عطيت الدفة لتيمور
بتيموري أنا فخور
سلمتو يدير النيابة
وفي خلفو كذا قرقور
كلمات لاذعة لأغنية بُثَت في برنامج “قدح وجم” الساخر على قناة الجديد اللبنانية، في إطار انتقاد التوريث السياسي في لبنان خاصة مع اقتراب الانتخابات النيابية في مايو/أيار المقبل.
الأغنية أثارت غضب الطائفة الدرزية والحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط، ويسعى لتوريث ابنه تيمور مقعده في البرلمان اللبناني، في خطوة تمهيدية منه لتسليمه قيادة الحزب، وبالتالي زعامة الطائفة، مما يفتح الباب أمام مسألة التوريث السياسي في لبنان، ومدى تطبيقه وفاعليته.
أغنية “عطيت الدفة لتيمور” التي تسخر من التوريث السياسي في لبنان
استحقاق سياسي بلا سياسة ودروس في الهيمنة الذكورية
تكتسب الانتخابات التشريعية في لبنان هذا العام أهمية كبرى لأنها الأولى المنتظر إجراؤها منذ عام 2009، بعد تمديد قسري لولاية المجلس النيابي الذي قدم ذرائع ومسوغات لم تقنع غالبية اللبنانين، وإقرار قانون انتخابي نسبي مُفرغ من مضمونه، نجحت القوى المشاركة في الحكومة في صياغته، لكنه وُصف بأنه قانون “طائفي هجين” حُسمت معه أغلبية المقاعد البرلمانية سلفًا قبل التصويت.
وبدأ المعترك السياسي بعدما أقفلت وزارة الداخلية والبلديات في لبنان باب تقديم طلبات الترشح بعد أن وصل عدد المرشحين إلى أرقام جعلت منه مادة للسخرية، إذ تقدم بطلبات ترشحهم 976 مرشحًا، بينهم 111 سيدة بنسبة 11% من إجمالي المرشحين، مقارنة بنسبة النساء اللواتي ترشحن في آخر انتخابات، منذ تسع سنوات، وبلغت 5.8% حين ترشحت 12 سيدة من أصل 702 لتفوز 4 منهن فقط.
سخرية من عدد المرشحين للانتخابات البرلمانية اللبنانية
المرأة اللبنانية لا تُعتبر مشارِكة فعلية في السياسة اللبنانية أقله على صعيد دخول البرلمان، وبالتالي ليس غريبًا أن يحتل لبنان المرتبة 180 عالميًا والـ15 عربيًا في نسبة مشاركة النساء في البرلمانات؛ بعدما اقتصر عددهن – منذ العام 1953 تاريخ إقرار حق المرأة بالانتخاب والترشح حتى يومنا هذا – على عشر برلمانيات فقط، بعضهن مثلن الشعب أكثر من مرة.
وفي البرلمان الحاليّ الذي يتألف من 128 نائبًا (نص اتفاق الطائف عام 1989 على زيادة أعداد النواب إلى هذا العدد)، توجد أربع سيدات فقط وصلن بفعل عامل الوراثة السياسية؛ فالنائبة بهية الحريري هي شقيقة رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وستريدا جعجع زوجة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ونايلة تويني ابنة النائب السابق جبران تويني، وجيلبيرت زوين ابنة النائب والوزير الراحل موريس زوين.
إقبال النساء على الترشح للانتخابات النيابية 2005- 2018 – المصدر: رصيف 22
وعلى الرغم من أن لبنان لا يعتمد قانونيًا التوريث السياسي إلا أن جميع النساء، باستثناء غنوة جلول، دخلن البرلمان من باب الأب أو الزوج؛ لذلك تريد المرأة اللبنانية هذا العام أن تكسر صورة “الوريثة السياسية”، إذ تضمنت لائحة المرشحات عددًا من النساء الآتيات من عائلات لم نعتد حضورها في المجلس النيابي، وإن جاء ترشيح بعض هذه الأسماء من أحزاب شاركت في تكريس التوريث السياسي.
ونذكر هنا الإعلامية بولا يعقوبيان التي تركت شاشة المستقبل وانضمت إلى حزب ظهر مؤخرًا في لبنان يُدعى حزب سبعة، كما رشحت القوات مذيعة الأخبار جيسيكا عازار، بالإضافة إلى إعلاميات بادرن بالترشح عن المقعد الدرزي رغم علمهن بأن حدودهن معدومة وهما راغدة ضرغام وزيمة منصور.
