ترجمة وتحرير: نون بوست
لقد أخلي سبيل سيف الإسلام القذافي في إطار العفو العام الذي تبناه البرلمان الليبي خلال شهر حزيران/ يونيو من سنة 2017، بعد مضي ست سنوات من اعتقاله في سجن “الزنتان” (جبل نفوسة). ومباشرة، أعلن سيف الإسلام أنه يعتزم لعب دور في مستقبل ليبيا، مفصحا عن نيته في الترشح للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها سنة 2018. كما يأمل نجل القذافي في تحريك القوات من أجل شن حملة عسكرية ضد الجماعات الإرهابية المنتشرة حول طرابلس.
في الواقع، تم تحرير سيف الإسلام خلال الأشهر التي سبقت الإعلان الذي أصدره غسان سلامة، المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا منذ شهر تموز/ يوليو سنة 2017، الذي تضمن ضرورة إدماج كل الأحزاب السياسية ضمن العملية السياسية الرامية لإعادة إعمار البلاد. كما أكد سلامة أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية مفتوحة للجميع. وجاء على لسان سلامة أن “العملية السياسية ليست خاصة بهذا أو ذاك، بل يمكن أن تشمل أيضا تشريك سيف الإسلام القذافي، ومؤيدي النظام السابق الذين استقبلتهم علانية في مكتبي”.
من جهته، وعد سيف الإسلام بإعادة الاستقرار في بلاده بالاتفاق مع مختلف الفصائل السياسية. ولتحقيق ذلك، يتطلع سيف الإسلام إلى إطلاق برنامج مصالحة وطنية مرتكز على قاعدة أسسها بعناية خلال فترة سجنه، التي كان يتطلع إلى عرضها على الأمم المتحدة بهدف التحضير إلى مرحلة الانتقال السياسي.
أوراق رابحة حقيقية
تتمثل أولى ورقات سيف الإسلام الرابحة في تلقيه دعما من العشائر الليبية الأكثر تأثيرا في البلاد. وخلال شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2015، تحديدا قبل تحريره، سُمي سيف الإسلام قائدا للمجلس الأعلى للعشائر الليبية، أي أنه يعتبر بذلك الممثل الشرعي الوحيد للعشائر الموالية للقذافي. ويجعل هذا الخيار من سيف الإسلام على مقربة من الفاعلين الأساسيين في الحياة السياسية في بلد تتمتع فيه المؤسسات القبلية بثقل اجتماعي هام. وبغض النظر عما إذا كان هذا الثقل رسميا أو غير رسمي، فهو يكتسي أهمية، كما أنه عامل فاعل في استقرار البلاد.
من المرجح أن يكون تحت تصرف سيف الإسلام قرابة 20 مليار دولار، وهي الأموال التي نجت من عملية تجميد ممتلكات القذافي التي أقرتها الأمم المتحدة
على الرغم من أمر الإيقاف الصادر في حقه عن المحكمة الجنائية الدولية، الذي يهدف إلى إحالة سيف الإسلام على العدالة الدولية لارتكابه مجازر في حق الإنسانية، إلا أن هذا المركز القبلي يمكن أن يصب في صالحه ليلعب دور الحكم بين طرفي النزاع، أي كل من خليفة حفتر وفايز السراج. وتعد العشيرة بمثابة عنصر أساسي من مكونات المجتمع الليبي ومن النظام السياسي المرتكز على التحالفات القبلية أكثر من النخب الحضرية. وكثيرا ما ساهمت التحالفات القبلية في تركيز النظام الليبي لسيادته وقوته، على الرغم أن ولاء العشائر يبقى ظرفيا ومتقلبا.
