فضلاً عن دولة الفاطميين والأغالبة والزيانين والموحدين والمرابطين والرستمية، عرفت الجزائر أو ما كانت تعرف قديمًا باسم المغرب الأوسط حكم دولة بني حماد لأكثر من قرن، لتخلّف منشآت عمرانية ومعالم حضارية بارزة إلى الآن.
الدولة الحمادية
ينسب الحماديون إلى قبيلة صنهاجة، إحدى أكبر القبائل البربرية في المغرب الأوسط، لذلك تعتبر دولة بني حماد أو الدولة الحمادية إحدى دول الأمازيغ في المغرب الأوسط، وتمثل أول دولة بربرية مستقلة تحكم الجزائر بعد الفتح الإسلامي.
يبدأ التاريخ الحقيقي لدولة بني حماد التي حكمت الجزائر بين 1014 و1152 ميلاديًا، حين اختط حماد بن بلكين أو بلقين الزيري مؤسس الدولة “القلعة” التي اتخذها عاصمة للحكم قبل الانتقال إلى مدينة بجاية، حيث أعلن الدعوة العباسية واستقل بالحكم، وتعاقب على حكم هذه الدولة تسعة أمراء، اختلفوا قوةً وضعفًا وأسلوب حكم، وكان آخرهم يحيى بن العزيز الحمّادي.
توسّعت الدولة في عهد بلكين بن محمد بن حماد السلطان الرابع للدولة، إلى حدود المغرب الأقصى ودخول فاس
عرفت فترة تأسيس الدولة الحمادية انتشار الحروب بين القبائل في المغرب الإسلامي، وذلك نتيجة توكيل الفاطميين الذين ذهبوا إلى القاهرة لبلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي أميرًا على المغرب كله، حيث رأت القبائل المتناحرة نفسها متضررة من هذا التغيير، مثل قبائل المغرب الأقصى التي تحالفت مع قرطبة، فانقسمت المنطقة واحتفظ حماد الابن الثاني لبلكين بجزء المغرب الأوسط، وبسط آخرون سلطانهم على باقي مناطق المغرب.
وشهدت حدود الدولة الحمادية توسعات كبيرة، حيث توسّعت الدولة في عهد بلكين بن محمد بن حماد السلطان الرابع للدولة، إلى حدود المغرب الأقصى ودخول فاس، ثم في عهد الناصر بن علناس بن حماد (السلطان الخامس) بلغت الدولة تونس والقيروان، كما امتدت أطراف الحماديين جنوبًا في الصحراء.
قلعة بني حماد
مع تأسيس الدولة، بنى حماد بن بلكين عاصمة دولته التي أطلق عليها اسم “قلعة بن حماد” خلال سنتين، وما زالت هذه القلعة من الشواهد التاريخية الماثلة إلى اليوم لتحكي قصص الحماديين والدول التي تعاقبت على حكم الجزائر وحكم المدينة، وقد صنَّفتها منظمة “اليونسكو” سنة 1980 ضمن نفائس التراث الإنساني.
ما تبقى من قلعة بني حماد
تحدث ابن خلدون في تاريخه عن مراحل تطورها، فأشار إلى أن حماد أتم بناءها وتمصيرها على رأس المئة الرابعة، وشيد بناياتها وأسوارها، واستكثر فيها من المساجد والفنادق، وأن الناصر بن علنّاس بنى المباني العجيبة المؤنقة، وأن المنصور بنى فيها قصر الملك والمنار الكوكب وقصر السلام، فيما وصف ابن الأثير القلعة وقال إنها “من أحصن القلاع وأعلاها، لا ترام على رأس جبل شاهق، يكاد الطرف لا يحققها لعلوها”.
ويؤكد المؤرّخون أن اختيار هذا المكان ليكون عاصمة للدولة الحمادية لم يكن من باب الصدفة، وإنما تمّ البناء على معطيات إستراتيجية شديدة الأهمية، بمفهوم ذلك الزمان، كان أساسها الأول المُعطى العسكري، حيث بُنيت القلعة الحصينة على سفح جبل المعاضيد، وسط سلسلة جبلية لتكون صعبة المنال نتيجة مسالكها الوعرة.
تأنق المنصور في اختطاط المباني وتشييد المصانع واتخاذ القصور وإجراء المياه في الرياض والبساتين
واشتهرت القلعة بالفلاحة وتربية المواشي والصناعة والنشاط التجاري، ووصف الإدريسي الجغرافي في “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” أهلها بأنهم أبد الدهر شباع، وذلك لغناها بالحبوب، وقد لخص ابن خلدون ما اشتهرت به القلعة في كلمات موجزات فقال: “استبحرت في العمارة، واتسعت بالتمدن، ورحل إليها من الثغور القاصية والبلد البعيد طلاب العلوم، وأرباب الصنائع؛ لنفاق أسواق المعارف والحرف والصنائع بها”.
بجاية: العاصمة الثانية
بعد هزيمته من تميم بن المعز الصنهاجي، وسيطرة القبائل الهلالية على إفريقية والأثبج على المغرب الأوسط، اضطر الحماديون إلى التخلّي عن القلعة والتمركز في بجاية التي عرفت أيضًا بالناصرية نسبة إلى الناصر الذي بناها واتخذها مركزًا له بعد سنة 1068 ميلاديًا ونقل إليها الناس وأسقط الخراج عن ساكنيها.
فكانت بجاية العاصمة الثانية لدولة بني حماد، وقد شيد فيها الناصر بن علناس بن حماد الكثير من المباني العجيبة، فقد كان قصر اللؤلؤ الذي بناه من أعجب قصور الدنيا كما يذكر المؤرّخ التونسي ابن خلدون في مقدّمته الشهيرة.
اختار الناصر بجاية عاصمة لدولته لموقعها المميز على البحر
خلال حكم المنصور بن الناصر، تمّ تشييد جامع بجاية، كما تأنق المنصور في اختطاط المباني وتشييد المصانع واتخاذ القصور وإجراء المياه في الرياض والبساتين، فبنى قصر الّلؤلؤة وقصر أميمون، وبلغت الدولة الحمادية في هذه الفترة أوج عظمتها اتساعًا وحضارة.
غير أن كثرة النزاعات الداخلية بين القبائل البربرية والأطماع الخارجية من الغرب والشرق والشمال، عجّلت بزوال دولة بني حماد ودخولها في طاعة الدولة الموحدية التي بسطت سلطانها على أجزاء كبيرة من المغرب الإسلامي.