خلال أقل من شهرين عادت الحكومة الإريترية مرة أخرى إلى إطلاق تصريحات تتهم السودان وإثيوبيا وقطر بدعم المعارضة والسعي لإقامة معسكرات تدريبية، حيث ذكر بيان لوزارة الإعلام الإريترية بثه التليفزيون الرسمي المملوك للحزب الحاكم الأسبوع الماضي أنه خلال زيارة رئيس وزراء إثيوبيا إلى الخرطوم اتفق الجانبان على توفير الدعم اللازم لما أسموه “المقاومة الإريترية” بكل الوسائل التي تمكنها من القيام بالمهام الموكلة إليها، من خلال السماح لها بالتنقل بحرية على طول الحدود المشتركة.
وبحسب البيان الإريتري الصادر يوم الإثنين الماضي “من أجل هذه الغاية تم تكليف اللواء حمدي المصطفى من الحكومة السودانية والقنصل (برهان) في السفارة الإثيوبية بالخرطوم بتنفيذ جهود التنسيق للمنظمات الجهادية إلى جانب التمويل القطري”.
على خلاف البيان السابق لم يحدد التصريح الجديد طبيعة المهام التي قيل إنها أُوكلت للمعارضة الإريترية، ففي بيان مارس/آذار الماضي اعتبرت أسمرة أن الخرطوم والدوحة تدعمان إقامة معسكرات جهادية بقيادة المعارض محمد جمعة أبو رشيد على الحدود السودانية الإريترية بتمويل قطري.
وفي المرة السابقة سارعت وزارة الخارجية السودانية بإصدار بيان مماثل قالت فيه إنها تشعر بالاستغراب الشديد إزاء التصريح الصحفي الصادر عن وزارة الاعلام الإريترية، ونفت الخارجية السودانية أن تكون الحكومة السودانية قد فتحت مكتب بمدينة كسلا لجماعة المعارض الإريتري محمد جمعة، أو أن تكون سمحت لهم بممارسة أنشطة سياسية وعسكرية من خلال معسكرات تدريب قرب الحدود السودانية الإريترية.
أغلقت السلطات السودانية حدودها مع دولة إريتريا بعد أنباء عن حشود عسكرية مصرية وفصائل مسلحة من متمردي دارفور على الحدود الإريترية
وبالقدر نفسه استنكرت قطر بشدة توجيه حكومة أسمرة اتهامات لها بتشكيل تهديد لأمن الدولة الإفريقية ودعم تنظيمات إرهابية في المنطقة.
فأعرب مصدر في وزارة الخارجية القطرية عن إدانة دولة قطر ورفضها واستنكارها الشديدين لما تضمنه التصريح الصحفي لوزارة الإعلام بدولة إريتريا الصادر بتاريخ 22 من مارس/آذار 2018، من الزج باسم دولة قطر ضمن التهديدات العسكرية التي قد تشهدها منطقة القرن الإفريقي، وذلك وفقًا لموقع وزارة الخارجية القطرية.
إغلاق الحدود السودنية ـ الإريترية يكشف حجم التوتر
في يناير/كانون الثاني من العام الحاليّ أغلقت السلطات السودانية حدودها مع دولة إريتريا بعد أنباء عن حشود عسكرية مصرية وفصائل مسلحة من متمردي دارفور على الحدود الإريترية، وسط تسريبات عن وصول تعزيزات عسكرية مصرية إلى معسكر “ساوا” الذي يقع في إقليم “القاش بركة” المحاذي لولاية كسلا السودانية.
صحيح لم تحدث مناوشات بين الجانبين، لكن توتر العلاقات بين الخرطوم وأسمرة يبدو واضحًا، فقد توقفت الزيارات الودية بين الرئيسين السوداني عمر البشير والإريتري أسياس أفورقي، وحلّ محلها البيانات والتصريحات الهجومية من جانب أسمرة رغم تحلي الجانب السوداني بضبط النفس، فقد شدد الرئيس البشير خلال مخاطبته حشدًا شعبيًا لأبناء ولاية كسلا الحدودية مع إريتريا على خصوصية العلاقة بين البلدين، وقال إن الخرطوم وقفت وستقف مع إريتريا والشعب الإريتري، ورهن البشير ذلك بتبادل تلك الرعاية للمصالح من جانب إريتريا.