وتجدر الإشارة إلى أن العقيد معمر القذافي قد اعتلى الحكم عن طريق مجلس عسكري متعدد القبائل تسيطر عليه قبيلة “ورفلة” من برقة وطرابلس وقبيلة “المقارحة” الطرابلسية، ما مكنه فيما بعد من محاباة عشيرته الخاصة “القذاذفة” (من منطقة سبها). ولا زالت أغلب عشائر برقة متعلقة بالنظام، فقد نجح العقيد القذافي في ضم عشائر الشرق إلى جانبه، حيث ركز هذه الوحدوية بعد أن تزوج فتاة من عشيرة “فركاش” وابنة عضو من أعضاء عشيرة “البراعصة” الملكية.
من الناحية المالية، من المرجح أن يكون تحت تصرف سيف الإسلام قرابة 20 مليار دولار، وهي الأموال التي نجت من عملية تجميد ممتلكات القذافي التي أقرتها الأمم المتحدة، علما بأن الثروة العائلية للقذافي قد وصلت قيمتها إلى قرابة 300 مليار دولار.
أما الورقة الرابحة الثانية التي يعتمد عليها سيف الإسلام، فتتمثل في إحداث إصلاحات اقتصادية حقيقية، التي لا زال العديد من الليبيين يرونها ملائمة. وقد كان سيف الإسلام العقل المدبر لبرنامج تحديث ليبيا، الذي ساهم في تحسين العلاقات الغرب على الرغم من رفض أسرته. كما سمح ذلك في تحرر السوق، ما جعل من الاقتصاد الليبي منفتحا أمام المستثمرين الأجانب.
في هذا الإطار، ذكر دبلوماسي أمريكي سنة 2011 أن “سيف الإسلام القذافي كان مهتما فعلا بتركيز إصلاحات في ليبيا، ولكن والده منعه من ذلك. وقد هدد معمر نجله سيف الإسلام من أنه إذا واصل الحديث عن إقرار إصلاحات سيقوم باستبعاده وتعويضه بشقيقه خميس القذافي. ولهذا السبب، غير سيف الإسلام رأيه وهدد الثوار بأن ليبيا ليست تونس أو مصر، وأن الدماء ستراق إذا واصلوا معارضة والده. ومع ذلك، استمرت العلاقات بين سيف الإسلام ووالده في التدهور.
أطلق سيف الإسلام حوارا مع الجماعة الإسلامية، التي تطلق على نفسها اسم “الجماعة الليبية المقاتلة”، بهدف التأكد من عدم تطرف أعضائه
أما بالنسبة لخميس القذافي، الذي يقود فيلقا عسكريا من النخبة، فكان يعد الابن الوحيد الذي يمكن لمعمر القذافي أن يعول عليه، في حين استبعد سيف الإسلام من الساحة رغم ظهوره المتواتر في وسائل الإعلام، قبل أن يدخل في مزاج سيئ ويعتبر والده قد ضيع فرصة تاريخية لإعادة إصلاح النظام تسمح بإضفاء نفس جديد على سلطته بهدف تمتعه بشرعية شعبية”.
لقد دافع سيف الإسلام في عدة مناسبات عن فكرة تأسيس الدستور، حيث أنه كان يتطلع إلى تولي منصب ضمن الحكومة من أجل اكتساب الشرعية اللازمة لصياغته. كما كان يؤيد فكرة إنشاء وسائل إعلام خاصة، حيث أطلق بنفسه مجموعة إعلامية تحت اسم “الغد”، تتكون من أول قناة تلفزية غير حكومية وأول صحيفتين خاصتين في ليبيا. ومنذ سنة 2017، أنهى بنجاح مشروع المصالحة بين الحكومة والمعارضة الإسلامية برعاية مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية.
