تتعرض المدارس الفلسطينية في شرقي مدينة القدس المحتلة لمحاولات مستمرة للأسرلة عبر دفعها لاستبدال المنهاج الفلسطيني بالمنهاج الإسرائيلي، وجعلها تابعة لوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية بدلاً من مديرية التربية التابعة للسلطة الفلسطينية.
ومنذ شهور يواجه المقدسيون بكل قوة محاولات لكي وعيهم الثقافي عبر فرض المنهاج التعليمي الإسرائيلي على مدارس شرقي القدس في ظل حاجتها للأموال، في خطوة ترمي إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على المدينة، وفق ما عبر عنه وزير شؤون القدس في حكومة الاحتلال زئيف إلكين، قبل أشهر.
ويحاول الاحتلال فرض مناهجه الدراسية على الطلبة من خلال المدارس الخاصة في القدس والمدارس التابعة لبلدية الاحتلال والمدارس التي أنشأها مؤخرًا لبث سمومه بين أوساط الطلبة الفلسطينيين، ولم تشبع إجراءات استهداف المنهج الفلسطيني، من حذف لبعض النصوص والدروس والآيات القرآنية والشعر، الرغبة الإسرائيلية في السيطرة على عقول الطلبة الفلسطينيين؛ لذلك قرر الاحتلال اتخاذ خطوات أكثر تأثيرًا بفرض منهج إسرائيلي بحت على مدراس القدس التابعة له.
ضرب الهوية
واتخذت الخطوات بين الإجبار والضغط والترغيب والترهيب، ليجد المقدسيون بين يدي أبنائهم كتبًا تتحدث عن أن القدس عاصمة “إسرائيل”، وأن “إسرائيل” هي الدولة، وبذلك يستمر صراع آخر بين المقدسيين والمؤسسة الإسرائيلية، لا تجد فيه السلطة الفلسطينية ومؤسساتها موطأ قدم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
زعمت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، أن هدف الخطة “تحسين جودة حياة سكان الأحياء العربية في القدس وتعزيز قدرتهم على الاندماج في المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي، وبذلك تقوية مناعة العاصمة كلها”
وبحسب مراقبين، يعتبر استهداف قطاع التربية والتعليم في القدس وأسرلته بمثابة ضربة لأهم الركائز التي ما زال المقدسيون يحافظون عليها على الرغم من الاحتلال، وأن استقلال جهاز التربية والتعليم الفلسطيني في القدس يعد إنجازًا فلسطينيًا يحافظ المقدسيون من خلاله على هويّتهم وضمان استمرار ترسيخ الانتماء الفلسطيني والحفاظ على هوية المدينة المحتلة.
وصادقت الحكومة الإسرائيلية على توسيع استخدام المنهاج الدراسي الإسرائيلي في المدارس الفلسطينية في القدس المحتلة، من خلال زيادة عدد صفوف الصف الأول التي ستخضع للمنهاج الإسرائيلي وزيادة عدد المستحقين للحصول على شهادة “البجروت” الإسرائيلية الموازية لشهادة التوجيهي الفلسطينية، ويقضي قرار حكومة الاحتلال بتطبيق هذه الخطة على مدار السنوات الخمسة المقبلة.
وتقضي هذه الخطة التي بادر إليها وزير التربية والتعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت، ووزير شؤون القدس زئيف إلكين، بحصول المدارس على محفزات اقتصادية مقابل تدريس المنهاج الإسرائيلي، بينما لا تحصل المدارس التي لا تطبق هذه الخطة على زيادة بميزانياتها، حسبما ذكرت صحيفة “هآرتس”.
وزعمت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، أن هدف الخطة “تحسين جودة حياة سكان الأحياء العربية في القدس وتعزيز قدرتهم على الاندماج في المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي، وبذلك تقوية مناعة العاصمة كلها”.
