أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في “يوم الصلاة القومي” مبادرة جديدة من نوعها داخل البيت الأبيض أسماها مبادرة الإيمان التي لها غرض فريد من نوعه أيضًا، وهو تعزيز العلاقة بين الحكومة الأمريكية والجماعات الدينية أو المعروفين بـ”الإنجيليين”، ليكون لهم قاعدة داخل البيت الأبيض ووجود وتأثير على الحكومة الفيدرالية.
“تتمتع الولايات المتحدة بأمة من المؤمنين، ساعدتنا صلوات المؤمنين في الحصول على استقلالنا، لقد شكل الإيمان مجتمعاتنا وعوائلنا، وهو ما يلهمنا من أجل الدفاع عن الحرية، وما يشكل قدر هذه الأمة التي نحبها”.
كانت هذه الكلمات من خطاب دونالد ترامب في “يوم الصلاة القومي” الذي احتفى فيه بالمجتمعات الدينية الأمريكية، وأعاد إليها الفضل في كل القيم التي اكتسبها المجتمع الأمريكي من أجداده، وأكد أنه كرئيس للولايات المتحدة سيظل دومًا مدافعًا عن الحريات الدينية ومحاربًا لاضطهاد المسيحيين حول العالم، وسيعمل جاهدًا لترقية المجتمعات الدينية على أرض الولايات المتحدة لتعزيز الحرية الدينية، ليكون ما أعلنه في خطابه هذا ما وصفه بحدث تاريخي للحرية الدينية في أمريكا.
أعلن ترامب في خطابه أنه سيوقع أمرًا تنفيذيًا جديدًا بخصوص وجود “مبادرة الإيمان” داخل البيت الأبيض لتعزز دور الإيمان في المجتمع الأمريكي، ليكون وجود تلك المبادرة داخل البيت الأبيض بمثابة حل لسهولة وصول كل المؤسسات الدينية إلى الدعم المناسب من الحكومة الفيدرالية بحسب كلام ترامب في خطابه.
“الإيمان أقوى من الحكومة، ولا شيء أقوى من الله”- دونالد ترامب في خطابه في يوم الصلاة القومي
لا يعتبر وجود المجتمعات والمؤسسات الدينية داخل البيت الأبيض أمرًا جديدًا على الإدارة الأمريكية، لأنه كان لجورج بوش وباراك أوباما سياسة متسامحة مع تلك المؤسسات ووجود مكاتب لها داخل مقر الحكم، إلا أن سياسة ترامب تبدو مختلفة هذه المرة، فهو لا يريد دعم المجتمعات الدينية في نشاطاتها الخيرية والإنسانية فحسب كما كان يفعل من سبقوه إلى حكم البلاد، ولكنه يريد تعاون تلك المجتمعات مع هيئات الحكومة المختلفة لموازنة قراراتها من خلال الرأي الديني.
باولا وايت.. مستشارة ترامب الروحية
قالت “باولا وايت” مستشارة ترامب الروحية بعد خطابه الأخير إنها فخورة جدًا بقرار الرئيس الجديد لأنه دومًا يقف إلى جانب المجتمعات المؤمنة، حيث اعتبرت الأخيرة أن قرار ترامب الجديد خطوة تاريخية في علاقة الحكومة مع الدين والإيمان، الأمر الذي تراه سيغير حياة كثير من الأمريكان.
كانت باولا وايت تزعم أن دونالد ترامب رئيس مختار من الله قبل بضعة أشهر من الآن، أنا هي فتكون هي رئيسة فريق مكون من 25 قسيسًا أمريكيًا أنجيليًا وناشطًا ورئيسًا لمنظمات مسيحية التي تقوم بإعطاء المشورة للرئيس، وتوصف بأنها “المستشارة الروحية” لترامب، لأنها ترأست صلوات لترامب قبل ترشيح نفسه للانتخابات لتستدل بها على التوقيت المناسب لترشيحه من خلال “كلمة الله” بحسب كلامها في لقاءاتها، حيث تعيد ذكر القصة مرارًا وتكرارًا.
“أبانا في السماء، نطلب منك أن تمنح رئيسنا ترامب الحكمة الضرورية لقيادة هذه الأمة العظيمة”- باولا وايت في أثناء صلاتها في حفل تنصيب الرئيس
كانت “وايت” أول امرأة تلقي دعاء تنصيب الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية، وبشّرت الشعب الأمريكي أن ترامب مختار من الله وليس فقط من الشعب الأمريكي، ومعارضة ترامب تعني معارضة الله، واصفة في لقاءاتها وبرنامجها التليفزيوني أن الشياطين من يعارضون ترامب وينافسونه، حيث يتعرض لهجوم من الأرواح الشريرة والشيطانية ضد تعيين شخصيات في مناصب معينة.