علاوة على ذلك، أطلق سيف الإسلام حوارا مع الجماعة الإسلامية، التي تطلق على نفسها اسم “الجماعة الليبية المقاتلة”، بهدف التأكد من عدم تطرف أعضائها. وبعد مضي سنتين من المحادثات، قامت المنظمة الجهادية بتصحيح رؤيتها للدين في “مجموعة قوانين” تتكون من 417 صفحة تحت عنوان “دراسات تصحيحية في فهم الجهاد”. ومن خلال هذه المجموعة، اعترف قادة الجماعة الليبية المقاتلة بأن القتال المسلح ضد الإخوة في الدين، المقصود هنا نظام القذافي في تلك الفترة، يتنافى مع التشريع الإسلامي، مع استثناء حالات التعرض لاحتلال أجنبي.
لتحقيق المصالحة، تم دمج قدماء أعضاء الجماعة الليبية المقاتلة في اللعبة السياسية الليبية، ولكن هذا النوع من التنكر لم يسمع عنه سابقا داخل الأوساط الجهادية. وبين سنتي 2009 و2011، أفرج النظام الليبي عن قرابة ألف ناشط من الجماعة الليبية المقاتلة بينهم المعتقل في سجون النظام سابقا، عبد الحكيم بلحاج، الذي أضحى سنة 2011 قائد المجلس العسكري في طرابلس. وقد تعهد سيف الإسلام بتقديم تعويضات لأسر الإسلاميين الذين قتلوا خلال مجزرة سجن أبو سليم سنة 1996.
أمام معارضة العديد من أفراد عائلته، الذين يحرصون على الحفاظ على الوضع السياسي الراهن خلال تلك الفترة، خير سيف الإسلام الانسحاب من الساحة السياسية
اقتناعا منه بضرورة إجراء إصلاحات سياسية، مخالفا بذلك رأي والده، أعرب سيف الإسلام عن نواياه في خطاب ألقاه في حفل الشباب السنوي سنة 2009: الذي انتقد فيه “ضمنيا القرارات التي اتخذها نظام والده، كما دعا إلى إحداث تغييرات عميقة في نظام الحكم. وقد دافع في برنامجه عن فكرة إحداث إصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية، مشيرا إلى نية الانسحاب من الحياة السياسية بغية التركيز على المجتمع المدني والتنمية.
في سياق متصل، أشار سيف الإسلام إلى أن ليبيا عانت من “الركود” خلال فترة العقوبات، وراهن على برنامج الحكومة الطموح للتنمية (…) ودعا إلى مجتمع مدني أقوى، والإصلاح القضائي، واحترام حقوق الإنسان، ومنح مزيد من الحرية للصحافة”.
أمام معارضة العديد من أفراد عائلته، الذين يحرصون على الحفاظ على الوضع السياسي الراهن خلال تلك الفترة، خير سيف الإسلام الانسحاب من الساحة السياسية. وتشير برقية دبلوماسية، نشرت في ذلك الوقت، إلى أن هذه الخلافات الأسرية كانت تشكل العقبة الرئيسية التي تحول دونه ودون خلافة والده.
في الحقيقة، ورد في هذه البرقية أن “الأحداث الأخيرة قد كشفت عن تفاقم التوتر بين أبناء معمر القذافي، وأن كلا من المعتصم، وعائشة، وحنبعل، والساعدي، وربما والدته، قد اتحدوا ضد الخليفة المحتمل لوالده، سيف الإسلام. ويبدو أن هذه التوترات تتعلق بحالة الاستياء التي انتابت أفراد عائلة سيف الإسلام جراء شعبيته كشخصية عامة في النظام…ونشبت هذه الخلافات العميقة أيضا جراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي اقترحها سيف الإسلام، والتي يمكن أن تتعارض مع مصالح الأسرة، ومن الطريقة التي حاول بها احتكار القطاعات الأكثر ربحا من الاقتصاد”.
يحظى سيف الإسلام بالدعم في منطقة فزّان، متمثلا في شخص الجنرال علي كنة سليمان
خلال شهر نيسان/ أبريل من سنة 2011، وفي خضم التدخل الأجنبي في ليبيا، قبل النظام الليبي بخارطة الطريق التي اقترحها الاتحاد الأفريقي، التي تعد ليبيا من أكبر المساهمين فيها، والتي تنص على الوقف الفوري للأعمال القتالية، وتسهيل إيصال المعونة الإنسانية، وفتح حوار بين الأحزاب الليبية، وتعويض معمر القذافي بنجله سيف الإسلام، من أجل البدء في عملية الانتقال سياسي. لكن، فرنسا رفضت هذا الخيار رفضا قاطعا.
