“سافرت إلى القدس العام الماضي وعند وصولي إلى مطار تل أبيب كانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، تم التحقيق معي من ثلاثة أشخاص حتى الساعة الثامنة صباحًا، وخلال هذه الساعات تم استجوابي عن جميع المواضيع التي لا يمكن أن تخطر على بال أحد، فلقد سألوني إن تعاونت مع إحدى المنظمات الإرهابية مثل حركة حماس أو هيئة الإغاثة التركية أو تطوعت في حركة المقاطعة الإسرائيلية “البي دي إس” وعن سبب زيارتي لمصر ولبنان والسعودية، وإن كنت ضمن المتضامنين على سفينة مرمرة أو شاركت بأحد الاحتجاجات مع الفلسطينيين أو قمت بأي نشاط ضد “إسرائيل” وجاوبتُ بالنفي وباختصار، لكنهم أصروا على معاملتي بإذلال والإمعان بإهانتي، حتى تم اعتقالي بعد أن سلبوا مني كل أدوات الاتصال الممكنة مثل هاتفي وحاسوبي المحمول، واعتقلوني في حجرة أشبه بالسجن وكأنني مجرمة”.
كان هذا جزءًا بسيطًا مما تعرضت له الطالبة التركية شيماء إنيس التي تم احتجازها لمدة 30 ساعة من التحقيق والاعتقال خلال زيارتها الثانية إلى القدس العام الماضي، ولسوء الحظ فإن هذه الرحلة هي الأخيرة لها بسبب منع السلطات الإسرائيلية دخولها إلى القدس مجددًا لمدة 10 سنوات، لكن إنيس تصر على زيارتها في أقرب فرصة ممكنة.
كرست تركيا نفسها لتصبح جزءًا أساسيًا من المشهد الفلسطيني، فمن خلال الخطابات السياسية المؤثرة والمشاريع المدنية والدعوات الدينية جذبت الحكومة التركية انتباه مواطنيها إلى القضية الفلسطينية واستطاعت أن تربط بين قيمة القدس الدينية والتراث العثماني هناك، فنجحت في تحفيز مشاعر الآلاف من شعبها للدفاع عن قدسية هذه المدينة.
مؤخرًا دعت القمة الإسلامية الأخيرة التي عقدت في مدينة إسطنبول إثر قرار ترامب الأخير، إلى دعم مدينة القدس ومساندة أهلها، وشددت على ضرورة تقديم المساعدات المادية والمعنوية اللازمة لضمان صمود الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكان التجاوب الشعبي واسعًا وصارخًا في جميع أنحاء المدن التركية.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تدعو بها تركيا إلى التضامن والوقوف بجانب الفلسطينيين، فعلى مر السنوات الماضية، حشدت الحكومة شريحة واسعة من الأتراك للوقوف مع القدس من خلال حملات ومشاريع خدمية وزيارات سياحية لتشجيع وتيسير الحركة التجارية في الأسواق والشوارع، ولخلق علاقة مباشرة بين الشعبين وهذا المكان.
وبدوره أكد رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله، الاستعداد الكامل لتقديم التسهيلات اللازمة للسماح بأكبر عدد من الزائرين إلى القدس والمسجد الأقصى، فكيف دعمت الحكومة التركية بالمقابل هذه الزيارات؟ وكيف كانت رحلة الأتراك إلى القدس؟
القدس أولوية المؤسسات التركية
أطلقت مجموعة من المنظمات الأهلية عددًا من الحملات لتعريف الشعب التركي بالقضية الفلسطينية وتوفير الدعم المالي المناسب لمدينة القدس التي تهدف بشكل أساسي إلى استقطاب الداعمين والمساهمين من أجل تنفيذ المشاريع الاستثمارية في القدس لضمان صمودها.
ومن أهم هذه المؤسسات “وقف الأمة” التي تأسست في 2013 تحت عنوان “القدس عاصمة الأمة” لخدمة مشاريع القدس والمسجد الأقصى المبارك، حيث يسعى الوقف إلى تكثيف الجهود وزيادة الموارد بفتح الاستثمارات المختلفة للوصول إلى الديمومة في دعم مصارف الوقف التي تنفذ في مدينة القدس.
