أثبتت العديد من التقارير الاستخباراتية والإعلامية، مؤخرًا، تنامي المساعي الإماراتية لدفع بعض الأقاليم في بعض الدول العربية التي تعاني من الفوضى والاقتتال، إلى الانفصال عن دولهم المركزية، لبسط نفوذها -أي أبوظبي- في المنطقة والسيطرة على سلطة القرار والموارد فيها.
أرض الصومال
بعد اتفاقها مع الماسكين بزمام الأمور في إقليم أرض الصومال الانفصالي على بناء قاعدة عسكرية لها في مدينة بربرة بالإقليم، في فبراير/شباط 2017، من المنتظر أن تشرف دولة الإمارات على تدريب جيش هذا الإقليم رغم علمها يقينًا بمساعيه الانفصالية.
وفي حوار له مع وكالة رويترز للأنباء، قال رئيس ما يعرف بجمهورية “أرض الصومال” المعلنة من جانب واحد، موسى بيحي عبدي، إن دولة الإمارات العربية المتحدة ستدرب قوات الجيش والشرطة في المنطقة التي يتولى إدارتها وتتمتع بحكم شبه ذاتي وتسعى للانفصال عن دولة الصومال.
وتوقع عبدي الذي يقوم بزيارة رسمية إلى الإمارات بدعوة من ولي عهد دولة الإمارات محمد بن زايد، إكمال الاتفاق بين الطرفين خلال شهرين، وأضاف أن التدريب يأتي في إطار اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في أرض الصومال، بما يشكل رادعًا للجماعات المسلحة ومصدرًا للتنمية وخلق فرص عمل.
يرجع خبراء هذا الدعم الإماراتي السخي لقادة هذا الإقليم إلى رغبة الإمارات تقسيم الصومال وتفكيكه
ورغم إلغاء وزارة المواني والنقل البحري في الصومال، اتفاقية الشراكة الثلاثية المبرمة في الإمارات، بين شركة مواني دبي العالمية وأرض الصومال والحكومة الإثيوبية، لتشغيل ميناء بربرة، فإن القادة الإماراتيين يصرون على خرق المواثيق الدولية رغبة منهم في تقوية قادة “أرض الصومال”.
يسعى الإماراتيون إلى تقوية حلفائهم في “أرض الصومال” التي أعلنت سنة 1991 استقلالها عن الصومال رغم عدم الاعتراف الدولي، ويرجع خبراء هذا الدعم الإماراتي السخي لقادة هذا الإقليم إلى رغبة الإمارات تقسيم الصومال وتفكيكه، وتقع “أرض الصومال” في منطقة القرن الإفريقي على شاطئ خليج عدن، وبالتحديد شمال الصومال الأم، وتعد نفسها دولة مستقلة على الرغم من كونها غير معترف بها من الأمم المتحدة وأغلبية دول العالم التي تعتبرها لا تزال تحت سيادة الصومال.
دعم إماراتي سخي لدعاة الانفصال في “أرض الصومال”
على الرغم من الموقف المعلن للإمارات بتأكيد وحدة الصومال ورعايتها لمبادرة مصالحة بين أطراف الأزمة الصومالية، بتوقيع الأطراف على ميثاق دبي للمصالحة بعد محادثات في لندن وإسطنبول، سعت الإمارات لتحقيق مكاسب اقتصادية وإستراتيجية داخل “أرض الصومال” على حساب الوحدة المزعومة، عبر نشاط إعلامي واقتصادي وسياسي إماراتي خلال العامين الماضيين.
وتساعد الإمارات “أرض الصومال” في مجالات عديدة وعلى رأسها إعادة إعمار وتنمية مجالات التعليم والمستشفيات وتوليد الطاقة والصرف الصحي للمياه، بالإضافة إلى تعبيد الشوارع الرئيسية في مدينة هرغيسا، عاصمة الإقليم، والمناطق المحيطة بها.
دعم دعاة الانفصال في ليبيا
الدور الإماراتي “الخبيث”، حسب وصف بعض المحللين، لا يتوقف عند حدود الصومال فقط، بل يصل أيضًا إلى ليبيا وخاصة جنوبها، حيث تعمل الإمارات على دعم بعض القوى في جنوب ليبيا للانفصال عن طرابلس وتكوين دولة مستقلة هناك.
ومؤخرًا، أثبتت العديد من التقارير الاستخباراتية الدعم الإماراتي القوي لقبائل التبو التي تسعى للانفصال عن ليبيا وإعلان دولة مستقلة كما حصل مع دولة جنوب السودان، بالاستعانة بمرتزقة أفارقة، وتوالي هذه المجموعات اللواء المتقاعد خليفة حفتر رجل الإمارات في البلاد.
يسيطر التبو الذي يبلغ تعدادهم قرابة 350 ألف بشكلٍ فعال على جزء كبير من المناطق الحدودية في الجنوب الليبي التي تمتد من الكفرة في أقصى الشرق إلى القطرون والويغ جنوبي سبها، ومع أن شبكاتهم واسعة النطاق، فإن مكانتهم داخل المجتمع الليبي موضع خلاف.
منذ تدخلها في ليبيا، عرفت الإمارات بتغليبها طرف على حساب آخر لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها في البلاد لتقويض كل مساعي رأب الصدع بين أطراف الأزمة الليبية
فضلاً عن هذه التقارير الاستخباراتية، يؤكد متابعون للشأن الليبي، أن طموح “التبو” المكونة من مجموعة قبائل وعشائر بدوية ذات هوية زنجية عربية مختلطة، بالانفصال عن ليبيا وإقامة دولة مستقلة لهم، يحظى بدعم إماراتي قوي، فهذه الدولة العربية تبحث وتسعى بكل ما أوتيت من جهد إلى تقسيم ليبيا وإضعاف الدولة المركزية حتى تسيطر على الوضع هناك.
