بالتوازي مع دعم وجودها الميداني العسكري في ليبيا، كثّفت السلطات الإيطالية تحركاتها الدبلوماسية بخصوص الأزمة الليبية تحت لافتة البحث عن حل لهذه الأزمة المتواصلة منذ سنوات.
حرص إيطالي على الحصول على دعم كبرى القوى الإقليمية والدولية المتدخّلة في الشأن الليبي، تربطه روما بسعيها المتواصل لإنقاذ البلاد من خطر الانقسام وفرض الاستقرار فيه، فيما يراه مناهضون لهذا الدور سعي إيطالي قديم متجدد لاستعادة النفوذ في هذا البلد العربي لإصلاح اقتصادها المتردي.
تحركات دبلوماسية
آخر التحركات الإيطالية في هذا الشأن، كانت في واشنطن، حيث تمكّن وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي، في نهاية زيارته الرسمية الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، من الحصول على تفويض أمريكي لإيطاليا في ليبيا بهدف “تحقيق الاستقرار” هناك.
وفي نهاية تلك الزيارة، أعلن مينيتي إبرام اتفاق مع مسؤولين أمريكيين لتشكيل فريق مشترك من أجل منع تحويل ليبيا إلى قاعدة لتنظيم “داعش”، وكان مينيتي قد أجرى محادثات في واشنطن الخميس الماضي مع وزيرة الأمن الداخلي الأمريكي كريستين نيلسن ورئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي أي) كريستوفر راي ووزير العدل جيف سيشنز.
ترتكز السياسة الإيطالية في ليبيا، حسب مسؤولين في روما، على ثلاثة مسارات، أهمها دعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج
وقال الوزير الإيطالي إن “الاتفاق يستند إلى وجود الولايات المتحدة في مناطق لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مثل مدينة الرقة السورية التي توفر كنزًا من المعلومات، وامتلاكها بالتالي القدرة على قراءة نظم عمليات التنظيم وفهمها، أما نحن فنوجد في ليبيا، مما يجعل التعاون الثنائي ضروريًا لنزع فتيل التهديد المتمثل في اتخاذ التنظيم من ليبيا قاعدة له، كما أن الولايات المتحدة تريد الاعتماد على إيطاليا باعتبارها حليفًا إستراتيجيًا لا غنى عنه في البحر المتوسط”.
وتأمل روما، وفق تقارير إعلامية، في تسجيل توافق يخول لها هامش تحرك أفضل في ليبيا على الصعيدين السياسي والأمني، إلى جانب إدارة ظاهرة الهجرة، وتمكنت إيطاليا الأسبوع الماضي من تحويل مهمة وكالة الحدود الخارجية الأوروبية “فرونتكس” من مواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية، إلى تعقب الإرهابيين وسط البحر الأبيض المتوسط.
وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي
هذه التحركات الدبلوماسية تسعى من خلالها السلطات الحاكمة في روما إلى جمع الدول الكبرى إلى صفها حتى تعود القضية الليبية إلى الأمم المتحدة لمنع بعض القوى الإقليمية على رأسها فرنسا من الانفراد بالملف الليبي، وترتكز السياسة الإيطالية في ليبيا، حسب مسؤولين في روما، على ثلاثة مسارات، أهمها دعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج ومساعدة الفصائل الليبية في التوصل إلى توافق، كذلك الحفاظ على موقف دولي موحد بشأن التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة.
جهود ميدانية
هذه التحركات الدبلوماسية المكثّفة، جاءت بعد أيام قليلة من موافقة البرلمان الإيطالي، على زيادة عدد القوات العسكرية الإيطالية في ليبيا، في إطار “إعادة صياغة التزامها العسكري في مناطق الأزمات الأقرب جغرافيًا إليها والتي لها آثار مباشرة أكثر على المصالح الإستراتيجية للبلاد”، وقبل ذلك، كانت وكالة الأنباء الإيطالية “آكي” قالت إن روما سترسل 100 جندي ونحو 30 مركبة إضافية إلى ليبيا للمساعدة في تدريب ودعم القوات الليبية، وبوصول دفعة الجنود الجديدة سيرتفع عدد القوات التي تعمل على تعزيز بعثة الدعم الإنساني في ليبيا إلى 400 جندي، كما سيزيد عدد المركبات إلى 130.
