يحدد نوع اللباس ومادته المصنوع منها المكانة الاجتماعية والقدرة الاقتصادية للأفراد والجماعات، وفي نفس الوقت من الممكن أن يكون أداة للتعرف عن الموقف الديني بالنسبة للمتدينين، فالملابس هي جزء من التاريخ والثقافة والفلكلور، وهذا ما يذكره لنا كتاب “المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب” للمستشرق الهولدني ريهان دوزي.
في العهود الإسلامية الأولى، كاد فن الخياطة أن يكون مجهولًا، وكان الحائك وحده يقوم بهذه المهمة، ولكن مع الفتوحات الإسلامية التي وصلت إلى مناطق شاسعة وبعيدة من آسيا وإفريقيا وأوروبا، وجد العرب أنفسهم مرتبطين بعلاقات وثيقة مع هذه الشعوب التي أصبحت تتبع حكمهم، فحين اختلط العرب بالمغاربة والبربر استعاروا من لباسهم، وهذا نفسه ما حدث في إسبانيا، فلقد تأثر العرب بأزياء الفرسان واقتبست العربيات العديد من أزياء الأندلسيات.
ولا شك أن الملابس لم تختلف فقط بين الغرب والشرق وبين الطوائف الدينية فقط، فلقد امتدت هذه الاختلافات إلى جميع أقطار الشعوب الإسلامية نقسها، حيث تختلف أزياء النساء التركيات عن الأفريقيات عن الإيرانيات، وهذا يعود لأسباب كثيرة منها التفاوت بين الطبقات الاجتماعية في المجتمع الإسلامي، لكنها إلى حد ما استخدمت لستر العورات وللوقاية من قسوة البرد والريح وحرارة الشمس، كما أنها اتسمت بالبساطة والنظافة، وكانت الألوان المستحبة لديهم اللون الأبيض والأسود، وتختلف مناسبة ارتداء هذه الألوان باختلاف الثقافات الإسلامية بين البلدان.
مثال على ذلك، في العهد العباسي، اتخذ اللون الأسود علامة على الحداد، إذ كانت النساء تصبغ القميص وغطاء الوجه وخمار الرأس باللون الأسود أو النيلي الغامق، على العكس من العهد الأموي التي كانت فيه ملابس الحداد بيضاء، ومن هنا نعرض بعض الألبسة التي اعتادت المرأة الشرقية أو المسلمة على ارتدائها قديمًا، ومنها:
الأرز أو الأزار
استعمل هذا الرداء طوال عهود الإسلام، وهو غطاء واسع وكبير يلف الجسم كله تقريبًا، يشبه الملحفة، تسحب المرأة الجزء العلوي منه لتغطية الرأس والجبين، وتمسكه من الجهة الأمامية ليخفي ما تلبسه من قطع أخرى، وكانت ترتديه عند التجول أو ركوب الخيل والحمار، حيث انتشر هذا الرداء بين نساء شبه الجزيرة العربية ومصر والأندلس وبلاد البربر في مدينتي مراكش وفاس.
وللتفريق بين هوية النساء الدينية، اعتمدت كل جماعة لونًا خاصًا بها، فجعل أزار المرأة المسيحية أزرق، واليهودية أصفر والسامرية أحمر، أما المسلمة ارتدت الأبيض، وساعد الرحالة الأوربيون في توثيق هذا اللباس حين وصفوه في كتاباتهم، ومنها ما يذكره الكتاب نفسه “إن النساء كن يرتدين حين يخرجن إلى مدينة القاهرة أردية متماثلة، وأعنى بذلك أنهم ساعة يزمعن البروز من منازلهن تلتحف أجسامهن بقماشٍ أبيض بديع ناعم الملمس، وأنهن يسحبن أرديتهن من الجهة الخلفية على الرأس، وأنهن يعلقن ملابسهن من الجهة الأمامية تحت العنق، وبعد ذلك يلففن أنفسهن بدقة وإحكام بهذا الرداء الذي يغطين ذواتهن به حتى مواقع أقدامهن”.
ويقول كتاب “المعجم المفصل” أيضًا: “إن النساء حين ينطلقن خارج دورهن يضعن على رؤوسهن وعلى أجسادهن لباسًا من القماش الأبيض يغطيهن تغطية شاملة بحيث لا يدع لهن شيئًا يفلت من هذه الظلمة سوى عين واحدة، تستطيع أن تهدي كل امرأة إلى طريقها، وهذه الأغطية تشبه تلك التي يستعملها الأسبان”. وغيرها من الكتابات التي وثقت انتشار هذا الرداء في بلاد المغرب ومالطة وبعض المدن مثل أزمير وديار بكر ودمشق وحلب وبيروت، مع اختلاف المسمى.
البرقع
أكثر شعراء العرب من استخدام كلمة “برقع” في أشعارهم، مثل المتنبي وأبي العلاء، كما بينت لهم أبياتهم الشعرية أن هذا اللباس يأتي بألوان مختلفة وجاء وصفه على أنه حجاب يستر الوجه من جذر الأنف ويشد إلى زينة الرأس أعلى الجبين ومن كل جانب، وطوله طول الوجه ويتدلى حتى الصدر وأحيانًا إلى الركبتين، ولا غنى عنه للمرأة التي تغادر منزلها، ولا يستطيع المشاهد أن يرى من الوجه إلا العينين تقريبًا.