ويحاول قادة الإمارات استغلال حالة الكره التي تكنها جماعات “التبو” للدولة المركزية الليبية، من أجل دفعهم لبث الفوضى والعنف في الجنوب حتى تخرج المنطقة عن سيطرة الحكومة، ويسهل إعلان الانفصال.
وتتميز منطقة الجنوب الليبي التي تحتوي على مدخرات كبيرة من النفط بعدم الاستقرار، حيث تشهد فراغًا أمنيًا واضطرابات متكررة منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير 2011، وتسيطر عليها عصابات تهريب النفط والبشر، وتعتبر هذه المنطقة البوابة الرئيسية للمهاجرين الأفارقة الذين يتخذون من ليبيا محطة للهروب لأوروبا.
يذكر أن نظام معمر القذافي، كان يتعمد إقصاء “التبو”، فلم يكن للتبو القدرة على إثبات مواطنتهم الليبية بشكل قاطع وفق قوانين صيغت أساسًا لإقصائهم، كما كانت كتب التاريخ التي وُضعت في عهد القذافي تعترف بالأصول الأمازيغية للطوارق والليبيين البربر، بينما تتجاهل كليًا قبائل التبو، ويعتبر النظام الليبي حينها التبو “أفارقة” و”تشاديين” و”غير ليبيين”.
تسعى الإمارات لتقويض أسس السلام في ليبيا
تتركز مواطن سكن التبو حول جبال تبستي في شمال تشاد، ولهم امتدادات إلى الشمال بمنطقة فزان الليبية وجنوبًا إلى صحراء تينيري بالنيجر وصولاً إلى تخوم إفريقيا الوسطى، وشرقًا إلى السودان، وبشكل عام يُمكن حصر مواطن التبو في مساحة تُقدر بمليون وربع مليون كيلومتر مربع توجد كلها في منطقة الصحراء الكبرى.
تؤكد العديد من التقارير أن دولة الإمارات شكلت منذ اللحظات الأولى للثورة الليبية فريقًا أمنيًا عسكريًا تمركز في ثلاثة مواقع، الأول اتخذ من إحدى الجزر الإيطالية قاعدة لانطلاق نشاطاته، والثاني على الحدود الليبية التونسية، فيما كان الموقع الثالث على الحدود التشادية الليبية.
ومنذ تدخلها في ليبيا، عرفت الإمارات بتغليبها طرف على حساب آخر لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها في البلاد لتقويض كل مساعي رأب الصدع بين أطراف الأزمة الليبية، ما من شأنه تعزيز الانقسام السياسي وتغذية الصراع المسلح في البلاد، وتقول أوساط حقوقية ليبية ودولية إن دولة الإمارات ارتكبت جرائم حرب في ليبيا بموجب الاتفاقات الدولية.
انفصال جنوب اليمن
أما في الطرف الآسيوي من العالم العربي، فيبرز هذا السعي الإماراتي في تقسيم الدول العربية في اليمن، فهناك أنشأت دولة الإمارات الحزام الأمني في كل من عدن وأبين ولحج، جنوب البلاد، وهو يتكون من فصائل عدة بقيادات محلية على مستوى المديريات، ويشرف عليها هاني بن بريك.
إلى جانب ذلك، قامت أبوظبي بتدريب وتسليح جيوش محلية في أكثر من محافظة، كالنخبة الحضرمية في حضرموت والنخبة الشبوانية في شبوة، وأخيرًا النخبة المهرية التي ما زالت غير قادرة على السيطرة في المهرة بسبب مواقف القوى المحلية منها.
تعتبر الإمارات أن باب المندب امتداد طبيعي لأمنها القومي
في سعيها لتقوية الانفصاليين، تستضيف الإمارات شهريًا مجموعات مدنية لتدريبهم في مختلف الجوانب الاقتصادية والشرطية والعسكرية، لضمان توفير كوادر من الجنوب ﻹدارة المرحلة القادمة بعد الانفصال دون مشاكل، فضلاً عن دعمها القوي لما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يقود مساعي الانفصال.
هذا الدعم السخي لقوى الانفصال، تسعى من خلاله الإمارات إلى تحقيق نفوذ بحري في الشرق الأوسط، فهي دخلت الحرب وعينها على مصالح اقتصادية وإستراتيجية وهدفها الاستحواذ على مقدرات اليمن من نفط وغاز، كونها تعلم جيدًا أن مخزوناتها من النفط والغاز الطبيعي لن يبقى للأبد، فلا بد من مصادر جديدة تمكنها من الاستغناء عن الغاز القطري.
قوات إماراتية في اليمن
تعتبر الإمارات أن باب المندب امتداد طبيعي لأمنها القومي، لذلك تقوم ببناء العديد من القواعد العسكرية هناك، فبالإضافة إلى امتلاكها قواعد عسكرية في كل من إرتيريا وأرض الصومال في الساحل الإفريقي، تقوم الإمارات عمليًا ببناء قاعدة لها في ميون اليمينة لاستكمال سيطرتها على مضيق باب المندب حسب تقارير عدة، والعمل المباشر في جزيرة سقطرى على صعيد التجنيد والتسليح والاستثمار والتجنيس أيضًا.