القمة الإفريقية الثلاثين التي استضافتها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الأسبوع الماضي، شهدت اهتمامًا عالميًا، حيث شارك فيها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرس فضلًا عن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط والرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن، وبحسب وزارة الخارجية الإثيوبية حضر القمة نحو 40 من رؤساء وحكومات الدول الإفريقية، وشارك في تغطية فعالياتها أكثر من 400 صحفي يمثلون وكالات الأنباء العالمية.
وإلى جانب المشاركة الدولية اللافتة، كان هناك حضور قوي لدول الخليج في فعاليات قمة اتحاد القارة السمراء، سنعود ونتحدث عن كواليس المشاركة الخليجية التي لفتت أنظار عدد من المراقبين، ولكن قبل ذلك سنتطرق إلى أبرز أجندة القمة وهي مكافحة الفساد.
رفعت قمة الاتحاد الإفريقي في دورتها الأخيرة شعار”الانتصار في مكافحة الفساد.. نهج مستدام نحو التحول في إفريقيا”، مما يمثل اعترافًا من قادة القارة السمراء بوجوب وضع حدٍ للفساد الذي أقعد بالقارة وأهدر كثيرًا من مقوماتها وثرواتها، حيث تؤكد الدراسات أنه يلتهم أكثر من 50 مليار دولار سنويًا من موازنات الدول الإفريقية .
نجحت دول إفريقية عديدة في قلب الصورة وتغيير نظرة العالم إلى القارة السمراء
ويمكن أن نطلق على قمة أديس أبابا الأخيرة “قمة مكافحة الفساد” لأن الموضوع استأثر بمعظم نقاشات جدول أعمال القمة، فقد تغلب على الأجندة الأخرى مثل السوق التجارية المشتركة التي تقرر عقد لقاء خاص لها في العاصمة الرواندية كيغالي في مارس/آذار المقبل، إلى جانب ملفات مكافحة الإرهاب وإصلاح أجهزة الاتحاد الإفريقي.
فالقارة تمتلك موارد طبيعية تؤهلها لأن تكون قوة اقتصادية مستقبلية، خاصّة أنّها تمثل مجالًا قابلًا للاستثمار لعقودٍ قادمة، ويعطيها الفرصة لأن تكون لاعبًا اقتصاديًا يضاهي التكتلات الاقتصادية الكبرى، فهي سوق استهلاكية قوامها أكثر من مليار و200 مليون نسمة، “إحصاءات عام 2016″، ومما يساعد على تحقيق ذلك، وجود مؤسسات سياسية ممثلة في الاتحاد الإفريقي وأذرعه القوية مثل مفوضية الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن والسلم إلى جانب كيانات ومؤسسات مالية فاعلة مثل البنك الإفريقي للتنمية والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد.
نماذج إفريقية ناجحة في مكافحة الفساد
مؤخرًا، نجحت دول إفريقية عديدة في قلب الصورة وتغيير نظرة العالم إلى القارة السمراء، إذ يلفت تقرير سابق لـ”نون بوست” إلى أن صندوق النقد الدولي أكد نجاح التجربة الاقتصادية الأوغندية ووصفها بالواعدة، حيث بدأت جمهورية أوغندا في سياسيات اقتصادية إصلاحية رأى وفد صندوق النقد الدولي الذي زار العاصمة كمبالا في 2014 أنها كافية لتحقيق ارتفاع في معدل التنمية.
وأكد تقرير الصندوق وقتها أن التضخم ما زال تحت السيطرة، كما أن احتياطات النقد الأجنبي ارتفعت لتكفي لتغطية واردات البلاد.
ويوضح التقرير أن كلمة السر لنجاح أوغندا كانت في مكافحة الفساد عبر آليات الشفافية والرقابة المجتمعية، فعلى سبيل المثال كانت هناك تجربة أوغندية في مكافحة الفساد في مجال التعليم بعد أن اكتشفت الحكومة أن 80% من ميزانية المدارس الأوغندية تسرق عبر شبكات الفساد الحكومي.
