ترجمة حفصة جودة
في الجزء الأول من مسرحية “حياة عائلة ريتشارد” يبدو المحتوى المسرحي مألوفًا للغاية: زوجين غير سعيدين ومراهق ساخط وحفلة عشاء وأسرار وخيانات، وتأتي الشخصيات وإيقاع العمل من النوع الثابت الذي لا يتغير مهما أصبح قديمًا.
لكن هناك شيئًا غريبًا في تلك الكلمات الصادرة من الأفواه على المسرح، فالجمل رغم أنها متكاملة من الناحية التقنية إلا أنها تخرج بشكل عجيب، فلا يوجد حوار بارع، والجمل المضحكة تبدو كذلك لأنها مجرد هراء، لكننا نستطيع أن نسامح روزلين هيلبر كاتبة المسرحية لأنها كتبتها بمساعدة الذكاء الاصطناعي.
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي شبحًا يطارد القوى العاملة الحديثة، وتقول بعض الدراسات إن 30% من الناس قد يفقدون وظائفهم بسببه، فالمركبات ذاتية القيادة قد تنهي عمل سائقي الشاحنات، وأجهزة الروبوت أصبحت تقوم بالأعمال المعقدة في المصانع، وحتى المساعدين الشخصيين وموظفي الدعم قد تصبح أعدادهم زائدة عن الحاجة، ويبدو أن الروبوتات ستقوم بدور الحكم في الألعاب الرياضية أيضًا، لذا إذا كان الذكاء الاصطناعي طريق المستقبل فهل سيصبح طريق المسرح أيضًا؟
بينما يبدو الذكاء الاصطناعي منفصلاً عن البشر إلا أن خوارزميات بنائه تتم من وجهة نظر بشرية
لا توحي مسرحية “حياة ريتشارد” التي يعرضها مهرجان “Next Wave” وأسبوع ميلبورن للمعرفة بذلك، فالاصطناع يبدو واضحًا بشدة في العمل، والتسلية فيها تنبع من أخطائها وليس إبداعها، لكن الذكاء الاصطناعي أصبح متداخلاً في حياتنا اليومية بشكل كبير وسوف يشق طريقه في عالم الفن، لذا كيف نستخدمه وما دوره في فهمنا للفن؟
الذكاء الاصطناعي هو نظام تعلم ولكي نخلق فنانين من الذكاء الاصطناعي يحتاج البشر لاختيار المعلومات التي يتعلم منها النظام، لذا فبينما يبدو الذكاء الاصطناعي منفصلاً عن البشر إلا أن خوارزميات بنائه تتم من وجهة نظر بشرية، حتى إننا نرى تحيزًا للرجل الأبيض في الذكاء الاصطناعي، ولا عجب في ذلك فتاريخ المسرح الغربي متحيز أيضًا للرجل الأبيض.
لم تكن تلك المسرحية العمل الوحيد في المهرجان المتعلق بمستقبل الروبوتات، “Bureau of Meteoranxiety” عبارة عن قطعة حوارية تهكمية عن الذهن المعاصر والرعاية الذاتية وانفصالنا عن الطبيعة ومخاوفنا بشأن التغيرات المناخية، وفي هذا العمل نحن مدعوون للتحدث مع غيل “روبوت الذكاء الاصطناعي” عن مخاوفنا بشأن المناخ.
كُتبت مسرحية حياة عائلة ريتشارد بمساعدة الذكاء الاصطناعي
رغم أنه يبدو بأنها تجيب عن أسئلة مختلفة قليلاً عن الأسئلة التي طرحناها، فهناك تسلية غريبة في النقاش معها، وتحاول غيل “الروبوت الأنثى” أن تخفي التأثير الذكوري بها، ففي محادثتي معها اقتبست غيل جمل من أعمال شعرية لذكور كما أنها اقتبست جمل لدونالد ترامب.
وباستخدام الذكاء الاصطناعي في سياق فني، فالفنانون بذلك يشجعوننا على النظر إلى التكنولوجيا من زاوية نقدية، ويبدو أن غيل وهذا العمل الفني من الخدمات التي يرغب الناس في استخدامها، لكن عند القيام بذلك فأي الاتجاهات ننحاز لها؟ وأي التحيزات ستظهر في الذكاء الاصطناعي الذي سنستخدمه؟ إذا أصبح الذكاء الاصطناعي فنانًا فكيف سننظر لما صنعه؟ ومن منشئ المحتوى؟
يبدو أن التفرد والخصوصية – وهي جزء من أسبوع ميلبورن للمعرفة – من أكثر وجهات النظر التشاؤمية بشأن مستقبل الذكاء الاصطناعي، فلنتخيل شكل أستراليا عام 2040 حيث يجلس معظم الناس لتناول الطعام وحدهم، ويتم فصل الجميع في طاولات طعام منفردة وتقدم الروبوتات احتياجاتهم الغذائية والعاطفية كذلك، في الحقيقة سوف تخفي الصناديق الخشبية الكبيرة الفنانين الذين يجلسون داخل تلك الروبوتات المتحركة وتلك التي تقدم الطعام للناس.
يبدو أن تكنولوجيا اليوم تفوقت على التكنولوجيا المُتَخَيَلة للغد
لكن إذا كان من المفترض أن يكون هذا المستقبل رمزًا لكيف ستصبح حياتنا مملة مع الروبوتات، فقد فشل مع أول عقبة واجهته؛ حيث إنني شاهدت بعض الحضور في المسرحية وهم يمسكون هواتفهم لتسلية أنفسهم في أثناء العرض، ويبدو أن تكنولوجيا اليوم تفوقت على التكنولوجيا المُتَخَيَلة للغد.
يبدو أن الذكاء الاصطناعي الفني مثيرًا فقط بقدر ما نعرف عن تصميمه، فنحن لا نعرف الكثير عن “سويفتكي” – الذكاء الاصطناعي الذي شارك في كتابة المسرحية – وكيفية استخدامه، لكن البداية الغريبة للعمل آتت ثمارها عندما خرجت هيلبر والمخرج هاريت غايلز عن المسرح التقليدي، فقد رقص الجميع وعرضت الشاشات النص التنبؤي المستخدم في كتابة العمل، وانغمس العالم في التخيل الإبداعي للأداء الذي لم يكن من الممكن تحقيقه دون التعاون البشري.
يطالب مهرجان “Next Wave” الفنانين بأن يكونوا طموحين قدر الإمكان، لذا من الطبيعي أن يتساءل فنانو اليوم عما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفعله لهم، وحتى هذه اللحظة يبدو أن الفنانين البشر سوف يتصدرون القمة.
المصدر: الغارديان