انتهى مارثون الانتخابات على مقعد رئاسة حزب الوفد المصري، وفاز الدكتور بهاء أبو شقة رئيس اللجنة التشريعية بالبرلمان وسكرتير عام الحزب، على أقرب منافسيه، بفارق 480 صوتًا، بعد معركة تكسير عظام، تنافس فيها أبو شقة ضد أربعة من أبناء الوفد التاريخيين منهم: حسام الخولي وياسر حسان وعلاء شوالي، ليصبح الرجل المخضرم قانونيًا وسياسيًا الرئيس الجديد لـ”بيت الأمة”.
قبل تولي أبو شقة.. كيف كان حال الوفد؟
قبل أسابيع، كان الوفد على موعد مع ضجة كبرى، بسبب رغبة السيد البدوي الرئيس المنتهية ولايته للحزب، اقتحام انتخابات الرئاسة المصرية، في أسبوعها الأخير، بعد انسحاب المرشح اليساري خالد علي وفراغ المشهد على الرئيس السيسي وحده، إثر القبض على سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق، بتهمة خرق القوانين العسكرية، وابتعاد أحمد شفيق عن المشهد السياسي كاملاً، مما وضع العملية الانتخابية في مأزق كبير، في ظل رغبة الرئيس الحصول على نسبة تأييد شعبية مقبولة، تسمح له بمواصلة خطته لبناء الدولة المصرية، بالطريقة التي يراها صالحة في الوقت الحاليّ.
اندلعت احتجاجات كبرى داخل جدران الوفد، بسبب الغضب الشعبي من الحزب صاحب الجذور الضاربة في تاريخ الحياة السياسية المصرية، وحملات السخرية والتهكم الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ الأمر الذي انعكس بدوره على الوفد، وشاهد العالم احتجاجات ومناظرات على القنوات الفضائية، بين أبناء وقيادات الحزب المعروف بـ”بيت الأمة”.
احتجاجات داخل حزب الوفد رفضًا لترشح السيد البدوي للانتخابات الرئاسية
حالة الاستقطاب الدائرة في الحزب منذ شهور، فرضت نفسها على المشهد، وباتت هناك قلة تابعة لرئيس الوفد المنتهية ولايته السيد البدوي ترغب في دخول المعترك الرئاسي، حتى لو كان بيت الأمة أعلن مسبقًا تأييده لإعادة انتخاب الرئيس السيسي، فور ظهور سامي عنان وإعلانه الترشح أمامه، وبدا للجميع أن هناك معركة كبرى، ستضع السيسي في اختبار حقيقي لأول مرة بمواجهة مرشحين أقوياء مثل عنان لاكتشاف حجم شعبية الأول التي تأثرت كثيرًا ولم تعد كما كانت في 2014، حسبما يزعم دائمًا معارضو النظام المصري.
في حين انحازت الأغلبية داخل الحزب والهيئة العليا للوفد لصدى الرأي العام، وخرجت بمؤتمر رسمي ترفض فيه وبأغلبية كاسحة ترشح الدكتور السيد البدوي للانتخابات الرئاسية التي انتهت فعليًا قبل أيام، ورفضت حتى تأييده في الترشح مستقلاً، لإنقاذ الموقف في الانتخابات العامة للبلاد التي لم يقو أي حزب سياسي على تقديم مرشح صاحب أهلية سياسية مقبولة، بما يعطي للعملية برمتها قبولاً شعبيًا، وينعكس على صورة الانتخابات أمام العالم.
بيان حزب الوفد بشأن ترشح السيد البدوي لرئاسة مصر
كانت الأزمة مثار حديث داخل أجهزة الدولة نفسها، وعبر عن ذلك الإعلاميون المقربون منها الذين أفاضوا في كيل النقد للحزب العريق الذي لم ينجح بكل تاريخه في الوقوف على قدميه بالمشهد السياسي، في مثل هذا التوقيت الحرج، ولم يستطيع تقدم وجه مدني مقبول للمصريين لديه المقدرة على خوض انتخابات كبيرة، يحقق فيها نوعًا من التوازن المطلوب للحالة السياسية في البلاد.
من هذه الثغرة، قدم بهاء أبو شقة نفسه للدولة والوفديين في نفس الوقت؛ فبيت الأمة برأيه يجب أن ينافس على جميع المقاعد الانتخابية، بما فيها مقعد رئيس الجمهورية، ووعد بالعمل على ذلك، وتجهيز مرشح رئاسي لـ2022 من الآن، لتفادي سيناريو مصطفى موسى، حال فوزه في الانتخابات، وقد كان.
الوفد والجبهة الداخلية
كانت الجبهة الداخلية بالحزب مفككة للغاية، في ظل غموض انحيازات السيد البدوي رئيس الوفد المنتهية ولايته، حسب نص اللائحة الداخلية التي تمنح رئاسة الوفد لفترتين متتاليتين فقط، خصوصًا أن رجل الأعمال المقرب أيضًا من الدولة، يمتلك قاعدة تصويت عريضة في الحزب، كونها على مدار 8 سنوات قضاها في رئاسة بيت الآمة.