في ليبريا، أعلن الرئيس جورج ويا في خطابه الأول أمام برلمان بلاده تقليص مخصصاته بنسبة 25%، داعيًا النواب وأعضاء الحكومة إلى أن يحذوا حذوه، لمساعدة البلاد على تجاوز “التحديات الاقتصادية التي تواجهها“
مثال آخر في القارة السمراء، إثيوبيا النمر الإفريقي الصاعد بقوة، ففي أغسطس/آب من العام الماضي قام البرلمان الإثيوبي برفع الحصانة عن وزير المالية أليمايهو غوجو، ثم اعتقلته السلطات ضمن حملة ضد الفساد شنتها حكومة أديس أبابا، وشملت مسؤولين حكوميين كبار في وزارة المالية والتنمية الاقتصادية وهيئات الطرق وصناعة السكر والجهاز الإداري الحكومي في العاصمة، فضلاً عن سماسرة ورجال أعمال يشتبه بضلوعهم في صفقات فساد.
وبغض النظر عن الاحتجاجات العرقية المتفرقة التي تشهدها إثيوبيا من حينٍ إلى آخر، فإن سمعة الحكومة ومستوى الثقة بها جيد إلى حد كبير خلافًا لمعظم الدول الإفريقية، حيث ساهمت أعداد مقدرة من المواطنين الإثيوبيين في تمويل سد النهضة عبر حملات الاستثمار في الصكوك والسندات الوطنية، بل إن بعضهم قدّم تبرعات عينية ومادية ضخمة لصالح السد باعتباره مشروعًا قوميًا ينهض بالبلاد.
ونختم النماذج الإفريقية في مكافحة الفساد بليبريا، فقد أعلن الرئيس جورج ويا في خطابه الأول أمام برلمان بلاده عن تقليص مخصصاته بنسبة 25%، داعيًا النواب وأعضاء الحكومة إلى أن يحذوا حذوه، لمساعدة البلاد على تجاوز “التحديات الاقتصادية التي تواجهها”.
مشاركة خليجية لافتة
حرصت ثلاث من دول مجلس التعاون الخليجي على المشاركة بفعالية في قمة الاتحاد الإفريقي الـ30، فقد أرسلت المملكة العربية السعودية وزير خارجيتها عادل الجبير الذي شارك في القمة السابقة التي انعقدت في يوليو/تموز من العام الماضي وأكدت تسريبات إعلامية آنذاك أن الرجل حاول استمالة مواقف عدد من قادة دول القارة السمراء وإغراءهم للانضمام إلى محور الرياض أبوظبي في مقاطعتهم لقطر.
لكنه قوبل بردة فعل موحدة مفادها أنهم ملتزمون بموقف الاتحاد الإفريقي الذي تلاه رئيس المفوضية موسى فكي وينص على دعم الوساطة الكويتية لحل الأزمة الخليجية عن طريق الدبلوماسية والحوار، بل قيل إن الدول الإفريقية القليلة التي دعمت الموقف السعودي الإماراتي نالت حظًا من اللوم ضمن الجلسات المغلقة للقمة.
بعد دعوة العاهل السعودي لعقد قمة سعودية إفريقية، الاتحاد الإفريقي تجاهل الدعوة تمامًا ولم يصدر أي ردة فعل حتى هذه اللحظة
دعوة سعودية رفضها القادة الأفارقة
خلال انعقاد القمة السابقة في يوليو/تموز من العام الماضي، ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية وقناة العربية في خبرٍ عاجل، أن الملك سلمان بن عبدالعزيز دعا قادة الاتحاد الإفريقي لقمة سعودية إفريقية بالمملكة نهاية العام 2017 أو بداية العام الذي يليه (2018).
وقال حساب وزارة الخارجية السعودية آنذاك على “تويتر”: “#الملك_سلمان يدعو قادة الاتحاد الإفريقي لقمة سعودية إفريقية بالمملكة نهاية هذا العام أو بداية العام المقبل”.
جاء ذلك في أعقاب تغريدة لحساب الوزارة عن مشاركة وزير الخارجية عادل الجبير في القمة الإفريقية بأديس أبابا، حيث غرد الحساب قائلًا: “الوزير #عادل_الجبير يشارك في افتتاح القمة الإفريقية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا ويجري لقاءات ثنائية على هامش القمة”.
