ترجمة وتحرير: نون بوست
عيّن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستشارا جديدا للأمن القومي، ليحل محل الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر. ويعتبر المستشار الجديد، جون بولتون، الذي كان في السابق سفيرا لدى الأمم المتحدة، عدوا شرسا لإيران وهو يُعرف بمواقفه الصارمة تجاهها؛ ما ينذر بإمكانية خرق الاتفاق النووي أو حتى اتخاذ حل عسكري للمعضلة الإيرانية.
كالمعتاد، أعلن دونالد ترامب عن تعيين جون بولتون في تغريدة على موقع تويتر، كتب فيها “يسعدني أن أبلغكم أن جون بولتون سيكون مستشار الأمن القومي الجديد”، مشيرا إلى أنه سيتم تنصيبه رسميا في التاسع من نيسان/ أبريل. وفي الواقع، إن ترشيح بولتون عضوا في إدارة ترامب كان أمرا محتملا جدا، حتى أنه كان من المتوقع أن يكون في منصب نائب الرئيس.
عموما، شغل بولتون العديد من المناصب لعل أبرزها نائب وزير الخارجية لشؤون التسليح، والسفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة في عهد جورج بوش الابن. وبناء على ذلك، يعتبر بولتون من القلائل الذين لم يمنع عملهم مع إدارة بوش من العمل في إدارة ترامب، علما وأنه كان من مؤيدي جيب بوش المرشح عن الحزب الجمهوري.
إلى جانب ذلك، يعتبر بولتون مقربا للغاية من الجناح الجمهوري المحافظ، ويعرف بعلاقاته الودية مع ستيف بانون، الذي كان لفترة مساعد ترامب. والمثير للاهتمام أن قرار تعيين بولتون ليشغل أحد أهم المناصب في الولايات المتحدة، جدّ قبل شهرين فقط من اتخاذ الكونغرس لقراره بشأن الاتفاق النووي الإيراني.
وفقا لبعض الخبراء الأمريكيين، يؤكد تعيين بولتون أن الضغط المسلط على إيران سيزداد، وربما سينهار الاتفاق النووي. ووفقا لصحيفة واشنطن بوست، “سيدق الحلفاء ناقوس الخطر، لأن هذا الرجل قد يدفع بلاده إلى توخي الحل العسكري لمشكلة كوريا الشمالية وإيران، ومن المحتمل أن يحظى بدعم من الرئيس”.
هدد بولتون مرارا وتكرارا باستخدام القوة العسكرية ضد إيران
الدول السنية ستكون راضية
لم يخفِ بولتون أبدا موقفه المعادي لطهران، خاصة وأنه انتقد في العديد من المناسبات إدارة باراك أوباما، فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران. كما دعا إلى حل النزاع باستخدام السبل العسكرية. وفي مقابلة له مع صحيفة غازيتا الروسية قبل ثلاث سنوات، أكد بولتون “أعتقد أن الاتفاق النووي هو سبيل إيران الوحيد لامتلاك الأسلحة النووية. كما يعتبر انتصارا كبيرا لنظام آية الله، الذي يمثل تهديدا بانتشار النووي. ولا يتعلق الأمر فقط بإيران، فمن الممكن أن تتبعها المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا وربما دول أخرى”.
حيال هذا الشأن، يعتقد هذا السياسي الأمريكي أن الموقف الأمريكي القاضي بضرب إيران، قد يحظى بدعم كل من إسرائيل وعدد من الدول العربية، التي ترفض حيازة إيران للسلاح النووي. وفيما يتعلق باحتمال قصف إسرائيل لإيران، أكد بولتون أنه “على الرغم من أن هناك تهديدا للمنطقة نتيجة احتمال رد إيران على العدوان الإسرائيلي، إلا أن الدول العربية السنية التي تنتقد إسرائيل في العلن، ستكون مسرورة في الحقيقة”.
لقد هدد بولتون مرارا وتكرارا باستخدام القوة العسكرية ضد إيران، ونشر كتابا بعنوان “أوقفوا إيران- اقصفوا إيران” وضح فيه موقفه ضدها. ومنذ إعلان تنصيبه مستشارا للأمن القومي الأمريكي، انتشرت كل التصريحات التي أدلى بها بولتون في الصحافة الغربية. وقد نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقالا بعنوان “وصل بولتون أخيرا للبيت الأبيض. فهل يعني هذا الحرب؟”.
في الأوساط السياسية الأمريكية، يلقب بولتون “بصقر الصقور” بالنسبة للمحافظين الجدد. ومن جهته، يفضل بولتون أن يطلق على نفسه لقب “المحافظ على أسلوب غولدووتر”، في إشارة إلى السياسي البارز المتطرف، باري غولدووتر، الذي رشح نفسه للرئاسة في ستينيات القرن الماضي.