يشير مدير مركز إعلام القدس، إلى أن الاحتلال لديه مناهج دراسية متكاملة يسعى لفرضها على الفلسطينيين في المراحل الدراسية كافة
وأثارت هذه الخطة غضبًا في الجانب الفلسطيني كونها تسعى إلى “أسرلة” القدس المحتلة، وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي إن “هذه الخطة غايتها تحويل القدس إلى يافا أو عكا، فقد أدخلوا جهاز التعليم في أزمة، والآن هم يبتزون، و”إسرائيل” قوة محتلة في القدس ويحظر عليها التدخل في مضامين التدريس”.
من جانبه، لم يُخف بينيت الهدف من وراء هذه الخطة، وقال إن “القدس يجب أن تكون موحدة بالأفعال وليس بالكلام، فكلما تم تعميق التعليم بموجب المنهاج الدراسي الإسرائيلي، نواصل تقوية جهاز التعليم في شرقي المدينة”.
ويقول محمد صادق مدير مركز إعلام القدس إن “الاحتلال حاول فرض مناهجه الدراسية على الطلبة من خلال المدارس الخاصة في القدس المحتلة والمدارس التابعة لبلدية الاحتلال والمدارس التي أنشأها مؤخرًا لبث سمومه بين أوساط الطلبة الفلسطينيين”.
ويضيف “الاحتلال يعمل من خلال منهاجه على السيطرة على مدينة القدس والأجيال الفلسطينية، وإنشاء جيل يؤمن بوجود الدولة العبرية وينصاع لنداءاتها ويخدم في جيشها”، مؤكدًا أن سلطات الاحتلال رصدت أموالاً طائلة لتنفيذ منهاجها في المنطقة.
ويشير مدير مركز إعلام القدس، إلى أن الاحتلال لديه مناهج دراسية متكاملة يسعى لفرضها على الفلسطينيين في المراحل الدراسية كافة، وتعليم الطلاب “نشيد العلم الإسرائيلي”، لتذويب ثقافة الطلبة في عملية غسيل أدمغة تقنعهم بوجود ما يسمى “الهيكل” وأن المسلمين من سرقوا الأرض وبنوا عليها مسجدهم.
وأوضح صادق أن سلطات الاحتلال تركز على القدس لأهميتها الدينية في العقيدة اليهودية أولاً، وثانيًا بسبب الفراغ الفلسطيني في المكان، مشيرًا إلى أن الاحتلال عمد طوال السنوات الماضية إلى توزيع الأموال عن طريق “بلدية القدس” على المدارس الخاصة وبذلك فرض شروطه السياسية عليها.
ودعا صادق السلطة الفلسطينية إلى إنشاء المدارس في القدس وأراضي الـ48 والعمل على مواجهة المنهاج الإسرائيلي ومنع تغلغله. وكان خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، حرم التدريس والتعامل مع المناهج التي يفرضها الاحتلال على المدارس في مدينة القدس المحتلة.
وشدد صبري، خلال خطبة الجمعة الماضية أمام آلاف المصلين في المسجد الأقصى، على أنه “لا يجوز شرعًا تدريس المناهج الإسرائيلية، وآثم من يقوم بتدريسها، ويأثم كل من أيد ويؤيد تدريسها، وكل من يرسل ابنه أو ابنته إلى المدرسة التي تدرس هذه المناهج، وعلى الآباء والأمهات أن يكونوا يقظين ومتنبهين إلى خطورة ذلك، وبهذا نفتي”.
شرك الاحتلال
هذا وحذر الاتحاد العام لأولياء أمور الطلاب في مدارس القدس، من الوقوع بشرك الاحتلال ومخططاته التي تستهدف تهويد التعليم في المدينة المقدسة. ولفت الاتحاد إلى أن بلدية الاحتلال أقامت مؤخرًا مراكز لتسجيل الطلبة الجدد للعام الدراسي القادم، وعملت على فرض وصول أولياء الأمور لهذه المراكز من أجل التسجيل، مضيفًا: “عمدت بلدية الاحتلال على توظيف أشخاص مهمتهم الوحيدة تسجيل أكبر عدد من الطلاب الجدد للالتحاق بدراسة المنهاج الإسرائيلي”.
