أسس جمال عبد الناصر الاتحاد القومي قبل أن يؤسس الاتحاد الاشتراكي، وأسس الرئيس الراحل أنور السادات الحزب الوطني الذي استمر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، قبل أن يجري حله بحكم قضائي بعد ثورة 25 يناير/2011، كما انتمى الرئيس المعزول محمد مرسي الذي فاز في انتخابات 2012 لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين قبل أن يجري حله بحكم قضائي بعد الإطاحة بالإخوان من حكم مصر بانقلاب عسكري عقب أحداث 30 يونيو/حزيران 2013.
على خُطى هؤلاء، تستعد الحملة الانتخابية للرئيس عبد الفتاح السيسي لتشكيل حزب جديد لمساندته سياسيًا وشعبياً في فترته الرئاسية الجديدة التي تبدأ مع حلفه اليمين الدستورية في يونيو/حزيران المقبل، وسط مؤشرات لإنتاج حزب وطني جديد.
حزب السيسي الجديد
بدأ النظام في مصر استعداداته لمرحلة ما بعد انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً لولاية ثانية حتى عام 2022، عبر تنفيذه بعض الإجراءات السياسية الهادفة لتكريس تحكم السيسي ودائرته في المشهد السياسي بصورة شمولية.
وأظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية فشلاً ذريعاً لحملة السيسي الانتخابية التي يديرها بشكل أساسي ضباط صغار في الأجهزة الأمنية والرقابية، أو رجال أعمال يأتمرون بأمر الأجهزة بشكل مباشر، في حشد الجماهير وإقناعها بالمشاركة في التصويت له أو حتى لإبطال أصواتهم.
صرحت مصادر ذات صلة بالائتلاف بأن عدد الموقعين على استمارات التعارف حتى أيام قليلة مضت، وصل إلى نصف مليون مواطن
كان الفشل دافعاً رئيسياً للإسراع في تنفيذ خطة إنشاء ظهير سياسي متماسك للسيسي، سواء في صورة جمعية أو حزب سياسي، وذلك بتجميع الأحزاب الممثلة للأكثرية النيابية، حتى تكون هناك قيادة مركزية واحدة أقدر على التواصل مع الشارع، كما كان الحزب الوطني الديمقراطي في عهد مبارك، وألا يقتصر تحكّم النظام على البرلمان والحكومة فقط”.
يخوض هذه المهمة ائتلاف دعم مصر صاحب الأغلبية البرلمانية، والذي خاضت قائمته انتخابات عام 2014 البرلمانية بدعم من الأجهزة الأمنية في الدولة، سعياً وراء تشكيل ذراع سياسي داعمة للنظام، ويضم الهيكل المقترح للحزب الجديد كل الداعمين للسيسي في انتخابات الرئاسة الأخيرة مع بقايا عناصر الحزب الوطني المنحل.
وفي خطوة تمهيدية، قام ائتلاف دعم مصر بتوزيع استمارات عضوية في المحافظات للحزب الجديد تحت اسم “استمارة تعارف”، إذ حصل كل نائب على 2000 استمارة من قِبل شؤون العضوية في الائتلاف لتوزيعها على المواطنين المرحبين بالانضمام إلى الائتلاف، وإحداث عمل تنموي بعيد كل البعد عن السياسة، بحسب الأسباب المعلنة.
وبينما صرحت مصادر ذات صلة بالائتلاف بأن عدد الموقعين على استمارات التعارف حتى أيام قليلة مضت، وصل إلى نصف مليون مواطن. وهنا أثارت البطاقة التي أعدها ائتلاف “دعم مصر” العديد من التساؤلات بشأنها، أبرزها: هل يسعى ائتلاف دعم مصر للتحول إلى حزب سياسي؟ وما هو الهدف من تلك البطاقة؟
بطاقة “تعارف إئتلاف دعم مصر”
لكن الترتيبات التي أجريت مؤخرًا تشير إلى التمهيد لتشكيل الحزب، ومنها الاستعاضة عن المتحدث باسم ائتلاف دعم مصر صلاح حسب الله بصحفي من جريدة الأهرام حتى يتفرغ حسب الله لمنصبه متحدثا باسم البرلمان، فيما يبرز اسم عضو الائتلاف المهندس محمد زكي السويدي باعتباره أحد أهم المرشحين لرئاسة الحزب الجديد بالتزكية الذي يتشكل في معظمه من برلمانيين بارزين.