المشكلة الأولى التي يعاني منها أسياس أفورقي أنه لا يقبل مطلقًا أن تكون لديه علاقات قوية مع دولة أخرى تقيم علاقات مماثلة مع إثيوبيا، فالأخيرة بالنسبة له هي العدو اللدود
العلاقات القطرية ـ الإريترية كانت متميزة
لفترة طويلة كانت العلاقات القطرية ـ الإريترية تتميز بالحميمية، إذ كانت الدوحة داعمة أساسية للرئيس أسياس أفورقي ولمشروعات وخطط التنمية في بلاده، وعملت دولة قطر على احتواء النزاعات في منطقة القرن الإفريقي، فتوسطت لحل الخلاف الحدودي بين إريتريا وجيبوتي حتى تُوِّجت الوساطة باتفاق بين الطرفين أنجز في الدوحة عام 2010، وفي 2016 نجحت وساطة قطرية في الإفراج عن 4 أسرى من جيبوتي كان قد احتجزهم النظام الإريتري ولم يطلق سراحهم إلا بوساطة قطرية.
وحتى قبل فترة قليلة كانت العلاقات طبيعية بين الدوحة وأسمرة، ولا أدل على ذلك من زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي الأخيرة للعاصمة القطرية قبل نحو عامين التي التقى خلالها بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثان.
كيف توترت العلاقات القطرية ـ الإريترية؟
المشكلة الأولى التي يعاني منها أسياس أفورقي أنه لا يقبل مطلقًا أن تكون لديه علاقات قوية مع دولة أخرى تقيم علاقات مماثلة مع إثيوبيا، فالأخيرة بالنسبة له هي العدو اللدود رغم أن تنصيبه رئيسًا لإريتريا تم بدعم ومباركة من رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق مليس زيناوي، وبدأ توتر العلاقات بين الدوحة وأسمرة منذ تصاعد العلاقات القطرية ـ الإثيوبية الذي ظهر في تبادل الزيارات بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي مريام ديسالين العام الماضي.
تشكل تصريحات أسمرة ضربة قاصمة للمبادرة التي أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد خلال حفل تنصيبه بالبرلمان في أبريل/نيسان الماضي عندما أعلن رغبته في استعادة العلاقات مع إريتريا
كما لعب اندلاع الأزمة الخليجية في الـ5 من يونيو/حزيران 2017 دورًا آخر في تباعد المواقف بين قطر وإريتريا، حيث أيدت الأخيرة موقف السعودية والإمارات في قطع العلاقات مع قطر، والمفارقة أن بيان وزارة الإعلام الإريترية اعتبر أن مبادرة الدول الـ4 (السعودية – الإمارات – البحرين – مصر) بقطع العلاقات مع قطر خطوة في الاتجاه الصحيح، بينما احتفظت أسمرة بعلاقاتها الدبلوماسية كاملة مع قطر ولم تخفضها حتى، فما زال سفيرها في الدوحة علي إبراهيم أحمد يمارس عمله بشكل طبيعي حتى اليوم رغم الاتهامات الإريترية المتكررة لقطر في واحدة من تناقضات أسياس أفورقي المتعددة.
أهداف أفورقي من الهجوم على السودان وقطر وإثيوبيا
البيان الإريتري الأخير يحمل مغالطات واضحة كالسابق، فقد أكد الدبلوماسي الإثيوبي (برهان) في تصريح لموقع إخباري سوداني أنه يعمل ملحقًا تجاريًا في السفارة الإثيوبية بالخرطوم، نافيًا تورطه في أنشطة جهادية واتهم وزارة الإعلام الإريترية بنشر أكاذيب ومعلومات عارية من الصحة، فيما لم تتعرف مصادر نون بوست على وجود لواء في القوات المسلحة السودانية باسم حمدي المصطفى كما ذكر البيان الإريتري.