لن يؤذي وجود باولا وايت شيئًا طالما يقتصر كلامها غير المنطقي على مجموعة لقاءات وحوارات تليفزيونية، إلا أن باولا كانت من بين الحاضرين في الصفوف الأولى في أثناء إعلان ترامب لقراره الجديد بشأن مشاركة المجموعات الدينية في القرارات الحكومية، ونالت منه شكرًا خاصًا على مساعدته في اتخاذ هذا القرار، من كان يتخيل أن تكون لشخصية مثل باولا وايت مشاركة في قرارات مصيرية في الحكومة الفيدرالية، وتواصلًا مباشرًا مع رئيس الولايات المتحدة وتأثيرًا واضحًا على قرارته؟
الإنجيليون في البيت الأبيض
بيلي غرهام من أشهر الإنجيليين الأمريكان المقربين لترامب
في 14 من نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي أوضحت صحيفة “واشنطن بوست” أن باولا وايت السبب الرئيسي في وصول الإنجيليين إلى البيت الأبيض وأن يكون لهم صوت مسموع في قرارات الحكومة والقرارات التي يتخذها رئيسها دونالد ترامب.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يستغل فيها ترامب “يوم الصلاة القومي” من أجل دعم المجموعات الإنجيلية في الولايات المتحدة، حيث حاول دعمهم من قبل ردًا على دعمهم له في الانتخابات، ووقع قرارًا يحظر فيه ما كان يُعرف بـ”قانون جونسون” الذي كان يمنع تعبير المؤسسات الدينية التي تتلقى دعم من الجهات السياسية أو الحكومية عن رأيها، وبهذا لم يمنع تلقي الدعم من الجهات السياسية أن تشارك المؤسسات الدينية بالحشد الاجتماعي لمرشحين سياسيين بعينهم.
خطاب ترامب لإعلان قراره وجود مكاتب للإنجيليين في البيت الأبيض
أحيا ترامب في بداية خطابه ذكرى بيلي غراهام الداعية الإنجيلي المشهور منذ منتصف القرن الماضي الذي كانت جنازته قبل عام من الآن، اقتبس ترامب من فلسفة هذا الرجل الإنجيلية المسيحية ما بدأ به خطابه قائلًا على لسان بيلي غرهام إن الصلاة السبيل للحصول على خير ونعم الله، وتكريمًا له أحضر ترامب حفيدته لتتلو عدة صلوات في ذلك الحدث التاريخي بالنسبة للإنجيليين.
لا عجب أن يدعم ترامب هذا المجتمع، لأنه أولًا من أكثر الوسائل الفعالة للحشد الشعبي لتأييده في حملاته الانتخابية وقرارته الرئاسية فيما بعد، وثانيًا لأنه لا يختلف كثيرًا عما يؤمن به ترامب من مبادئ، يؤمن المجتمع الإنجيلي في الولايات المتحدة وعلى رأسهم الشهيرة باولا وايت بأن الثروة المالية والمستوى المعيشي المرتفع – في سياق آخر البرجوازية – نعمة من الله وعلامة واضحة على رضا الله عن المرء، بينما الفقر يكون لعنة من الله وأن الفقراء هم “الأشرار”.
يأتي قرار ترامب الأخير عقب أحداث فضيحة كشف علاقة حميمية تربطه مع ممثلة أمريكية للأفلام الإباحية، التي كشفت فيها أن ترامب دفع مبلغ 130 ألف دولار لمحاميه لمنحها للممثلة لإسكاتها عن الشهادة، الأمر الذي كان من المتوقع أن يثور بسببه مجتمع الإنجليين هذا، إلا أنه على العكس تمامًا أيده الإنجيليون موضحين أنهم داعمين له في كل الأحوال وبرروا تلك الفضيحة بأن لكل شخص آثام اجتماعية من وقت لآخر، وليس ذلك عذرًا كافيًا للتخلي عن دعم الرئيس.
لدونالد ترامب أذرع مسيحية مختلفة داخل وخارج الولايات المتحدة، لا تكون باولا وايت ولا المجتمع الإنجيلي أولها ولن سيكون آخرها، لقد كان الأمر يتم من قبل بشكل غير مباشر من دعم كنائس بعينها مثل “كنيسة التوحيد” لفرض سياساته الداخلية مستغلًا الغطاء الديني، إلا أن دخول الإنجيليين إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض يعد فريدًا من نوعه على السياسة الأمريكية، ولا يُبشر بأخبار سعيدة على الأقليات المسلمة في الولايات المتحدة وأي أقليات أخرى غير منتمية للمجتمع الإنجيلي.