وجهت 14 شخصية سياسية ومدنية رسالة إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تدعوه فيها إلى عدم الترشح لولاية رئاسية خامسة العام المقبل، في مبادرة جديدة من المعارضة للوقوف ضد الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) الذي ناشد بوتفليقة قيادة البلاد لولاية جديدة، رغم وضعه الصحي الذي تقول المعارضة إنه لا يسمح له بتسيير شؤون البلاد، فهل سيتجاوب رئيس البلاد إيجابًا مع هذا النداء وهو الذي لم يعر أي اهتمام لمبادرات سابقة من هذا الشكل؟
مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية التي تنتظرها الجزائر في أبريل/نيسان 2019 يزداد الترقب بين المواطنين والسياسيين بشأن ترشح بوتفليقة لعهدة جديدة من عدمه، وهو الذي يحكم البلاد منذ 1999، وظهوره صار نادرًا منذ النوبة الأفقارية التي تعرض لها في ربيع 2013 قبل انتخابه لعهدة رابعة في أبريل 2014.
حقبة جديدة
ومن بين الموقعين على الرسالة رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور الذي رفض الترشح لرئاسيات 2014 بعد أن قرر بوتفليقة خوض ذلك الاستحقاق، ورئيس حزب جيل جديد سفيان جيلالي ورئيس حزب نداء الوطن قيد التأسيس علي بن واري الذي رفض ملف ترشحه الرئاسي في 2014، ورئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي زبيدة عسول، ورئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان صالح دبوز، والروائي محمد بولسهول المعروف باسم ياسمينة خضرا، وخبيرة القانون الدستوري فتيحة بن عبو، وأميرة بوراوي عضو حركة بركات (كفى) التي أسست في 2014 لمنع بوتفليقة من الترشح لعهدة رابعة.
قال موقعو الرسالة: “في الحياة، لكل شيء نهاية لقد حان الوقت لتستعيد الأمة ما لها، 4 عهدات تعد منطقيًا كافية لكي ينجز الإنسان مشروعه ويحقق طموحاته”
وقال أصحاب الرسالة: “ندعوكم لاتخاذ القرار الوحيد الذي يمكنه أن يفتح حقبة جديدة للبلاد، حيث توضع المصلحة العامة فوق مصلحة الأشخاص، ألا وهو تخليكم عن العهدة الخامسة”.
وخاطبت الرسالة بوتفليقة: “سنكم المتقدمة وحالتكم الصحية الحرجة يدعوانكم للاعتناء بنفسكم والتخلي عن حمل العبء الثقيل والشاق لشؤون الدولة، فلا شك أن عهدة أخرى ستكون محنة لكم وللبلد”، وقال موقعو الرسالة: “في الحياة، لكل شيء نهاية لقد حان الوقت لتستعيد الأمة ما لها، 4 عهدات تعد منطقيًا كافية لكي ينجز الإنسان مشروعه ويحقق طموحاته”.
وحسب أصحاب الرسالة فإن “نتائج السياسة المنتهجة تحت وصايتكم (بوتفليقة) كانت بعيدة كل البُعد عن تلبية الطموحات المشروعة للجزائريين، حكمكم الطويل للبلاد أنشأ في نهاية الأمر نظامًا سياسيًا لا يستجيب للمعايير الحديثة لدولة القانون”.
انتقاد للموالاة
يزعم أصحاب الرسالة أن تحركهم جاء لإنقاذ البلاد من الذين لا يريدون الخير لها ولبوتفليقة نفسه، ولم يراعوا في تحركاتهم وضعه الصحي.
مطلع أبريل الماضي عشية ذكرى مرور 4 سنوات على انتخاب بوتفليقة لعهدة رابعة، دعا ولد عباس في لقاء حزبي الرئيس بوتفليقة للترشح لعهدة خامسة
وجاء في الرسالة “في الوقت الذي تجتمع فيه قوى خبيثة وتتحرك لدفعكم نحو طريق العهدة الخامسة، فإننا نتوجه إليكم باحترام وبكل صراحة لننبهكم بالخطأ الجسيم الذي قد تقترفونه إن رفضتم مرة أخرى صوت الحكمة الذي يخاطب الضمير في أوقات الخيارات المصيرية، كما تعلمون الاختيار هو حتمًا القبول بالتنازل”.
ولم تسم الرسالة “القوى الخبيثة” التي تريد بوتفليقة الترشح لعهدة جديدة، لكن من المرجح أن الاتهام الأول يوجه لجمال ولد عباس الأمين العام لحزب جبهة التحرير الحاكم الذي يرأسه بوتفليقة الذي كان من المبادرين لترشيح صاحب العهدات الأربع لولاية خامسة.