وتجدر الإشارة إلى أن بولتون كان من المؤيدين لتغيير النظام في كل من ليبيا وسوريا، ويتخذ موقفا شديد التطرف ضد كوريا الشمالية. ومن الممكن أن تؤثر مواقفه على العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية، إلى جانب تغيير سير المفاوضات المزمع عقدها قريبا بين الزعيمين.
قيّم بولتون طرد الدبلوماسيون الروس من المملكة المتحدة فيما يطلق عليه “قضية سكريبال”، بأنه إجراء غير صارم بما فيه الكفاية
في الواقع، كانت وجهات نظره السياسية المحافظة المتشددة نتاج عمله في مختلف الإدارات مع العديد من الرؤساء، من بينهم إدارة رونالد ريغان وجورج بوش الأب. وفي إدارة جورج بوش الابن، شغل بولتون منصب نائب وزير الخارجية. وفي تلك الفترة، دخل بولتون في مفاوضات مع نظرائه الروس في مجال الأسلحة.
خلال الفترة الممتدة بين سنة 2005 و2006، عُين بولتون سفيرا للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. وقد اعتبر العديد من الخبراء قرار تعيينه في هذا المنصب غريبا، نظرا لأنه عُرف بموقفه السلبي تجاه هذه المنظمة. كما علق ذات مرة قائلا “إن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان في حالة سيئة للغاية، ولا أرى أي فرصة لصمودها”.
راحة المفاوض
تعليقا على تعيين بولتون مستشارا جديدا للأمن القومي في الولايات المتحدة، أكد ديمتري بيسكوف قائلا “إن الرئيس الأمريكي محق”. وفي مقابلة له مع وكالة نوفستي الروسية، أورد “نأمل أن يكون هناك المزيد من الأشخاص القادرين على قيادة الولايات المتحدة والمتجردين من موجة “رهاب روسيا”، الذي يبتلع العديد من الدول بما فيها الولايات المتحدة”.
من جهته، قيّم بولتون طرد الدبلوماسيون الروس من المملكة المتحدة فيما يطلق عليه “قضية سكريبال”، بأنه إجراء غير صارم بما فيه الكفاية. وأكد أن الرد على روسيا يجب أن يكون أكثر تأثيرا. كما انتقد عدة مرات مواقف روسيا حيال العديد القضايا، إلا أنه لم يهاجم أبدا في تصريحاته الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفقا لأحد الموظفين الروس السابقين في السفارة الأمريكية في موسكو، كان بولتون يحب زيارة موسكو وقدّم مؤتمرا صحفيا في العاصمة الروسية. وحسب ما أفاد به هذا الموظف، فإن “الموضوع الرئيسي هنا هو إيران، وقد ذكر بولتون في عدة مناسبات أن تصرفات طهران قد تهدد روسيا”.
لا يمكن التفاؤل كثيرا حيال تأثير بولتون على العلاقات الأمريكية الروسية، فمن غير المحتمل أن يتمكن من إقناع ترامب بالتقدم نحو مستوى جديد في العلاقات مع موسكو
أنا فيما يتعلق بعلاقة بولتون مع موسكو، فقد تفاوض مع العديد من القادة الروس بما في ذلك النائب الأول لرئيس الديوان الرئاسي الروسي، سيرغي كيريينكو، الذي كان آنذاك رئيس اللجنة الدولية الروسي بشأن تدمير الأسلحة الكيميائية. وبعد إعلان ترامب تنصيب بولتون، نشرت وسائل إعلام أمريكية التحية التي قدمها للشعب الروسي سنة 2013، بمناسبة الذكرى العشرين للدستور الروسي.
يعرف بولتون بأنه مفاوض قاس، لكنه ذو خبرة واسعة في مجال الاستقرار الاستراتيجي، وقد ساهم خاصة في التحضير لمعاهدة موسكو سنة 2002 (وهي معاهدة حول تخفيض القدرات الهجومية الاستراتيجية)، إلا أن هذه المعاهدة انتهت بعد دخول معاهدة ستارت الجديدة حيز التنفيذ. ومن وجهة نظر بولتون، كانت هذه المعاهدة غير مربحة بالنسبة لواشنطن.
بناء على ذلك، لا يمكن التفاؤل كثيرا حيال تأثير بولتون على العلاقات الأمريكية الروسية، فمن غير المحتمل أن يتمكن من إقناع ترامب بالتقدم نحو مستوى جديد في العلاقات مع موسكو. ولكن، قد يأخذ بعين الاعتبار مصالح موسكو، استجابة لظروف معينة.
المصدر: غازيتا