من الأجداد والآباء إلى الأبناء والأحفاد والأقارب
بات التوريث السياسي في لبنان ظاهرة لصيقة بالطبقة السياسية بمختلف تلاوينها الطائفية والسياسية، ومنذ العام 1920 تاريخ إعلان لبنان الكبير، وحتى يومنا هذا، تُدار العملية السياسة من عائلات إقطاعية كبيرة انتهجت التوريث السياسي، بالإضافة إلى سياسين لم يدخلوا من باب التوريث ولكنهم تحولوا إلى زعماء طوائف؛ فاحتفظوا بمواقع دائمة في كل دورة انتخابية.
ورغم أن سنوات الحرب الأهلية اللبنانية أفرزت زعامات بعضها وليد السلاح وبعضها الآخر جاء من عالم المال والأعمال إلا أن ما يسمى “بالبيوتات السياسية” لا تزال تحتل مواقع رئيسية في مؤسسات النظام بعد أن تبدل وجه الإقطاع ليتحول من عقاري ريفي ومديني تجاري إلى إقطاع طوائفي ينشط تحت مسميات حزبية.
وينتقد البعض هذا الشكل من انتقال المناصب، فالتوريث السياسي في لبنان تقليد يتعارض بالمطلق مع مبادئ الدستور في المساواة وتكافؤ الفرص، ومكافحة هذه الظاهرة هي أولًا وأخيرًا من مسؤولية النخب المثقفة وهيئات المجتمع المدني والأحزاب العابرة للطوائف.
إعلانات على الطرقات في محاولة من وزارة الداخلية لتبسيط قانون النسبية الجديد
وتكشف لوائح التوريث أن النظام السياسي في لبنان الذي يختلف عن غيره من الأنظمة في دول الجوار وفي العالم العربي، أتاح توريثًا أفقيًا يشمل معظم مواقعه السياسية، وهو ما يبطل الفكرة القائلة بأن في لبنان رئيس يتغير وسلطة تتبدل، فالثبات اللبناني أشد من الثبات في الأنظمة العسكرية والملكية، فهو لا يقتصر على رأس النظام إنما يشمل الطبقة السياسية المتوسطة والدنيا.
وسابقًا في رئاسة الجمهورية اللبنانية، كان الوريث السياسي الأخير لدى الموارنة هو الرئيس أمين الجميل الذي اُنتخب بديلًا عن شقيقه الرئيس بشير الجميل بعد اغتياله، وبعد اتفاق الطائف، توقفت الوراثة السياسية المارونية لرئاسة الجمهورية إلى حين، لكنها لم تلغَ، واستمرت في الانتخابات النيابية.
أفرزت الدورات الانتخابية النيابية السابقة في لبنان “بيوتات سياسية” وزعامات تقليدية، بات من الصعب تجاوزها، بسبب الانقسامات المذهبية والطائفية والمناطقية، ونتيجة لشبكات المصالح والخدمات والاستزلام، إضافة إلى عوامل أخرى عائلية واجتماعية وتاريخية.
النظام النسبي في الانتخابات اللبنانية – المصدر: الجزيرة
يوجد في مجلس النواب الحاليّ ما يقارب 22 نائبًا وصلوا إلى النيابة، إما نتيجة وراثة سياسية مباشرة من الآباء، وإما نتيجة انتمائهم إلى عائلات توارثت المناصب السياسية، بغض النظر عن مؤهلاتهم الكافية للقيام بمهامهم في السلطة التشريعية أم لا.
على سبيل المثال، رئيس الحكومة السابق تمام سلام هو نجل رئيس الحكومة الراحل صائب سلام ووريثه السياسي، والنائب وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي ورث زعامة طائفة الموحدين الدروز ورئاسة الحزب والمقعد النيابي عن والده الراحل كمال جنبلاط ويستعد لتوريث نجله، أما نائب الشوف ورئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون فهو نجل رئيس الجمهورية الراحل كميل شمعون.
