في منتصف ستينيات القرن الماضي اجتمع ممثلو ثلاث دول إفريقية هي (كينيا وتنزانيا وأوغندا) معلنين قيام تجمُّع دول شرق إفريقيا لكن سرعان ما تم حله بسبب النزاعات التي تفجرت في المنطقة واندلاع الحرب التنزانية ـ الأوغندية، بالإضافة إلى معاناة دول الإقليم من الجفاف وتدهور البنية التحتية، إذ لم يكن هناك أي خطوط سكك حديدية أو خطوط جوية، ولا خطوط اتصالات أو خدمات ملاحية مشتركة.
تجدد الحلم مرة أخرى في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1999عندما استضافت مدينة أروشا التنزانية لقاءً ثلاثيًا نجح فيه الزعماء بإبرام معاهدة إنشاء اتحاد اقتصادي وسياسي بين الدول الأعضاء تحت مسمى مجموعة شرق إفريقيا “East African Community“، واختصارًا تعرف بـ”EAC“.
دول مجموعة شرق إفريقيا
دخلت المجموعة حيّز التنفيذ في 7 من يوليو 2000، بعد التصديق عليها من الدول الشريكة الـ3 الأصلية (كينيا وأوغندا وتنزانيا)، وشهدت القمة الثامنة للتكتل التي انعقدت في 30 من نوفمبر 2006، انضمام بلدين هما بوروندي ورواندا، واستغرقت إجراءات دخولهما الفعلي في التكتل نحو عام كامل.
كما نجحت كينيا وأوغندا في ضمّ جمهورية جنوب السودان إلى الاتحاد بصورة رسمية في مارس/آذار 2016 في أثناء انعقاد الدورة الـ17 العادية للمجموعة، وبذلك أصبحت جنوب السودان العضو السادس في تكتل شرق إفريقيا.
أهداف التجمع
منذ الاجتماعات الأولى لانطلاق التكتل دخل قادة البلدان الثلاثة المؤسِسة له في مباحثات ومفاوضات مع بعضهم البعض ومع المنظمات القريبة في القارة السمراء مثل (مجموعة تنمية إفريقيا الجنوبية والكوميسا)، وغلب الشأن الاقتصادي والتبادل التجاري على تلك الاجتماعات.
وفي عام 2008 توصلت المجموعة إلى اتفاقٍ بشأن توسيع وزيادة سوق التجارة الحرة بين بلدان المنظمة الثلاثة، وأطلق التكتل سوقًا مشتركة للبضائع والسلع والعمل ورؤوس الأموال، بهدف إنشاء عملة موحدة، وفيدرالية سياسية عام 2015، يكون مقرها مدينة أروشا التنزانية التي شهدت أولى اجتماعات التجمع منذ أن كان فكرة.
قبل 5 أعوام، أي في العام 2013، وقّع زعماء دول التجمع الخمسة (كينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وبوروندي) على بروتوكولٍ يقضي باستخدام عملة نقدية موحدة في غضون عشر سنوات
كما نجح تجمع شرق إفريقيا في ترويج أنشطته التجارية في الأسواق التقليدية بأوروبا وأمريكا الشمالية، وكذلك في الأسواق الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية، وقد حققت مؤتمرات الاستثمار للتجمع التي تقام سنويًّا منذ عام 2008 نجاحًا كبيرًا في رفع الإمكانات الاقتصادية والفرص الاستثمارية في الدول الأعضاء، لا سيما بعد استضافة التجمع “المنتدى الاقتصادي العالمي لإفريقيا” عام 2010، الأمر الذي يبشر بجعل المنطقة محورًا رئيسيًّا للتجارة والسياحة والاستثمار العالمي.
وقَّع التجمع أيضًا ككتلة إقليمية موحَّدة اتفاقًا مع الاتحاد الأوروبي في أغسطس/آب 2014 والولايات المتحدة الأمريكية في فبراير/شباط 2015، بشأن الاستثمار ليصبح بعد ذلك في طليعة التكتلات الإفريقية الثلاثية (تجمع شرق إفريقيا والكوميسا وسادك) في مجال التنمية الاقتصادية؛ حيث وصل إجمالي حجم اقتصاد مجموعة شرق إفريقيا عام 2014 إلى 110 مليارات دولار أمريكي مقارنة مع عام 1999 (20 مليارًا)، فيما لا تزال الدول الأعضاء تسعى إلى إعداد خطط للبنية الأساسية عبر الحدود لجلب المزيد من الممولين المحتملين وأبرزهم الصين والهند.
