لقد بقيت أغلب الجيوش على حالها من بعد الحرب العالمية الثانية، تعتمد تقريبًا على نفس الأسلحة الجوية والبرية والبحرية، وعلى الرغم من أن أغلب الجيوش في القارة الأوروبية والآسيوية انشغلت بإعادة بناء البنية التحتية لبلادها، بقيت دولة وحيدة لم تُعاني من التدمير الكامل أو الجزئي لبنيتها التحتية، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي سمح لها أن تتفرغ لتطوير وسائل جديدة من أجل أن تتفوق جيوشها تكنولوجيًا.
حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تتخطى قدرة الجيوش الأخرى على وضع الجيش الأمريكي في مرتبة أضعف، وعلى الرغم من تطويرها الأسلحة الحربية وامتلاكها أقوى دبابات تنافس بها قوة الدبابات البريطانية والألمانية، وتطويرها قدرات الرؤية الليلة و مكتشفات الليزر، إلا أن هذا لم يكن كافيًا.
طوّرت الولايات المتحدة تكنولوجيا المعلومات وأحدثت فيها ثورة جذرية برًا وجوًا وبحرًا لتمنحها القدرة على اختراع مزيد من الأسلحة المتطورة التي لا تحتاج لسيطرة الإنسان عليها، وتكون فعّالة أكثر عن بُعد، شمل ذلك التطور تطوير الأسلحة العسكرية تكنولوجيًا، إلا أنه أدى اختراع أغلب الوسائل التكنولوجية التي نستخدمها يوميًا في حياتنا الآن، أهمها الحواسيب و الإنترنت.
ميلاد الإنترنت من داخل البنتاغون
خريطة البنتاغون الأولى لربط مواقع محددة للقوات الأمريكية بشبكة الإنترنت
على الرغم من سرقة المبرمج البريطاني “سير بيرنيز لي”، مخترع الشبكة العنكبوتية، الأضواء وقت الحديث عن الإنترنت، وعلى الرغم من أن “بيرنيز” تسبب في ثورة تكنولوجية في العالم الافتراضي في الثمانينات من القرن الماضي، إلا أنه لم يكن الأول، حيث وُلدت فكرة الإنترنت فعليًا من داخل وزارة الدفاع الأمريكية، داخل أروقة البنتاغون.
ربما لم تسمع من قبل عن مشروع “آربانبت”، والذي بدأت وزارة الدفاع الأمريكية العمل عليه عام 1960 من أجل مشاريع بحثية خاصة بردع الأسلحة النووية، و”آبارنيت” هو اختصار لاسم الوكالة العاملة على البحث وهي وكالة مشاريع البحوث المتقدمة الأمريكية، التي كان حافزها الأساسي وراء بحوث الإنترنت هو حافز عسكري بحت في البداية.
إن تتبعت مسار عمل مخترع الويب “الشبكة العنكبوتية “بيرنيز لي”، فستجده أيضًا كان يعمل في مؤسسة كرين الأوروبية الخاصة بالأبحاث النووية، الحافز نفسه الذي اخترعت وكالة “دابرا” الإنترنت من أجله
كانت هناك مشكلة واحدة بالنسبة لاختراع “شبكة الشبكات” كما أسمتها الوكالة، وهي أنه لم يكن له القدرة على التنقل، والتواجد في بقاع جغرافية مختلفة في نفس الوقت، وهو ما أسهم في نجاح الجنود على الأرض بمقدار ضئيل للغاية، فكان الحل أن تكون شبكة الإنترنت شبكة دولية، أي يعرف عنها الجميع في كل مكان حول العالم، وذلك لربط الشبكات اللاسلكية ببعضها و ربطها بالشبكة الأم العسكرية “آبارنيت”.
أما عن مخترع الويب “الشبكة العنكبوتية “بيرنيز لي”، فإن تتبعت مسار عمله قبل إعلانه اختراع الشبكة العنكبوتية فستجده أيضًا كان يعمل في مؤسسة كرين الأوروبية الخاصة بالأبحاث النووية وقت ميلاد الشبكة العنكوبتية، والتي كانت حينها متاحة فقط للعاملين في المؤسسة، وهذا لا يبعد كثيرًا عن الأسباب الأساسية التي صممت “آبارنيت” الإنترنت لأجلها، وهي الأبحاث النووية مع انتشار قلق الحرب النووية المحتملة الحدوث في المستقبل.
الحاسوب من أجل شفرة الألمان
صورة لآلة الإنيجما أو “القنبلة” كما أسماها الجيش البريطاني
هل شاهد فيلم “the imitation game” أو “لعبة التقليد” من قبل؟ هذا الفيلم يروي السيرة الذاتية لما يُعرف في التاريخ بمخترع العلوم البرمجية وهو العالم البريطاني “آلان تورينج” الذي فك الشفرة التي كان يعتمد عليها الألمان في الحرب العالمية الثانية، من خلال جهاز تحليلي عُرف بآلة “الإنجما”.
قبل ذلك بأكثر من عِقد، بين 1939 و1945، خلال الحرب العالمية الثانية، كان الألمان يعتمدون شفرة حيّرت كل أعدائهم، واعتبروها سرّهم الأخطر على الإطلاق، والذي يمكنهم من تداول الأوامر والمعلومات بمعزلٍ عن تسريبها، حيث كانوا يعتمدون على آلات تشفيرٍ، تحول الرسائل لحروفٍ هجائيةٍ مُختلفة أو ذات ترتيبٍ معين، تُعاد ترتيبها إلى الرسالة الأصلية في جهازٍ مشابه لدى المتلقي، وكان يصعب على أي أحدٍ يعترض تلك الرسائل فك تشفيرها.
