قلق سعودي إزاء المفاوضات الجارية بين موسكو والدوحة بشأن تزويد الأخيرة بمنظومة “إس-400” الدفاعية، وصلت إلى التهديد بالقيام بعملية عسكرية ضد قطر إذا ما حصلت على تلك المنظومة، هذا ما أشارت إليه صحيفة “لوموند” الفرنسية في تقريرها الصادر أول أمس الجمعة وفق معلومات حصلت عليها من مصادرها الخاصة.
الصحيفة كشفت النقاب عن مضمون خطاب مرسل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعرب من خلاله عن “قلقه العميق” من امتلاك قطر لمنظومة الدفاع الروسية – التي تعد الأولى في مجال الدفاعات الصاروخية – على أمن المجال الجوي السعودي، محذرًا من التصعيد حال إصرار كل من الجانب القطري والروسي على إتمام تلك الصفقة.
ورغم تجنب كل من باريس والدوحة التعليق على ما ورد في الصحيفة الفرنسية، موسكو كان لها رأي آخر ربما كان صادمًا للسعوديين، ليبقى السؤال: بعد عام على الأزمة الخليجية التي انطلقت شرارتها الأولى في الـ5 من يونيو/حزيران العام الماضي، ما الذي يقلق الرياض من امتلاك القطريين لهذه التقنية العسكرية؟
ابتزاز سعودي
لم يتأخر رد الفعل الروسي حيال ما كشفته “لوموند” في تقريرها الأخير، فعلى لسان نائب رئيس لجنة شؤون الدفاع والأمن بمجلس الاتحاد الروسي ألكسيي كوندراتييف، أمس السبت قال إن موقف الرياض لن يؤثر على خطة موسكو لتوريد منظومات “إس 400” الصاروخية للدفاع الجوي للدوحة.
وأضاف أن روسيا تسعى إلى تحقيق مصلحتها من خلال توريد “إس 400” لقطر بجلب المال إلى ميزانية الدولة، فموقف السعودية لا علاقة له بالأمر، روسيا لن تغير نهجها، معتبرًا ما نسب للعاهل السعودي بشأن استعداد المملكة للقيام بعمل عسكري”ضد قطر إذا نصبت “إس-400” يمثل ظاهرة من ظواهر الابتزاز.
وأضاف: “من الواضح أن الرياض تلعب دورًا مهيمنًا في المنطقة، وأن تعزيز قدرات قطر العسكرية بفعل نشرها منظومات إس 400 الروسية سيتيح لها مزايا واضحة، ولذا نتفهم قلق السعودية”، مشددًا على أن موقف الرياض من شراء الدولة المنظومات الصاروخية الروسية تم تنسيقه مع الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن واشنطن لا تريد أن تفقد مكانتها في سوق الأسلحة الإقليمية، وستواصل الضغط على السعودية.
مناشدة سعودية لفرنسا بالتدخل لمنع تزويد الدوحة بمنظومة الصواريخ الروسية
حرب باردة
التهديدات السعودية بشن عملية عسكرية ضد قطر وصفتها الصحيفة الفرنسية بأنها أحد أعراض ما أسمته “الحرب الباردة” بين دول الخليج التي قاربت على عاملها الأول، إذ بات راسخًا في أذهان السعوديين أن صفقات التسليح التي أبرمتها قطر طيلة الفترة الماضية هي في المقام الأول لردع جيرانها بما يهدد استقرارهم، وهو ما أثار حفيظتهم بشكل واضح.
يذكر أنه بداية من النصف الثاني من عام 2017 وقعت الدوحة حزمة من عقود شراء معدات عسكرية وتسليحية، أبرزها عقدًا بقيمة 5 مليارات يورو لشراء 7 سفن حربية إيطالية ، و12 مليارًا إضافيًا مقابل 30 طائرة أمريكية من طراز F-15، و5 مليار دولار لشراء 24 طائرة مقاتلة بريطانية.
جهود حثيثة بذلتها الرياض وفريقها من دول الحصار لتجريد الدوحة من مقوماتها العسكرية كافة التي تستطيع من خلالها الدفاع عن نفسها، فبعد التلويح مرارًا وتكرارًا بشن عمليات عسكرية ضدها بداية الأزمة، دفعها حينها إلى الاستعانة ببعض حلفائها على رأسهم تركيا التي دشنت قاعدة عسكرية لها في قطر، غير أنه ومع مرور الوقت كان لا بد من تبني إستراتيجية جديدة تعتمد في المقام الأول على الاعتماد على النفس.
وبعد أشهر قليلة من بدء الحصار الذي تجاوز النظام إلى الشعب القطري نفسه، نجحت الدوحة في فتح آفاق جديدة من منافذ التسليح شرقًا وغربًا، استطاعت من خلالها بناء ترسانة قوية من الأسلحة المتقدمة، وهو ما أقلق جيرانها بصورة كبيرة، خاصة بعد إعلان سفير دولة قطر لدى موسكو فهد بن محمد العطية يناير الماضي، بدء مفاوضات الحصول على أنظمة الدفاع الصاروخية الروسية مع موسكو والتي تعد الأكثر تطورًا في هذا المجال.