عملة موحدة تنتظر التنفيذ
قبل 5 أعوام، أي في العام 2013، وقّع زعماء دول التجمع الخمسة (كينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وبوروندي) على بروتوكولٍ يقضي باستخدام عملة نقدية موحدة في غضون عشر سنوات.
وبموجب البروتوكول تسعى الدول الموقِّعة إلى إنشاء مؤسسات موحدة، تشمل بنكًا مركزيًّا وهيئة إحصاءات، تهتم في المقام الأول بدعم العملة الموحدة، وكذلك تنسيق السياسات النقدية والمالية، بحيث تقدِّم الدول الخمسة (كينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وبوروندي، إضافة إلى جنوب السودان) موازناتها السنوية في توقيت واحد، أي في شهر يونيو/حزيران من كل عام، كما حقق الاتحاد بعض أوجه النجاح من خلال سهولة تحويل عملات دول الأعضاء إلى عملات الدولة الأخرى، إلا أن خبراء يرون صعوبة تنفيذ البروتوكول كاملًا خاصة العملة الموحدة.
من بين الأهداف التي يضعها البروتوكول في الاعتبار أن تجتذب مجموعة شرق إفريقيا التي يقطنها 135 مليون نسمة وتتمتع بناتج محلي إجمالي يبلغ 84.7 مليار دولار الاستثمارات الأجنبية وأن تنجح في إنهاء اعتماد اقتصادات دول المجموعة على المساعدات الخارجية
أُبرم الاتفاق في منتجع “مونيونيو” بالعاصمة الأوغندية كمبالا، بعد محادثاتٍ شاقة استمرت عشر سنوات، وبموجبه تسعى الدول الموقعة إلى إنشاء مؤسسات موحدة، تشمل بنكًا مركزيًا وهيئة إحصاءات، تهتم في المقام الأول بدعم العملة الموحدة، حسبما أفاد البيان الصادر عن المجموعة آنذاك.
ويرى زعماء الدول الخمسة أن “البروتوكول” سيتيح الفرصة لتوحيد عملاتهم تدريجيًا”، متوقعين زيادة حجم التجارة الإقليمية، ولفتت الصحيفة إلى أن دول مجموعة شرق إفريقيا تهدف إلى تنسيق السياسات النقدية والمالية وإقامة بنك مركزي مشترك في إطار الاستعداد للاتفاق على عملة موحدة، بحيث تقدم الدول الخمسة ميزانياتها في توقيت واحد في شهر يونيو من كل عام.
ومن بين الأهداف التي يضعها البروتوكول في الاعتبار – بحسب وول ستريت جورنال – أن تجتذب مجموعة شرق إفريقيا التي يقطنها 135 مليون نسمة وتتمتع بناتج محلي إجمالي يبلغ 84.7 مليار دولار ـ الاستثمارات الأجنبية وأن تنجح في إنهاء اعتماد اقتصادات دول المجموعة على المساعدات الخارجية.
تأشيرة سياحية موحدة
مطلع العام 2013 نجحت نصف دول التجمع في إقرار تأشيرة سياحية موحدة ـ على غرار تأشيرة (شنغن) الأوروبية ـ تتيح للسياح دخول كل من كينيا وأوغندا ورواندا فيما يتوقع انضمام تنزانيا وبورندي قريبًا للاتفاقية التي ترمي إلى إنعاش سوق السياحة باعتبارها واحدة من القطاعات الاقتصادية المهمة لدول المنطقة التي تتمتع بمقومات سياحية جيدة خاصة لعشاق السفاري ورحلات الصيد، كما تعتقد دول المجموعة بأن الخطوة ستساهم أيضًا في إنشاء علامة تجارية جديدة للمنطقة بأكملها.
تشتهر الدول الثلاثة (كينيا وأوغندا ورواندا) بسياحة الحياة البرية، وتهدف من خلال التأشيرة المشتركة للمساهمة في السياحة البينية في المنطقة
وتبلغ تكلفة الحصول على التأشيرة الموحدة الجديدة للدول الثلاثة 100 دولار أمريكي، بينما تصل التكلفة الحاليّة للحصول على تأشيرة دخول كينيا وحدها 50 دولارًا أمريكيًا لشهر واحد، والمبلغ نفسه بالنسبة لأوغندا، بينما تفرض رواندا رسمًا قدره 30 دولارًا أمريكيًا لمعالجة طلب التأشيرة، أي ما يعادل مجموعه 80 دولارًا للتأشيرة المنفردة التي تسمح لحاملها بدخول رواندا فقط.