وتشكل تصريحات أسمرة ضربة قاصمة للمبادرة التي أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد خلال حفل تنصيبه بالبرلمان في أبريل/نيسان الماضي عندما أعلن رغبته في استعادة العلاقات مع إريتريا، وأكدت تسريبات خاصة شروع البلدين فعليًا في إجراء اتصالات بالتنسيق مع أطراف دولية للغرض ذاته، إلا أن البيان الإريتري الأخير كفيل بنسف هذه الجهود أو تجميدها على الأقل.
نعتقد أن تكرار الهجوم الإريتري على الدول الـ3 “السودان وقطر وإثيوبيا” ينطلق من تلك الأهداف التي سبق ذكرها، وهي تؤكد ما ذكرناه سابقًا عن وجود محور إماراتي مصري إريتري بالمنطقة يقابله محور قطري تركي سوداني إثيوبي
وبالنسبة للسودان، من المؤكد أن أسياس أفورقي شعر بالانزعاج من التناغم المستمر في العلاقات السودانية ـ الإثيوبية الذي ظهر في تبادل الزيارات بين البشير وآبي أحمد والدعم السوداني غير المحدود لسد النهضة الإثيوبي، إلى جانب إصدار البشير عفو عن الإثيوبيين المحكومين في قضايا الحق العام بالسودان والبالغ عددهم 1400 مواطن، لذلك ربما أراد أفورقي – وهو الذي يشعر بالعزلة في محيطه الإفريقي والدولي – أن يلفت الانتباه بإطلاق أجهزته الإعلامية لتصدر هذه التصريحات المتكررة من أجل صرف النظر عن الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية التي يكابدها من تبقى من مواطنيه في الداخل الإريتري، فالرئيس أفورقي دائمًا ما يلجأ إلى نظرية المؤامرة وأن البلاد تواجه مطامع وعداوات من دول الجوار.
أما الهجوم على قطر فهو ضروري لكي يبقي الرجل على علاقة ودية مستمرة مع دولة الإمارات التي ترتبط معه بعلاقات وثيقة بعد استئجارها ميناء عصب الإريتري ليكون منصة إطلاق لعملياتها العسكرية الجارية في اليمن ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية على جماعة الحوثي في اليمن، فضلًا عن أن مركز “ستراتفور” الأمريكي للدراسات الأمنية والإستراتيجية أكد أن دولة الإمارات شرعت في إنشاء قاعدة عسكرية في ميناء عصب على ساحل البحر الأحمر منذ العام 2016.
لذلك نعتقد أن تكرار الهجوم الإريتري على الدول الـ3 “السودان وقطر وإثيوبيا” ينطلق من تلك الأهداف التي سبق ذكرها، وهي تؤكد ما ذكرناه سابقًا عن وجود محور إماراتي مصري إريتري بالمنطقة يقابله محور قطري تركي سوداني إثيوبي، وإن كانت إثيوبيا تسعى لكسب ود دول المنطقة جميعًا في سياستها التي ترمي إلى جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال.
أثبتت الأيام أن التعايش من غير نزاعات أو صراعات غير ممكن مع نظام الجبهة الشعبية الحاكم في إريتريا بقيادة أسياس أفورقي، فطوال سنوات حكمه التي أكملت حاليًّا 27 عامًا لم تشهد البلاد منذ الاستقلال استقرارًا ولا توقفًا عن الحروب والتوترات مع جيرانه السودان وإثيوبيا، حتى اليمن كان له نصيب من التدخلات الإريترية ففي يوم 15 من ديسمبر/كانون الأول من 1995 احتلت قوات عسكرية إريترية جزيرة “حنيش” اليمنية الكبرى، وأسفر هذا الهجوم عن سقوط 3 قتلى من أفراد الحامية العسكرية اليمنية التي كانت مرابطة هناك ولم تنسحب قوات أفورقي من الجزيرة إلا بعد 3 أعوام بموجب قرار دولي.