ومطلع أبريل الماضي عشية ذكرى مرور 4 سنوات على انتخاب بوتفليقة لعهدة رابعة، دعا ولد عباس في لقاء حزبي الرئيس بوتفليقة للترشح لعهدة خامسة، وقال ولد عباس: “هذا المطلب هو جماهيري، لكن الكلمة الأولى والأخيرة تبقى للرئيس”.
وأضاف “باسم المتعاطفين، أتحمل مسؤوليتي كأمين عام لحزب جبهة التحرير الوطني، وأطالب من هذا المنبر الرئيس أن يستمر في مسيرته، وأن يتجاوب مع رغبة مناضلي الحزب في أن يواصل مهامه”، وأردف الأمين العام للحزب الحاكم قائلاً: “أنا لا أومن بالعهدة الخامسة أو السادسة، أنا أومن بالاستمرارية، لأن الرئيس كرس حياته وصحته من أجل البلاد، فكل الولاء له وحده”.
لا تعد هذه الرسالة الأولى التي تدعو بوتفليقة إلى عدم الترشح لعهدة جديدة، ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي والمترشح لرئاسيات 1999 التي فاز فيها بوتفليقة، والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس والحقوقي يحي عبد النور عن مبادرة للم شمل المعارضة للوقوف ضد ترشح الرئيس لعهدة جديدة
ويرجع ولد عباس تمسكه بدعوة بوتفليقة لخوض سباق رئاسيات خامسة إلى الإنجازات التي حققها طيلة فتراته الرئاسية الأربعة منها “دوره الكبير في إخماد نار الفتنة وإعادة البلاد إلى السكة ومكانة أمام الأمم”.
ولا تتوقف هذه المطالبة على حزب جبهة التحرير الوطني، فشريكه في الحكم التجمع الوطني الديمقراطي قال على لسان أمينه العام الوزير الأول أحمد أويحيى إنه سيكون من السعداء إذا ترشح لعهدة خامسة، رغم إقراره أن صحة الرئيس لم تعد كما كانت في 1999.
ليست الأولى
لا تعد هذه الرسالة الأولى التي تدعو بوتفليقة إلى عدم الترشح لعهدة جديدة، ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي والمترشح لرئاسيات 1999 التي فاز فيها بوتفليقة والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس والحقوقي يحيى عبد النور عن مبادرة للم شمل المعارضة للوقوف ضد ترشح الرئيس لعهدة جديدة.
وجاء في مبادرة الشخصيات الثلاثة: “لم يعد جليًا أن رئيس الدولة، وبعيدًا عن الظروف المعروفة التي وصل فيها إلى سدّة الحكم سنة 1999، وما تبعها من تعديلات دستورية متتالية تضمن له الرئاسة مدى الحياة، قادر اليوم على الاستمرار في إدارة البلاد بسبب إصابته بإعاقة خطيرة خاصة منذ إدخاله المستشفى في الخارج، للمرة الثانية في مايو 2013، لا عجب، فالمناسبات القليلة التي يطل فيها لتفنيد الشائعات والظهور حيًا يرزق، رغم غيابه التام عن الساحة الوطنية والدولية، يبدو فيها في حالة من التدهور الصحي لا تترك أبدًا أي شك في عدم قدرته على ممارسة الحكم”.
برأي مراقبين تظل مبادرات المعارضة محتشمة كونها تصدر في قالب فردي ولا تعبر عن توافق بين أصحاب هذا الرأي
وقالت المبادرة: “المسؤولون عن هذا الإفلاس – وقد اطمأنوا إلى الإفلات من العقاب الذي يستفيدون منه، وظهر لهم أن كل شيء مباح أمام غياب رد فعل مؤثر من طرف أحزاب المعارضة والرأي العام – يتمادون في كبريائهم واحتقارهم للمواطنين إلى حدّ الإعداد لفتح طريق لعهدة رئاسية خامسة لشيخ عاجز عن الحركة وغير قادر على التعبير، حقًا، لقد طفح الكيل”.
وشدد موقعو البيان على “التجنّد خلف أحزاب المعارضة التي تلتزم باحترام برنامج عمل مشترك يقوم على تطبيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحماية الحريات العامة الفردية والجماعية”.
لكن برأي مراقبين تظل مبادرات المعارضة محتشمة كونها تصدر في قالب فردي ولا تعبر عن توافق بين أصحاب هذا الرأي، فجميع المحاولات المنادية بعدم ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة لم تصل في جديتها وقوتها حتى ما كان قبيل رئاسيات 2014 عندما توحدت المعارضة تحت لواء “تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي”، إضافة إلى أن فشل خصوم بوتفليقة في تقديم مرشح توافقي قوي يجعل كل محاولاتهم دون معنى ويفتح المجال له للمكوث في الحكم لولاية جديدة، مستفيدًا في ذلك من ضعف مناوئيه ومن العزوف الانتخابي الذي صار يميز كل اقتراع في الجزائر في السنوات الأخيرة.