تعيش تركيا الحالية في مرحلة، تحاول فيها الخروج من تبعيتها للغرب ومحاولة تقديم نفسها كقوة مستقلة أو ذات تأثير قطبي كبير في إطار تحالف أو تكتل، ولكن تواجهها العديد من التحديات والأخطار مثل عدم قدرتها على الانضمام إلى الآن إلى تكتل أو تحالف سواءً مع روسيا أو إيران أو الدول العربية، أو حتى إقناع أمريكا والغرب بدعمها ومحاولة قبولها كقوة مستقلة وهو ما لم تسمح به أمريكا إلى الآن. وكذلك تأثير طموحات إيران على طموحاتها الخارجية.
الاقتصاد التركي يتقدم بخطى جيدة، والصناعات التركية العسكرية تسير بخطى سريعة وقوية أكثر من بلاد كثيرة حاولت عمل صناعة عسكرية مستقلة، وكذلك منذ تولي أردوغان للسلطة أصبحت البلاد مقصدًا للاستثمارات المباشرة، والتي تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار منذ العام 2003.
اليوم، ما تزال تركيا تسعى جاهدات لتوسيع من نفوذها واتباث نفسها للعالم على آنها دولة ذات وزن كبير لا يمكن الاستغناء عنه أو تجاوزه، فمؤخرا شهد للوجود التركي بالقارة الافريقية نشاط كثيف وتطور في العلاقات مع دول إفريقيا، سنتحدث هنا عن أبرز 4 منها.
تسعى تركيا بتتويج وزنها الإقليمي واثبات نفسها في المنطقة بالأخص منطقة الشرق الاوسط
الصومال
أعلنت تركيا تأسيس قاعدة عسكرية بالصومال، في محاولة لتوسيع نفوذها العسكري في شرق إفريقيا، وتأتي هذه الخطوة ضمن خطة التوسع العسكري التركي في منطقة الشرق الأوسط واتخذت من الصومال مقرًا لها، وهي قاعدة عسكرية تركية خارجية لم تكن الأولى من نوعها في العالم العربي، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة في ظل حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي عكف خلال السنوات الماضية على إنشاء قواعد عسكرية وإرسال قوات عسكرية له في بلاد عربية، كقوات تركية خالصة بعيدًا عن “الحلف الأطلسي” أو “التحالف الدولي”.
هذه القاعدة، تعد أكبر قاعدة عسكرية تركية في العالم، ويرى الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو أن القاعدة العسكرية التركية في مقديشو خطوة تعزز العلاقات التركية الصومالية، وبدأ رئيس وزراء الصومال حسن علي خيري ممتنًا من تلك الخطوة، وأعرب عن شكره لتركيا، شعبًا وحكومة، على إنشاء تلك القاعدة “في وقت نحن في أمسّ الحاجة إلى المساعدة لتعزيز جهودنا في مكافحة الإرهاب” على حد تعبيره، والذي أضاف: “ستسهم القاعدة في إعادة بناء قوة وطنية لا تقوم على أساس قبلي، ولا تنتمي لمكانٍ محدد، بل قوات مدربة تمثل الشعب الصومالي”.
السودان
حملت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السودان مؤخراً رسائل عدة، منها الاقتصادية ومنها السياسية والعسكرية، فقد جاءت في خضم تعقيدات سياسية بالمنطقة في ملفات أزمة الخليج وحرب اليمن وقضية القدس والتعاون العربي الإسلامي. ويرى المحلل السياسي أسامة توفيق أن من بين الرسائل التركية من الزيارة رسالة إلى مصر تنبهها إلى التمدد التركي في المنطقة الجنوبية لها خاصة منطقة البحر الأحمر، وـكد اردوغان في مؤتمر صحفي مع نظيره السوداني عمر البشير ـن تركيا حريصة على التعاون مع السودان وإفريقيا لخلق مزيد من الاستقرار لهذه القارة ودعم البنية التحتية فيها، معتبرا أن السودان هو الضامن لاستقرار إفريقيا. في الوقت الذي أكد فيه عمر البشير أن الشراكة القائمة بين بلده وتركيا تعزز أهدافهما المشتركة نحو التنمية والسلام والاستقرار في إفريقيا.
التشاد
زيارة أردوغان الأخيرة إلى التشاد كانت زيارة اقتصادية وتعاونية في مجالات متعددة، حيث وقعت 5 اتفاقيات اكتست طابعًا اقتصاديًا وشملت الاتفاقيات مجالات الضريبة على الدخل والتعاون في مجالات الرياضة والفن والتنمية وحماية الاستثمارات وتبادل المعلومات والأرشيف في الحقل الدبلوماسي، وطلبت تشاد من تركيا أن تتعاون معها في مجال التنقيب عن النفط واستغلاله.
في حين تتفاوض التشاد منذ أشهر مع شركة “غلنكور” السويسرية بشأن قروض مرهونة بالنفط، تتعلق بإعادة جدولة دين قيمته مليار دولار. وأكد أردوغان أن بلاده مستعدة لتقديم أقصى ما لديها من الدعم لأجل تحقيق مزيد من التطور في تشاد، داعيًا جميع المستثمرين الأتراك الراغبين بالاستثمار في مجال المعادن، إلى اتخاذ الخطوات اللازمة مع نظرائهم التشاديين، استناداً على مبدأ الربح المتبادل.
وكان الرئيس التشادي أدريس ديبي طلب من تركيا التعهد بتشييد مطار جرمايا في الشمال، وبناء جسر فوق نهر شاري، وأشار ديبي إلى أن تركيا تعتبر بلد قوي ومتطور، ودعا رجال الأعمال في بلاده لزيارة تركيا وإقامة علاقات تجارية فيها.
تونس
تونس المحطة الأخيرة لأردوغان بعدما شملت جولة الأفريقية الأولى كل من السودان والتشاد، حيث اعتبر الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي أن هذه الزيارة كانت مناسبة ومميزة لتبادل وجهات النظر بخصوص أمهات المشاكل ذات الاهتمام المشترك في العلاقات الثنائية، والإقليمية والدولية وغيرهاـ وبيّن أن مواقف الدولتين شبيهة ببعضها.
وقال الرئيس التونسي إن الدولتين أكدتا رغبتهما في توثيق العلاقات وتعميقها مع الأخذ بعين الاعتبار بما تمر به هذه الدول من ظروف، وهذا شان الدول الصديقة حسب تصريحاته. في هذا الشأن قال مدير مكتب الجزيرة في تونس لطفي حجي إن هذه الزيارة اكتست أهمية على المستويين السياسي والاقتصادي، حيث عقد الرئيس التركي مجموعة من اللقاءات التي كللت بتوقيع اتفاقيات مشتركة بين البلدين.
وبهذا كله تسعى تركيا لتوسيع نفودها في المنطقة خصوصًا بعد افتتاحها القاعدة العسكرية بالصومال وتعزيز وتوطيد علاقاتها مع البلدان الإفريقية لحماية مصالحها وخدمتها واثبات وجودها في المنطقة، وبالأخص أن تركيا أعارت اهتمامها بإفريقيا مؤخرًا حيث أن الحكومة التركية قدّمت، مليون دولار، في مساهمة سنوية لصالح ميزانية الاتحاد الإفريقي، لدعم المشاريع المشتركة ذات الأولوية مع تركيا في سنة 2016 .