منذ 28 من يناير 2018 خلال الأحداث الدامية في جنوب اليمن وحتى اليوم، لا تزال الأوضاع الأمنية في توتر شديد بين القوات الحكومية والقوات الانفصالية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، رغم الوساطة التي قادتها دول التحالف العربي، وأوقفت الاشتباكات الدامية في 1 من فبراير 2018.
يرفض الانفصاليون أي وجود للقوات الشمالية، لكنهم في نفس الوقت يرحبون بطارق محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وهذا ما يضعنا في بداية الخيط لمعرفة ماذا يحصل في عدن.
عبد ربه منصور هادي الرئيس اليمني المختفي عن الظهور الإعلامي منذ آخر حديث تحدث فيه عن مقتل علي عبد الله صالح، لم يستطع هو الآخر توجيه أحمد عبيد بن دغر رئيس حكومته، أو عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الانفصالي الذي ما زال يعترف بشرعية هادي، بوقف الاشتباكات المسلحة بين الأطراف التي تفرض سيطرتها الأمنية في العاصمة المؤقتة لليمن.
الحكومة اليمنية، عبر بيان نشرته في موقع وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”، اعتبرت ذلك تمردًا على الشرعية، وخرقًا للقرار الأممي رقم 2216، وخروجًا عن الهدف الذي من أجله أنشئ تحالف دعم الشرعية، ويقوض جهود إنهاء “الانقلاب الحوثي” ويخدم أجندات أخرى تتعارض مع وحدة اليمن واستقراره وسلامة أراضيه، وتضر بالمصلحة العليا للجمهورية اليمنية.
قدمت الحكومة اليمنية في ذلك البيان، بالغ تقديرها وشكرها للمملكة العربية السعودية دون الإمارات، لدورها فيما اعتبره البيان “انسحاب المتمردين من معسكر اللواء الرابع حماية رئاسية والمناطق التي اتنشر فيها”، وعلى غير عادتها في ذكر التحالف العربي ككل.
عبد ربه منصور هادي يرفض أن يكون هناك أي دور لأحمد علي عبد الله صالح في الجانب السياسي وطارق صالح في الجانب العسكري
بيان الحكومة اليمنية، كان حادًا، ويذكر المجلس الانتقالي الانفصالي، بالقرار 2216، وهي أيضًا رسالة مبطنة إلى من يدعمهم، مفادها أن الحكومة ما زالت قادرة على قلب الطاولة على الجميع بما فيهم المملكة العربية السعودية، إذا استمرت بالتغاضي عمن يدعم الانفصاليين لتحجيم عمل الحكومة اليمنية في عدن.
هذا البيان يقودنا إلى الطرف الثاني من خيط حل لغز أسباب الأحداث التي شهدتها العاصمة اليمنية المؤقتة عدن خلال الفترة من 28 من يناير إلى 1 من فبراير 2018، بين القوات الحكومية والمتمردين الانفصاليين المدعومين من الإمارات العربية المتحدة وربما إيران.
أسباب اندلاع الأزمة
تعود أسباب الأزمة الناشبة في عدن إلى لحظة مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وخروج القوات العسكرية التي تعلم كل مفاصل ونقاط ضعف الحوثيين من الشراكة معهم، وعلى رأس تلك القوات العسكرية طارق صالح الذي يبدو أنه مستعد لقيادة حملة عسكرية معاكسة ضد الحوثيين، وعدم استغلال عبد ربه منصور هادي أو السعودية لذلك، جعل الإمارات تتدخل بقوة لتوفير بيئة ملائمة للعمل على إعادة ذاتية وتأهيل لما بعد صالح.
عبد ربه منصور هادي، يرفض أن يكون هناك أي دور لأحمد علي عبد الله صالح في الجانب السياسي، وطارق صالح في الجانب العسكري، ويشترط عليهما، أولًا إبداء حسن النية والذهاب لهادي من أجل الاعتذار عما بدر منهم سابقًا، ومن ثم لكل حدث حديث، وهو ما يرفضه نجل صالح بسبب الحملة الكبيرة التي قادها نشطاء حزب الإصلاح اليمني وقيادته، رافضين أن يكون لأحمد علي أي دور مستقبلي.
