عقب انتهاء معركة غصن الزيتون التي خاضتها قوات من المعارضة السورية بدعم من الجيش التركي، ضد مليشيا سوريا الديموقراطية “قسد” في عفرين، حاولت الحكومة التركية مرارًا الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إتمام السيطرة على مدينة منبج الواقعة بريف حلب الشرقي، وتخضع لسيطرة مليشيا الوحدات الكردية المتمثلة بـ”قوات سوريا الديموقراطية”.
أسابيع على المباحثات الأمريكية التركية من أجل إيجاد حل يرضي كلا الطرفين، وعلى ما يبدو شارفت المباحثات على الانتهاء مع إعلان خريطة الطريق للمدينة.
وتنص خريطة الطريق الخاصة بمدينة منبج بحسب المسودة التي نشرتها وكالة الأناضول، إخراج مليشيا الوحدات من المدينة وغربي الفرات خلال شهر واحد فقط، ذلك حسب المعلومات التي وردت من مصادر مشاركة في مجموعة العمل التركية الأمريكية التي اجتمعت في العاصمة التركية أنقرة الأسبوع الماضي، وجرى الاتفاق النهائي خلال لقاء وزيري الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الأمريكي مايك بومبيو في الـ4 من يونيو/حزيران الحاليّ، وذلك في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتنص المرحلة الثانية من اتفاق مدينة منبج على تولي عناصر من الجيش والاستخبارات التركية والأمريكية مهمة مراقبة المدينة بعد 45 يومًا من الاجتماع، كما ستُصاغ آلية المراقبة بحسب ما تحتاجه المدينة.
مسؤول في الخارجية الأمريكية أمس الأربعاء: “الاتفاق مع تركيا يضمن انسحاب القوات الكردية من المدينة لتحل محلها قوات محلية، ليتم ذلك على عدة مراحل”
أما المرحلة الثالثة من الاتفاق تنص على تشكيل إدارة محلية في غضون 60 يومًا من إعلان الاتفاق، فيما سيتم تشكيل مجلسين الأول محلي والآخر عسكري، لتوفير خدمات المدينة من المجلس المحلي المدني، والمجلس العسكري ستكون مهمته توفير الأمن والسلام في المدينة، وحسب وكالة الأناضول من الممكن تغيير بعض بنود الاتفاق مع المحافظة على الخطوط العريضة منه.
فيما قال مسؤول في الخارجية الأمريكية أمس الأربعاء 6 من يونيو/حزيران الحاليّ: “الاتفاق مع تركيا يضمن انسحاب القوات الكردية من المدينة لتحل محلها قوات محلية، ليتم ذلك على عدة مراحل”، وأضاف “كل مرحلة يتم تنفيذها بعد الانتهاء من تنفيذ سابقتها وفي توقيت يعتمد على المعطيات التي ستتوفر على الأرض”، وأكد قائلاً: “لا يوجد إطار زمني دقيق لتنفيذ خريطة الطريق التي تم الاتفاق عليها بيننا وبين تركيا بشأن منبج والاتفاق إطار واسع تنقصه الكثير من التفاصيل التي سيتم بحثها والتوافق عليها لاحقًا من الجانبين”.
ومن الجانب التركي خلال التصريحات التي يدلي بها وزير خارجيتها، فإن هذا الاتفاق سيعالج تدهور العلاقات مع الجانب الأمريكي، حسب مولود جاويش أوغلو الذي قال خلال مائدة إفطار في ولاية أنطاليا: “خطواتنا التي سنتخذها (في منبج) مهمة من أجل مستقبل سوريا وفرصة لإعادة علاقاتنا المتدهورة مع الولايات المتحدة إلى مسارها، لذا يجب تنفيذ الخريطة بالكامل”.
فيما تبدو تركيا متمسكة بالسيطرة على المدينة في شتى الأحوال ولو كان استعطافًا للولايات المتحدة الامريكية، لتحقيق أمنها القومي حسب قول الحكومة التركية التي تتجلى بطرد مليشيا الوحدات من المناطق القريبة من حدودها مع سوريا.