جدير بالذكر، أن الاتحاد الإفريقي تجاهل دعوة العاهل السعودي تمامًا ولم يصدر أي ردة فعل حتى هذه اللحظة، ربما لأنها أتت في وقتٍ تفسر فيه الاستجابة للدعوة السعودية بأنها انحياز صريح لمحور الرياض أبوظبي، وهذا ما يخالف توجهات القادة الأفارقة، ومنظومتهم التي تدعو إلى التحرر والانعتاق من التبعية.
وزير قطري يمثل الدوحة في قمة أديس أبابا
دولة قطر التي تقاتل وحدها في مواجهة جيرانها الثلاث بالإضافة إلى مصر، أوفدت الدبلوماسي المخضرم سلطان المريخي الذي يشغل منصب وزير الدولة بوزارة الخارجية للمشاركة في فعاليات القمة الإفريقية.
وللمريخي تجربة سابقة في القارة السمراء، فقد أجرى جولة إفريقية شملت السودان وإثيوبيا والصومال وكينيا فور اندلاع الأزمة الخليجة في يونيو/حزيران من العام الماضي.
مشاركة الدوحة الأخيرة في القمة الإفريقية الـ30، هدفت إلى الحرص على وجود قطر في الفعالية الإفريقية، لأن الدوحة تهتم جدًا بعلاقاتها مع القارة السمراء
ووفقًا لمصادر متطابقة، فإن وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية، عمد خلال زيارته السابقة لدول القرن الإفريقي، إلى إيصال رسالة أكّد خلالها تفهم الدوحة مواقف تلك الدول في عدم الانحياز لأي طرف، بالنظر للمصالح التي تربطها بالطرفين، وحرصها على المحافظة عليها، كذلك شدّد على رغبة بلاده في حل الأزمة عبر الطرق الدبلوماسية والحوار.
ورأى مراقبون أن التحرك القطري في دولٍ كالسودان وإثيوبيا والصومال وكينيا يأتي باعتبارها تمثل العمق الإفريقي لها، كما أن وقوف تلك الدول على الحياد من شأنه أن يخفف الضغوط السياسية على الدوحة.
أما مشاركة المريخي الأخيرة في القمة الإفريقية الـ30، فقد هدفت إلى الحرص على وجود قطر في الفعالية الإفريقية، لأن الدوحة تهتم جدًا بعلاقاتها مع القارة السمراء، لا سيما أن الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني هو الحاكم الخليجي الوحيد الذي عزّز حضور بلاده في القارة الإفريقية عبر قيامه بجولتين هناك في أقل من عام واحد.
وقد أجرى سلطان المريخي مقابلات عديدة مع مسؤولين أفارقة على هامش القمة من بينهم وزير الخارجية الإثيوبي ورقنيه قبيو، وأوضحت وزارة الخارجية الإثيوبية في صفحتها على فيس بوك أن اللقاء بحث كيفية تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين التي تبلغ 12 اتفاقية اقتصادية واستثمارية ودفاعية.
مشيرةً إلى أن العلاقات بين الدوحة وأديس أبابا شهدت نقلة إيجابية بعد زيارة أمير قطر لإثيوبيا في أبريل/نيسان العام الماضي ثم زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين للدوحة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
وزير الخارجية الإثيوبي يستقبل وزير الدولة القطري خلال القمة الإفريقية
كما اجتمع الوزير القطري في أديس أبابا مع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، ومع مفوض الأمن والسلم إسماعيل شرقي ومع عدد من وزراء الخارجية الأفارقة.
حفل إماراتي على هامش القمة
الإمارات التي شاركت في قمة الاتحاد الإفريقي بوفدٍ كبير قادته وزيرة الدولة للتعاون الدولي ريم الهاشمي، أقامت حفلًا في العاصمة الإثيوبية نظمته وزارتا الخارجية والتعاون بمناسبة “الشراكة الإماراتية الإفريقية” كما ذكرت صحيفة الاتحاد التي تتبع لحكومة أبوظبي.
واعتبرت الوزيرة الإماراتية أن بلادها تنظر للشراكة مع إفريقيا بمنظورٍ طويل الأجل من أجل تحقيق شراكة فاعلة مع دول وشعوب القارة والسعي نحو إيجاد طرق جديدة للتعاون على الأصعدة والمستويات كافة.