حاولت الإمارات أكثر من مرة إقناع عبد ربه منصور هادي، كونه رئيس الدولة ويحق له أن يرفع مذكرة إلى الأمم المتحدة يطالبها برفع العقوبات عن أحمد علي عبد الله صالح، إلا أنه رفض ذلك، بل رفض أن يخوض في هذا الحديث، ويبدو أنه يخشى من خيانة تعدها الإمارات العربية المتحدة ضده من أجل الإطاحة به، بعد أن يتم القضاء على الحوثيين أو الوصول لتسوية سياسية معهم.
الإمارات تمتلك القرار السياسي والعسكري في جنوب اليمن عبر المجلس الانتقالي الجنوبي
لجأت الإمارات العربية المتحدة إلى الخيار الثاني، وهو إيجاد شرعية موازية لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، من أجل العمل معها ضد الحوثيين.
ويبدو أنها نجحت في إقناع السعودية بضرورة إيجاد شرعية ثنائية تتمثل بأحمد علي عبد الله صالح وطارق محمد صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام المناهض للحوثيين، ويرفض العمل مع هادي، بسبب عدم تحديد موقفه من مقتل صالح، والمرحلة التالية مع أولاد وأقرباء علي عبد الله صالح، إضافة لوجود حزب الإصلاح بجواره، والأخيرين تتهمهم الإمارات أنهم أسباب الفشل في الحسم العسكري طيلة الثلاث سنوات الماضية.
منحت الإمارات العربية المتحدة عبر وكلائها في عدن، التسهيلات اللازمة لتنقل طارق صالح بين كل من المهرة وشبوة وتعز والساحل الغربي، وعدن بين القوات الموالية للإمارات وتقاتل ضد الحوثيين، لتعزيز السيطرة الميدانية وتضييق الخناق على الحوثيين، لكن الحكومة اليمنية استاءت من ذلك وشنت حملة إعلامية شرسة ضد طارق صالح، وسعت لإحراج الإمارات بصفتها المستضيف له بعدن لإدراكها العميق أن وجوده وانطلاقه من عدن سيهدد بقاءها وحضورها وتمثيلها، ولجأت إلى استخدام قيادات عسكرية موالية لها، لتقليب المزاج العام في جنوب اليمن للحديث عن طارق وجرائمه واستفزازهم ببقائه في عدن الذي حارب في الأمس القريب ضد أبناء المنطقة.
ولأن الإمارات العربية المتحدة تمتلك القرار السياسي والعسكري في جنوب اليمن عبر المجلس الانتقالي الجنوبي، لعبت بذات الورقة التي لعبت عليها حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والإصلاحيين، مما استفز الحكومة اليمنية التي بدأت تتوسع تدريجيًا في فرض سيطرتها على المربعات الأمنية في عدن بحجة فرض الأمن وهيبة الدولة، ويعينها على كيفية منع طارق صالح من البقاء في الجنوب، حتى لا يخطف روح الشرعية من بين مخالب التحالف العربي.
استطاعت الإمارات عبر قواتها الأمنية وبمشاركة مباشرة من طارق محمد عبد الله صالح، انتزاع المناطق التي سيطرت عليها قوات الحماية الرئاسية الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بل وانتزاع أنياب الحكومة “الشرعية” التي باتت موجودة بقوات شرفية لا تمثل ثقلاً عسكريًا يمكن أن يعتمد عليها الرئيس هادي أو حكومته خلال الفترة القادمة.
رغم أن هناك دعمًا إيرانيًا للقوات الانفصالية، فإن عيدروس الزبيدي، قال إنه سيدعم طارق لتحرير الشمال، ويبدو أنه وجد مغريات كثيرة، لما بعد انتهاء الحرب في اليمن
بعد أن نجحت خطة الإمارات العربية المتحدة في إيجاد نقطة ارتكاز وتكوين قاعدة أساسية لطارق صالح في عدن، وإقناع المملكة العربية السعودية بأن الحكومة اليمنية أو القوات الموالية لهادي فشلت خلال الثلاث سنوات الماضية، ولم تستطع أن تتقدم في جبال نهم مترًا واحدًا.