وأوضح الاتحاد أن هذه الخطوة تتم من خلال إقناع أولياء الأمور كذبًا بأفضلية التسجيل للمنهاج “الإسرائيلي”، وبيّن الاتحاد، أنه “في كثير من الحالات يتم وضع رغبة الأهالي بتسجيل أبنائهم لدراسة المنهاج “الإسرائيلي” دون علمهم؛ لأن عملية التسجيل تكون من خلال موقع مخصص لذلك على جهاز الكمبيوتر دون ملاحظة الأهالي”.
وتابع قائلاً: “وعندما يتوجهون لتثبيت التسجيل بالمدرسة المختارة يتفاجأون بأنهم وقعوا بالاحتيال والكذب بأسمائهم ودون علمهم”، منبهًا أولياء الأمور إلى ضرورة معرفة ومشاهدة ما يتم تسجيله، والإقرار بأنهم يريدون المنهاج الفلسطيني وإعلام إدارة المدرسة بذلك.
ويقول الناشطون إن الكتب التي ستدرس للطلاب باللغة العربية تستعمل المصطلحات الجغرافية والدينية الإسرائيلية بدل الفلسطينية، حيث ترد الضفة الغربية كـ”يهودا والسامرة” والمسجد الأقصى كـ”جبل الهيكل”.
بدوره، أكد المختص بشؤون القدس جمال عمرو، أن سلطات الاحتلال تحاول تنشئة جيل مشوه فكريًا ومستسلم للإملاءات الإسرائيلية. ولفت عمرو إلى أن تلك العملية تتم بمسارين: الأول ابتزاز المدارس الخاصة بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها، فيعمل على إغراقها بالأموال وتوفير احتياجاتها كافة وسداد ديونها، والآخر العمل على إنشاء مدارس للعرب تدار إسرائيليًا، وبجميع الأحوال المساران يُحكمان القبضة الإسرائيلية على المدينة المقدسة.
وتقدم وزارة شؤون القدس سنويًا، مبلغ 20 مليون شيكل لمدارس شرقي القدس، وتخصص تلك الأموال لغرض تنفيذ أعمال الترميم والتطوير، وتزويد المؤسسات التعليمية بحواسيب وملاعب رياضية ومختبرات.
غياب السلطة الفلسطينية عن المدينة أعطى فرصة إضافية للاحتلال للسيطرة على الوعي الثقافي في شرقي القدس المحتلة
وتعتبر تلك الميزانية بالنسبة لـ58 مدرسة يرتادها نحو 48% من إجمالي الطلاب المقدسيين، “مهمة” في ظل افتقار أبنيتها السكنية لمقومات التعليم، فلا أجهزة حواسيب ولا مختبرات علمية ولا أنشطة رياضية.
واشترطت الوزارة في يونيو/حزيران 2016 على المدارس استبدال المنهاج الفلسطيني بالإسرائيلي للحصول على الأموال، مهددة بفرض عقوبات على كل من يخالف ذلك. وعدّ عمرو، أن غياب السلطة الفلسطينية عن المدينة أعطى فرصة إضافية للاحتلال للسيطرة على الوعي الثقافي في شرقي القدس المحتلة، “إذ يتوجب على السلطة توفير الأموال والحفاظ على هوية المكان الذي تعتبره عاصمة الدولة الفلسطينية وفق خيار حل الدولتين”.
ويرى الخبير بشؤون القدس، أن سلطات الاحتلال تشوه بذلك عقل جيل كامل منفصل عن ذاته وهويته الدينية والوطنية والتاريخية “كي يسهل لها تنفيذ مخططاتها بالمنطقة والقضاء على كل أشكال المقاومة هناك”.
وكانت مصادر صحفية نقلت مطلع الشهر الحاليّ عن وزير التعليم في الحكومة الفلسطينية صبري صيدم “أن ملايين الدولارات وصلت إلى خزينة السلطة لدعم احتياجات وزارة التعليم، لكن هذه الأموال اختفت ولم تصرف لتغطية مشاريع الوزارة”.