوقت يده في المنطقة وتأتمر بإمرته ولا تخرج عن طوعه.
وأكدت تقارير أممية سابقة تتحدث عن الأوضاع في دارفور السودانية، أن حفتر يستعين بمرتزقة حركات التمرد السودانية في عملياته القتالية، ويقدم لهم أشكالاً من الدعم من بينها تهريب الوقود والبشر والممنوعات، بالإضافة لدفع رواتب ثابتة لهؤلاء المرتزقة.
من المنتظر أن تُجرى في ليبيا ربيع هذه السنة انتخابات تشريعية ورئاسية مثلما نصت الخطة الأممية لحل الأزمة الليبية
تشير تقارير محلية إلى استعانة حفتر بهؤلاء المرتزقة في حربه في السيطرة على منطقة الهلال النفطي منتصف العام الماضي، بالإضافة لاستعانته بهم في تأمين مواقع حيوية مثل حقول النفط في تازربو والسرير أقصى الجنوب الليبي، وتؤكد هذه العملية التي ترفع شعار محاربة عصابات تهريب البشر والنفط، عزم حفتر وقواته بمنطقة الكفرة على نقل المعركة إلى الجنوب والقضاء على هذه الجماعات المسلحة المتمركزة في الجنوب الليبي.
سعي لإعادة الأضواء عليه من جديد
هذه العملية العسكرية الجديدة التي أطلقها اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، في جنوب البلاد، جاءت في وقت عرفت فيه شعبيته تراجعًا كبيرًا في الداخل والخارج بسبب المجازر التي ترتكبها قواته بحق الليبيين دون وجه حق؛ مما جعل البعض يشكك في هدف هذه العملية.
فلئن أكّد الناطق الرسمي باسم قوات حفتر أحمد المسماري أن الهدف من العملية ملاحقة العصابات المسلحة هناك والقضاء عليها، فقد رأى العديد من الخبراء عكس ذلك، مؤكّدين أن الهدف منها محاولة النفخ في صورة حفتر مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي الذي ينتظره الليبيون بفارغ الصبر علّه ينهي أزمتهم المتواصلة منذ قرابة السبع سنوات.
يسعى حفتر إلى تصدر المشهد العسكري و السياسي في البلاد
تعد هذه العملية، حسب العديد من الخبراء، محاولة من حفتر لإعادة الأضواء عليه من جديد بعد انخفاض شعبيته في الفترة الأخيرة نتيجة الأعمال غير الشرعية التي يقوم بها وحمايته لأتباعه المطلوبين من محكمة العدل الدولية بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب، ودعاية انتخابية مبكرة له، فمن خلالها يسعى إلى تقديم نفسه للداخل والخارج كمنقذ للبلاد من أزمة التهريب والخطف.
ومن المنتظر أن تجرى في ليبيا ربيع هذه السنة انتخابات تشريعية ورئاسية مثلما نصت عليه الخطة الأممية لحل الأزمة الليبية، ويؤكد متابعون للشأن الليبي أهمية إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في أقرب الآجال لإخراج البلاد من الأزمات التي تعيش على وقعها منذ سنوات، ويرى هؤلاء أن إجراء الانتخابات في 2018 والذهاب مباشرة إلى الشعب لانتخاب رئيس ومن يمثلهم في برلمان جديد، من شأنه تجاوز جميع التناقضات القانونية وبناء هيكل مؤسسي واحد يمكن أن تتعامل الجهات الفاعلة الإقليمية والمجتمع الدولي معه، كونه يستند إلى الشرعية الانتخابية.
يسعى حفتر إلى إطالة أمد الأزمة في ليبيا من خلال الحروب التي يقودها
يمكن لهذه الانتخابات، حسب خبراء، أن توفر قدرًا من الحكم يمكن أن يقطع شوطًا طويلًا في إنشاء المؤسسات القابلة للحياة واللازمة لتحقيق النظام والأمن والازدهار للسكان الذين يعانون من سلسلة طويلة من المشاكل، فالمنتخبون الجدد لهم أن يطلبوا الدعم الدولي لمساعدتهم على القيام بالمهام الموكلة إليهم، ذلك أنهم يتمتعون بالشرعية الكاملة المستمدة من الشعب التي يفتقر إليها الآن كل الأطراف الليبية دون استثناء.
لا قيمة له دون وجود أزمات
تؤكد عملية “غضب الصحراء” أن بقاء حفتر ارتبط بوجود القتال وشرعيته مرتبطة بالحرب التي يخوضها في مناطق مختلفة من ليبيا، فبعد أن رفع شعار الحرب على الإرهاب ها هو الآن يرفع شعار الحرب على التهريب والمهربين.
ويسعى حفتر إلى إطالة أمد الأزمة في ليبيا من خلال الحروب التي يقودها، ذلك لأنه لا قيمة له دونها، ويستخدم حفتر مليشياته لزعزعة أمن واستقرار ليبيا، حيث يرنو من خلال أفعاله الشنيعة هذه إلى الزعامة وتصدر المشهد العسكري والسياسي في ليبيا مهما كلفه الأمر.
تتهم قوات حفتر بارتكاب مجازر حرب
وتعيش ليبيا انقسامًا سياسيًا كبيرًا منذ الإطاحة بنظام القذافي بداية سنة 2011، حيث تدار بثلاث حكومات منفصلة، واحدة في الشرق يقودها عبد الله الثني، في حين تدار العاصمة طرابلس بحكومتين هما حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج المدعومة دوليًا، وحكومة الإنقاذ الوطني التي يقودها خليفة الغويل، بعد فشل اتفاق الصخيرات الموقع نهاية سنة 2015 في إحلال السلام في البلاد.