بالإضافة إلى جمعية “حجر الصدقة” التركية التي تتكفل بمساعدات عديدة تتراوح بين تأمين الألبسة الشتوية وتنظيم الإفطارات في شهر رمضان وتقديم الخدمات التعليمية، ومن جانب آخر فهي تسعى إلى إحياء الوجود والتقاليد العثمانية في الأراضي المقدسية.
وهناك “منظمة الإغاثة التركية” وهي أكبر منظمة مدنية في عموم البلاد وأعلنت عن حملاتها لتوفير الدعم المالي إلى المقدسيين بشكل معنوي وتعليمي يختص بنشر الوعي عن القدس وقضيتها وما يجري فيها من أحداث وتغيرات مستمرة.
إن عدد الذين يتقدمون بطلبات إلى الجمعية من أجل القيام برحلة إلى مدينة القدس، شهد ازديادًا كبيرًا عقب قرار ترامب
وأخيرًا جمعية “ميراثنا” القائمة بشكل أساسي على حماية التراث العثماني في بيت المقدس ولها أهداف مباشرة مثل التعريف بالمسجد الأقصى والتراث العثماني في بيت المقدس وتبصير المجتمع بالمخاطر المحدقة بالمسجد الأقصى وتنفيذ المشاريع الخاصة بالمحافظة على الموروث الإسلامي والعثماني داخل المدينة وترميم بيوتها ومساجدها للحفاظ على الوجه التاريخي للقدس ورعاية الميراث المادي والمعنوي والتاريخي لتمكين الأجيال اللاحقة من الاستفادة منه والإحساس بأهل القدس.
ومن أحد أهم مشاريعها فعالية “شد الرحال” لتكثيف وجود المسلمين في ساحات الأقصى، وزيادة الارتباط بين أهالي فلسطين والمسجد الأقصى وإبراز دور أهالي بيت المقدس ومناطق 48 في الدفاع عن الأرض وتنشيط الحركة التجارية في المدينة من خلال مرور المصلين إلى الأسواق والطرق المؤدية إلى المسجد الأقصى وخاصة في ظل ظروف الحصار والقيود المفروضة عليهم.
وهذا ما تقوم به أيضًا جمعية “براق” التي تستقبل طلبات الراغبين في الذهاب إلى مدينة القدس، وبهذا الشأن، صرح رئيس الجمعية آدم يني، أن عدد الذين يتقدمون بطلبات إلى الجمعية من أجل القيام برحلة إلى مدينة القدس، شهد ازديادًا كبيرًا عقب قرار ترامب، كما أوضح أنها كانت تنظم سابقًا رحلات لنحو 400 شخص في العام الواحد، لكن منذ إعلان ترامب قراره حتى اليوم بلغ عدد الراغبين في الذهاب نحو 350 شخصًا، وهذا ما أشارت إليه صحيفة “يني شفق” بأن الزيارات زادت بنسبة 70%.
ما أشكال الدعم التركي لزيادة عدد الزيارات إلى القدس؟
فتوى تركية تدرج زيارة المسجد الأقصى ضمن برنامج المعتمرين
أصدرت هيئة الشؤون الدينية التركية عام 2015 قرارًا عن إدراج المسجد الأقصى ضمن برنامج المعتمرين، وهذا بتنظيم زيارات له لمدة ثلاثة أيام قبل التوجه إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة، وتعد هذه الخطوة التركية مهمة جدًا في تنشيط الحركة التجارية والسياحية في المدينة.
تخفيض ثمن التذاكر إلى القدس
أعلنت الخطوط الجوية التركية تخفيضات على أسعار تذاكر السفر إلى الأراضي المحتلة، وذلك بهدف تسيير رحلات المواطنين الأتراك لزيارة القدس والمسجد الأقصى، إذ يبلغ ثمن التذكرة ذهابًا وإيابًا من مطار إسطنبول إلى تل أبيب نحو 300 دولار بأقصى حد و110 دولارًا على أقل تقدير.