أما الورقة الثالثة الرابحة بالنسبة لسيف الإسلام القذافي، فتتمثل في إعادة تنشيط الشبكات المؤيدة للقذافي خارج وداخل ليبيا. لأنه بالنسبة “للقذافيين”، يمثل سيف الإسلام الشخص السياسي الوحيد القادر على توحيد مستقبل ليبيا، على الرغم من أن بعضهم انضم إلى المشير خليفة حفتر بعد الاستفادة من العفو الذي منحه إياهم برلمان طبرق. ولكن، يبدو أن أتباع سيف الإسلام أكثر تنظيما، كما أنهم لا يترددون في طرح الصورة الحداثية والقراءة الجيدة لقائدهم خلال الحملات الانتخابية الترويجية.
إلى جانب ذلك، يحظى سيف الإسلام بالدعم في منطقة فزّان، متمثلا في شخص الجنرال علي كنة سليمان، وهو من الطوارق الأوفياء للقذافي، وقائد سابق للقوات المسلحة في الجنوب، المتمركز في مدينة أوباري (وادي الحياة) في جنوب ليبيا. سنة 2011، كان علي كنة قد هرب إلى النيجر، ثم عاد إلى ليبيا بعد سنتين، تماما مثل رفيقه القائد السابق لجيش الطيران، علي شريف الريفي، الذي عاد سنة 2017 بعد قضاء ست سنوات في النيجر.
بالنسبة لكنة، الذي أسس جيشا جنوبي البلاد، فهو لا يقف إلى صف طرابلس أو طبرق، وهو مستعد في الوقت الحالي للتحالف مع كل الأطراف التي تقبل الاعتراف بشرعية حكومة مستمدة من فكرة الجماهيرية. وقد عُين في قيادة القوات المسلحة لجنوب ليبيا من قبل ضباط قذافيين سنة 2016.
يتمتع سيف الإسلام القذافي بدعم الكثير من العسكريين السابقين، وبعض المجموعات العرقية التي ترى فيه أحسن خلف لوالده، والملاذ الوحيد للعودة لأمجاد الماضي
يترافق هذا الصعود القوي للجنرال كنة مع تجدد التيار الموالي للقذافي في ليبيا، الذي ما فتئ يوسع انتشاره على الأرض. ومن أجل إنجاح مخططه لمحاصرة طرابلس، سيحتاج خليفة حفتر إلى دعم القذافيين في فزان، وهي منطقة إستراتيجية توجد فيها حقول الغاز والنفط: مرزوق، شرارة والفيل، التي تسيطر عليها إلى حد الآن قوات علي كنة منذ أيار/ مايو من سنة 2017.
اليوم، يبدو أن هذا الأخير، الذي وضع نفسه في موقع قوة وبات يتمتع بعلاقات وثيقة مع أجهزة المخابرات الجزائرية، قد أصبح في موقف يؤهله لأن يقدم لسيف الإسلام، ليس فقط حماية شخصية قوية، بل أيضا خزانا من الضباط والجنود السابقين القادرين على جعله قوة سياسية هامة في الجنوب.
حتى خارج الحدود الليبية، يتمتع سيف الإسلام القذافي بدعم الكثير من العسكريين السابقين، وبعض المجموعات العرقية التي ترى فيه أحسن خلف لوالده، والملاذ الوحيد للعودة لأمجاد الماضي. وكان طاهر الداهش، المسؤول السابق عن اللجان الثورية الدولية في نظام حكم القذافي، الذي يقبع اليوم في المنفى في تونس، قد أعلن سنة 2016 أن سيف الإسلام يتمتع في الأوساط العسكرية كما في معسكري حفتر والسراج، بمساندين بصدد الاستعداد لعودته.
