تتميز دول القارة الإفريقية بثراء ثقافي مهم، يعكسه تعدد اللغات والثقافات والقوميات العرقية التي تسكن هذه البلاد، من ذلك قومية الفُولاّني التي سكن منتسبوها غرب القارة السمراء منذ آلاف السنين، وتفرقوا بين دول المنطقة مشكلين أقليات عرقية في كل دولة.
اختلاف في الأصل
رغم تاريخهم الكبير عجز المؤرخون عن إثبات أصل قومية الفُلاني، فمن المؤرخين من يرجعهم إلى أصول صومالية أو نوبية أو حبشية، ومنهم من يقول إنهم من أصول هندية، ومن يقول إنهم من أصول حميرية عربية، ومنهم من يقول أيضًا إنهم من أصول يهودية.
فضلًا عن هؤلاء يقول بعض المؤرخين أيضًا إن الفُلانيين ينتمون إلى شعوب النيفية التي انتقلت إلى منطقة السافانا الإفريقية في عهود قديمة، وتأثرت بعلاقاتها البشرية والحضارية مع العرب والبربر، وارتبطت بالحال مع المجتمعات الإفريقية في غرب إفريقيا.
الفُلاّن عبارة عن مجموعة من البدو الرحل
ويذكر المؤرخون أن أقدم ذكر لاسم الفُلاّن والبولار موجود في النص المصري الذي كتبه المؤرخ المقريجي في كتابه “الإعلام بمن حل بأرض مصر من الأعراب”، حيث ذكر أن في صعيد مصر قبائل منها بنو فُلاّن والفُلاّنية وبنو بولار وإلى آخره.
يطلق الفولانيون على أنفسهم فلبى ويطلق عليهم شعب سيراليون وغامبيا فله، وشعب الولوف في السنغال يطلقون عليهم بول ويطلق عليهم قبائل الطوارق أفولان وشعب الماندليك في مالي فله وفي موريتانيا يعرفون ببولار، وعند وصولهم بلاد الهوسا في القرن الـ14 أطلق عليهم الهوسا اسم فولاني، وعند وصولهم بلاد الكانوري “البرنو” أطلق عليهم اسم فلاتا.
شعب رعاة
الفُلاّن عبارة عن مجموعة من البدو الرحل، يتنقلون طوال السنة مع أبقارهم ومواشيهم، ويتحركون في مساحات شاسعة لا سيما في مناطق السافانا ومناطق شبة الغاباوية بحثًا عن المراعي الخضراء والماء.
ولشعب الفلاّن علاقة كبيرة مع البقر، وتقول أساطير الفُلان إن الله عندما خلق الفُلان لم يخلقهم إلا للبقر، ولم يخلق البقر إلا للفُلان، وبالتالي يقولون إن الجد الأعلى للفلان وهو كما يسمونه “أولو يلا دجاج” لما خرج فجأة للكون أول ما فتح عينيه على الشمس والبقر، وبالتالي البقر متلازم مع ثقافة الفلان وحياتهم.
اعتزازهم باللغة العربية
يتكلّم الفُلان لغة تُسمى هنا بالبولار، وفي كثير من المناطق الإفريقية تسمى بالفُلا أو بالفُلفلدي، غير أنهم يتمسكون باللغة العربية بحكم الدين ويعتزون بها إلى حد العبادة، ويعود منشأ العلاقة بين الفولانيين واللغة العربية إلى “البُعد العقدي” حيث كان قدامى الفلان يستخدمون العربية في كل المصطلحات ذات الأبعاد التعبدية لنقلها وإيصالها إلى الجمهور، كما كانوا يكتبون تراثهم الفقهي والتاريخي والأدبي بلغة البولارية بحرف عربي.
ونادرًا ما تجد أحد أبناء هذه المجموعة لا يتكلم اللغة العربية، رغم تمسكهم بأصالتهم وثقافته الفُلانية لكنه يشعر بأن العربية لغته الثانية، ولا يمكن أن تأتي لدولة في إفريقيا تجد فيها كتاتيب إلا وعلى رأسها أحد أبناء الفُلان.
قدّر بعض الدارسين لهذه القومية عددهم بقرابة 19 مليون شخص موزعين على 13 دولة
وتحرص قومية الفولان على أن يتلقى أبناؤها العربية في الصغر، باعتبار أن للأمر علاقة بالتربية الدينية وغرس الأخلاق الحميدة، ويُغذي هذا الاهتمام انتشار خلفية محافظة في أوساط الفلان، ترى في تعلم اللغة العربية والإلمام بها شرطًا لمعرفة تعاليم الدين الإسلامي الحنيف والتفقه في أحكامه.
وتثبت العديد من التقارير أن نسبة كبيرة من أسر الفلان في معظم دول غرب إفريقيا ما زالت تلزم أطفالها بالذهاب إلى مدارس تعليم اللغة العربية والقرآن قبل أي شيء آخر، وأن هناك من يكتفي بذلك رافضًا التعامل مع المدارس النظامية باعتبارها تشكل رافدًا للذهنية الاستعمارية التي لعبت دورًا محوريًا في قطع الصلات باللغة العربية وطمس قسط ضخم من التراث الإسلامي بالبلاد.
امتدادهم الجغرافي
سكنت قومية الفولاّن في دول عدة غرب القارة الإفريقية، بدءًا من موريتانيا إلى الكاميرون مرورًا بالسنغال ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتوغو ونيجيريا وتشاد وجمهورية وسط إفريقيا وغينيا بيساو وغينيا كوناكري.
ورغم غياب الإحصاءات الدقيقة عن عددهم الإجمالي، يقدّر بعض الدارسين لهذه القومية عددهم بقرابة 19 مليون شخص موزعين على 13 دولة غرب القارة الإفريقية، النسبة الأعلى منهم في غينيا كوناكري حيث تقدر الإحصاءات بأنهم يحشكلون 64% من مجموع السكان في هذا البلد الإفريقي.
وفضلًا عن دول غرب إفريقيا، تؤكّد بعض التقارير الإعلامية وجود أقليات فُلانية في العديد من الدول العربية كالسودان مثلًا ومصر، فضلًا عن وجود جالية فُلانية كبيرة استقرت في السعودية في البقاع في سنوات الحجيج وأصبحوا جزءًا من النسيج الاجتماعي في المملكة العربية السعودية.