كما كانت التصريحات تتضمن السيطرة على المدينة ومن الممكن خوض مباحثات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن مناطق أخرى في شرق الفرات، حسب قول وزير الخارجية التركي الثلاثاء 5 من يونيو/حزيران الحاليّ: “سنقوم بتطبيق خريطة الطريق في منبج وعقب ذلك سنباشر بتطبيقها في مدن أخرى، وعندها سيتضح الموقف الأمريكي”.
الولايات المتحدة الأمريكية ترفض قطعًا وجود أي قيادي من الفصائل التي تغلب عليها النظرة الإسلامية أمثال أحرار الشام والجبهة الشامية، حيث ينخرط في صفوفهما عدد من المقاتلين الذين ينحدرون من مدينة منبج
ومن الممكن أن تخوض تركيا العديد من الاتفاقات في حال نجحت خريطة الطريق للسيطرة على مدينة منبج، حيث تسيطر مليشيا الوحدات الكردية على المناطق المحاذية لتركيا من شرق جرابلس الحدودية إلى الشمال الشرقي من سوريا قرب الحدود العراقية.
ممن ستتكون الإدارة المدينة والعسكرية في منبج؟
خريطة الطريق التي أشار لها وزير الخارجية التركي ونظيره الأمريكي، واضحة جدًا، وستستلم القوات التركية والأمريكية نقاط المراقبة في المدينة، لمدة معينة حسب ما طرح في الأعلى، وبعد ذلك ستأخذ المدينة مدة 60 يومًا لتشكيل مجلس عسكري وآخر محلي لتدبر أمور المدينة.
الإدارة العسكرية
الولايات المتحدة الأمريكية ترفض قطعًا وجود أي قيادي من الفصائل التي تغلب عليها النظرة الإسلامية أمثال أحرار الشام والجبهة الشامية، حيث ينخرط في صفوفهما عدد من المقاتلين الذين ينحدرون من مدينة منبج.
أما عن فصائل درع الفرات فمن المرجح أنه لن يكون لها دور فاعل في المنطقة، بسبب اكتسابها سمعة سيئة لدى الدول الخارجية نتيجة حملات السرقات التي اجتاحت منازل المدنيين في عفرين كما أنهم لا يستطيعون ضبط أمن مناطقهم، فكثيرًا ما شهدت عفرين بعد تحريرها نزاعات مسلحة بين فصائل ينتمون لغرفة عمليات درع الفرات.
من الناحية المدنية فإن القوات التركية والقوات الأمريكية باستطاعتها ضبط الأمن في المدينة، من خلال انتشار قواعد المراقبة وجهات مدنية كما أن التجربة التركية في استتباب الأمن في مناطق درع الفرات لاقت النجاح
وبالنسبة لمجلس منبج العسكري التابع للوحدات فتركيا لا تقبل به، فيما تحدثت مصادر لـ”نون بوست” أن لواء المعتصم المدعوم أمريكيًا من الفصائل المطروحة لاستلام إدارة المدينة عسكريًا، فيما ذكر المصدر أن جيش الإسلام الذي انتقل من الغوطة الشرقية من الفصائل المطروحة لإدارة المدينة عسكريًا، وخاصةً أنه يمتلك جيشه الكامل في مناطق درع الفرات وكان قد رفض الانتقال إلى عفرين.
الإدارة المدنية
أما من الناحية المدنية فإن القوات التركية والقوات الأمريكية باستطاعتها ضبط الأمن في المدينة، من خلال انتشار قواعد المراقبة وجهات مدنية، كما أن التجربة التركية في استتباب الأمن في مناطق درع الفرات لاقت النجاح، ويمكنها تأمين المدينة من خلال مراكز الشرطة التي فعلتها في مناطق درع الفرات، والتعليم وإصلاح المراكز التعليمية، وتفعيل المكاتب الخدمية والطبية.
وتتمثل الإدارة المدنية بالمجلس المحلي الذي يكون كالسلطة الوحيدة في المنطقة بأخذ قراراتها، وتنفيذ المهام التي تحتاجها المدينة، ويكون المجلس قد اُنتخب من أبناء المدينة وأفضلها عملًا، وفي ذلك يجب أن يكون سجله السابق خاليًا من اتصاله بالوحدات للعمل في المجلس.