حيال هذا الشأن، قال الداهش “لا يجب أن ننسى أن القذافي يتمتع بشعبية كبيرة في الخارج. فنحن لدينا أنصار مستعدون للقدوم من الخارج ومساندتنا، خاصة في البلدان الإفريقية، دون اعتبار الليبيين المنفيين في مصر وتونس وبلدان أخرى. ولا يقل عدد المساندين لنا عن ثلاثة ملايين شخص، لأنهم عاشوا تجربة مريرة خلال السنوات الست الماضية”. ويشار إلى أن مجموعة من أنصار سيف الإسلام تتواجد في تونس منذ سنة 2012، ويشرف عليهم فرنسي يدعى فرانك بوتشارلي، وهي تدعي أن تعدادها يصل إلى 20 ألفا داخل ليبيا، إلى جانب عدد يتراوح بين 15 و20 ألفا من العسكريين السابقين المنفيين المستعدين للعودة لبلدهم.
شكلت مجموعة من اللاجئين الليبيين في النيجر لجنة لمساندة سيف الإسلام، وحظيت بدعم المجتمع المدني وخاصة في صفوف الطلبة
أما في مناطق تواجد الطوارق في مالي والنيجر، فإن وفاة القائد السابق للجماهيرية الليبية اعتبر كارثة حقيقية، لأن القذافي كان قد استثمر أموالا ضخمة لمصلحة هذه الشعوب. وعلى الرغم من السياسة الغامضة التي انتهجتها طرابلس تجاههم، التي تراوحت بين التمييز الثقافي ضدهم ودعم حركات التمرد، إلا أن الطوارق لجأوا بأعداد كبيرة نحو ليبيا، خاصة في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
نتيجة لذلك، كان لسقوط حاكم ليبيا السابق تأثير مباشر على هؤلاء الذين كانوا يعيشون ويعملون في هذا البلد منذ حوالي 30 سنة. واليوم، يصرح الكثير من الجنود الطوارق، الذين انتموا سابقا للجيش الليبي، بأنهم مستعدون للقتال من أجل تيار القذافي، لدرجة أنه إلى حد اليوم يمكن لمن يزور مدينة أغاديس في النيجر رؤية لافتات عليها صورة معمر القذافي.
في تموز/ يوليو من سنة 2017، شكلت مجموعة من اللاجئين الليبيين في النيجر لجنة لمساندة سيف الإسلام، وحظيت بدعم المجتمع المدني وخاصة في صفوف الطلبة. ويقوم هؤلاء اليوم بعديد الحملات الدعائية لفائدة الابن الثاني لمعمر القذافي، اعتمادا على صورة الأب، وما حققه من إنجازات في إفريقيا. وفي بوركينافاسو، لا يزال يُنظر إلى حاكم ليبيا السابق على أنه فاعل الخير الذي قام ببناء الطرقات، والمراكز الاجتماعية، وملاجئ الأيتام، والجامعات ومدارس تعليم الفتيات، وهو أيضا الذي قام بتمويل بناء حي واغا 2000 في العاصمة واجادوجو.
عوائق كبيرة
يشار إلى أن خطة العمل التي قدمها غسان سلامة في أيلول/ سبتمبر من سنة 2017 أمام مجلس الأمن الدولي، من أجل التحضير للانتخابات الرئاسية، تتضمن العديد من الخطوات المؤسساتية، ومن أبرزها إقامة مؤتمر ضخم للمصالحة الوطنية، “يكون فرصة لجميع الليبيين من أجل الالتقاء وصياغة خطاب وطني مشترك، والاتفاق على الخطوات اللازمة لتحقيق عملية الانتقال”.