يُضاف إلى ذلك الوزير السابق ونائب زغرتا سليمان فرنجيه الذي ورث الزعامة والسلطة عن والده الراحل طوني فرنجيه نجل رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجيه، والنائب فرنجيه يهيئ نجله طوني لخلافته، أما النائب والوزير السابق طلال إرسلان فهو نجل أحد أبرز زعامات الدروز النائب والوزير السابق مجيد إرسلان.
فوضى الديمقراطية في لبنان.. المقاعد النيابية بالوراثة
من السهل في لبنان حفظ أسماء النواب الجدد بعد كل دورة انتخابية، إذ غالبًا ما تحضر الوجوه نفسها أو في أحسن الأحوال العائلات نفسها.
وبالنظر إلى المرشحين باختلاف انتماءاتهم نجد أن عددًا كبيرًا من المقاعد البرلمانية محجوزًا لبعض الشخصيات وبيوت العوائل والرموز السياسية المستأثرة بالحكم والمسيطرة على العمل السياسي، ويتم توارثه من الجد إلى الابن فالحفيد، كأن المقعد النيابي ملكية خاصة.
وعند الحديث عن العائلات الإقطاعية، التي ارتبط اسمها بالتوريث السياسي في لبنان، يتبادر إلى الذهن مباشرة آل جنبلاط وآل فرنجية وآل كرامي وآل الأسعد وآل إرسلان وغيرهم الكثير ممن كان لهم تمثيل سياسي شبه دائم في المجالس النيابية السابقة.
على سبيل المثال، في الانتخابات التي تفصلنا عنها قرابة شهرين، يستعد النائب وليد جنبلاط لتوريث ابنه تيمور، والوزير السابق مجيد ارسلان لتوريث ابنه طلال، كذلك بالنسبة للرئيس الرئيس عمر كرامي وابنه فيصل، وعولي صبري حمادة ابن رئيس مجلس النواب الأسبق صبري حمادة، وأحمد الاسعد ابن رئيس مجلس النواب الأسبق كامل الأسعد.
وهناك أسماء اعتمدت منطق التوريث السياسي رغم أنها من خارج الإقطاع، مثل سعد الحريري ابن رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، وبهية الحريري شقيقة الرئيس السابق رفيق الحريري، وجبران باسيل وزير الخارجية الحالي وصهر رئيس الجمهورية، وشامل روكز صهر رئيس الجمهورية كذلك، وأسامة سعد ابن النائب السابق معروف سعد، وميشال تويني ابنة النائب السابق جبران تويني، واللائحة تطول.
وبعيدًا عن التوريث السياسي، ثمة وجوه ارتبطت بالمجلس النيابي لكثرة إعادة انتخابها، نذكر منها رئيس حركة أمل نبيه بري رئيس مجلس النواب الحالي منذ العام 1992 ومحمد رعد وعلي عمار ونواف الموسوي وياسين جابر وحسن فضل الله وبطرس حرب واللائحة تطول هنا أيضًا.
فيديو عن التوريث السياسي في لبنان
مع هذا الكم من “الفوضى الديمقراطية”، لا بد أن تأتي الانتخابات النيابية في لبنان مصحوبة بعدد هائل من الفضائح السياسية والقضائية والأمنية التي تشمل كل القوى المشاركة في الحياة العامة، ولا يبدو أن الانتخابات ستكون فرصة لمحاسبة المسؤولين عنها، بدءًا بفضائح السجال بين وزيري الخارجية جبران باسيل والمالية علي حسن خليل، ووصولًا إلى الفضيحة القضائية المدوية المتمثلة بقضية الفنان زياد عيتاني.
وبخلاف وجوه بيوت العوائل التقليدية المستأثرة بالحكم، بدا المشهد الانتخابي الحاليّ مغايرًا بعض الشيء بدخول شخصيات مستقلة وأخرى من المجتمع المدني على خط المنافسة، وبات لدى اللبنانيين فرصة لإحداث تغيير سياسي بإنجاح وجوه جديدة بالانتخابات البرلمانية.
لكن في ظل قوانين انتخاب مفصلة على مقاس أهل الحُكم، وخطابات تعبوية تجييشية يتقنها أمراء الطوائف، يقع الناس في “شرك الديمقراطية” قبيل الانتخابات، ويعيدون إنتاج الطبقة السياسية نفسها كل مرة، فهل تتغير الوجوه هذه المرة؟