فيما رأت وزيرة الثقافة الإماراتية نورة الكعبي أن العلاقات بين أبوظبي وإفريقيا ستكون شاملة ولا تتوقف عند حد التنسيق السياسي والدبلوماسي والاقتصادي فقط، بل تمتد للمجالات الثقافية والعلمية.
انتهز الوفد الإماراتي فرصة الحفل “أو لعله أعد العدة” ليروج إلى أن أبوظبي ستعمل على دعم الأجندة الدولية للتنمية المستدامة 2030 بالقارة الإفريقية وبناء شراكات جديدة أكثر عمقًا ليكون هدفها النهائي إثراء وتعزيز جودة حياة الشعوب”.
الحفل الإماراتي في أديس أبابا
وتشير تقارير وزارة الخارجية الإماراتية إلى أن التبادل التجاري بين الجانبين “إفريقيا والإمارات” بلغ نحو 130 مليار دولار أمريكي بمعدل نمو يزيد على 37% خلال السنوات الخمسة الماضية؛ مما يجعل إفريقيا واحدة من أهم الشركاء التجاريين لدولة الإمارات.
ونلفت إلى أن دولة الإمارات حاولت بشتى السبل تغيير إثيوبيا والصومال من الأزمة الخليجية لأجل عزل قطر إفريقيًا وتوجيه ضربة قوية للخطوط الجوية القطرية التي تستخدم المجالين الإثيوبي والصومالي في رحلاتها من وإلى القارة الإفريقية منذ بدأ الحصار على الدوحة في يونيو/حزيران 2017.
لم تنجح محاولات أبوظبي في تغيير مواقف أديس أبابا ومقديشو من الأزمة، بل حدث العكس فقد تعززت العلاقات بين الدولتين من جهة وقطر من الجهة الأخرى.
لماذا الاهتمام الخليجي بإفريقيا؟
يكفى أن إفريقيا هي القارة التي تتوسط قارات العالم، وهي ثاني قارات العالم مساحةً إذ تبلغ مساحتها نحو 30 مليون كيلومتر مربع، وتملك دولها التي يصل عددها إلى 54 دولة خصائص مشتركة عديدة تجمعها مظلة “الاتحاد الإفريقي” الذي أصبح كيانًا أكثر فاعلية من “منظمة الوحدة الإفريقية” التي تطورت لتصير اتحادًا منذ العام 2002.
الاستقطاب العالمي والخليجي بشكل خاص سيتواصل ويتصاعد خلال الفترة المقبلة على القارة الإفريقية، إما لخلق نفوذ سياسي في المنظمة التي تضم 54 دولة أو لبناء شراكات اقتصادية واستثمارية مع دول القارة وربما للغرضين معًا
وربما تكون المشاركة الخليجية الواسعة في القمة، لأن الاتحاد الإفريقي أصبح المؤسسة الإقليمية الوحيدة التي ظلّت متماسكة نوعًا ما، بالمقارنة مع اضمحلال دور جامعة الدول العربية إلى جانب الانقسام الذي حدث مؤخرًا في مجلس التعاون الخليجي فضلًا عن بوادر تفكك الاتحاد الأوروبي بعد انسحاب بريطانيا.
لا ننسى كذلك، الثروات الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها القارة السمراء؛ الأمر الذي جعلها محط أنظار القوى المؤثرة في العالم خصوصًا الولايات المتحدة والصين وروسيا، ونشير هنا إلى أن الهند ستستضيف قريبًا قمة (منتدى الهند – إفريقيا) وهي أكبر قمة إفريقية تنعقد في الوقت الذي يسعى فيه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إلى مجابهة هيمنة الصين على القارة التي تتمتع بوفرة في الموارد الطبيعية وتتميز بنمو سكاني هو الأسرع في العالم.
ولذلك، فإن الاستقطاب العالمي والخليجي بشكل خاص سيتواصل ويتصاعد خلال الفترة المقبلة على القارة الإفريقية، إما لخلق نفوذ سياسي في المنظمة التي تضم 54 دولة أو لبناء شراكات اقتصادية واستثمارية مع دول القارة وربما للغرضين معًا.