وتشتهر الدول الثلاثة (كينيا وأوغندا ورواندا) بسياحة الحياة البرية، وتهدف من خلال التأشيرة المشتركة للمساهمة في السياحة البينية في المنطقة، وإضافة قيمة إلى عروض المنتجات السياحية لهذه البلدان وأيضًا تسليط الضوء على التنوع السياحي في شرق إفريقيا.
التأشيرة السياحية الموحدة لدول شرق إفريقيا (كينيا ورواندا وأوغندا)
شركاء في مواجهة الكوارث
الأسبوع الماضي اجتمعت دول التكتل الستة في تنزانيا للتباحث في سبل مواجهة فيروس “الإيبولا” المنتشر في جارتهم جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تتشارك خمس دول من المجموعة في الحدود مع الكونغو، وإن لم تعلن دول شرق إفريقيا عن وجود أي إصابة بالفيروس حتى الآن.
وقال ممثلو المنظمة الإقليمية إن الدول الخمسة التي تتقاسم حدودًا مع جمهورية الكونغو تقوم بمبادلات تجارية كبيرة عبر الحدود، معتبرة أن هذا يجعل دول شرق إفريقيا في حالة تأهب مرتفعة خوفًا من انتقال الفيروس إليها.
ولذلك اتخذت المجموعة سلسلة من إجراءات السلامة تشمل الفحص السريع للأشخاص القادمين من الكونغو الديموقراطية واستنفار الطواقم الطبية وتعزيز توعية المراكز وقدرات السكان حسبما أفاد موقع فرانس 24.
تحديات تواجه تكتل شرق إفريقيا
رغم النجاحات التي حققتها منظمة شرق إفريقيا والطموح الكبير الذي يراود قادة المجموعة ومواطنيها، ما زالت تواجه تحديات جمة أهمها تحدي الاستقرار السياسي الذي يلعب دورًا كبيرًا في استمرار وحماية أي تكتل اقتصادي وتجاري من الإخلال بالالتزامات والاتفاقيات والقوانين.
هناك فجوة اقتصادية كبيرة بين الدول الستة؛ فبينما تشهد كينيا ورواندا وأوغندا نموًا اقتصاديًا لا بأس به، تعاني جمهورية جنوب السودان من المجاعات ونقص الغذاء
ثانيًا، التحديات الأمنية.. معظم دول القارة الإفريقية لا تزال تمر بمراحل انتقالية بين أنظمة عسكرية وأخرى ديكتاتورية قابضة على مفاصل السياسة وهو ما أبطأ مسيرة التعاون وعطّل بعض الاتفاقيات مثلما حدث لجنوب السودان وبورندي.
ثالثًا، مشكلات تتعلق بالنقل والمواصلات: لا تزال دول المجموعة في حاجة إلى مشروعات البنية التحتية “قطارات، طرق مسفلتة، خطوط ملاحية”، لتسهيل التبادل التجاري ونقل الركاب والسياح؛ ما يعني زيادة تكاليف النقل وتأخر وصول البضائع وحركة انتقال الأفراد.
رابعًا، هناك فجوة اقتصادية كبيرة بين الدول الستة؛ فبينما تشهد كينيا ورواندا وأوغندا نموًا اقتصاديًا لا بأس به، تعاني جمهورية جنوب السودان من المجاعات ونقص الغذاء ما يعني صعوبة الوصول إلى تفاهمات مشتركة في ملف التكامل الاقتصادي.
ومن المعلوم أن إنشاء السوق المشتركة والعملة الموحدة يسلتزمان وجود تقارب في المستوى الاقتصادي ووجود قدر معين من الإنتاج والصناعات لأن الاتفاقيات السياسية وحدها لا تكفي.
ولكل الأسباب المذكورة أعلاه، يصعب على دول مجموعة شرق إفريقيا التحول نحو اتحاد فيدرالي كامل ولكن يبقى التنسيق الأمني والسياسي بالإضافة إلى قيام السوق المشتركة والتأشيرة السياحية الموحدة إنجازًا يدل على إصرار دول المجموعة لتحقيق قدرٍ من الوحدة والتكامل.