سيتم خلال الفترة القادمة تهميش الشرعية وحكومة عبد ربه منصور هادي، وسيكون الدعم العسكري غير المحدود من السعودية والإمارات لصالح طارق صالح والتعاون معه والاعتراف بحضوره وحضور المؤتمر الرافض للحوثيين كقوة سياسية وعسكرية مناهضة للحوثيين، وستكون الحكومة الشرعية الخاسر الأكبر من المتغيرات الأخيرة في عدن، لكنها ستحافظ على بقاء حكومتها وستعاد لها معسكراتها بصورة رمزية، وكغطاء شرعي لتدخل التحالف العربي في اليمن ضد الحوثيين.
وما يفسر هذا الموقع، حديث عيدروس الزبيدي يوم الثلاثاء الماضي لقناة فرانس 24، بعد أن تمكنت قواته من فرض سيطرتها على أنحاء عدن، عن وقوفه إلى جانب طارق محمد عبد الله صالح نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح وقائد حرسه الخاص، مؤكدًا أنه سيدعمه عسكريًا في مهمة القضاء على الحوثيين.
ورغم أن هناك دعمًا إيرانيًا للقوات الانفصالية، فإن عيدروس الزبيدي قال إنه سيدعم طارق لتحرير الشمال، ويبدو أنه وجد مغريات كثيرة بعد انتهاء الحرب في اليمن، من ضمنها إعطائه صلاحيات كبيرة في حكم عدن دون الانفصال، لأن المملكة العربية السعودية لا ترغب في الوقت الحاليّ أو ربما الوقت القريب، نتيجة أن ذلك سيساعد الحوثيين على استعادة ولملمة صفوفهم لحكم الشمال، وتشكيل قوة تؤرق الرياض.
موقف هادي
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، كان بعيدًا عن تلك الأحداث ولم يستطع حتى الخروج أو الإدلاء بأي تصريح صحفي، نتيجة للضغوط التي مورست ضده من الإمارات العربية المتحدة، نتيجة لعدم استجابته لها في موضوع أحمد علي عبد الله صالح، فلجأت إلى تقليص شرعيته.
عبد ربه منصور هادي لا بد أن يتحرك ويقطع الطريق أمام التحركات التي قد تفضي إلى تهميشه تمامًا، وهو ما ظل يتخوف منه طيلة الفترة الماضية، وفي أثناء الحوار الذي كان يصر على تنفيذ كامل للقرار الأممي 2216، والمرجعيات الثلاثة (المبادرة الخليجية، واتفاق السلم والشراكة، وبنود مؤتمر الحوار الوطني في اليمن).
الرئيس عبد ربه منصور رفض إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة، يطالب فيها برفع العقوبات عن أحمد علي عبد الله صالح
لكن صمته حتى الآن وعدم التعليق عن أحداث عدن، يثبت أنه تحت الإقامة الجبرية وتموت شرعيته ببطء، وهذا يعني أن هناك خطوات ستعمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على تنفيذها، تبدأ بتقليص النفوذ الحكومي، ومن ثم فرض وزراء من المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي وأعضاء من حزب المؤتمر الشعبي العام، وتقليص دور حزب الإصلاح (إخوان اليمن) من أي دور سياسي أو عسكري قادم.
ربما بعد أن يتم القضاء على الحوثين، سيكون وجهة التحالف العربي بقيادة السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، هو حزب الإصلاح لمحاربته، وعليه أن يدرك ذلك.
ما رفضه عبد ربه منصور هادي، من إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة، يطالب فيها برفع العقوبات عن أحمد علي عبد الله صالح، سيتم من دونه خلال الفترة القليلة القادمة، فسيجتمع في الـ28 من فبراير الحاليّ مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة بشأن اليمن وقد يعيد النظر في مسائل العقوبات المفروضة في الشأن اليمني، وهو ما سيمكنه من ممارسة عمل سياسي قادم في اليمن، وهذا ما كان يخشاه الرئيس اليمني.