خلال العام الأخير فقط تم تشغيل 65 مصنعًا في قطر، ما يعني أن أكثر من 5 مصانع جديدة يتم افتتاحها شهريًا منذ فُرض الحصار على البلاد
ماذا تبقى من آثار الحصار؟
راهنت السعودية وحلفاؤها (الإمارات والبحرين ومصر) على رضوخ الدوحة بعد أيام قليلة من إعلان المقاطعة، لذا جاءت المطالب الـ13 بلا سقف، ما دفع قادة الصف الأول في الدول الـ4 إلى التقليل من شأن الأزمة وأنها لن تستمر طويلاً بزعم عدم قدرة القطريين على تحمل الضغوط التي مورست ضدهم بشتى أنواعها، وصلت إلى محاولة عزلهم جغرافيًا عبر تحويل منفذ سلوى البري الحدودي إلى مجرى مائي.
غير أنه ومع مرور الوقت، لم تجن العواصم الـ4 ما كانوا يأملونه، فلم يتعرض جيرانهم للجوع والعطش، ولم ينقلبوا على نظامهم الحاكم رغم بث الفتنة مرارًا وتكرارًا، بل على العكس من ذلك استطاع القطريون كسر الحصار البري، من خلال فتح خط تنسيقي مع إيران وتركيا، للاستغناء عن البضائع السعودية التي كانت تغطي 80% من حاجة البضائع المستهلكة مدنيًا.
وبحريًا.. تم الاستغناء عن الموانئ الإماراتية، واستبدالها بالموانئ العمانية والباكستانية، وهناك دعم لتوسيع هذه الموانئ على المدى البعيد، وعلى صعيد المجال الجوي، ورغم إغلاق المجال الجوي للطيران أمام قطر الذي أرهقها، إلا أن القطريين تمكنوا من إيجاد مسارات تجارية واستهلاكية بديلة لها.
أما سياسيًا.. ففي الوقت الذي ساهمت فيه الأزمة في زيادة لحمة القطريين ونظامهم الحاكم، إلا أن في المقابل فقد خسرت دول الحصار كثيرًا أمام شعوبها وأمام العالم، بحيث تبين أن الحصار لم يكن أمرًا مبررًا، بل مؤامرة مدبرة لتنفيذ أجندة إقليمية تستهدف استئصال شأفة النظم المعارضة للتوجه العلماني الليبرالي الجديد في الشرق الأوسط، حسبما كشفت بعض التصريحات الأخيرة الصادرة عن مسؤولي الرباعي.
نجاح قطر في تجنب آثار الحصار أقلق الرباعي
اقتصاديًا.. وبحسب أحدث المعلومات الرسمية التي كشفتها الحكومة القطرية، فقد تبين أن الحصار شكل عاملًا معززًا للعملية الإنتاجية، حيث انتعشت القطاعات الزراعية والصناعية في البلاد لتعويض المنتجات الغائبة عن أسواق قطر التي كانت تأتي من دول الحصار الـ4.
رئيس اللجنة الفنية لتحفيز ومشاركة القطاع الخاص في مشروعات التنمية الاقتصادية القطرية خميس المهندي، كشف أنه خلال العام الأخير فقط تم تشغيل 65 مصنعًا في قطر، ما يعني أن أكثر من 5 مصانع جديدة تُفتتح شهريًا منذ فُرض الحصار على البلاد، وهو ما دفع المهندي إلى القول “قطر تتجه لسن قوانين من شأنها حماية المنتج الوطني” وذلك من أجل الحفاظ على الاكتفاء الذاتي في البلاد.
كما أن حجم الإنتاج في المزارع القطرية سجل زيادة في الفترة ما بين كانون الثاني/يناير 2017 إلى كانون الثاني/يناير 2018 بنسبة 300%، كما تم تحقيق اكتفاء ذاتي من الأسماك يصل إلى 80%، أما في مجال الخضروات والفواكه فقد أصبح ما بين 22% إلى 52%من حاجة السوق القطري يتم إنتاجه محليًا.
ما نسب للعاهل السعودي بشأن استعداد المملكة للقيام بـ”عمل عسكري” ضد قطر إذا نصبت “إس-400″، يمثل “ظاهرة من ظواهر الابتزاز”
صندوق النقد الدولي في تقرير له خلص إلى أن الأثر الاقتصادي والمالي المباشر على قطر نتيجة الحصار آخذ في التلاشي، مشيرًا إلى أن الاقتصاد القطري تمكن من تجاوز أي مخاطر، لافتًا إلى أن النظام المصرفي القطري تعافى من نزوح الأموال الذي حدث في بداية القطيعة الدبلوماسية وأن الاقتصاد من المتوقع أن ينمو 2.6% هذا العام 2018.
علاوة على ذلك فقد انخفض العجز المالي من الناتج الإجمالي المحلي إلى 6% عام 2017 مقارنة بـ 9.2 % في 2016، مع ارتفاع الاحتياطي النقدي بصورة ملفتة، نتيجة استمرار تحسن الميزان التجاري القطري حسبما كشفت التقارير البنكية الحديثة.
التهديد السعودي والعند الروسي ربما يقود إلى أزمة بين البلدين تعكس حقيقة الدور الذي تقوم به الرياض كورقة ضغط بأيدي واشنطن لتنفيذ أجندتها في المنطقة، في ظل انبطاح ولي العهد وتسليمه للإدارة الأمريكية في محاولة لتقديم أوراق اعتماده كخليف لوالده على عرش المملكة، بينما تسير الدوحة بعد عام من الحصار بخطوات ثابتة نحو تكريس إستراتيجية جديدة أكثر استقلالية وسيادة تستغنى فيها عن جيرانها بصورة تسمح لها بعدم الاكتراث حال دخول الأزمة مرحلة تجميد طويلة الأمد.