استطاعت بريطانيا من خلال العالم “آلان تورينج” فك شفرة “إنيجما”، من خلال نظام تشفير وتحليل قادر على القيام بعملياتٍ مختلفة، واعتُبرت تلك الورقة مهدًا لعلم الحاسوب فيما بعد، كما كانت سببًا أساسيًا في تعطيل القوات الألمانية عن التقدم وخسارة هتلر.
نظام تحديد المواقع من أجل الجنود
يعتبر نظام تحديد المواقع GPS من أهم اختراعات الجيش الأمريكي الذي بدأ ظهوره تجاريًا للعامة عام 1994، إلا أن استخدامه قد بدأ في الثمانينات من القرن الماضي لتوفير قوات الجيش الأمريكي صور ومواقع تساعد الجنود على تحديد المواقع على أرض المعركة.
لقد تم اختراع نظام تحديد المواقع GPS خصيصًا لمساعدة القوات الأمريكية في العراق و أفغانستان، كما ساعدهم أيضًا في تحديد مناطق العدو من مناطق قوات التحالف للحد من إطلاق النار في أرض المعركة الخطأ، كما استخدمته قوات الدفاع الأمريكية بحريًا لتحديد مواقع الغواصات.
أقر الرئيس الأمريكي “رونالد ريغان” بالسماح باستخدام نظام تحديد المواقع بشكل أكبر بين صفوف العامة، بعد أن اكتمل البحث وصار وسيلة لتحديد المواقع جاهزة للاستخدام في كل مكان، وليس فقط من قبل الجيوش.
نظام “سيري”.. جهازك المحمول يعرف عنك كل شيء!
فيديو يصوّر استخدامات سيري داخل وزارة الدفاع الأمريكية
نظام “سيري”، النظام الذي وُصف بأنه أفضل ما جاء به الآيفون، في عام 2003 قررت وكالة “DAPRA” الأمريكية، الوكالة نفسها التي بدأت أبحاث الإنترنت لأول مرة، بدء العمل على مساعد رقمي شخصي يقوم بدراسة بعض الملفات ومن ثم أرشفتها وترتيب المعلومات الموجودة فيها، وذلك لتسهيل الوصول إليها بالتعاون مع شركة SRI، وهي مؤسسة غير ربحية مهتمة بأمور الذكاء الاصطناعي، على أن تُساهم خوارزميات الذكاء الاصطناعي في هذا المشروع في تسهيل الوصول إلى جميع البيانات، بالضبط كما تفعل “Siri” الآن.
اشترت شركة آبل نظام المساعد الشخصي من وكالة “DAPRA” بمبلغ قُدر بحوالي 150 – 250 مليون دولار أمريكي، وقامت بتنصيبه على هواتفها الذكية آيفون لإنتاج الجيل الجديد منهم
مساعد شخصي يتعلم (PAL) كان هذا هو المشروع الأساسي لوزارة الدفاع الأمريكية والفكرة الأساسية خلف المساعد الصوتي الذي نستخدمه بشكل يومي في هواتف آيفون، ليكون جهازًا بمثابة المساعد الشخصي، يتطور مع الخبرة وطبقًا للتعليمات ويتعلم تنظيم كمية ضخمة من المعلومات ليساعد في سهولة الوصول إليها.
اشترت شركة آبل نظام المساعد الشخصي من وكالة “DAPRA” بمبلغ قُدر بحوالي 150 – 250 مليون دولار أمريكي، وقامت بتنصيبه على هواتفها الذكية آيفون لإنتاج الجيل الجديد منهم الذي يحمل جوار اسمه حرف الـ S فيما يشير إلى احتوائه على نظام “سيري”، الذي أثار الجدل حول تاريخه العسكري فيما يثير الشك حول مراقبة الاستخبارات الأمريكية ما يقوله الناس لنظام “سيري”، فماذا لو مازالت الوكالة تملكه بالفعل و مررته بشكل صوري إلى شركة آبل؟
لقد اخترعت القوات العسكرية الكثير من الاختراعات التكنولوجية وغير التكنولوجية الأخرى، مثل المايكرويف على سبيل المثال لمساعدة طهي الطعام للجنود، وكذلك البناطيل المليئة بالجيوب من الأعلى إلى الأسفل، والتي يرتديها الجنود على أرض المعركة لتساعدهم على حمل الكثير من المعدات في وقت واحد أثناء حركتهم والمعروفة باللغة الإنجليزية بـ “Cargo pants”، وكذلك سيارات “الجيب” التي استخدمت للمرة الأولى من قبل القوات الأمريكية.
يتحدث رواد التكنولوجيا مؤخرًا عن استخدام القوات العسكرية الذكاء الاصطناعي في الحرب، فكما كان الحاسوب والإنترنت يخدمان الجيش في المقام الأول قبل أن يخدما احتياجات التواصل للمستخدمين حول العالم، ربما سيكون الذكاء الاصطناعي أيضًا وسيلة لتأمين الجيوش أنفسها في الحروب، وبالأخص مع اختراع “الروبوت القاتل” (Killing Robot” الذي يتمتع بصلاحيات قتل البشر الممنوحة له من قبل صانعيه.