وجاءت هذه التخفيضات بدعم من الحكومة وطلبًا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي التي دشنت وسمًا باسم “الخطوط الجوية التركية أجرى تخفيضًا على أسعار الرحلات إلى القدس”#ThyKudüseİndirimYap ، في محاولة منهم للحصول على فرصة للذهاب إلى القدس، وجاء هذا الوسم تزامنًا مع الأحداث الأخيرة في المدينة، بالجانب من دعوة أردوغان إلى تكثيف الزيارات لصد الانتهاكات الإسرائيلية، ويذكر أن خلال الهبة الشعبية الأخيرة لأهل القدس، دشن الأتراك عدة وسوم أخرى لدعم صمودهم والتأكيد على حقهم.
وهذا بعد سنوات من التضارب بين الفتاوى الدينية التي أباحت أحيانًا وحرمت أحيانًا أخرى الزيارات إلى المسجد الأقصى تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي من باب عدم إضفاء شرعية على المحتل العدو، وهذا ما صرحت به رابطة علماء فلسطين التي قالت إن السفر أو السياحة إلى كيان العدو الصهيوني الغاصب لغير أبناء فلسطين حرام شرعًا، ولو كان ذلك بقصد ما يسمونه السياحة الدينية أو زيارة المسجد الأقصى”، ولكن من جانب آخر اعتبرت هذه الزيارة ضرورة إستراتيجية لمساندة أهالي القدس بسبب المستجدات الأخيرة.
كيف تحاول “إسرائيل” قطع الأواصر بين الأتراك والقدس؟
الإعلام الإسرائيلي: “أردوغان يعمل ضد “إسرائيل” من داخل القدس.. هذا كان عنوان صحيفة “ماكور ريشون” الإسرائيلية التي اتهمت الحكومة التركية بمحاولة التآمر على “إسرائيل” وإحياء التراث العثماني في الأراضي المحتلة خاصة أن تركيا لعبت دورًا بالغ الأهمية في رفع مستوى الاهتمام بالمدينة المقدسة، سواء دوليًا ومحليًا، أو سياسيًا وشعبيًا، وشكلت موقف عالمي موحد ضد قرار ترامب ما زاد من الحساسية بينها وبين “إسرائيل” وصلت إلى حد التلاسن على وسائل الإعلام والتعامل بإجحاف مع الحضور التركي في القدس.
ومن أشكال هذه الحرب الإسرائيلية على الأتراك، حظر وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، نشاط مؤسسة “قناديل الدولية للتنمية والإغاثة الإنسانية” في القدس المحتلة، وأعلن أنها “تنظيمًا غير مسموح به في إسرائيل” لاتهامها بتمويل مشاريع حماس في القدس وتعزيز سيطرتها بين السكان، وهي بالأصل مؤسسة اعتنت بخدمة العلم والتعليم لأبناء القدس المحتلة.
ارتفع عدد القادمين من تركيا إلى القدس في آخر 11 شهر في 2017 بنسبة 19%، وزاد في شهر نوفمبر بنسبة 41% مقارنة مع نوفمبر عام 2016
هذا بالإضافة إلى الحرب الإعلامية التي بدأتها القناة الثانية الإسرائيلية، مدعية أن تركيا زاد وجودها ونفوذها في شؤون القدس، وأكدت تناميها في الداخل وتشجيعها لنشطاء سياسيين إسلاميين للتحريض ضد “إسرائيل” من خلال تمويل المؤسسات التركية وضخ الأموال فيها، وردًا على ذلك، طالب ماؤور تسميح رئيس منظمة “الذهاب إلى القدس” بتصدي السلطات الإسرائيلية للأنشطة التركية في المدينة لأنها تمس بالسيادة الإسرائيلية في القدس.