هل بدأت الوحدات بالانسحاب؟
فور إعلان مسودة خريطة الطريق لمدينة منبج غيرت الوحدات في المدينة أعلامها وشعاراتها على الألبسة العسكرية والعربات التي تمتلكها في المنطقة، كما أزالت الوحدات شعارات الفصائل المنضوية تحت مليشيا سوريا الديموقراطية في المنطقة ووضعت شعار مجلس منبج العسكري.
أصدر المجلس العسكري في مدينة منبج الذي يتبع للوحدات الكردية بيانًا صحفيًا عبر فيديو يتحدث عن التفاهم التركي الأمريكي ليبين أنهم لم يُبلغوا إلى الآن بمحاور التفاهمات التي أُعلن جزء منها
وذكرت مصادر مطلعة أن قياديين من الوحدات الكردية بدأوا بالخروج من مدينة منبج، وتوجه المغادرون إلى مدينة عين العرب (كوباني) شمالي سوريا شرق نهر الفرات، وقسم آخر توجه إلى بلدة عين عيسى.
وأصدرت الوحدات الثلاثاء 5 من يونيو/حزيران الحاليّ، بيانًا تتحدث فيه عن عملها داخل مدينة منبج، حيث جاء في البيان، أن وحدات حماية الشعب تلقت دعوة من مجلس منبج العسكري للقيام بحملة عسكرية لتحرير مدينة منبج من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الربع الأول من العام 2016.
وأضاف البيان: “بعد تحرير المدينة، أعلنت قواتنا تسليم زمام الأمور في منبج لمجلسها العسكري بتاريخ 16/11/2016، الذي كان يتطلب منه تقديم الدفاع والحماية للمدينة، حيث انسحبت قواتنا من المدينة، عبر بيان رسمي علني”.
وذكر البيان “بناء على طلب مجلس منبج العسكري بقيت مجموعة من المدربين العسكريين من قوات وحدات حماية الشعب في منبج بصفة مستشارين عسكريين لتقديم العون للمجلس العسكري في مجال التدريب”.
واستمر عمل المستشارين من ذلك الحين إلى الآن، وبعد مضي أكثر من سنتين ووصول مجلس منبج العسكري إلى الاكتفاء الذاتي في مجالات التدريب، قررت القيادة العامة لوحدات حماية الشعب سحب مستشاريها العسكريين من مدينة منبج، بحسب البيان.
خلال زيارات سابقة لمسؤولين في التحالف الدولي لمدينة منبج، ظهرت مدى صعوبة إخراج الوحدات الكردية، من المدينة
وفي السياق أصدر المجلس العسكري في مدينة منبج الذي يتبع للوحدات الكردية بيانًا صحفيًا عبر فيديو يتحدث عن التفاهم التركي الأمريكي ليبين أنهم لم يُبلغوا إلى الآن بمحاور التفاهمات التي أُعلن جزء منها.
وخلال زيارات سابقة لمسؤولين في التحالف الدولي لمدينة منبج، ظهرت مدى صعوبة إخراج الوحدات الكردية من المدينة، وأجرى المسؤولون في التحالف الدولي ثلاثة لقاءات مع مجلس منبج العسكري خلال الأسبوعين الماضيين، بهدف سير الاتفاق وخروج الوحدات الكردية من المدينة، إلا أن الوحدات تنوي إبقاء أكبر عدد من قواتها، خاصة القادة المؤثرين الذين كان لهم دور فاعل في المدينة، ولكن حسب قول الوحدات إنها سحبت قواتها كافة، فالسؤال الآن: هل قامت الوحدات بسحب قواتها أم أنها حولتهم إلى عناصر في مجلس منبج العسكري الذي هو أساسًا يتكون من قواتها؟!
يذكر أن ميليشيا الوحدات المتمثلة بقوات سوريا الديموقراطية وبدعم من التحالف الدولي سيطرت على مدينة منبج بعد أكثر من شهرين من المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، حيث انطلقت الحملة للسيطرة على المدينة في 1من يونيو/حزيران 2016، فيما انتهت مع انسحاب عناصر التنظيم نحو جرابلس في 15 من أغسطس/آب 2016.