عادة ما يسجّل قيام السلاح الجوي الإيطالي بطلعاته الجوية في سماء ليبيا
تقول الحكومة الإيطالية إن الجنود الإيطاليين سيقدمون الاستشارة والدعم للقوات الليبية وسيتابعون عملها لمساعدتها في التصدي للتهريب والتهديدات الأمنية، فضلًا عن معاونة قوات الأمن الليبية على تقويم الأسطول البحري والقوات الجوية في البلاد وكذلك إعادة تأهيل البنية التحتية ذات الصلة.
إلى جانب ذلك، عادة ما يسجّل قيام السلاح الجوي الإيطالي بطلعاته الجوية في سماء ليبيا، تقول روما إنّها تهدف لمراقبة الوضع العام ورصد أي تحركات وصفتها بالمشبوهة إلى جانب دعم البعثة العسكرية التي بدأت عملها في المياه الإقليمية الليبية.
وفي الثاني من أغسطس الماضي، وافق البرلمان الإيطالي بأغلبية 328 صوتًا في مجلس النواب و191 عضوًا في مجلس الشيوخ، على خطة لإرسال قطع بحرية إلى ليبيا، لتوفير الدعم الفني لخفر السواحل الليبيين في مكافحة تهريب المهاجرين غير النظاميين باتجاه القارة الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط، وتقليل تدفقهم من الساحل الليبي إلى السواحل الإيطالية، وذلك بعد الاتفاق بين الجانبين الليبي والإيطالي على تفاصيل العملية.
بحث عن نفوذ مفقود
هذه المساعي الإيطالية في ليبيا، لئن أكّدت روما أن الغرض منها إيجاد حل للأزمة هناك، فإن عدد من المراقبين يرون عكس ذلك، مؤكدين أن الهدف الحقيقي وراء هذه الجهود بحث إيطالي عن نفوذ فقدته في المنطقة، وضمان موطئ قدم واضح وثابت على مستوى الملف الليبي، والعودة لشمال إفريقيا والإمساك بزمام الأمور هناك.
تأمل روما في الحصول على النصيب الأكبر من السوق الليبية وتأمين أسواق مستقبلية لإصلاح اقتصادها المتردي
وتعتبر روما، ليبيا منطقة نفوذ لها، فجغرافيًا لا تفصل ليبيا عن إيطاليا إلا أمواج المتوسط، وتاريخيًا كانت ليبيا أهم المستعمرات الإيطالية في إفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم تنقطع الصلات بين البلدين حتى عندما كانت ليبيا في عزلة جراء العقوبات التي فرضت عليها عام 1992، فقد ظلت شركة “إيني” الإيطالية المستثمر الأساسي في الغاز والنفط الليبي، وكانت روما إحدى بوابات عودة ليبيا للمجتمع الدولي التي بدأت تدريجيًا 2003.
فضلاً عن ذلك تعمل روما على تغيير السياسة الخارجية الإيطالية نحو حضور أكبر على الساحة الدولية ودور أكثر فاعلية في حل الأزمات من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، فليبيا تعتبر فرصة ورمزًا لإحياء الأمجاد التاريخية للإمبراطورية الرومانية في جنوب المتوسط، إلى جانب ذلك، تسعى إيطاليا لاستغلال الأزمة الليبية لإعادة تموضعها الجيوسياسي وتعزيز علاقاتها مع الجوار المتوسطي، فترى أن الحل الرئيسي للأزمة الأمنية والاقتصادية الإيطالية يكمن في التوجه نحو الضفة الجنوبية للمتوسط.
حضور عسكري إيطالي كبير في ليبيا
وتأمل روما في الحصول على النصيب الأكبر من السوق الليبية وتأمين أسواق مستقبلية لإصلاح اقتصادها المتردي، في ظل المنافسة مع العديد من القوى الإقليمية في ليبيا خاصة بمجال النفط، فليبيا تحتوي على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاتها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.
وتستورد إيطاليا 80% من احتياجاتها من الطاقة، ويذهب نحو 32% من إنتاج النفط الليبي إلى إيطاليا ليمثل 25% من وارداتها، كما تستورد إيطاليا نحو 12% من احتياجاتها من الغاز من ليبيا أيضًا.
ترى إيطاليا في ليبيا “المستعمرة” القديمة التي لا يجب مزاحمتها عليها، فليبيا بالنسبة إليها مجال حيوي خاص وأرض خصبة لا يجب أن يكثر حولها الطامعون، لذلك فهي تسعى إلى عدم تهميش دورها في العملية السياسية في ليبيا والحفاظ على مصالحها النفطية وضمان إدارة عملية مكافحة تهريب اللاجئين.