وبحسب الصحيفة المذكورة سابقًا، ارتفع عدد القادمين من تركيا إلى القدس في آخر 11 شهر في 2017 بنسبة 19%، وزاد في شهر نوفمبر بنسبة 41% مقارنة مع نوفمبر عام 2016، ومن وجهة نظرها فإن هذه الزيارات المتزايدة نتيجة لخطابات أردوغان التي تهدف لإرجاع القدس إلى عهد الدولة العثمانية، خاصة أن الأنشطة التركية تتوسع في المناطق التي توجود فيها الآثار العثمانية مثل يافا وعكا وشرقي القدس، وهذا ما وصفته الصحيفة بأن القدس نقطة البداية للتمدد التركي وشبح الدولة العثمانية في القدس الشرقية يطل برأسه من جديد.
ورأت أن الحل يكمن في وقف الحضور التركي من خلال أمرين: زيادة الاستثمارات الإسرائيلية في شرقي القدس، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، كما اعتبرتها حملة منظمة وواسعة لتهديد وجود “إسرائيل”، وهي أبعد من أن تكون حركة حضارية أو اجتماعية أو سياحية، لا سيما أن الجمعيات التركية تختار مراكز مهمة في المنطقة لصبغتها بالطراز العثماني المعماري، لإعادة بنائها وترميمها مثل الجامع الكبير في دوار الساعة في مدينة يافا.
إذ وصف تسيمح رئيس المنظمة الزيارات التركية بأنها “سياحة سياسية” ورجح زيادتها في عام 2018، وأضاف “في آخر عام ونصف، عملت الجمعيات التركية الممولة من الحكومة على تخطيط المواقع التاريخية في جميع أنحاء “إسرائيل”، بهدف بدء الإجراءات القانونية والقضائية لشراء المباني العثمانية مجددًا”، وطالب بوقف النشاط التركي، لأنه يمس بالسيادة الإسرائيلية في القدس، ويجب وضع خطوط حمراء أمام الحكومة التركية للحد من أنشطتها في المدينة، على حد قوله.
هذا وتطرقت الصحيفة إلى زاوية حساسة بشأن التاريخ التركي والأرمني، إذ أشارت إلى أن السياح الأتراك يفتعلون المشاكل مع يهود الأرمن في القدس، إلا أن مصادر أخرى تقول إن السلطات الإسرائيلية تتعمد إدخال السياح الأتراك لمسجد الأقصى عبر باب النبي داود والنبي خليل من داخل حارتي اليهود والأرمن، لإثارة المشاعر السلبية بينهم واستفزازهم، ومنعهم من التعامل مع أهل القدس وتجارها، ولكي تحقق ذلك تمنعهم من الدخول عبر باب العمود الأقرب إلى الحي الإسلامي والأكثر ازدحامًا بالمسلمين والمقدسيين.
كذلك نشرت صحيفة إسرائيل اليوم العام الماضي أن الحكومة التركية تساند القضية الفلسطينية وتعزز الهوية الإسلامية في القدس من خلال ضخ الملايين في المشاريع الاستثمارية، إذ استثمرت تيكا – مؤسسة تهدف إلى تحقيق التنمية في دول العالم -، منذ عام 2004 نحو 63 مشروعًا في القدس الشرقية، وهذا مثال بسيط على إنجازات المنظمات التركية في الداخل الفلسطيني.
اعتقال الوافدين الأتراك
واجه الأتراك عدة مواقف قاسية خلال زيارتهم للقدس، بسبب ما تعرضوا له من قيود وتضييقات فرضتها عليهم سياسة الاحتلال حتى لا تكون تجربتهم في الأراضي المحتلة تجربة سهلة، فخلال العامين الماضيين، تناقلت وسائل الإعلام أخبارًا عن اعتقال السلطات الإسرائيلية لعدد من السائحين الأتراك، ومنها اعتقال ثلاثة أتراك – آدم كوج وعبد الله قزل إرمق ومحمد قرغيلي – في البلدة القديمة بعد أن رفضت دخولهم المسجد الأقصى إثر مشاركتهم في احتجاجات فلسطينية على القرار الأمريكي.