انتشر البرقع خاصة بين النساء القبطيات ونساء القاهرة عامة، بالإضافة إلى نساء البدو في سوريا، أما في مكة وجدة والمدينة فكانت النساء يضعن البراقع البيضاء أو الزرقاء، وكان مستعملًا أيضًا في مدينة شيراز الإيرانية في القرن الرابع عشر. يذكر، أن كل امرأة اعتادت على تزيينه بالمعادن الفضية والذهبية والأحجار الكريمة بحسب مقدرتها الاقتصادية وطبقتها الاجتماعية.
السروال أو الشروال
اشتقت كلمة سروال من الكلمة الفارسية “شلوار” وهو زي واسع الانتشار في المناطق الريفية، حيث استخدم في بلاد الشام ولبنان بالأخص، وشبه الجزيرة العربية والأندلس والمغرب العربي، وهذا ما أكده المؤرخ الإسباني دييكو دي هيدو عن نساء الجزائر قائلًا “إن النساء يرتدين جميعًا لدى خروجهن من منازلهن تلك السراويل الكتانية، التي يجعلنها ناصعة البياض للغاية بمفعول الصابون، وهي تتدلى حتى تصل إلى أقدامهن”.
هذا واعتمدت النساء على ارتدائها لجذب نظر المشاهد لجمالهن، فقال المستشرق ماريول “إن النساء في فاس، ولاسيما الإسبانيات الأصل يلبسن لدى خروجهن من بيوتهن سراويل مفرطة في الطول، يطوينها طيات متعددة ليظهرن جمال السيقان بحسب أهوائهن”.
لم يكن هذا اللباس مقتصرًا على النساء، فاعتاد الرجال أيضًا على لباسها إلا في مدينة فاس، وهناك تناقض بين المصادر التاريخية التي تشير إلى أن نساء مراكش لم يرتدين هذا الزي مطلقًا، بينما تؤكد أخرى على انتشارها بين نساء هذه المدينة المغربية، ولم يظهر السروال في مصر، وانتشر في تركيا وطرابلس وسوريا والعراق، أما في مدينة الناصرة الفلسطينية اقتصر الزي حصرًا على النساء لا الرجال، بعكس مدينتي يافا والرملة، واختلف قماشه بحسب المهنة والموسم.
أصبح جزء من زي لبنان الفلكلوري وتاريخ هذا البلد التراثي بعد أن تأثروا بالزي التركي، ويظهر خاصة في فرق الدبكة واحتفالات الأعراس.
الطرحة
وهي الخمار الذي يوضع على الرأس ويتدلى إلى الوراء، وكانت النساء المصريات والحلبيات يرتدينه، مع اختلاف الطول، وبالرغم من ثمنها الباهظ إلا أنها انتشرت بين مختلف الطبقات الاجتماعية، وكانت تصنع غالبًا من الكتان والقطن وتكون مزركشة بالذهب.
لا تزال تلبس في أيامنا فقط في الأفراح وغالبًا ما يكون لونها أبيض في البلدان العربية، لكنها تختلف عند الأكراد التي ترتدي نسائهن طرح حمراء ويضع الرجال طرح خضراء على أكتافهم يوم عقد القران. جدير بالإشارة، أن الطرحة قديمًا كانت تستعمل استعمال العمامة عند الرجال، أو تطرح على الكتفين، كما أنها اعتبرت شعارًا لقاضي القضاة لكثرة ما لبسوها.
الطرطور
زينة للرأس على شكل طاقية عالية، وهي عبارة عن أشرطة ملفوفة على شكل برج، ارتدتها النساء في مصر وتركيا وسوريا ولبنان، والشريفات منهن كن يضعن شريطًا أخضرًا في طرطورهن، ويكثرن من الأوسمة وطبع النقود ويتلاءم علوه بحسب الوضع الاجتماعي، وكان حكرًا على النساء الثريات أو المتزوجات التي حصلن عليه من طرف أزواجهم في يوم زفافهم.
اشتهرت به النساء المارونيات والدرزيات في لبنان لكثرة قطع النقود التي يرتفع عددها إلى 150 قطعة معلقة بسلاسل فضية على الأشرطة الحريرية للطرطور وهكذا وصفهم الرحالة تيرنر: “لقد رأيت بعض نساء مارونيات خارجات من الكنيسة وكن يلفتن النظر بقرن ضيق يبلغ طوله ثماني عشرة عقدة.. بعض هذه الطراطير مصنوع من الفضة ومجموعة أخرى من الذهب”.
اختفى هذا اللباس في القرن الخامس عشر، لكن ما زالت بعض النساء اللبنانيات والحكايات التاريخية تحاول أن تحيه مجددًا كنوع من التراث القديم الذي ميز المرأة اللبنانية في ذاك الوقت.
وعلى مر السنوات واختلاف أنظمة الحكم، تناقلت الحضارات والشعوب هذه الألبسة فيما بينها بفروقات طفيفة حتى تعبر عن هويتها الثقافية والدينية بصورة دقيقة، وفي بعض الأحيان حاولت بعض الأمم التخلص تمامًا من الأزياء التي اعتادت أن ترتديها في ظل حكم دولة ما، للتخلص من بقاياها على جميع الأصعدة، كما حدث عندما طُرد المسلمين من الأندلس ومنع ارتداء العمائم فيها.