بدا واضحًا أن البدوي يعرف جيدًا نفوذ سكرتير عام الحزب، المستشار بهاء أبو شقة، وكان يعرف أيضًا أنه مرشح الدولة، بينما نائبه حسام الخولي الأقرب للفوز أيضًا وصاحب الشعبية العريضة، لن يكون مريحًا بقناعاته السياسية الليبرالية لدوائر الحكم في مصر، أما مساعد رئيس الحزب الدكتور ياسر حسان، وبعض أعضاء الوفد والمرشحين على الرئاسة من فئة الشباب أمثال علاء الشوالي وسيد فايز، فهؤلاء في المؤخرة، وليس لهم وجود قوي داخل الحزب نفسه، وبالتالي لو فكر في دعم أحد منهم، وقتها سيكون خارج الوفد وحسابات الدولة في آن واحد، لذا فضل الصمت، وتراجع عن تأييد أحدهم وتجهيزه ليكون مرشحه في مواجهة أبو شقة الذي سحب البساط من تحت قدميه.
حسمت أمانات القاهرة والجيزة والإسكندرية، قرارها بالوقوف خلف بهاء أبو شقة، وهذه الأمانات تعاملت بواقعية شديدة، خصوصًا أنها كانت تعي جيدًا معنى أن يكون مرشحهم مقربًا من الدولة
أمانات الحزب بالمحافظات، كانت تشهد انقسامًا كبير بخصوص دعم المرشحين؛ فمحافظات القليوبية والدقهلية وعدة أمانات في الصعيد، كانت تميل بشدة إلى دعم حسام الخولي لتطبيق مبادئ الحزب التاريخية، خصوصًا أنه وعد بتفعيل المادة الخامسة من الدستور المصري، الخاصة بمسألة التعددية الحزبية والسياسية في البلاد، لدفع مرشحين من الأحزاب لتولي ملفات حكومية في البلاد، إلى جانب إعلان نفسه ممثلًا عن جيل الوسط داخل الحزب الذي لا يهتم كثيرًا بالحصول على الولاء المفرط من أجهزة الدولة، بل يميل إلى علاقة ندية معها.
في حين حسمت أمانات القاهرة والجيزة والإسكندرية، قرارها بالوقوف خلف بهاء أبو شقة، وهذه الأمانات تعاملت بواقعية شديدة، خصوصًا أنها كانت تعي جيدًا معنى أن يكون مرشحهم مقربًا من الدولة، وتأثير ذلك على المناصب التي يطمحون إليها في الفترة القادمة، بعيدًا عن الشعارات التي تحتاج إلى جاهزية سياسية خاصة لا تتاح حاليًّا في مصر.
زمن أبو شقة
أثبت فوز بهاء أبو شقة، أهمية اقتراب السياسيين كثيرًا من دوائر الحكم في الدولة، عن أن يكونوا أصحاب تاريخ ضارب يمتد لعقود داخل المنظمة الحزبية، كما هو الحال في منافسيه؛ فالرجل الذي يتمتع بعلاقة ودودة دائمًا مع السلطة التنفيذية، اعتبره الوفديون الأنسب والأصلح في هذه المرحلة التي تتطلب شخصًا يستطيع السير في جميع الطرقات، دون أن يبتعد عن فلك الدولة.
الدولة ترى بيت الأمة حزبًا يليق بالمنافسات الانتخابية من المحليات للرئاسة، وهو ما يجعلها من الآن في مأمن من فخ موسى مصطفى موسى، المرشح المغمور الذي دخل السباق الرئاسي
وهو الأمر الذي ينطبق على أبو شقة الذي يحتفظ لنفسه بمساحة كبيرة من الاحترام بين صفوف المعارضة والشارع المصري، حتى لو كانت شواهد أطروحاته وأفكاره السياسية لا تبتعد كثيرًا عما يراه النظام الحاكم، بعكس حسام الخولى أبرز منافسيه وأقواهم الذي كان يرى ضرورة إفساح المجال للديمقراطية، وكان يتحدث دائمًا بندية لا تريح الدولة، ولا تجعلها تأمن للتعامل معه، بحسب أحد المصادر المقربة من الخولي داخل الحزب لـ”نون بوست”.
الرئيس الجديد للوفد، يبدو أنه يعرف جيدًا كيف يستخدم مهارته السياسية التي استطاع بها قيادة اللجنة التشريعية، دون إثارة عضب الحكومة أو الوقوع تحت سيف النقد اللاذع للمعارضة، بجانب عدم ضبطه مطلقًا في أي وصلة نفاق رخيص للرئيس، وهو ما يجعله قادرًا على إعادة تدعيم وترميم الصورة الذهنية للحزب، وبناء قواعد شعبية تسمح له بتنفيذ طموحاته، أو بالأدق الخط الذي يجب أن يكون عليه حزب الوفد خلال الأربع سنوات القادمة.
فالدولة ترى “بيت الأمة” حزبًا يليق بالمنافسات الانتخابية من المحليات للرئاسة، وهو ما يجعلها من الآن في مأمن من فخ موسى مصطفى موسى، المرشح المغمور الذي دخل السباق الرئاسي ووضع الدولة المصرية في حرج بالغ أمام الرأي العام الدولي، وجدوى العملية الانتخابية، وإن كانت تعبر حقًا عن الواقع أم لا.