وكأحد قيادات الائتلاف لم ينف حسب الله ما تردد في أروقة السياسة المصرية عن عزمهم تشكيل حزب، فقد دعا السيسي لتأسيس حزب سياسي، “الرئيس لا يفكر في إنشاء حزب سياسي، إلا أنني أدعوه للتفكير في ذلك”، وأضاف: “أتمنى من الرئيس السيسي أن يشكل حزبًا سياسيًا يجمع كل هؤلاء الشباب ويكون بينهم الخبرة، فنحن في أمس الحاجة لذلك”.
كما جرى افتتاح مقرات للائتلاف في أربع محافظات كبرى مبدئيًا تغطي مناطق مصر جغرافيًا، حيث يختص أحد المقرات بمنطقة الصعيد جنوبًا وآخر بالدلتا شمالاً، وثالث بمدن القناة شرقًا، إضافة إلى المقر الرئيسي للائتلاف الذي يقع في التجمع الخامس شرق القاهرة، ويمهد الائتلاف للتوسع في أعداد المقرات مستقبلاً لتحويلها إلى مقرات للحزب الجديد عند الإعلان عن إنشائه.
علي عبدالعال رئيس مجلس النواب
نحن مَن وضعنا القانون وبيدنا تغييره
أعطى الإعلان عن الحزب صورة للائتلاف جعلت منه الكتلة الأكبر في البرلمان، ما أثار سريعًا الأحزاب الكبرى في البرلمان وعددًا من النواب المستقلين ممن لهم حضور واسع في المشهد السياسي الحالي بمصر.
وواجه الائتلاف عدداً من المعضلات، إذ سرعان ما أعلن حزب المصريين الأحرار صاحب أكبر كتلة حزبية في البرلمان (65 مقعدا) رفضه الانضمام إلى الائتلاف، ولحق به حزب مستقبل وطن، وهو ثاني أكبر الأحزاب تمثيلاً في البرلمان (50 مقعدا)، حيث أعلن انسحابه من الائتلاف بعد موافقة سابقة على الانضمام إليه، كما أعلن حزب الوفد (33 مقعدا) عدم المشاركة في الائتلاف الذي لقي انتقادات لاذعة من نواب مستقلين، أبرزهم توفيق عكاشة وعبد الرحيم علي وأحمد مرتضى منصور.
وفي محاولة لتدراك الأمر، طرح مصطفى بكري -أحد مؤسسي الائتلاف- مبادرة أطلق عليها “لم الشمل” لإنقاذ الائتلاف قبل تفككه بشكل كامل، مشيراً إلى أنه أجرى اتصالات بقيادات حزب الوفد ومستقبل وطن لتقريب وجهات النظر، حسب تصريحات إعلامية له.
تواجه الائتلاف مغضلة قانونية أخرى بشأن تغير الصفة الحزبية لأعضاء الائتلاف، الأمر الذي يهدد أعضاءه المؤسسين بفقدان شرط عضويتهم بالبرلمان، إذ ترشحوا سابقًا للانتخابات كمستقلين واختارهم الناخبون على هذا الأساس
وهدد أعضاء في ائتلاف 25/30 (تكتل مكون من نحو عشرين نائبًا بالبرلمان، وهم مستقلون وغير خاضعين لسيطرة النظام كباقي الأعضاء) بالطعن على عضويات أي برلماني ينضم للحزب الجديد، لفقدانهم الصفة التي اختيروا على أساسها للبرلمان ومخالفة ذلك للدستور.
كما تواجه الائتلاف مغضلة قانونية أخرى بشأن تغير الصفة الحزبية لأعضاء الائتلاف، الأمر الذي يهدد أعضاءه المؤسسين بفقدان شرط عضويتهم بالبرلمان، إذ ترشحوا سابقًا للانتخابات كمستقلين واختارهم الناخبون على هذا الأساس، أما اكتسابهم صفة حزبية فيجعلهم معرضين لإبطال عضوياتهم بالبرلمان، لكن قياديًا برلمانيًا داخل هذا الائتلاف، قال لموقع مدى مصر: “نحن مَن وضعنا القانون وبيدنا تغييره، وذلك في إشارة لقانون مجلس النواب”.
وتنصّ المادة السادسة من قانون مجلس النواب، على أنه يشترط لاستمرار العضوية بمجلس النواب أن يظل النائب محتفظًا بالصفة التي اُنتخب على أساسها، وفي حال فقد هذه الصفة، أو غيّر انتماءه الحزبي المنتخب على أساسه، أو أصبح مستقلًا، تسقط عنه العضوية بقرار من مجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.
