في الآونة الأخيرة، وتحديدًا في يوم المرأة العالمي، حدث جدل محلي في الأوساط التركية بسبب دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التجديد الديني، وعلى غير العادة، أثار هذا التصريح غضب الإسلاميين المحافظين، فمنهم من اكتفى باستغرابه صامتًا، ومنهم من انتقد كلامه على وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات تفيد بإن “الإسلام كامل” و”يا ليت كان هدفنا إصلاح أنفسنا ووطننا، وليس الإسلام” و”المشكلة ليست في الإسلام، وإنما مشكلة المنظرين” و”إذا فتحتم هذا الباب، لن تستطيعوا بعد ذلك منع الفساد الديني والفتنة والإيديولوجيات الحديثة”.
وأضاف البعض أن هذه الدعوة غالبًا ما تأتي من العقول التي تحمل الأفكار الغربية التي ظهرت بالفعل على مدار الـ150 عامًا الأخيرة من حكم الإمبراطورية العثمانية وحتى إعلان الجمهورية التركية، واستقدمت المبادئ العلمانية من أوروبا وجعلتها القانون المتربع على عرائش الدوائر الإدارية والإعلامية وعزلت الإسلام ومظاهره عن المجتمع والحكم.
لكن مع تولي حزب العدالة والتنمية السيطرة في البلاد، استلمت الحركات الإسلامية المحافظة والمعتدلة الدفة، وأصبحت حرية الدين والتعبير ملجأ دافئًا لهذه الجماعات بعد أن حرمت من الظهور لسنوات طويلة، فما الذي جعل أردوغان يتبنى هذا الموقف؟ وما علاقة المرأة بهذا الشأن؟
رجال الدين في تركيا: فتاوى من كل حدب وصوب
“القهوة والكاتشاب والكاكاو، والأطعمة الغنية بالتوابل والاستهلاك المفرط للحوم يثير الشهوة الجنسية، لذلك ينبغي أكلها عند الزواج”، “الإسلام يسمح بالزواج من طفل في عمر الست سنوات”، “وجود المرأة والرجل في المصعد يعتبر خلوة”، “يباح لرجل ضرب زوجته، وعلى المرأة أن تشكر الله حتى الصباح لتعرضها للضرب”، هذه بعض فتاوى نور الدين يلديز التي وصفها البعض بـ”الفضيحة” خاصة أنها تمس قضايا حساسة بالنسبة للمجتمع التركي، وأهمها الاستغلال الجنسي للأطفال والزواج المبكر والعنف ضد المرأة.
وللتعرف على مدى تفاقم هذه المشكلات في الوسط التركي، أشارت جمعية حقوق الطفل في أنطاليا، أن تركيا تصدرت المرتبة الثالثة بين الدول التي يعاني أطفالها من الاستغلال الجنسي، إذ وصلت نسبة الأطفال المعتدى عليهم جنسيًا نحو 33%، أي أن طفل من بين كل ثلاثة أطفال يتعرض للتحرش الجنسي، وبلغ عددهم 250 ألف طفل العام الماضي.
أما بالنسبة إلى مسألة الزواج المبكر التي تشهد ارتفاعًا ملحوظًا وخاصة في المناطق الريفية، فلقد وصل عددهم إلى 232 ألف و313 حالة لآخر الإحصاءات التي أجريت عام 2015، وهذا وفقًا لرئيسة وزارة الأسرة والشؤون الاجتماعية، سما رمضان أوغلو.
قتل ما لا يقل عن 337 امرأةً تركيةً في عشرة شهور من العام الماضي، وتعرضت ما يقرب من 12 امرأةً للضرب بسبب ملابسهن في الأماكن العامة
وآخر القضايا العنف ضد المرأة، وهي واحدة من أهم مشاكل النساء في تركيا، إذ تعاني 44.7% منهن من العنف، أي أن 4 من كل 10 نساء يتعرضن للعنف الجسدي، كما قتل ما لا يقل عن 337 امرأةً تركيةً في عشرة شهور من العام الماضي، وتعرضت ما يقرب من 12 امرأةً للضرب بسبب ملابسهن في الأماكن العامة.
هذه المشاكل التي تقف في حلق الحكومة، دفعت أردوغان للحديث عن التجديد الديني والتخلي عن طابعه المحافظ من باب منع الممارسات الخاطئة بحق المرأة التي قد يلعب علماء الدين المتشددين أو الجاهلين دورًا كبيرًا في التقليل من شأنها.
لذلك قال أردوغان: “بعض الأشخاص يزعمون بأنهم رجال دين ويتحدثون عن النساء ويطلقون تصريحات ليست موجودة في ديننا مطلقًا ومتناقضة مع ظروفنا الزمنية الحاليّة، هم لا يدركون أن الإسلام بحاجة إلى تجديد، فلا يمكن تطبيق أحكام الإسلام التي وضعت قبل 14 قرنًا من الزمن، الإسلام يتغير ويتكيف مع تغيرات وتطورات الزمن”.
لكن هذه الدعوة تلقت ردود فعل غاضبة، فأوضح أردوغان مقصده وقال: “نحن لا نسعى إلى تعديل الإسلام، القرار الأخير يبقى لما يقوله قرآننا الكريم وأحكامه لن تتغير أبدًا، ولكن مع التقلبات العصرية لا بد من الاجتهاد في تطوير بعض منها وفقًا للظروف الزمنية الحاليّة”.