في حال عودته إلى المشهد السياسي، عن طريق عملية انتخابية لا يشوبها التزوير، ستكون أمام سيف الإسلام القذافي، ،فرصة حقيقية لإعادة فتح ملف تمويل حملة ساركوزي
كما يفترض أن يتم أيضا تنظيم استفتاء على الدستور وتحضير قانون انتخابي. أما فرنسا، التي تسعى لفرض انتخابات في ربيع 2018، باتت تخشى من وقوف الليبيين ضد مشاريعها، بعد أن اهتزت مصداقيتها أمامهم إثر اعتقال رجل الأعمال، ألكسندر الجوهري، في لندن، في إطار التحقيق حول شبهة التمويل الذي قدمه النظام الليبي السابق للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في السباق الانتخابي سنة 2007.
ربما تخدم هذه التطورات أهداف التيار الموالي للقذافي، الذي يسعى لإنجاح أجندته السياسية في ليبيا، باستخدام هذا الملف الحساس. ويظهر ذلك من إصراره على امتداد السنوات السبع الماضية على التذكير بأنه يمتلك أدلة على هذا التمويل.
في حال عودته إلى المشهد السياسي، عن طريق عملية انتخابية لا يشوبها التزوير، ستكون أمام سيف الإسلام القذافي، الذي يعد أحد أبرز الوجوه التي لا تزال حية من النظام السابق، فرصة حقيقية لإعادة فتح ملف تمويل حملة ساركوزي.
في آذار/ مارس من سنة 2011، هدد معسكر القذافي بكشف أسرار حول هذا الموضوع، كرد منه على اعتراف باريس بالمجلس الوطني الانتقالي كممثل شرعي للشعب الليبي. وفي لقاء صحفي مع شبكة يورونيوز الإخبارية الأوروبية، طلب سيف الإسلام حينها من الرئيس السابق ساركوزي “إعادة المال الذي تم إقراضه إياه لتمويل الحملة الانتخابية سنة 2007”.
لترشح سيف الإسلام وقع كبير على التحالفات السياسية والعسكرية الهشة في هذا البلد
في الواقع، لا يخفي سيف الإسلام اعتزامه الأخذ بالثأر والعودة بالتاريخ إلى الوراء إذا سنحت له الفرصة لفعل ذلك، ولكن عليه أولا مواجهة ثلاثة شروط: أولا، أن لا يدفع ضريبة تضارب مصالح الأطراف الداخلية والخارجية، القادرة على عرقلة ترشحه لرئاسة البلاد. ثانيا، ألا تتم مقاطعته من قبل دول أجنبية، على غرار ما حصل مع والده، ومجموعات ليبية مسلحة لا مشكلة لديها في أن تكون الحكومة الليبية ضعيفة، مادامت تسمح لها بالتصرف كما تشاء. وثالثا، ألا يتم إقصاؤه من قبل خصومه بحجة مذكرة الإيقاف الدولية الصادرة في حقه من قبل محكمة الجنايات الدولية.
أما على الصعيد الداخلي، لم يكن الإفراج عن سيف الإسلام القذافي يمثل فقط حدثا قضائيا. وفي الحقيقة، يُعزي الكثيرين في ليبيا إطلاق سراحه إلى مناورات قام بها الجنرال خليفة حفتر، الذي يرمي إلى تعزيز تحالفاته مع شبكة نظام القذافي السابق، وذلك بهدف إضعاف حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس.
في المقابل، يمكن أن يكون لترشح سيف الإسلام وقع كبير على التحالفات السياسية والعسكرية الهشة في هذا البلد، الذي لا يزال يعاني من الانقسامات والعداء المستفحل بين حكومة حفتر، المدعومة من روسيا ومصر والإمارات، وحكومة السراج، المدعومة من الأمم المتحدة والعواصم الغربية. لذلك، ربما تؤدي عودة سيف الإسلام لإعادة خلط الأوراق في هذا السباق نحو السلطة.