وادعت “إسرائيل” أن سبب الاعتقال مهاجمتهم للشرطة خارج المسجد الأقصى، بينما صرحت وكالة أنباء الأناضول أن شرطة الاحتلال اعتقلت الأتراك الثلاث بسبب لباسهم الذي يحمل علم بلادهم الذين تم الإفراج عنهم بكفالة مالية وبشروط الابتعاد عن البلدة القديمة، هذا بالإضافة إلى اعتقال ستة مواطنين أتراك عقب أدائهم صلاة الجمعة واستمر احتجزاهم حتى ساعات المساء الأولى دون توضيح السبب أو إصدار أي بيانات بهذا الخصوص.
فتيات تركيات يروين أحداث رحلتهن داخل القدس المحتلة
في حديث خاص لـ”نون بوست” مع الطالبة صحراء أونال التي زارت القدس لمدة ثلاثة أيام بعد أن كسبت هذه الفرصة من خلال مشاركتها في إحدى المؤسسات التركية، وفضلت الذهاب إلى القدس عوضًا عن جميع الخيارات الأخرى التي عرضت عليها مثل إسبانيا والنمسا، ولكن لقيمة القدس الدينية ومكانة مسجد الأقصى الرفيعة، قررت أونال أن تكون تجربتها الأولى في السفر إلى القدس، حيث أوضحت “لو أملك الخيار مرة أخرى سأختار الذهاب إلى هناك مجددًا، فهي مدينة تتمتع بميزة ونكهة مختلفة لم أكن لأختبرها في مكان آخر، كما أنني أتطلع إلى زيارتها قريبًا”.
أكملت أونال حديثها واصفة الأجواء المقدسة في المدينة التي أردات حفظ تفاصيلها في ذاكرتها، واعتبرت أنه من المذهل تجربة العيش في منطقة تجمع بين الأديان السماوية الثلاثة على بقعة واحدة.
وعند سؤال “نون بوست” الطالبة أونال عن التصرفات التي استفزت مشاعرها كشخص مسلم ومساند للقضية الفلسطينية قالت: “انتشار الجنود الإسرائيليين بأسلحتهم، التي تبدو كأنها جاهزة للقتل، منحتنا شعورًا بعدم الراحة لأبعد درجة وجعلتنا نفكر بشكل أعمق بأهل المدينة الذين يعيشون باستمرار تحت هذا الضغط النفسي”، وأكملت “ليس هناك أي مجال للشعور بالحرية، ففي كل شارع هناك حاجز أو نقطة تفتيش لفحص الهويات، ومضايقتنا بنظراتهم وكلماتهم المزعجة التي رأيناها وسمعناها”، وأشارت إلى زيارتها لمرقد إبراهيم الخليل في مدينة الخليل وعبرت عن استفزازها من منظر الأسلحة والجنود المنتشرة في كل زاوية التي تخدش مكانته الدينية والمقدسة.
لم تنته مشاعر الاستياء لدى أونال عند هذا الحد، فتقول: “لا يمكنني وصف درجة الاستياء والضيق من منظر جدار الفصل العنصري الذي تضعه “إسرائيل” لتشعر الفلسطينيين بأنهم في سجن داخل بلادهم”، وتضيف أونال “أخبرنا مرشدنا السياحي ألا نتعامل أبدًا مع الإسرائيليين ولا نتبادل الأحاديث معهم أو نأخذ منهم أي غرض، وكنا نتعمد زيارة السوق الفلسطينية والتعامل مع البائعين الفلسطينيين حتى تذهب أموالنا لهم”، وتتصور أونال أن هذه الزيارة أفادت المدينة من الجانب المادي خاصة أن الوفد الذي كانت في رفقته يتكون من 30 شخصًا اعتمد في مشترياته على الأسواق المقدسية الشعبية.
ذكرت أونال أن القوات الإسرائيلية أردات افتعال مشكلة كبيرة عندما وجدت مقص أظافر داخل أمتعة أحد أفراد الوفد
هذا بالإضافة إلى الجانب المعنوي الذي ظهر من خلال زيارتهم التي توضح أهمية هذا المكان للمسلمين وتحمل رسالة استفزازية لـ”إسرائيل” خاصة بأنهم جيل شاب وبأعمار صغيرة لكنهم جاؤوا من تركيا لأنهم أصحاب هذا المكان ولم ينسوا القضية، ورغم حاجز اللغة بينهم وبين أهل المقدس لم تمنع الابتسامات وعلامات النصر وبعض الكلمات من إيصال هذا الدعم المعنوي، على حد قولها.