وختامًا دعا هيئة الشؤون الدينية إلى تفعيل نشاطاتها وفعالياتها دعمًا لزيادة الثقافة الإسلامية لدى المجتمع التركي، ومنع الأحكام والتعليمات الشرعية الخاطئة من الانتشار والتداول.
المزيد من النساء في الدوائر الدينية
استجابة لنداء أردوغان، صرح علي أرباش رئيس وزارة الشؤون الدينية، وواحد من أهم الشخصيات البارزة في تركيا، وقال: “الفقه يسمح دائمًا بالتحديث”، وأشار إلى أن على المخاطب بالدين أن يكون حذرًا بكلامه عن الإسلام، ولا يجوز اتباع الخطابات والنهج الشخصية وتعميمها على الجميع أو نسبها إلى الإسلام، فهناك معايير محددة وشروط تؤخذ بعين الاعتبار في عملية الإفتاء، وأكمل “التجديد الديني لا يمس جوهر الإسلام ولا الثوابت الدينية، وإنما سنعيد النظر في الأحكام الفقهية حتى تلائم التطورات العصرية”.
علي أرباش رئيس وزارة الشؤون الدينية في تركيا
وبما يخص الفتاوى المتعلقة بالمرأة، قال: “لا يمكن إيجاد مصدر واحد في الإسلام يحث على تعنيف المرأة والزواج المبكر، فالإسلام دين رحمة ويسر، وصد كل العادات والتقاليد التي تحط من قدر المرأة أو تحرض على العنف”، وأضاف “على وسائل التواصل الاجتماعي يشارك الكثيرون قضايا حساسة وقد تكون مزعجة ومستفزة لمجتمعنا ونسائنا، والهدف منها استغلالنا، والحل الأنسب هو الاتصال بنا للحصول على الجواب السليم”، وأشار إلى كليات الشريعة ودروس الجوامع والعلماء الأكاديميون كمصادر مختلفة للمعرفة الدينية.
ولمساندة موقف أردوغان وأرباش، اجتمع وزير العدالة بكير بوزداغ بأرباش لوضع آلية من شأنها أن تمنح الناس معلومات دينية صحيحة دون الوقوع في الجهل أو ترك المجال للآخرين لإثارة الكراهية والفتن أو حتى استغلال الدين من أجل الحصول على الثروة أو الشهرة.
وضع شروط للمؤذنين والأئمة ومعلمي القرآن والوعاظ والمفتيين بعدم العمل أو التدخل في الأمور الدينية إلا إذا تخرجوا من هذه المؤسسات التعليمية
ومن ضمن القرارات التي ستعمل الهيئة على تعديلها، هو نظام “ألو فتوى”، وهي خدمة تمكن المواطن التركي من الاتصال بهذا المركز للحصول على إجابة موضوع معين، وترسل الجواب مكتوبًا إلى منزل المتصل بعد إجراء البحوث اللازمة.
وأخرى، إنشاء مؤسسة مرتبطة بهيئة الشؤون الدينية، ومسؤولة عن متابعة المراكز المتخصصة في التعليم الإسلامي، ووضع شروط للمؤذنين والأئمة ومعلمي القرآن والوعاظ والمفتيين بعدم العمل أو التدخل في الأمور الدينية إلا إذا تخرجوا من هذه المؤسسات التعليمية، وتهدف الهيئة إلى زيادة عدد النساء في الوسط الديني الحكومي والأكاديمي، إذ ستعين مساعدة للمفتي في كل محافظة، وفي المدن الكبرى سيكون العدد أكبر، وستزيد من عدد الداعيات ومعلمات القرآن.
وعودة للجدال التقليدي بين المحافظين والكماليين، اتهمت السياسات الكمالية بتشويه الإسلام، إذ كتب نائب رئيس حزب الدعوة الحرة سعيد شاهين: “نواجه نقصًا حقيقيًا في العلماء ومعلمي الدين الإسلامي، بسبب منع النظام الكمالي التعليم الإسلامي في فترة حكمه، وجميع الأخطاء والقصور الموجودة اليوم باسم الإسلام هي بسبب ممارسات الدولة الكمالية”، وانتقد القنوات الدينية التي تعرض برامجًا ورجال دين باسم الإسلام، مثل عدنان أوكطار، أحد أكثر رجال الدين إثارة للجدل في الوسط التركي، بسبب أفكاره وأفعاله التي تناقض أبسط التعليمات الإسلامية، لذلك أشار شاهين إلى ضرورة التخلص من القنوات “الكاذبة وغير النزيهة”، ومعالجة هذه القضايا لحماية الدين من العلماء الزائفين والإيديولوجيات الكمالية.
ومن جانب آخر، رأى البعض أن وزارة الشؤون الدينية ستعمم تفسيراتها وأبحاثها الدينية الخاصة وتنشر مفاهيم وتعاريف عن الإسلام المثالي والمناسب على المجتمع كمحاولة جديدة لتعميق سيطرة الحكومة على الدولة وأفرادها، كما فعل مصطفى كمال أتاتورك من قبل عندما فرض على الهيئة إطلاق فتاوى ومعلومات مناسبة مع توجهاته العلمانية.