ما هي الاحتمالات القائمة؟
لكن السؤال الحقيقي الذي يبقى مطروحا الآن، هو مدى واقعية إجراء انتخابات رئاسية في بلد يغرق في الفوضى، ويعيش مجتمعه في دوامة عنف. وبعبارة أخرى، هل تكون الانتخابات هدفا في حد ذاتها، أم يجب أن تكون الخطوة النهائية في مسار ضروري من أجل تحقيق المصالحة على المستوى المحلي والوطني؟
من المتوقع أن تؤدي الانتخابات لنتائج عكسية، وتتسبب في اندلاع المزيد من العنف وتصبح بدورها عاملا لمزيد الاستقطاب في المجتمع الليبي
في شأن ذي صلة، يذكر أن كل محاولات فتح باب التفاوض بين المعسكرين المتصارعين في ليبيا، سواء التي قدمتها تونس، أو الجزائر، أو القاهرة، أو باريس، أو برازافيل، لم تنجح في تحقيق تقدم في الوضع الليبي. ويبدو الليبيون منهكين من العنف المتواصل، وغياب الأمن وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الكارثية في بلادهم. وقد سادت حالة من اللامبالاة تجاه الوضع العام في ليبيا، وهو ما قد يؤدي إلى عدم اهتمام المواطنين بالانتخابات التي لن تغير شيئا على أرض الواقع من وجهة نظرهم.
أما التحدي الآخر الكبير في المشهد الليبي سيكون تأمين مكاتب الاقتراع، بينما تنتشر حالات الاختطاف والاغتيال في كل المدن، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ما تعرض له عمدة مدينة مصراتة، محمد الشتيوي، في 17 كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
أخيرا، كان الجنرال خليفة حفتر قد قرر بشكل أحادي الجانب، في كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2017، إصدار مرسوم ينص على إلغاء اتفاق الصخيرات الذي توصل إليه الفرقاء الليبيون في المغرب بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر سنة 2017، وينص أيضا على أن حكومة السراج فقدت شرعيتها.
في هذا السياق المعقد، هل يكون المسار الانتخابي الذي تريد العواصم الغربية والأمم المتحدة إتمامه مجرد سراب ديمقراطي في النهاية؟ أم هل سيكون مجرد مسار شكلي وفوقي لا تعلم أسراره إلا الحكومات الغربية، ويؤدي لإقصاء الحكم المحلي والدور القبلي، ويتسم بالضعف والعجز عن استيعاب حقيقة الصراع، في هذا البلد الإفريقي، الذي لا يمكن فقط معالجة مشكلته بصناديق الاقتراع ما لم يتم التطرق للمشاكل العميقة؟
من المتوقع أن تؤدي الانتخابات لنتائج عكسية، وتتسبب في اندلاع المزيد من العنف وتصبح بدورها عاملا لمزيد الاستقطاب في المجتمع الليبي، وهو ما حدث في العديد من التجارب السابقة في القارة الإفريقية. وبالتالي، هل يؤدي اعتراف غسان سلامة، خلال القمة الثلاثين للاتحاد الإفريقي في 30 كانون الثاني/ يناير الماضي، بالبعد الإفريقي للصراع الليبي، إلى تغيير بعض المعطيات في هذا الملف، بينما رُفض المقترح الذي قدمته هذه المنظمة سنة 2011 بشأن الانتقال السياسي في ليبيا بشكل قاطع من قبل حلف الناتو وفرنسا؟
بناء على ذلك، يجب التوقف عن تهميش هذا الاتحاد الإفريقي، الذي طلب من الرئيس الفرنسي التوقف عن تقديم المبادرات الموازية في الملف الليبي، وسط هذه التدخلات الخارجية في القضايا التي تهم الاستقرار والأمن في المغرب العربي والشريط الساحلي، باعتبار أنها قضايا تهمه بشكل مباشر.
المصدر: المركز الفرنسي للبحث الاستخباراتي