أما عن تجربتها في المطار في أثناء مغادرتها إلى تركيا قالت: “كنا 30 شخصًا، وانتظرنا لساعات طويلة جدًا، وتعرضنا للتفتيش عدة مرات، وخاصة أصدقائي الملتحين أو الملتزمين في زيهم الخارجي، فلم يتوقف العساكر عن البحث في أشيائهم الخاصة، هذا عدا الأسئلة الشخصية والكثيرة”، وذكرت أونال أن القوات الإسرائيلية أردات افتعال مشكلة كبيرة عندما وجدت مقص أظافر داخل أمتعة أحد أفراد الوفد، وعلقت قائلة: “من الطبيعي جدًا أن يحمل المسافر مثل هذه الأدوات، لكنهم عاملونا وكأننا إرهابيين، ولا أعتقد أن الأجانب الآخريين يتعرضون لما نتعرض له نحن، فلقد كان واضحًا من تصرفاتهم معنا أن هذه الحركات مقصودة ومتعمدة لمضايقتنا”.
وفي حديث آخر مع الطالبة التركية شيماء إنيس التي ذهبت إلى القدس لأول مرة عام 2014 في شهر نوفمبر أي في وقت انتفاضة القدس، تقول “رغم أن القضية الفلسطينية وجبة رئيسية في النشرات الإخبارية التركية، فإن المعلومات العامة والحقائق تبقى محدودة لدينا، لذلك اعتقدت أن هذه الزيارة سوف تكون مفيدة من الناحية التثقفية والتوعوية، ولا سيما لتحضير رسالة الماجستير الخاصة بي والمتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي من الناحية الإنسانية ولإنجازها كان على زيارة الضفة الغربية وأراضي 48”.
وتتذكر إنيس بعض المشاهد والمواقف من زيارتها الأولى قائلة: “لم أشهد بقوة وصمود كقوة أهل المقدس، ففي مرة قابلت امرأة في ساحة مسجد الأقصى وتبادلنا بعض الأحاديث وحينها أخبرتني أنها ترابط كل يوم في نفس المكان بالتناوب مع شقيقتها الصغرى، فعند انتهاء إحداهن من التزاماتها الحياتية الأخرى، يأتين للجلوس في ساحة المسجد حتى لا يتركوا المكان للإسرائيليين ولو لحظة واحدة، وهذه الحكاية أثرت بي بشكل لا يمكن وصفه، خاصة أن المرأة سعدت بمجيئنا ومساندتنا لهم، لذلك شعرت بقيمة أكبر لقراري بزيارة القدس وأهلها”.
هذا وأشارت إنيس إلى حسن ضيافة أهل المقدس لها وإكرامهم الشديد لها فقالت: “عندما كنا نذهب إلى الأسواق أو المطاعم، لم يقبل أصحاب المكان أخذ أي مقابل مادي منا، فلقد كانوا فرحين جدًا بزيارتنا وتفكيرنا بهم وبقضيتهم”.
لم تتعرض إنيس لأي مشاكل عند دخولها أو خروجها من القدس، لكن ذكرت أن أصدقاءها العرب تعرضوا للاستجواب لساعات طويلة لا تقل عن أربع أو خمس ساعات، أما في الزيارة الثانية، وفي نهاية فترة اعتقالها التي امتدت لأكثر من يوم ونصف تقول إنيس على مدونتها: “فتح الضابط باب الحجرة الساعة الرابعة والنصف ليلًا ونادني للخروج وبعد نصف ساعة أعادني إلى المطار لترحيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد أن أمروني بخلع حجابي وتفتيشي مرة أخرى، وفي النهاية عندما أخبروني بقرار الحظر، فقدت أعصابي وقلت لهم أن يتذكروا أن هذه الأرض ليست لكم”.