تتكامل هذه المعلومات مع وجود توجّه لدى دائرة السيسي والحكومة لتعديل قانون الانتخابات البرلمانية لزيادة عدد مقاعد القوائم المغلقة المطلقة التي ستضمن استمرار سيطرة ائتلاف “دعم مصر” على مجلس النواب
وفي محاولة لملء قواعد الحزب وتشكيلات بـ”الثقات” من الأعضاء والكوادر جرى تجميع كل الحملات الداعمة للسيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضمن حملة واحدة بقيادة السفير السابق محمود كارم تمهيدا لاندماجها مع ائتلاف دعم مصر في الحزب الجديد.
وكشفت مصادر في الائتلاف عن إسناد ائتلاف دعم مصر مهام جمع العضويات إلى جمعيات أهلية تسمى “في حب مصر” بهدف اجتذاب شباب متطوعين للحزب ليست لديهم انتماءات أخرى.
وتتكامل هذه المعلومات مع وجود توجّه لدى دائرة السيسي والحكومة لتعديل قانون الانتخابات البرلمانية لزيادة عدد مقاعد القوائم المغلقة المطلقة التي ستضمن استمرار سيطرة ائتلاف “دعم مصر” على مجلس النواب، وتخفيض عدد المقاعد الفردية التي سمحت بدخول معظم نواب ائتلاف “25-30” المعارض لتوجهات الحكومة، فضلاً عن الإجراءات القائمة لوضع قانون الانتخابات المحلية والتي اختلف مجلس النواب حول إجرائها بين نظام القائمة المغلقة المطلقة بنسبة 100% أم إتاحة 25% من المقاعد للنظام الفردي ليتنافس عليها المستقلون.
حزب وطني جديد
من المقرر أن يعتمد الحزب الجديد في تكوينه على العناصر النشطة التي أبدت حماسًا ونشاطًا في حشد الناخبين لمراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية قبل أيام، ومعظمهم من رجال مبارك، بينما نفى عضو الائتلاف هاني مرجان وجود أعضاء من الحزب الوطني المنحل في الائتلاف.
وذكرت مصادر برلمانية أن عدد كبير من أعضاء الحزب الوطني الذي حلته ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وقعوا على استمارات التعارف بغية الحصول على مناصب قيادية بالحزب الجديد كمقابل لما قدموه في الانتخابات الأخيرة من جهود لحشد الناخبين أمام مراكز الاقتراع.
وأدى الإقبال الواسع على الإنضمام إلى التكتل البرلماني الجديد الذي شكله الائتلاف المحسوب على السيسي، إلى تكريس المخاوف من أن يتحول إلى حزب أغلبية على طريقة الحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
تتمثل المخاوف من الحزب الجديد الذي يتكون من ائتلاف يزيد عدد أحزابه عن 7 أحزاب، في أنه سيشكل الحكومات المقبلة في ظل التغيير المتواتر للحكومة أو بعض وزرائها، على أن يكون الحزب الحاكم في المستقبل
ويتوقع عضو تكتل 25/30 البرلماني ضياء الدين داود ألا يقوم الرئيس بتشكيل حزب سياسي علي غرار الحزب الوطني، لكنه لا يستبعد تحول ائتلاف دعم مصر البرلماني لحزب سياسي موال للرئيس والحكومة، ومساند لهم في كل قراراتهم السياسية، وهو الأقرب إلى الواقع والتطبيق الفعلي في مصر
وتتمثل المخاوف من الحزب الجديد الذي يتكون من ائتلاف يزيد عدد أحزابه عن 7 أحزاب، في أنه سيشكل الحكومات المقبلة في ظل التغيير المتواتر للحكومة أو بعض وزرائها، على أن يكون الحزب الحاكم في المستقبل.
وفي حال بقاء “دعم مصر” بهيئته الحالية، سيُشكل الحزب الجديد من جمعية “من أجل مصر” التي شاركت في دعم السيسي شعبيًا خلال مرحلة الانتخابات، وتمتلك تشكيلا شعبيا يفوق تشكيل الائتلاف.
وفي مصر حاليًا أكثر من 100 حزب سياسي أعلنت معظمها دعمها للسيسي بانتخابات الرئاسة بينما يعتبر مراقبون معظم هذه الأحزاب ديكوراً سياسيًا بلا فاعلية حقيقية، ومن غير المستبعد أن يكون كذلك الحزب الجديد الذي سيحمل اسمه جزءاً من “الوطنية”.